الواجهة الرئيسيةشؤون دولية
هل تنجح جهود الرئيس الصيني في وقف الحرب الأوكرانية؟

كيوبوست- سلمان إسماعيل
ترسل زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ، إلى روسيا، رسالة قوية عن اقتراب نهاية عالم الأحادية القطبية، وتدشين عالم متعدد الأقطاب؛ تتموضع فيه بكين باعتبارها صانعة سلام، وراعية لجهود الوساطة وحل النزاعات بالقنوات والسبل الدبلوماسية بديلاً عن الحرب؛ وهو أمر يقلق الولايات المتحدة، التي يعتبرها محللون تحدثوا إلى “كيوبوست”، ترتكب خطأ استراتيجياً عبر تجاهلها هذه الحقيقة. كان شي قد أعلن من موسكو أن بكين ستواصل إعطاء الأولوية للعلاقات الاستراتيجية مع روسيا، واصفاً البلدَين بأنهما قوتان كبريان؛ ليعبر بذلك عن توافقه مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، والوقوف صفاً واحداً في مواجهة الغرب وفي خضم الحرب في أوكرانيا، واعتبر شي أن زيارته تنطوي على منطق تاريخي “لأننا أكبر قوتَين كبريَين جارتَين، ونحن شريكان استراتيجيان على كل المستويات”.
اقرأ أيضاً: بوتين يشيد بالمبادرة الصينية بشأن أوكرانيا
ودعا شي نظيره الروسي إلى زيارة الصين هذه السنة، في تجاهل واضح لمذكرة التوقيف التي أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية بحق بوتين.

من جانبه، أوضح أستاذ العلاقات الدولية في جامعة سيفاستوبول، الدكتور عمار قناة، أن زيارة الرئيس الصيني ليس الهدف منها تسوية الصراع الروسي- الأوكراني فقط؛ لكنه أحد الملفات المطروحة للنقاش. والزيارة هي الأولى بعد انتخاب شي رئيساً للمرة الثالثة، وتعبر بشكل واضح عن أهمية وعمق العلاقات الاستراتيجية بين البلدَين. ويمكن القول إنها بُنيت على الأخطاء الاستراتيجية للولايات المتحدة؛ نتيجة التصعيد العسكري مع روسيا من ناحية، والتصعيد السياسي والتجاري مع الصين من ناحية أخرى.

وأضاف قناة، في حديثه إلى “كيوبوست”، أن المبادرة الصينية للتسوية السياسية في أوكرانيا واضحة، ويمكن الحديث عنها كإطار شامل؛ لكنها قوبلت بفتور من الولايات المتحدة ومعظم القوى الغربية، ما يدل على عدم قبول الصين كوسيط من قِبل المنظومة الغربية، ورغبة في مواصلة التصعيد، لافتاً إلى أن هذه الزيارة بداية لتأطير شكل ونمط جديد من العلاقات الدولية الجديدة للعالم متعدد الأقطاب، والذي لا يتناسب مع المصالح الجيوستراتيجية الأمريكية والغربية بشكل عام.
وأوضح أستاذ العلاقات الدولية أن المنظومة الغربية بقيادة واشنطن، ستحاول وضع العراقيل أمام أية تسوية، عن طريق التوسع في فرض العقوبات الاقتصادية، وغيرها، متابعاً: لدينا عام من اختبار قوة الغرب في تحجيم دور روسيا وعزلها عن المجتمع الدولي، ونحن أمام واقع جيوسياسي لا يمكن الخروج عنه؛ خصوصاً أن مفهوم المجتمع الدولي الكامل غاب عن المشهد، وانقسم إلى الولايات المتحدة وأوروبا، والمجتمع الآخر.

وواصل قائلاً: نرى اليوم أن كل محاولات عزل روسيا باءت بالفشل، ولا أعتقد أن واشنطن سوف تطور هذا النمط مع الصين؛ بسبب العلاقات الاقتصادية، في وقت تسيطر فيه المخاوف والتحديات المالية والأزمات الاقتصادية الواضحة على الولايات المتحدة، ومع ذلك نرى أيضاً أن الغرب يمد أوكرانيا بالسلاح؛ بسبب عدم وجود خيارات أخرى غير السبيل العسكري، وانعدام الرؤية الاستراتيجية في دوائر السياسة الأمريكية.
وأشار قناة إلى أن الولايات المتحدة لن توافق حتى على هدنة؛ لأنها تراها تصب في مصلحة روسيا، وأيضاً مواصلة المحاولات لإضعاف روسيا عسكرياً واقتصادياً؛ وهو منظور تكتيكي لا استراتيجي، فالتاريخ يقول إن من الأخطاء الاستراتيجية الوقوف ضد قطبَين كبيرَين في نفس الوقت.
اقرأ أيضاً: هل يصمد دعم الصين لروسيا مع تنامي الإدانة الدولية لحرب أوكرانيا؟
وأكد أن استمرار النهج الأمريكي في التعاطي مع الأزمة الأوكرانية بهذا الشكل يمثل خطورة كبيرة على الولايات المتحدة كقطب جيوسياسي، وسط انقسامات في الداخل الأمريكي حول طريقة التعامل مع الصراع، وكذلك تباين المواقف داخل حلف الناتو، منوهاً بأن أوكرانيا باتت مكباً للنفايات العسكرية الغربية، والتخلص من الأسلحة القديمة، على أمل حصول بعض الدول على مساعدات من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.
وقالت الإعلامية والمحللة السياسية الصينية، مو يي: إن الصين مستعدة لمواصلة لعب دور بناء في تعزيز التسوية السياسية للأزمة الأوكرانية؛ وهو ما أكده الرئيس شي خلال لقائه بوتين في موسكو. فمنذ بداية الأزمة الأوكرانية اتخذت الصين موقف الحياد، وبذلت جهوداً دؤوبة لتعزيز المصالحة ومفاوضات السلام.

