الواجهة الرئيسيةشؤون عربية
هل ستحصل تونس على الدعم المالي المنشود من الإمارات والسعودية؟
البنك المركزي يؤكد إجراء محادثات متقدمة مع البلدَين لتمويل موازنة الدولة بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية

تونس- فاطمة بدري
أعلن البنك المركزي التونسي، الإثنين الماضي، أن تونس بصدد القيام بمفاوضات متقدمة مع السعودية والإمارات؛ لمساندة اقتصادها الذي يواجه صعوبات كبيرة وفي ظل تراجع كبير في احتياطي النقد الأجنبي وتخفيض وكالة “موديز” للتصنيف الائتماني التصنيفَ السيادي لتونس من B3 إلى Caa1، مع نظرة مستقبلية سلبية. إعلان يأتي بعد أيام قليلة من تشكيل الحكومة، التي تواجه أزمات عديدة على جميع الأصعدة خلفتها سنوات حكم الإسلاميين العشر في البلاد، من شأنه أن يبعث برسائل طمأنة للتونسيين الخائفين من انزلاق البلاد تدريجياً نحو الإفلاس؛ لا سيما أن أبوظبي والرياض قد أعلنتا في أكثر من مناسبة دعمهما الرئيس قيس سعيد وإجراءاته. ولكن يبقى إقدام البلدَين على تمويل الموازنة المالية في تونس رهن مخرجات المحادثات الجارية بينهما وتونس، ورهن الضغوط المسلطة على سعيد من بعض القوى الكبرى على غرار الولايات المتحدة الأمريكية.
اقرأ أيضاً: كارثة تونس الصحية تتفاقم.. الإمارات والسعودية في مقدمة الداعمين
وقال المدير العام للتمويل والدفوعات الخارجية في البنك المركزي التونسي عبدالكريم لسود، في تصريحات، الإثنين الـ19 من أكتوبر الجاري، لإذاعة محلية “سيتم فتح الباب لتعبئة موارد الدولة عن طريق التعاون الدولي”، مشيراً إلى وجود “نقاشات متقدمة جداً مع كل من السعودية والإمارات؛ من أجل تعبئة موارد الدولة، إضافة إلى ضرورة تطوير التعاون الثنائي مع الجزائر”. ولم يحدد لسود طبيعة المحادثات الجارية بين الجانبَين أو القيمة المالية التي يجري التفاوض بشأنها.
وكانت الإمارات والسعودية قد أعربتا، في أكثر من مناسبة، عن دعمهما تونس والرئيس سعيد منذ إعلان قراراته الاستثنائية التي تم بمقتضاها تجميد البرلمان وإقالة الحكومة التي تسيطر عليها حركة النهضة وحلفاؤها. وتحدث سعيد مراراً عن دعم آتٍ من دول صديقة دون ذكر الأسماء؛ ولكنّ المتابعين للشأن التونسي ذهبوا للقول إن سعيد يعني بكلامه كلاً من السعودية والإمارات والجزائر.

لم تُقدِم السلطات التونسية وكذلك الإماراتية والسعودية على تقديم أي تفاصيل عن فحوى المفاوضات وتاريخ انطلاقها ولا شروط تفعيلها، عدا تصريح وحيد لوزير المالية السعودي لـ”الشروق اقتصاد”، قال فيه: “إن المملكة دعمت وستستمر في دعم تونس وشعبها الشقيق”.
الخيار الأنسب
الخبير الاقتصادي التونسي رضا الشكندالي، يرى أن الحل الأنسب في ظل الظروف الراهنة في تونس هو الاقتراض من الدول الصديقة، كما وصفها سعيد؛ لكنه حذر من بعض العقبات التي قد تحول دون تقديم بعض هذه الدول يد العون لتونس؛ خصوصاً دول الخليج العربي.

