الواجهة الرئيسيةشؤون دوليةشؤون عربية
هل تنعكس “حادثة الكنيسة” سلباً على المهاجرين في إسبانيا؟
مراقبون يعولون على وعي المجتمع الإسباني وآخرون يحذِّرون من تصاعد الخطاب اليميني المتطرف ضد المهاجرين

كيوبوست – حسن الأشرف
جددت الحادثةُ التي شهدتها -قبل أيامٍ خلَت- كنيستان في الجزيرة الخضراء جنوبي إسبانيا، بعد هجوم مهاجر شاب غير نظامي من أصل مغربي على هاتين الكنيستين، قتل على إثرها شماساً إسبانياً بواسطة ساطور، وخلف خسائر مادية أخرى، (جددت) الانتقادات والتصريحات المعادية لليمين المتطرف في هذا البلد ضد فئة المهاجرين والمسلمين.
وأوردت معطيات الشرطة الإسبانية أن منفذ الهجوم على الكنائس هو شاب مغربي يدعى ياسين (ق)، من مواليد سنة 1997 في المغرب، وأنه دخل إلى إسبانيا بطريقةٍ غير نظامية، وبأنه كان ينتظر الترحيل إلى بلده الأصلي لعدم توفره على الوثائق القانونية للإقامة في إسبانيا، كما أن سجله العدلي خال من الجرائم.
اقرأ أيضاً: أوروبا تعترف للمغرب بمحاصرة الظاهرة الإرهابية
وسرعان ما شحذت أحزاب اليمين المتطرف في إسبانيا أسلحتها ضد المهاجرين، من قبيل حزب فوكس الذي طالب صراحة بطرد المهاجرين المقيمين في إسبانيا، ونعتهم بأوصافٍ لاذعة، متهماً إياهم بارتكاب الجرائم والشرور كافة في البلد الذي احتضنهم، وهي التصريحات التي لاقت رفضاً من طرف اليسار الحاكم في البلاد.
ويخشى البعض من أن ينعكس مثل هذا الحادث بشكلٍ سلبي على وضعية المهاجرين المغاربة أو العرب والمسلمين في إسبانيا أو أوروبا، وعودة خطاب العنصرية والكراهية ضد هذه الفئة، لكن محللين يرون أن هذا الأمر مستبعد بالنظر إلى العديد من الاعتبارات.
فعل يائس

الدكتور أحمد نور الدين، خبير في العلاقات الدولية، يستبعد تأثير ما حصل على وضع الجالية المغربية أو المسلمة بصفةٍ عامة في إسبانيا، بناء على مؤشرين رئيسين: الأول هو أن أكبر عملية إرهابية تعرضت لها إسبانيا كانت سنة 2004 وراح ضحيتها حوالي 190 قتيلاً، ورغم ذلك فإن نتائج التصويت في الانتخابات التشريعية الموالية سنة 2008 أبقت الاشتراكيين في سدّة الحكم لفترة ثانية، علماً بأن اليسار الأوروبي -إلى جانب الخضر- هم الأقل تشدداً مع المهاجرين، ولو كان للعملية تأثيرٌ مباشر لكان التصويت لليمين أو اليمين المتطرف.
والمؤشر الثاني، وفق تصريحات نور الدين لـ”كيوبوست”، هو أنه في 2017 شهدت برشلونة عملية إرهابية راح ضحيتها 13 قتيلاً، وكان اليمين في السلطة، ولكن نتائج الانتخابات التشريعية بعد أقل من سنة توجت اليسار سنة 2018، ولم تأتِ بأحزابٍ تروج لأيديولوجيا كراهية الأجانب أو كراهية المهاجرين.
اقرأ أيضاً: فيديوغراف… لماذا يجب على إسبانيا محاربة التطرف الإسلامي
بناء على هذه المعطيات، يتابع الخبير نفسه، يمكن القول بأن الشعب الإسباني نسبياً ليست له ردود فعل متطرفة إزاء العمليات الإرهابية، وربما لديه نوع من الوعي يكفي للتمييز بين الأغلبية الساحقة من الجالية المغربية أو المسلمة التي تحترم قوانين وثقافة بلد الاستقبال، وبين أقلية أو حالات شاذة من الأفراد الذين يتم تجنيدهم لخدمة أيديولوجيات متطرفة، أكثر ضحاياها من المسلمين أنفسهم، حيث تؤكد مراكز الإحصاء عبر العالم أن 90 في المائة من ضحايا الإرهاب هم من المسلمين.
ويرى المحلل ذاته أنه “بالنسبة للعملية الأخيرة في الكنائس جنوب إسبانيا، وإن كان القضاء هو من سيحسم الأمر، لكن لا تبدو أن لها علاقة مباشرة بأيديولوجيا الإرهاب، بل هي أقرب إلى عمل فردي بدوافع شخصية، كما قد تكون مجرد رد فعل يائس من مهاجر في وضعية غير قانونية، كانت السلطات الإسبانية بصدد إجراءات ترحيله”.

