الواجهة الرئيسيةشؤون دوليةشؤون عربية

هل تنجح الوساطة الإماراتية- المصرية في إحداث اختراق في الأزمة السودانية؟

نجحت الوساطة التي قامت بها الإمارات -بالتنسيق مع مصر- في تأمين سلامة الجنود المصريين وإعادتهم إلى القاهرة بعد أيام قليلة من بداية الاشتباكات المسلحة.

كيوبوست

حققت الدبلوماسية الإماراتية انتصاراً جديداً؛ عبر الإعلان عن نجاح الوساطة التي قامت بها الإمارات، بالتنسيق مع مصر، لتأمين سلامة الجنود المصريين العالقين لدى قوات الدعم السريع، وتسليمهم إلى سفارة جمهورية مصر العربية في الخرطوم؛ حيث أُعيد 27 ضابطاً وجندياً مصرياً ممن كانوا في إحدى القواعد العسكرية مع بدء الاشتباكات العسكرية بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع.

وتلقى الرئيس الإماراتي، الشيخ محمد بن زايد، اتصالاً هاتفياً من الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، يوم أمس، تطرق إلى الجهود الحثيثة المبذولة من البلدَين؛ بهدف وقف التصعيد في السودان، والعودة إلى الحوار واستعادة المسار السياسي، في ضوء دعم الإمارات ومصر للشعب السوداني في تحقيق تطلعاته.

وأعلنت الخارجيتان الإماراتية والمصرية أن نجاح جهود الوساطة يأتي في إطار موقف الدولتَين الداعم للتهدئة عبر التواصل المستمر مع الأطراف السودانية؛ لضمان ضبط النفس ووقف التصعيد والعودة إلى المسار السياسي، ودعتا إلى وقف الاقتتال وحماية المدنيين والمنشآت المدنية، وتكثيف الجهود الهادفة للعودة إلى الإطار السياسي والحوار لحل جميع الخلافات، والمضي قدماً في المرحلة الانتقالية، وصولاً إلى الاستقرار السياسي والأمني المنشود في السودان.

دعت الإمارات ومصر إلى وقف الاقتتال وحماية المدنيين والمنشآت المدنية

وعزَّز نجاح الوساطة بإنهاء محنة الجنود المصريين، قدرة أبوظبي والقاهرة على تحقيق اختراق في الأزمة السودانية، من خلال استعادة التهدئة وتغليب لغة الحوار لإنهاء الأزمة الحالية، وسط أجواء متفائلة مدعومة بخبرة البلدَين وقدرتهما على التعامل في مثل هذه الأزمات.

دور إماراتي مهم

البدر الشاطري

يقول د.البدر الشاطري، الأستاذ السابق في كلية الدفاع الوطني، في تعليق لـ“كيوبوست”: إن دولة الإمارات لعبت دوراً مهماً في إطلاق سراح الجنود المصريين الذين وجدوا أنفسهم محاصرين بين فريقَي القتال في السودان، مضيفاً أن الإمارات لديها تجربة طويلة في التوسط بمناطق النزاع؛ كما فعلت بين إثيوبيا وإريتريا قبل عدة أعوام.

وأوضح الشاطري أن الإمارات تتمتع باحترام كبير من قِبل الحكومة والشعب السوداني؛ خصوصاً في المجال العسكري، والذي يعود إلى فترة تأسيس القوات المسلحة في دولة الإمارات، كما أن الإمارات لعبت دوراً مهماً في المرحلة الانتقالية بعد سقوط نظام البشير قبل ثلاثة أعوام.

محمد صالح

من جهته، يعلِّق الناشط السياسي السوداني، محمد صالح، على نجاح الوساطة الإماراتية، فيقول لـ”كيوبوست”: إن الوساطة الإماراتية نجحت، بالتنسيق مع مصر، في إجلاء الجنود المصريين بسلام؛ لكن وقف الحرب حالياً أمر غير مرجح، لأن كل طرف يتمسك بحسم المعركة عسكرياً؛ وهو الأمر الذي يزيد معاناة المواطنين، ويوقع مزيداً من القتلى والمصابين في أجواء إنسانية في غاية الصعوبة.

أزمة معقدة

أسامة السعيد

يشير نائب رئيس تحرير جريدة “الأخبار” المصرية، د.أسامة السعيد، إلى أن إدارة الأزمة كانت معقدة للغاية في ظل الفوضى الموجودة في المشهد السوداني؛ لكن الأمر الجدير بالملاحظة في إتمام الوساطة هو تحرك القاهرة للاستفادة من علاقاتها مع مختلف الأطراف في الداخل والخارج، وتوظيف علاقاتها الإقليمية بشكل جيد؛ بما يسمح بتحقيق الهدف الرئيسي، بإنهاء الأزمة وعودة جميع الجنود المصريين الذين وجدوا في إطار المهمة التدريبية.