وقال الشكندالي لـ”كيوبوست”: ليس أمام تونس الكثير من الخيارات في هذا الظرف الدقيق؛ لأن طرق باب صندوق النقد الدولي للحصول على تمويلات جديدة غير مضمون حالياً، كما أنه في حال حدوثه تحتاج البلاد إلى أشهر عديدة من المفاوضات، حتى يتسنى لها تسلم الأموال. ولهذا سيبقى أمامها خياران؛ الأول هو الاقتراض وطلب الدعم من دول الخليج، خصوصاً السعودية والإمارات، وهذا ممكن مبدئياً نظراً لمواقف هذه الدول وحديثها عن استعدادها لدعم تونس منذ أحداث الـ25 من يوليو، وهو خيار مهم؛ لأنه في حال حدوثه سيجري بسرعة، وهذا ما تحتاج إليه تونس في الظرف الراهن؛ التحرك السريع. والأهم من هذا هو الضغط الأمريكي المسلط على قيس سعيد بعد إجراءاته الأخيرة، ما قد يعطل الحصول على هذا التمويل.
وأضاف الشكندالي: أعتقد أنه وفي ظل الظروف الراهنة التي تمر بها البلاد والتي تتطلب تدخلاً عاجلاً من الدول الصديقة، فإنني أرى أن على تونس أيضاً التوجه إلى الجزائر وليبيا الجارتَين اللتين تتداخل مصالحهما مع تونس بشكل أو بآخر، ولا بد أن يتم استغلال زيارة الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون، إلى تونس، المقررة قريباً؛ من أجل الاتفاق بهذا الشأن.
اقرأ أيضاً: مستقبل الأوضاع في تونس بعد قرارات “سعيد” الاستثنائية
أزمة خانقة
وتعيش تونس على وقع أزمة اقتصادية خانقة، ستحاول الحكومة الجديدة التي تم تشكيلها مؤخراً التحرك سريعاً لإيجاد حلول للكثير من الملفات العالقة؛ خصوصاً المرتبطة بتمويل الموازنة ومواجهة الديون التي بلغت أرقاماً قياسية، واستعادة توازن المالية العامة؛ إذ تحتاج تونس هذا العام إلى ما لا يقل عن 3.5 مليار دولار لتمديد أجل الديون الخارجية ودفع رواتب مئات الآلاف من الموظفين في القطاع العام.
وقال البنك الدولي، في تقرير نشره قبل أيام، إن ديون تونس الخارجية ارتفعت بشكل لافت خلال عام 2020؛ نتيجة تداعيات جائحة كورونا. وأوضح التقرير أن إجمالي ديون تونس الخارجية تجاوز عتبة الـ40 مليار دولار هذه السنة، في حين بلغ في العام الماضي قرابة 41 مليار دولار، مقابل 39.3 مليار دولار في عام 2019.

وتعاني المالية العامة التونسية وضعاً صعباً للغاية؛ إذ يتوقع أن يبلغ العجز المالي 11.5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي العام الماضي؛ وهو الأعلى منذ الاستقلال. وتهدف موازنة 2021 إلى خفض العجز المالي إلى 6.6 في المئة.
وتسعى تونس للحصول على قرض جديد بقيمة 4 مليارات دولار من الصندوق؛ حتى تتسنى لها مواجهة الأزمة الاقتصادية الحادة، التي خلفتها التجاذبات السياسية المستمرة على مدار عشر سنوات وعدم امتلاك الطبقة الحاكمة طيلة هذه السنوات برامج اقتصادية واضحة وصعودها للحكم بوعود كاذبة لا غير، وفاقمت جائحة كورونا الوضع أكثر؛ لا سيما أنها تزامنت مع فترة عدم استقرار سياسي.
ويريد المانحون الأجانب من تونس إجراء سلسلة من الإصلاحات الاقتصادية الموثوقة التي من شأنها أن تقلل الدعم وفاتورة رواتب القطاع العام وإصلاح مؤسسات الدولة الخاسرة، وبالتالي الحد من العجز والديون.

وفشلت الحكومات السابقة في وضع تصورات اقتصادية ناجحة، واتجهت على مدار السنوات العشر إلى التداين؛ من أجل خلاص الرواتب، دون أي تصورات لخلق مشروعات أو استثمارات من شأنها أن تخلق موارد جديدة تساعد البلاد على مجابهة ضغوط الدائنين، كما فشلت في تنفيذ الإصلاحات التي تعهدت بها، فلم يتسنَّ لها الحصول على بقية القرض من صندوق النقد الدولي.
اقرأ أيضاً: هل يمضي سعيد لتغيير النظام السياسي التونسي؟
ويبدو أن تشكيل الحكومة شجَّع الجهات المانحة على التحرك مجدداً للحديث مع تونس بعد أن توقفت المحادثات معهم منذ إجراءات الـ25 من يوليو الاستثنائية على غرار صندوق النقد الدولي. والثلاثاء الـ20 من أكتوبر، قال مسؤول كبير في صندوق النقد إن “الصندوق على اتصال بالسلطات التونسية بعد تشكيل حكومة جديدة الأسبوع الماضي، ومن المتوقع إجراء المزيد من المحادثات قريباً بشأن نوع المساعدات التي تحتاج إليها الدولة التي تعاني ضائقة مالية”.
يُذكر أنه وبعد مفاوضات شاقة، استطاعت تونس في 2016 الحصول على موافقة صندوق النقد على قرض بقيمة 2.8 مليار دولار؛ ولكنها لم تنجح في تنفيذ الإصلاحات المتفق عليها، ولهذا تحصلت فقط على نصف هذا المبلغ.