وأضافت يي، في حديثها إلى “كيوبوست”، أن الصين تتمسك بموقف الحياد في الشؤون الدولية، وتنتهج بثبات السياسة الخارجية السلمية المستقلة، ولا تتدخل في الشؤون الداخلية لأية دولة أخرى؛ ولهذا تتمتع بسمعة طيبة في المجتمع الدولي، وأصبحت شريكاً موثوقاً به لمعظم بلدان العالم. وبفضل ذلك، نجحت الصين في تحقيق مصالحة تاريخية بين السعودية وإيران هذا الشهر.
وتابعت بقولها: الاتفاق الذي رعته الصين بين المملكة العربية السعودية وإيران مثال جيد لكيفية حل النزاعات والخلافات بين البلدان، وينعكس بشكل إيجابي على حل الأزمة الأوكرانية؛ خصوصاً بعد ورقة الـ12 بنداً التي توضح فيها موقفها من التسوية السياسية للأزمة، بمناسبة مرور عام على بدء الصراع الروسي- الأوكراني.

وأشارت يي إلى أن الصين تؤكد أن نهاية الحروب والأزمات تتم من خلال الجلوس على طاولة المفاوضات وليس في ساحة المعارك؛ وهذا يعكس رؤى حكيمة للصين، وزيارة شي هي رحلة لتعزيز السلام؛ تأمل الصين من خلالها ممارسة التعددية الحقيقية وتعزيز عالم متعدد الأقطاب وديمقراطية أكبر في العلاقات الدولية، وسوف تسهم في دفع تسوية سلمية للأزمة.
وواصلت قائلةً: بعض الدول مستمرة في صب الزيت على النار في الأزمة الأوكرانية، وتعرقل الحل السلمي للأزمة. وقد أظهرت البيانات أن الولايات المتحدة هي أكبر مصدر للأسلحة والمال في ساحة المعركة في أوكرانيا، وفرضت مع حلفائها عقوبات على روسيا؛ الأمر الذي لن يُسهم في تخفيف حدة الأزمة، بل تصاعدها. والصراع هو “حرب بالوكالة”، واشنطن على أوروبا، لخدمة المصالح الأمريكية، والحفاظ على الهيمنة الدولية.
اقرأ أيضاً: الطريقة الصحيحة لإبعاد روسيا عن الصين
واختتمت يي، حديثها بالقول: إن إثارة التناقضات وخلق الصراعات وشن الحروب للاستيلاء على المصالح والحفاظ على الهيمنة؛ شكلت المنطق الأساسي للشؤون الداخلية والخارجية للولايات المتحدة، من حرب العراق إلى سوريا وأفغانستان؛ عبر لعب دور متشابه في كل صراعات العالم، لافتةً إلى أن الهدف الأمريكي اليوم، هو عزل روسيا وإضعافها من خلال تصعيد الأزمة وفرض العقوبات عليها، وقد حققت هدفها إلى حد ما، وكذلك احتواء الصين الصاعدة من خلال استدراجها إلى الصراع؛ لكن بكين لا تخضع إلى الضغط والإكراه، ولا تزال تعمل جاهدةً من أجل إيجاد حل سلمي للأزمة.

وترى الأكاديمية والباحثة في الشأن الصيني، تمارا برو، أن الصين تسعى للعب دور الوساطة في النزاع الروسي- الأوكراني، وقالت لـ”كيوبوست”: إن بكين بعد نجاحها في استئناف العلاقات بين إيران والسعودية، تتصرف كدولة عظمى تسعى مع روسيا لبناء عالم متعدد الأقطاب، والقضاء على الأحادية القطبية المهيمنة منذ انتهاء الحرب الباردة.
وأضافت أنه لا يمكن الجزم بفشل أو نجاح المبادرة الصينية للسلام اليوم؛ لا سيما مع رفض روسيا الانسحاب، وإصرار أوكرانيا على استعادة الأقاليم الأربعة التي فقدتها في هذه الحرب، بالإضافة إلى جزيرة القرم، وأيضاً رفض واشنطن المقترح الصيني؛ لأنه حال نجاحه سيظهر فشل إدارة بايدن، وتفوق الصين على أمريكا.
اقرأ أيضاً: كيف تبشر الصين بولادة شرق أوسط متعدد الأقطاب؟
وواصلت قائلةً بنظرة أكثر عمقاً: لا تجمع دول الاتحاد الأوروبي على التصعيد، وبعضها، كفرنسا وألمانيا، اعتبرت المبادرة الصينية مهمة للغاية؛ خصوصاً مع الوضع المضطرب والمظاهرات الرافضة لدعم أوكرانيا، وموجة الغلاء، ومخزون الذخيرة الذي بدأ ينفد؛ مما يدفع هذه الدول للبحث عن حل للنزاع، عكس موقف الولايات المتحدة التي تستفيد من بيع الأسلحة والغاز الطبيعي إلى أوروبا.