ويؤكد أسامة السعيد أن مصر والإمارات والسعودية يمكنها لعب دور كبير لمحاولة إنهاء الأزمة في السودان؛ خصوصاً أن الحلول الداخلية السودانية تبدو عاجزة عن إحداث أي اختراق كبير، وبالتالي يتوجب هنا تحرك الدول الإقليمية التي تمتلك أدوات وقدرات وثقلاً في الداخل السوداني؛ وهو ما يتوفر في البلدان الثلاثة، ويدعمه تنسيقها المستمر في مختلف القضايا؛ خصوصاً أن مسألة الإعراب عن القلق فقط لم تعد كافية لإنقاذ السودان.

مصر والإمارات والسعودية يمكنها لعب دور كبير لمحاولة إنهاء الأزمة في السودان

وساطة ثنائية

أُبي عز الدين عوض

“ينبغي أن يكون الحل لأزمة التمرد العسكري الحالي عبر محيط الهوية السودانية فقط؛ وهو المحيط العربي والإفريقي والإسلامي”، حسب أبي عز الدين عوض، المتحدث السابق باسم الرئاسة السودانية.

ويقول عوض لـ”كيوبوست”: إن دور الوساطة الإماراتية هو الأهم والأكثر تأثيراً؛ نظراً للعلاقات الممتازة لدولة الإمارات مع طرفَي الصراع، والذي نشأ بسبب الاتفاق الإطاري المفروض من البعثة الأممية.

وأضاف أن أية وساطة لن تنجح من دون التنسيق مع مصر؛ لذا كان من الذكاء الإماراتي اختيار التنسيق المباشر مع مصر من دون كل الدول المحيطة بالسودان. وأشار إلى أنه يمكن للوساطة الثنائية أن تنجح مستقبلاً، في حال تم فهم هيكل القوات المسلحة السودانية بدايةً، وإبعاد الأحزاب التي تريد استغلال الأزمة لتمرير أجندتها المتعلقة بفرض اتفاق على جميع السودانيين.

واقترح عوض أن تجتمع الأحزاب السودانية والحركات المسلحة في القاهرة، بعيداً عن الضغوطات؛ خصوصاً أن التدخلات الغربية في الشأن السوداني أوصلت الأمور إلى الوضع الحالي، بسبب دعم أحزاب بعينها على حساب الأغلبية من المواطنين، وعلى حساب المؤسسة العسكرية نفسها، وشدد على أن المدخل سيكون في الوساطة الثنائية الإماراتية- المصرية.

تتعقد مسألة التفاوض بين الجيش السوداني وميليشيا قوات الدعم السريع

خلافات جوهرية

الرشيد المعتصم

لكن الرشيد المعتصم، الباحث في مركز الخرطوم للحوار، يرى في حديثه إلى “كيوبوست”، أن مسألة التفاوض بين الجيش السوداني وميليشيا قوات الدعم السريع، أمر غير مطروح على الإطلاق؛ لكون الجيش يسعى للحفاظ على وحدة الأراضي السودانية وعدم تقسيمها، مشيراً إلى أن قوات الدعم السريع تم حلها بناءً على قرار قائد الجيش، وعليها الاستسلام وإخلاء مقراتها وتسليمها للجيش؛ لأن أية دولة في العالم لا يمكن أن تسمح بوجود ميليشيا مسلحة، ذلك أن السلاح يقتصر فقط على الجيش، بينما “الدعم السريع” اليوم هي ميليشيا متمردة من الصعب للغاية الجلوس معها على طاولة مفاوضات.

ويلفت أسامة السعيد إلى أن التحدي الأكبر الذي يواجه الأزمة في السودان، هو تحول الأمر إلى حرب بين الجيش وقوات الدعم السريع، والتعامل مع الأمر باعتباره حرب وجود وليس صراعاً على النفوذ والسلطة، في ظل توعد قادة كل طرف الطرفَ الآخر بالمحاكمة والسجن؛ الأمر الذي سيزيد من قسوة المعارك، ولن يؤدي إلى تسوية سياسية وقبول منتصف الحلول، في ظل تمسك كل طرف بالانتصار.

أما البدر الشاطري فيشير إلى أن تضافر الجهود المصرية والإماراتية في قضية الجنود المصريين تشجع على دور أكبر للبلدَين في لعب دور الوسيط النزيه؛ لإنهاء الصراع بين الجنرالَين عبدالفتاح البرهان ومحمد حمدان دقلو، ويلفت إلى أن لمصر مصلحة استراتيجية في لعب هذا الدور؛ لاحتواء الصراع بسرعة قبل أن يستفحل ويصبح السودان دولة فاشلة ترتع فيها كل القوى المتطرفة والإرهابية، والتي حتماً ستؤثر على مصر والإقليم.

ويختم الشاطري حديثه بالتأكيد أن الوساطة بين طرفَي الصراع لن تكون بالأمر اليسير؛ ولكنَّ الرأسمال السياسي والثقل اللذين تتمتع بهما كلٌّ من الإمارات ومصر سيكون لهما أثر طيب في نزع فتيل الأزمة الحالية، كما حدث في مسألة استعادة الجنود المصريين، مشدداً على أن المهمة ستكون صعبة وتتطلب جهداً كبيراً.

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة