الواجهة الرئيسيةترجماتتكنولوجياشؤون دولية
هل تنجح الصين في “تنظيم” الذكاء الاصطناعي بما يتناسب مع “ضوابط” الحزب الشيوعي؟
هل سيستطيع الحزب الشيوعي الصيني السيطرة على الذكاء الاصطناعي من دون سحقه؟

كيوبوست – ترجمات
خلال الأسابيع القليلة الماضية، تباهت كبريات شركات التكنولوجيا الصينية بمنظومات الذكاء الاصطناعي الخاصة بها؛ فقد طرحت شركة “بايدو” روبوت المحادثة “إرني بوت”، وطرحت شركة “سنس تايم” منظومة “سنس تشات”، بينما أعلنت شركة “علي بابا” منظومة “تونغي كيانوين” التي يعني اسمها باللغة الصينية “الحقيقة في ألف سؤال”. ولكن، مَن يحدد الحقيقة في الصين هو الحزب الشيوعي الصيني.
تحدٍّ جديد للحزب الشيوعي
يشكِّل الذكاء الاصطناعي تحدياً لحكام الصين؛ إذ يعتبر الفرز “التوليدي” الذي يعالج مدخلات النص أو الصوت أو الصورة أو الفيديو لإنشاء مخرجات جديدة منها، أمراً واعداً جداً. وتأمل شركات التكنولوجيا الصينية التي عانت في السنوات الأخيرة إجراءات القمع التنظيمي وتباطؤ المبيعات، أن يتمكن الذكاء الاصطناعي التوليدي من خلق تدفقات هائلة جديدة لإيراداتها، شبيهة بتلك التي أتاحها ظهور الإنترنت أو الهاتف الذكي.
ولكن الحزب الحاكم يرى أن الذكاء الاصطناعي يفتح طرقاً جديدة لنشر المعلومات خارج نطاق سيطرته. وربما سيقوم قادته بمحاولات شبيهة لتلك التي قاموا بها للسيطرة على الإنترنت، وقد نجحوا إلى حد كبير في إنشاء شبكة إنترنت تخدم أهداف الحزب الخاصة؛ إذ قام ببناء صنعة كاملة حولها. فهل يمكن أن يحدث الشيء نفسه مع الذكاء الاصطناعي؟
اقرأ أيضاً: من سيكسب سباق الذكاء الاصطناعي؟
تعكس القواعد التي اقترحتها هيئة تنظيم الإنترنت في الصين في 11 أبريل، مخاوف الحكومة؛ فقد فرضت إدارة الفضاء الإلكتروني في الصين على الشركات تقديم تقييم أمني إلى الدولة قبل طرح منتجات الذكاء الاصطناعي للجمهور. ستكون الشركات مسؤولة عن المحتوى الذي تولده هذه الأدوات، وهذا المحتوى يجب ألا يضر بسلطة الدولة أو يحرض على الانفصال أو يقوض الوحدة الوطنية أو يخل بالنظام الاقتصادي أو الاجتماعي، كما أنه يجب ألا يتعارض مع القيم الاشتراكية للبلاد. وهذه القيود تسمح للحزب بقمع كل الكلام حول قضايا؛ مثل حقوق الإيغور والديمقراطية وأدب الحركة النسوية والمثليين. وتأتي جهود الحكومة الصينية بينما تكافح الحكومات في جميع أنحاء العالم لتحديد كيفية تنظيم الذكاء الاصطناعي.
أوجه تشابه
هناك أوجه تشابه عديدة بين نهج الصين هذا ونهجها حيال الإنترنت، والذي يشار إليه عادة باسم “جدار الحماية العظيم”؛ الذي ينطوي على ضوابط لاستبعاد المحتوى الأجنبي “الضار” كجزء من منظومة متعددة الطبقات يتم تطويرها بمرور الوقت، وتشارك في ذلك العديد من الوكالات والشركات. واليوم تعكف حكومة الصين مرة أخرى على بناء عضلاتها البيروقراطية وتوسيع منظومة أدواتها التنظيمية مع أخذ الذكاء الاصطناعي بعين الاعتبار.
صحيح أن سيطرة الحكومة على الإنترنت لم تخنق الابتكار؛ ولكن عندما يتعلق الأمر بالذكاء الاصطناعي، فإنه من الصعب أن تتمكن شركة صينية من إيجاد منظومة واسعة النطاق شبيهة بالذكاء البشري (أي لا يمكن التنبؤ بها)؛ مثل تشات جي بي تي، مع الالتزام بقواعد وضوابط الحكومة.
تعطل روبوت المحادثة الصيني عندما سئل عن قيادة الرئيس شي جين بينغ – وول ستريت جورنال
تقول هيئة تنظيم الإنترنت في الصين إن المعلومات التي تقدمها منظومات الذكاء الاصطناعي الصينية يجب أن تكون “صحيحة ودقيقة”، وإن البيانات المستخدمة لتدريبها يجب أن تكون “موضوعية”. وللحزب تعريفاته الخاصة لهذه المفردات؛ ولكن حتى المنظومات الأكثر تقدماً والمبنية على نماذج اللغة الكبيرة، ستعطي أحياناً معلومات غير صحيحة. وفي المنظمات التي تتم تغذيتها بكميات هائلة من البيانات المأخوذة من الإنترنت سيكون من الصعب فرز المدخلات وفقاً لموضوعيتها. وهذا يعني أن التطبيق الصارم لقواعد الحكومة سوف يعيق تطوير الذكاء الاصطناعي في الصين.
