شؤون دوليةملفات مميزة
هل تكون مفاتيح حل أزمة مسلمي الروهينجا بيد الصين؟
تعرف على أسباب الأزمة وتداعياتها!

خاص- كيو بوست
تشير الإحصائيات إلى أن عدد لاجئي مسلمي الروهينجا الذين فروا من أعمال العنف التي نشبت مؤخرًا في ولاية راخين بميانمار وصل إلى 620 ألف لاجئ منذ أغسطس الماضي.
حاملين معهم ندوب سنوات من التفرقة والتميز والاضطهاد، جراء رؤية الحكومة الميانمارية لهم بأنهم “مهاجرون غير شرعيون من مناطق جنوب البنغال جلبهم المستعمر البريطاني قبل سبعين عامًا ليكونوا في مقدمة جيشه في مواجهة الشعوب البورمية” بحسب وصفهم، ومشيرين إلى لغة (الروهينجا) وثقافتهم التي يصفونها بأنها غريبة عن الشعب المينماري بجميع أطيافه؛ بما في ذلك مسلمي ميانمار ممن يحملون الجنسية المينمارية، الذين يختلفون كليًا عن الروهينجا لغة وثقافة وعرقًا.
وتكشف التقارير والتحقيقات إلى أن شرارة هذه الموجة الجديدة من العنف اندلعت على إثر سلسلة اعتداءات إرهابية قامت بها ميليشيات “ARSA” اختصارًا لاسمها الطويل: (جيش روهينجا لتحرير أراكان) والمعروفة سابقًا بـ“حركة يقين” الانفصالية المسلحة -والمدعومة من القاعدة وطالبان، ومن التنظيم الدولي للإخوان المسلمين، التي تعتبرها الحكومة المينمارية تنظيمًا إرهابيًا- على عدد من مراكز الشرطة في الولاية. وذكرت التقارير الحكومية والدولية بأن عدد المراكز التي هوجمت وصل إلى ٥٠ مركزًا. وأفادت الاستخبارات الهندية والبنجلاديشية أنها اعترضت بالفعل مكالمات بين إرهابيي جيش الروهينجا وإرهابيين في باكستان والعراق.
اقرأ أيضًا: أزمة مسلمي بورما.. الأسباب الفعلية والرواسب التاريخية
(عدد من عناصر جيش روهينجا -لتحرير أراكان الإرهابي)
هذا الأمر بدوره تسبب في اشتعال موجة جديدة من العنف والعنف المتبادل، وتصعيد خطاب الكراهية بين القرويين البوذيين والروهينجا المسلمين، إضافة إلى تهجير عشرات الآلاف من “الروهينجا”، ومن القرويين المينماريين البوذيين أيضًا.
مؤخرًا، بدأت بعض القوى الكبرى في العالم بالسعي إلى حل هذه الأزمة، بالتأكيد على أهمية أن يكون الحل نهائيًا يتعامل مع الجذور الفعلية للمشكلة. وذكرت العديد من الدول -من بينها الولايات المتحدة- أن أية تسوية للأزمة ينبغي أن تتضمن التوقف عن أعمال العنف، فضلًا عن ضمان وصول المساعدات الإنسانية، والاعتراف بحق اللاجئين في العودة، والتنمية الشاملة لولاية راخين التي نزح منها عشرات الآلاف من الأقلية المسلمة.
كل هذه الإجراءات تضمنها المقترح ذو الخطوات الثلاث الذي أعلنه مؤخرًا وزير الخارجية الصيني وانج يي لحل هذه الأزمة، وتتمثل المراحل فيما يلي:
المرحلة الأولى: وقف أعمال العنف، ووقف تشريد المزيد من السكان المحليين.
المرحلة الثانية: تشجيع المجتمع الدولي لكل من بنجلاديش وميانمار على التواصل من أجل تسوية شاملة للقضية.
المرحلة الثالثة: إيجاد تسوية طويلة الأجل، والحصول على دعم المجتمع الدولي لمكافحة الفقر، وتحسين الأوضاع المتردية في ولاية راخين.
جاء المقترح الصيني بعد جولات متعددة بين دكا ونايبيدا. بدأت بعض المراحل بالفعل، إذ قامت كل من ماينمار وبنجلاديش بالتوقيع على اتفاقية لعودة النازحين الذين تم تهجيرهم من ولاية راخين. لكن تبقى المراحل الأصعب، وذلك بحسب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، الجهة المسؤولة عن حماية اللاجئين وحل أزماتهم، والتي كانت طرفًا في عمليات إعادة اللاجئين منذ عام 1950. ولا يخفى مدى صعوبة إعادة توطين اللاجئين في المناطق التي تعرضوا فيها لعمليات اضطهاد وعنف. وتتطلب عودتهم توفير أجواء آمنة، وأن يتاح لهم حرية الحركة، والحصول على وثائقهم المدنية، وحقوق الملكية، والمقدرة على العمل لضمان أن تكون عودتهم بصفة مستدامة.
من دون توفر تلك الشروط فإن مكانًا مثل ولاية راخين التي ظلت دائمًا مسرحًا للنزاعات والتوترات من السهل أن تنجرف مرة أخرى نحو هوة العنف. وهذا هو ما حدث في السابق بعد عمليات إعادة مواطني الروهينجا من بنجلاديش إلى ماينمار، في أواخر عام 1970، ثم في أواخر عام 1990. في تلك المرات عاد اللاجئون إلى ديارهم، إلا أن أسباب النزاع الحقيقية ظلت قائمة، ولم يجرِ التعامل معها، ومن ثم تأججت أعمال العنف مرة بعد أخرى.
