الواجهة الرئيسيةترجماتشؤون دولية
هل تقف ألمانيا مع الولايات المتحدة ضد الصين؟
على الرغم من أن الدولتين تستخدمان خطاباً متشابهاً في الحديث عن الصين، فإن هذا لا يعني أن مواقفهما متطابقة

كيوبوست- ترجمات
هو تشون تشون♦
يناقش هو تشون تشون، في هذا التقرير، كيف تهيمن الصين على الحوارات الألمانية، فيما يتعلق بالقضايا السياسية والاقتصادية والفكرية والأيديولوجية، وهو ما تظهره ثلاث أوراقٍ حكومية مهمة يجري صياغتها حالياً وتثير جدلاً ساخناً.
من المعروف أن الحكومة الائتلافية الألمانية الحالية تعمل على صياغة أول استراتيجية للأمن القومي لألمانيا وأول استراتيجية للصين منذ توليها السلطة في ديسمبر 2021. سبق وفوجئت وسائل الإعلام الجمهور في نهاية عام 2022 بتقريرٍ يفيد بأن وزارة الاقتصاد قد استبقت كلاً من وزارة الخارجية الألمانية ومكتب المستشارية باستراتيجية منفصلة ومستقلة، وأكثر شمولاً للتعامل مع الصين.
يأتي هذا بعد أن أثارت الحرب الأوكرانية مخاوف جديدة. فالألمان يناقشون الآن ضرورة ألا تكرِّر ألمانيا الأخطاء السابقة، فيما يتعلق بروسيا مع الصين. في التصورات الألمانية، هناك تشابه مخيف بين اعتماد ألمانيا الاقتصادي على الصين، واعتمادها في الطاقة على روسيا، وبين حرب أوكرانيا واحتمال نشوب صراع بسبب سياسة الصين تجاه تايوان.
اقرأ أيضًا: ما يجب فعله لتجنب الحرب في تايوان
الثالوث نفسه، مع اختلافات دقيقة
يبدو أن النقاش الألماني يصب بالتأكيد في مصلحة الولايات المتحدة. في مايو 2022، وصف وزير الخارجية أنتوني بلينكن سياسة الولايات المتحدة تجاه الصين بأنها “تسابق وتعاون وتنافس”، وعلى نحو مشابه، تُعرِّف الحكومة الألمانية الحالية علاقتها مع الصين من منظورٍ ثلاثي الأبعاد: “شراكة وتسابق وتنافس”. ومع ذلك، وحتى لو كان هناك انسجام واضح بين الصيغتين الأمريكية والألمانية لدور الصين، فيجب عدم إغفال الاختلاف الحاسم في جوهر المسألة. في السياق الألماني، هناك تحذيرٌ بشأن تحدي الصين على نحوٍ شامل، في حين ترى الولايات المتحدة التنافس مع الصين كصراعٍ من أجل الهيمنة على العالم أو الدفاع عنها.

التجارب التاريخية كاشفة
في الواقع، يتمحور النقاش الألماني حول ثلاث “تبعيات” يمكن أن تهدِّد استقلال ألمانيا أو أمنها بالمعنى الشامل: أحدهما الاعتماد على الطاقة الروسية، والثانية تتمثل في الاعتماد على السوق الصينية، والثالثة هي الاعتماد على الضمان الأمني الأمريكي.
بعد هزيمتها في الحرب العالمية الثانية، وصل معظم الألمان إلى قناعةٍ مفادها أنه لا حرب بعد اليوم. هذا الابتعاد عن أضواء المسرح العالمي هو الذي ضمن انتعاش ألمانيا اقتصادياً. وانطلاقاً من هذه النظرة العالمية لألمانيا ما بعد الحرب، فلم يعد للقضايا العسكرية مكان.
اقرأ أيضًا: “ألمانيا غير موجودة”: تحليل حركة “مواطنو الرايخ”
معضلة المثاليين
يظهر تناقض واضح في الحكومة الألمانية الحالية، فرغم تصوير حزب “الخُضر” نفسه على أنه ينتهج سياساتٍ أقرب إلى المثالية في مناحٍ عدة، فإنه هو نفسه الذي يدعو بصوتٍ عالٍ إلى اتباع سياسة “أكثر صرامة” تجاه الصين. وهذا يُجسِّد التناقض الألماني التقليدي.
فالمسؤول الأول عن الأوراق الحكومية الثلاث، المذكورة أعلاه حول الصين، هم سياسيو حزب الخُضر. ووفقاً للمعلومات التي تسرّبت عبر وسائل الإعلام، فإنهم يدعون بشكلٍ أساسي إلى سياسة مصالح قائمة على القيم الألمانية، ويريدون تحقيق توازن دقيق بين المُثل العليا والسياسة الواقعية. وفقاً لهذه السياسة، فليس من الصعب رؤية أوجه تشابه مفاجئة مع موقف الولايات المتحدة في هذا الشأن.

انعدام الثقة القديم والجديد في الولايات المتحدة
صورة الألمان عن الولايات المتحدة متناقضة إلى حدٍّ كبير. صورة تتسم بالانبهار بالحداثة الأمريكية، والامتنان للتحرر من ديكتاتورية هتلر، والكراهية التي تحمل سمات تاريخية ومتجذرة في الانقسام الألماني على وجه التحديد بين “الثقافة” الروحية الرفيعة (ألمانيا) و”الحضارة” المادية التي تركز على التكنولوجيا (الولايات المتحدة). يُضاف إلى ذلك مزيج الانعزالية والحمائية والاستثنائية الذي يتكرر في تاريخ الولايات المتحدة -وآخرها في عهد الرئيس ترامب- الذي يُشكِّل اختباراً للثقة بالنسبة للألمان.
من جانبٍ آخر، كشفت الآثار الجانبية لحرب أوكرانيا للأوروبيين مدى اعتمادهم العميق على الولايات المتحدة في الأمن. ونتيجة لهذا، فإن السيادة التي كثيراً ما تتفاخر بها أوروبا بدأت تنحسر أكثر فأكثر. في الوقت نفسه، يشعر الألمان بالقلق الشديد من أن الولايات المتحدة تتسبَّب في ضررٍ كبير للصناعة الألمانية من خلال القانون الأمريكي المعروف باسم “قانون الحد من التضخم”.
كل هذا لا يمكن تفسيره إلا من خلال فكرة أن المصالح السياسية والاقتصادية للشركاء قد لا تتطابق بالضرورة.
المصدر: ذا دبلومات