اقرأ أيضاً: الولايات المتحدة خسرت معركة الذكاء الاصطناعي مع الصين
إجراءات “فلترة“
يشكك الخبراء في إمكانية التطبيق الصارم لهذه القواعد، كما أن لائحة الضوابط نفسها تتيح بعض المجال للاعتدال في تطبيقها. فحينما يخالف المحتوى الذي يقدمه الذكاء الاصطناعي القواعد؛ تطالب الحكومة باتخاذ “إجراءات فلترة” و”إجراء تدريب أفضل في غضون ثلاثة أشهر”. وهذا يبدو مشابهاً لما تفعله الشركات الغربية لمنع برامج روبوتات المحادثة من تقديم محتوى معاد للمثليين على سبيل المثال. تعني الطبيعة التعسفية لقواعد هيئة تنظيم الإنترنت الصينية أنه يمكن للهيئة تشديدها أو تخفيفها وفقاً لما تراه الحكومة مناسباً. ومن المعروف أن الحكومة الصينية لديها عادة إعادة كتابة القواعد وتطبيقها بشكل انتقائي وفقاً لأهواء الرئيس شي جين بينغ. وإذا ما شعر الرئيس شي بالامتعاض من مسيرة أو توجهات الذكاء الاصطناعي فسيكون بإمكانه كبح تطوره بكل تأكيد.
جاءت ضوابط هيئة تنظيم الإنترنت الصينية بعد ست سنوات من إطلاق خطة الصين الرئيسية للذكاء الاصطناعي التي تهدف إلى تحقيق اختراقات كبرى بحلول عام 2025، والسيطرة على هذا المجال بحلول عام 2030. وكان التقدم في تحقيق هذه الغايات متفاوتاً. هناك شركات صينية تعمل في مجالات مثل التعرف على الصور بمساعدة الذكاء الاصطناعي أو القيادة الذاتية، وهذه الشركات لا تعيقها الضوابط الحكومية، وتستفيد كثيراً من الأموال العامة؛ بل إن بعض هذه الشركات توفر أدوات يمكن أن تساعد في القمع الذي تمارسه الدولة.

ولكن الصين لا تزال متأخرة عن الولايات المتحدة من حيث الاستثمار والابتكار. وقد تم إبعاد المستثمرين الأجانب عنها من خلال العقوبات الأمريكية، كما أن الحكومة الأمريكية فرضت قيوداً على تصدير أشباه الموصلات المتطورة إلى الصين؛ في خطوة يمكن أن تعرقل صناعة الذكاء الاصطناعي فيها.
العقبات “قد” تولّد الابتكار
ولكن، ربما تحقق الصين نجاحاً أكبر عندما يتعلق الأمر بالناحية التنظيمية؛ فبموجب خطتها التنظيمية، ستكون الصين قد وضعت الوثيقة الأخلاقية العالمية للذكاء الاصطناعي بحلول عام 2030. وهذا إنجاز؛ ولكن قواعدها المتعلقة بالذكاء الاصطناعي تتسم بكونها أكثر تفصيلاً واتساعاً من تلك المقترحة في أماكن أخرى من العالم، وهي بذلك تؤثر على الجدل الدائر حول التعامل مع التكنولوجيا الجديدة. وإذا ما تمكنت الصين من إقرار قواعد جديدة فسوف تتعلم منها الدول الأخرى. وعلى الرغم من تشددها وإعاقتها للابتكار؛ فإن جيفري دينغ، من جامعة جورج واشنطن، يميل إلى الجانب الآخر، ويشيد ببراعة شركات الإنترنت الصينية ويقول إن العقبات في بعض الأحيان يمكن أن تحفز الابتكار.
اقرأ أيضاً: كيف خسرت سيري وأليكسا ومساعد جوجل سباق الذكاء الاصطناعي
ومع ذلك، فإن الحكومات الغربية تخاف حتى من مجرد فكرة أن الصين يمكن أن تلعب دور الدليل الرئيسي في مسألة أخلاقيات الذكاء الاصطناعي. ربما تشترك هذه الحكومات في بعض مخاوفها مع الصين؛ بما في ذلك المعلومات المضللة، وحماية البيانات، ولكن ليس للأسباب نفسها.
لقد عارضت الصين بإصرار فكرة أن تكون شبكة الإنترنت مكاناً للحرية والانفتاح، وعندما تجتمع الحكومات لمناقشة تنظيم الإنترنت، تقف الصين دائماً إلى جانب روسيا وغيرها من الدول التي تدوس حرية التعبير. لقد كان بيل كلينتون ساذجاً عندما قال إن محاولة الصين تقييد الإنترنت تشبه محاولة تثبيت قطعة من الهلام على جدار بواسطة مسمار. وسيكون من السذاجة اليوم أن يعتقد القادة الغربيون أن الصين لن تكون قادرة على إعادة الكرّة مع الذكاء الاصطناعي.
المصدر: ذا إيكونوميست