أحكام جاهزة ضد “المورو”
ويكمل نور الدين تحليله “مع ذلك، فهناك أحزاب متطرفة ستصطاد في الماء العكر، وتحاول استغلال الحادثة لزيادة شعبيتها، مثل حزب فوكس الذي استغل هذه الحادثة لإطلاق تصريحاتٍ معادية للإسلام والمهاجرين عموماً، كما سارعت جهات متطرفة أخرى إلى كتابة عبارات “الموت للإسلام” و”الموت للمغاربة” على جدران مساجد في مناطق إسبانية متفرقة، منها برشلونة بعد الحادثة مباشرة”.
ولم يستبعد الخبير نفسه ردود فعل شخصية لدى فئاتٍ إسبانية، تحمل في مخيالها الجمعي ما يكفي من الأحكام الجاهزة ضد “المورو” (أي المغاربة) منذ عهد حروب الاسترداد، ووصية الملكة إيزابيلا الكاثوليكية في القرن الخامس عشر، إلى الحرب الإسبانية الأهلية في القرن العشرين، والتي تم فيها إقحام المغاربة من طرف الجنرال فرانكو، بالإضافة إلى التوتر الدائم الذي يخلقه استمرار احتلال سبتة ومليلية وبقية الجزر الإحدى عشرة.
اقرأ أيضاً: 3 مجالات ميزت سياسة إسبانيا لمكافحة التطرف
وتابع نور الدين “من هذه الزاوية، نعم هناك تزايد للإسلاموفوبيا عموماً، ولكراهية المغاربة خصوصاً لدى بعض الفئات الإسبانية، ومن مظاهرها المحزنة تزايد الاعتداءات العنصرية على المساجد والمصليات مثل ما وقع سنة 2021 في مسجد “كابيزو دي توريس” الذي دنست جدرانه وألقى المهاجمون بجانبه رأس خنزير، وفي يونيو 2021، قتل المغربي يونس بلال وعمره لم يتجاوز 35 ربيعاً عبر إطلاق رصاصات عليه في مورسيا بدوافع عنصرية، وخلال الشهر نفسه، تعرض مؤمن قتيبي، مغربي آخر، لهجومٍ بشع من قبل عنصري هشم رأسه بقضيبٍ حديدي.
ولفت نور الدين إلى أن “ما يحدث في أماكن أخرى من حرقٍ أو تدنيس للقرآن الكريم كلها جرائم بدافع الإسلاموفوبيا، والعنصرية، ولا تحتاج إلى حوادث جديدة لإذكائها، لأن هناك أرضية قابلة للكراهية تنبغي معالجتها بشكلٍ مستعجل”، مورداً أن منظماتٍ أوروبية محايدة وثَّقت آلاف الاعتداءات على المسلمين وأماكن عبادتهم خلال عامٍ واحد، وهذا يستدعي تحركاً من الحكومة الإسبانية والحكومات الأوروبية عموماً لسنِّ قوانين مناهضة للعنصرية، والإسلاموفوبيا، كما تم من قبل مع قوانين مناهضة السامية.
تأجيج سياسي
من جانبه، يقول الدكتور خالد شيات، المحلل والأستاذ بجامعة وجدة، إن هجوم الشاب المغربي المهاجر كان بشكلٍ انفرادي وغير منضبط أو تابع لأية جماعة أو تيار، بل كان فعلاً شاذاً ومنعزلاً يشبه العديد من الهجمات والاعتداءات التي شهدتها أوروبا.

وأوضح شيات، في تصريحاتٍ لـ”كيوبوست”، بأن ما حصل في الكنيسة الإسبانية يكاد يشبه هجمات وقعت في أوروبا ضد مهاجرين عرب ومسلمين، آخرها كان في فرنسا ذهب ضحيتها أشخاص من جنسيات غير أوروبية، وكيفت باريس ذلك بأنها أعمال عدائية صادرة عن شخص يعاني من اضطرابات نفسية.
شيات استرسل بأن “الأمر ينطبق على هذ الحادث في الكنيسة الإسبانية، لأنه لا يندرج -حسب رأيي- ضمن الأعمال الإرهابية المحضة، حيث يصعب إثبات نية الفعل الإرهابي، حيث إن الأكثر ترجيحاً هو أنه عمل يدخل في خانة الاضطراب النفسي المعزول عن أي تنظيم أو استهداف أو تخطيطٍ ذي طبيعة إرهابية”.
اقرأ أيضاً: لماذا تعمد أوروبا إلى محاصرة الهيئات الممثلة للجاليات الإسلامية؟
ولفت المتحدث ذاته إلى أنه من ناحيةٍ أخرى يلجأ اليمين المتطرف في إسبانيا وأوروبا عموماً إلى التأجيج السياسوي بتصدير الخطاب العنصري ضد المهاجرين والمسلمين، خصوصاً في المرحلة الانتخابية لأغراض سياسية بحتة”.
ووفق شيات، فإن هذا الخطاب الذي يقدمه “حزب فوكس” وباقي أحزاب اليمين الإسباني هو خطاب ذو طبيعة سياسية، وخطاب استعدائي ضد كل ما هو أجنبي وما هو خارجي، ولكل ما يتعلق بالمهاجرين، مشيرا إلى أن “أدبيات أحزاب اليمين المتطرف في أوروبا عادة ما تمجد القيم الهوياتية الوطنية الذاتية، والمتشرنقة والمنطوية على نفسها”.