اقرأ أيضًا: أزمة الروهينجا: إلى أين وصلت؟
ويعد المقترح الصيني فرصة لمساعدة ميانمار والمجتمع الدولي على التعامل مع الأسباب الجذرية للأزمة. وإذا كان المقترح الصيني يمثل إستراتيجية عامة ذات خطوط عريضة، فإن الخطة المفصلة يمكن العثور عليها في التوصيات التي أعدتها “اللجنة الاستشارية بشأن راخين”، التي ترأسها السيد كوفي عنان -الأمين العام السابق للأمم المتحدة- والتي تم تعيينها العام الماضي من جانب مستشارة الدولة ووزيرة الخارجية في ماينمار أونغ سان سو كي، بهدف وضع تدابير ملموسة لتحسين أوضاع جميع سكان ولاية راخين. في شهر أغسطس الماضي فعلت اللجنة ما هو مناط بها، وأوصت بإجراءات مملوسة، وطالبت حكومة ماينمار بتطبيقها. وتتضمن التوصيات محاور عدة تتمثل فيما يلي:
– تنمية وتحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في راخين بما يخدم كافة فئاتها السكانية.
– السماح لأبناء الروهينجا أن يكونوا مواطنين متمتعين بكل حقوق المواطنة في ميانمار.
– تدعيم الحوار وبناء جسور الثقة بين الفئات المختلفة التي تسكن الولاية، وتحسين العلاقات مع بنجلاديش.
قبلت حكومة ميانمار تلك التوصيات، وذكرت أن تنفيذها سيكون في مصلحة جميع الأطراف؛ وعلى رأسها ميانمار، لاسيما أن توفر الأمن والاستقرار لجميع الطوائف في ولاية راخين سيخدم مشروع ميانمار الوطني الأكبر للسلام والتنمية، الذي يعد التنوع والتعايش من بين أهم مقومات نجاحه. وبالنسبة لبنجلاديش فإن منطقة “بازار” التي تؤوي لاجئي الروهينجا حاليًا يصعب تطويرها وتنميتها اقتصاديًا، نظرًا للأوضاع الإنسانية المتردية هناك. ومن هنا، فإن إعادة الروهينجا بصورة مستدامة مع تنمية ولاية راخين، سيجعل الأوضاع ملائمة لانتعاش التبادل التجاري عبر الحدود بين الجانبين. سيسهم هذا، بدوره، في خدمة مصالح الصين، إذ أن الاستقرار والتنمية في تلك المنطقة يعد أمرًا جوهريًا لممر ماينمار البري الاقتصادي الجديد المقترح إقامته ضمن مبادرة الحزام والطريق الصينية.
اقرأ أيضًا: مبادرة “الحزام والطريق” الصينية: فرص كبيرة وتهديدات حقيقية تواجهها دول الخليج
فالصين حريصة على تأمين أكبر قدر من الاستقرار الأمني في المناطق التي تمر بها ممرات طريق الحرير الجديد، حتى تستطيع الطرق وسكك الحديد والموانئ وأنظمة الاتصالات والمدن التجارية الحرة أن تزاول عملها بسلاسة وأمان، كما أن بكين مستعدة لتقديم كل مساعدة ممكنة لتلك الأنظمة اقتصاديًا وعسكريًا وسياسيًا لتحقيق ذلك.
الأمر الآخر هو أن الصين خلال الأزمة بدت وكأنها تساند حكومة ميانمار، في الوقت الذي كانت موجات كبيرة من الغضب تنتشر في مختلف أنحاء العالم جراء ما تعرضت له الأقلية المسلمة من عنف واضطهاد. والصين لا تريد أن تبدو وكأنها معادية للمسلمين، حرصًا على علاقاتها مع الدول الإسلامية المختلفة، ولأنها أيضًا تخشى أن تصير المصالح الصينية هدفًا للجماعات المتطرفة، التي قد تقوم بعمليات انتقامية ضد الصين. وفوق ذلك تخشى الصين من أن تؤدي مواقفها إلى زيادة مشاعر الغضب في أوساط مسلمي الإيجور بمنطقة شينجيانج، ثم تأجيج أعمال العنف في ذلك الإقليم وغيره من المقاطعات الصينية؛ لا سيما أن أعدادًا كبيرة من مسلمي الإيجور قد انضموا إلى صفوف داعش، وقد يعودون بعد انحسار نشاط داعش في سوريا والعراق ليمثلوا تهديدًا مباشرًا للصين ولمصالحها الحيوية.
اقرأ أيضًا: كيف تمدد تنظيم داعش إلى جنوب شرق آسيا؟
وبناء على ذلك، فإن قلق الصين من تنامي الحركات المتطرفة داخل الصين وحرصها على حماية مصالحها الاقتصادية وخططها المستقلبية الطموحة القائمة على مبادرة الحزام والطريق، قد يدفع بكين للعمل على إرساء الأمن والاستقرار في تلك المناطق المتوترة، ومن المرجح أن تبذل بكين المزيد من الجهود المكثفة لحل تلك الأزمة، وهذا بدوره قد يضع حدًا للمعاناة الطويلة لأبناء الروهينجا.