
كيو بوست – أنس أبو عريش
عام 1981، كانت موريتانيا آخر دولة في العالم تلغي نظام الرق بشكل رسمي. مع ذلك، استغرق وضع قانون إجباري، يفرض على السكان الإلغاء الإجباري للعبودية، قرابة 26 عامًا – أي 2007. ولذلك، ليس من الغريب أن نجد بقايا العبودية في البلاد، حتى يومنا هذا.
وقد أصبح الحكم التاريخي الذي أصدرته محكمة الاتحاد الأفريقي، الذي يقضي بدفع تعويضات لعبدين طفلين، ومعاقبة سيدهما، بمثابة الأمل لآلاف العبيد الذين ما يزالون في موريتانيا.
الضحيتان كانا سعيد ويارك سالم، اللذان ولدا في العبودية، قبل أن يهربا عام 2011، ويرفعا قضية ضد سيدهما أحمد ولد الحسين، الذي أدين في محكمة الجنايات في نواكشوط، بالاستعباد وحرمان الطفلين من حقوقهم الأساسية، وحرمانهم من التعليم. وكانت هذه أول محاكمة ناجحة حتى الآن، بموجب قانون مكافحة العبودية في موريتانيا لعام 2007. وقد اعتبر المدافعون عن إلغاء نظام الرق حينها تلك الخطوة بأنها خطوة فارقة إلى الأمام في القضاء على العبودية هناك.
ومع ذلك، لم يكن الحكم الصادر مرضيًا لكثير من الحقوقيين، الذين يطالبون بالقضاء الكامل على العبودية فيها. لذلك، قام حقوقيون محليون برفع شكوى إلى الاتحاد الأفريقي من أجل اتخاذ قرارات حاسمة تجاه القضاء النهائي على العبودية.
وقد جاء حكم المحكمة الأفريقية في الـ28 من كانون ثانٍ الماضي، بمثابة محرك للقضايا الراكدة في موريتانيا؛ فقد أدان الحكم تورط الحكومة في عدم اتخاذ إجراءات حاسمة، والمماطلة الكبيرة في تطبيق قرارات الحكومة، القاضية بإلغاء الرق بشكل كامل.
إحصائيات
لا توجد إحصائيات موثوقة حول عدد الأشخاص الذين يستعبدون في موريتانيا؛ إذ لا تقوم الحكومة بذكر العبيد في إحصائياتها الرسمية، وتقول دائمًا إنه لا يوجد عبيد في البلاد بتاتًا، بسبب قانون مكافحة العبودية الصادر عام 2007، موضحة أن ما يظهر بين الفترة الأخرى هو من “آثار” الماضي. لكن مؤشر الرق العالمي يقدر بأن موريتانيا هي واحدة من أعلى معدلات الاستعباد على الأرض، إذ أن أكثر من 1٪ من السكان يعملون في العمل القسري، بما لا يشمل أنواعًا أخرى من العبودية التعاقدية.
تعود أصول معظم العبيد الحاليين في موريتانيا إلى السكان من قبيلة الحراتين، الذين يعيشون غرب القارة، ويشكلون أكبر مجموعة عرقية في البلاد (قرابة 40%). أما المغاربة البيض فهم أولئك العرب الذين سيطروا على البلاد منذ القرن السابع عشر، وبدأوا باستعباد الحراتين منذ ذلك الوقت، من جيل إلى جيل.
ورغم أن نسبة هؤلاء أقل من 40% إلا أنها تمكنت من السيطرة على البلاد، واستعباد الحراتين. وفي يومنا هذا، تسيطر تلك الجماعة على المحاكم، الأمر الذي يمنع إحداث أي تقدم ملموس في قضايا العبودية.
عدم رغبة
يرى مراقبون أن الحكومة الموريتانية لا ترغب حاليًا بالقضاء بشكل حقيقي على الرق فيها، نظرًا لاستفادة النخبة الحاكمة من هذا النظام، خصوصًا أن الحكم الذي صدر عن المحكمة الأفريقية جاء بسبب أن القضية تتعلق بطفلين من العبيد، وليس بالعبيد أنفسهم.
وتذكر تقارير إعلامية أن الحقوقيين الموريتانيين اغتنموا فرصة تعرض الأطفال للاستغلال، من أجل تسليط الضوء أكثر فأكثر على ظاهرة العبودية في البلاد، بعد أن تخلصت منها معظم دول العالم.
على أية حال، لم يجرِ سجن المتهم، الأمر الذي يثبت أن التساهل مع مرتكبي أعمال العنف ضد العبيد هو نهج الحكومة، وبالتالي مفاقمة الأوضاع المأساوية للعبيد، بحسب ما يقول مناهضو العبودية في البلاد.
وعلى الرغم من عدم وجود آلية تنفيذ للقرارات، قالت منظمة مكافحة الرق الدولية إن الحُكم يضع الكثير من الضغوط على موريتانيا للتصرف بأية طريقة. “هذا الحكم سيجعل من الصعب على الحكومة الموريتانية أن تنكر وجود مشكلة خطيرة للغاية، يحتاجون إلى معالجتها”، قال ياكوب سوبيك من المنظمة، مضيفًا: “نأمل أن يمهد ذلك الطريق لبعض التقدم في هذه القضية”.
ومع استضافة موريتانيا الشهر المقبل لقمة أفريقية حول حقوق الإنسان، تأمل مجموعات حقوقية أن تشهد القمة إعلانًا بالقضاء النهائي على الرق في البلاد، لكن مراقبون يستبعدون.
المصادر: واشنطن بوست + ذا غارديان + منظمة مكافحة الرق + سي إن إن