الواجهة الرئيسيةشؤون دولية
هل تنجح الصين وأمريكا في الإفلات من “فخ ثيوسيديديز”؟

كيوبوست – مدى شلبك
تتخذ الدول العظمى من مقولة نابليون بونابارت “الصين مارد نائم، احذروا يقظته”، فلسفة استراتيجية للتعامل مع التنين؛ خصوصاً الولايات المتحدة التي تتشبث بموقعها في قيادة العالم، وترى في المنافسة الصينية تهديداً وجودياً، والتي كان من آخر تطوراتها إطلاق الشركات الثلاث المشغلة لخدمات الاتصالات المحمولة في الصين، أوائل نوفمبر الماضي، الخدماتِ الجديدة التي تستخدم تقنيةَ الجيل الخامس G5؛ وهي تقنية إنترنت شديدة السرعة، اعتبرها مختصون قفزةً في عالم الإنترنت؛ لكونها ستُدخل تغييراتٍ على الصناعة، بالإضافةِ إلى الأزمة الأخيرة لشركة “هواوي” الصينية؛ ما يرجح وقوع حرب كارثية بين البلدين، متوقعة في أية لحظة، نتيجة سقوطهما في فخ تاريخي رغماً عنهما، حسب ما يرى مؤلف كتاب «حتمية الحرب» جراهام أليسون، الذي يشغل مدير مركز “يلفر للعلوم والشؤون الدولية” بمدرسة كينيدي التابعة لجامعة هارفارد، مُسقطاً 12 حالة من أصل 16، قام بدراستها، وقعت فيها حروبٌ بين دولتين متنافستين؛ إحداهما صاعدة والأخرى مهيمنة، على أمريكا والصين كدولتين متنافستين حالياً؛ ما يجعل الحرب حتميةً رغماً عن البلدين.

قد يأتي الصدامُ المتوقع، بعد مرور 70 عاماً عاش فيها العالم بلا صراعات كبرى، في ظلِّ هيمنة نظام عالمي بقيادة واشنطن وضمن معاييرها. أما دور الصين الحالي فيتعاظم بفكفكة هذا النظام وقيمه. ففي كتابه يستعرض أليسون تطور الصين خلال الأعوام الأربعين الأخيرة؛ فناتجها القومي سنة 1980 كان أقل من 200 مليار دولار، وكانت التجارة الخارجية تقدر بـ40 مليار دولار فقط. أما في عام 2015 فقد وصل الناتج القومي إلى 11 تريليون دولار، وبلغت التجارة الخارجية 4 تريليونات.
اقرأ أيضًا: ماذا علينا أن نفعل حيال الصين؟
كما احتلتِ الصينُ المركز الاقتصادي الثاني في العالم، وعلى حساب الولايات المتحدة التي قلَّ نصيبها من إجمالي الاقتصاد العالمي، بعد الحرب العالمية الثانية، من 50% لينحدر إلى 16% اليوم، وبينما يعادل نمو الولايات المتحدة السنوي 4%، بلغ النمو في الصين 10% منذ عام 1980، مرجحاً عبر رسم توضيحي أن كفة القوة الاقتصادية للصين سوف تغلب أمريكا مع حلول عام 2024. وقبل أربعين عاماً كان 9 من كل 10 صينيين يكسبون دولارَين يومياً؛ وفي 2014 أقل من مواطن صيني من كل 100 يكسب دولارَين يومياً فقط، وهذا ما يراه أليسون صعب التصديق؛ إلا أنه صعب التجاهل أيضاً.

في 2025، من المحتمل أن تصبح الصين القوة المهيمنة في السوق الرئيسية للتقنيات العشر البارزة، بالتزامن مع زيادة قوتها وحجمها وثرائها وتقدمها التكنولوجي، إلا أن ذلك، حسب أليسون، سيصطدم حتماً بالامتيازات والمراكز الأمريكية. وفي هذه الحالة يتمثل التحدي بالصين التي يبدو أن نموها لن يتوقف ويتسارع نحو الولايات المتحدة ذات الهيمنة الراسخة، سالكاً طريقاً من الممكن أن يؤدي إلى حرب كبرى.
اقرأ أيضاً: فيروس كورونا يفرض تحدياً جديداً أمام العلاقات الصينية- الأمريكية
الفخ.. تأثير القوة الصاعدة على القوة المهيمنة
فمصير البلدين، والتنافس غير المنضبط بينهما، يشبهه أليسون بالصراع بين أثينا وإسبارطة؛ حيث اشتعلت حرب بين القوتَين نتيجة للخوف الذي استشعرته إسبارطة نتيجة صعود أثينا؛ وهذا ما أطلق عليه أليسون “فخ ثيوسيديديز”، الذي يمكن تلخيصه بالعبارة التالية “عندما تُهدد قوة صاعدة بأخذ مكانة قوة مهيمنة، فإن النتيجة الأكثر احتمالاً هي الحرب”؛ إذ إن بروز طرف وردة فعل الطرف الآخر ينتج عنهما خليط من الكبرياء والغرور وجنون العظمة الذي يدفع كليهما إلى الحرب، حتى لو كانا غير معنيين بتلك الحرب، حسب أليسون.
اقرأ أيضاً: الولايات المتحدة الأمريكية.. دروس أمس من الحرب الباردة مع روسيا ذخيرة لمعركة اليوم مع الصين
ويشير أليسون إلى أنه، وفي حالات قليلة، أراد أحد الطرفين الحرب. أما أكثرها فقد نشب نتيجة تحريض طرف ثالث يدفع أحد الطرفين للحرب، ويفتح دوامة تقود إلى نتائج لا يرغب فيها أحد.
ولكنه في بعض الأحيان يتفاءل؛ لأن “البشرية مرَّت بأزمات استطاع ذوو الفطنة السياسية والقادة تجنيبها الحرب”، فيقترح أليسون عبر دمج التخيلات مع الفطرة السليمة والشجاعة، إيجاد طريقة لتسيير هذه المنافسة لتجنب حرب كارثية لا أحد يريدها؛ الأمر الذي دعا رئيس وزراء أستراليا الأسبق، كيفين رود، إلى وصف رؤية أليسون، بالقول: “أليسون يرسم طريقاً لا غنى عنه؛ من أجل تجنُّب صدام كارثي”.
الصين ليست نداً
في المقابل، يرى آخرون أن الصين على الرغم من تقدمها؛ فإنها لم تصل بعد إلى التفوق الأمريكي. بهذا الخصوص اعتقد المحلل الاستراتيجي الفرنسي باسكال بونيفاس، في مداخلة له عبر برنامج “حوار سامي“، أن الصين لن تتخطى أمريكا قريباً، وستبقى أمريكا الدولة الاقتصادية الأولى في العالم؛ فهي متقدمة في هذا الاتجاه.

ثم إن الصين، وفقاً لبونيفاس، هي سجينة السوق الأمريكية، وهناك تداخل ما بين السوقين، وهذا لا يشبه التنافس سابقاً بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي، وفي حال تعطلت السوق الأمريكية، فإن الصين ستتأثر، مشيراً إلى أنها ستحاولُ تسريع اللحاق بأمريكا؛ لكن لن تتخطاها، فالبنى الاقتصادية الأمريكية القوية سوف تتخطى الأزمة الحالية.
اقرأ أيضاً: تسييس “كورونا”.. يشعل فتيل حرب باردة جديدة بين أمريكا والصين
على الرغم من أن صورة الولايات المتحدة تلقت ضربة قاسية؛ نتيجة نقص الخدمات الصحية خلال مواجهة فيروس كورونا، في الدولة التي لطالما أرادت أن تكون الأفضل، فلم تستطع أيضاً مساعدة الدول الأخرى؛ ومن بينها أصدقاؤها، في حين أن الصين كانت موجودة.