الواجهة الرئيسيةشؤون دوليةشؤون عربية
هل تعيد بكين ترتيب أوراقها مع طهران؟
زيارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إلى الصين تطرح تساؤلاتٍ عدة حول تراجع رهان بكين على طهران بعد التقارب مع الرياض

كيوبوست- إبراهيم المقدادي
في خضم التوتر الذي نشب بين إيران والصين، على خلفية البيان الخليجي – الصيني في ديسمبر الماضي، والذي دعا إيران إلى عدم التدخل في الشؤون الداخلية لدول المنطقة، والالتزام التام بسلمية البرنامج النووي، وحل قضية الجزر الإماراتية المحتلة بالطرق السلمية، يعتزم الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي القيام بزيارةٍ رسمية إلى الصين، اليوم الثلاثاء، تستمر لثلاثة أيام بدعوةٍ من نظيره الصيني شي جين بينج.
وأوضحت وكالة أنباء “إيرنا” أن الزيارة سيتخللها لقاء بين رئيسي وشي جين بينج، ومباحثات بين وفدي البلدين وتوقيع “وثائق تعاون” في عدة مجالات أهمها الاقتصادية، على أن يلتقي رئيسي رجال أعمال صينيين وإيرانيين مقيمين في الصين، ويأتي هذا الاجتماع في الوقت الذي اتخذ فيه البلدان خطواتٍ كبيرة لتنفيذ البرنامج الشامل المشترك الــ 25 عاماً بين الطرفين، والنهوض في العلاقات السياسية والاقتصادية بين البلدين إلى أعلى مستوى[i].
اقرأ أيضاً: زيارة شي للسعودية… لماذا تعزِّز الرياض علاقاتها مع الصين؟
مستوى العلاقات
شهدت العقود الماضية ارتقاء واضحاً في العلاقات الثنائية بين إيران والصين، وأبدى الطرفان استعدادهما، وأعربا عن رغبتهما، في تطوير وتوسيع العلاقات الثنائية في كل المجالات، وخاصة السياسية والاقتصادية والعسكرية، وتعتبر نتائج المتغيرات التي طرأت على المنطقة هي المحرك الأكثر تأثيراً على سير العلاقات بين إيران والصين، إضافة إلى العقوبات الدولية، وما تلتها من انعدام للثقة بين إيران والدول الغربية[ii].
ورغم الاختلاف في اللغة والدين والإيديولوجية والقومية، فإن البلدين ارتبطا بعلاقاتٍ تاريخية متطورة منذ العهد القديم حتى يومنا هذا، ولكن من المؤكد أن هذه العلاقات قد وصلت إلى ذروتها من التقارب في العقد الأخير، إلا أن هذه العلاقات لم تصل حتى الآن إلى درجة التعاون الاستراتيجي أو الارتباط المصيري، ومن الخطأ تصور وجود تحالف استراتيجي بين الطرفين[iii].
إلا أن كلا الطرفين يعتبر الآخر قوة مؤثرة، يمكن بناء شراكة استراتيجية معه تصب في مصلحة البلدين، وترى إيران أن بناء علاقات جيدة مع الصين وروسيا أكبر هدف سياسي للبلاد حالياً، وتعتبر هذه الدول غنيمة لها وسنداً لتمرير سياساتها في مجلس الأمن، باعتبارها أعضاء دائمة العضوية في مجلس الأمن، ولها حق الفيتو.

ومنذ أن تولى إبراهيم رئيسي، منصبه في عام 2021، رئيساً لإيران، تبنَّى سياسة “الاهتمام بالشرق” لتعميق العلاقات مع الصين وروسيا، وانضمت طهران إلى منظمة شنغهاي للتعاون في سبتمبر 2022 بدعمٍ من الصين، وفي يناير 2022 أجرت إيران والصين وروسيا تدريباتها البحرية المشتركة الثالثة، في شمال المحيط الهندي، كما أجرت الدول الثلاث مناوراتها البحرية المشتركة في المحيط الهندي وبحر عمان في عام 2019[iv].
وتعد الصين شريكاً تجارياً أساسياً لإيران، كونها لا تزال أكبر مشترٍ لصادرات النفط التي تخضع لعقوباتٍ مشددة من قبل الولايات المتحدة، غير أنه في الأعوام الثلاثة الأخيرة شهدت التجارة بين إيران والصين انخفاضاً كبيراً، بحيث انخفضت صادرات إيران إلى الصين بأكثر من 36%، وصادرات الصين إلى إيران انخفضت بنحو 31%[v].
اقرأ أيضاً: تهاوي التجارة الصينية مع إيران بسبب سياسة العقوبات الأمريكية
وقعت إيران والصين عام 2021 على برنامج التعاون الشامل لمدة 25 عاماً، وحذرت منظمة الدفاع عن الديمقراطية في الولايات المتحدة من أن تطوير العلاقات السياسية والاقتصادية والعسكرية، بين إيران والصين، يشكِّل خطراً للولايات المتحدة وإسرائيل، وبعض الدول العربية[vi].
نقاط التوتر والخلافات
شهدت العلاقات السياسية بين إيران والصين تنافراً في بعض القضايا، فمثلاً عندما أصدرت منظمة الأمم المتحدة قراراً يقضي بمساعدة كوريا الجنوبية في دفع العدوان عنها، أيَّدت إيران هذا القرار وأدانت الصين باعتبارها دولة عدوان.

كما تصاعد التوتر بين الجانبين، في شهر ديسمبر الماضي، خلال القمة العربية الصينية، عندما وقع الرئيس الصيني على بيان يطالب إيران بعدم التدخل في شؤون دول المنطقة، وتقديم ضمانات على سلمية برنامجها النووي، وحل قضية الجزر الإماراتية المحتلة، الأمر الذي وصفته إيران بالمفاجأة القاسية، وعبَّرت على لسان المتحدث باسم خارجيتها، ناصر كنعاني، عن تنديدها وخيبة أملها من هذا السلوك الصيني، وقدَّمت احتجاجاً رسمياً للسفير الصيني في طهران، وهاجمت الصحف ووكالات الأنباء الإيرانية بشدة الصين، وطالبت الحكومة بضرورة اتخاذ التدابير اللازمة، وطرحت موضوعات عديدة من قبل الرأي العام، تتضمن عدم الثقة بالجانب الصيني[vii].
وأيَّدت الصين عدداً من قرارات الأمم المتحدة الخاصة بفرض عقوبات على إيران، مثل قرار مجلس الأمن رقم 1929 الذي يفرض عقوبات على طهران.
اقرأ أيضاً: هل تغير الاتفاقية الصينية- الإيرانية قواعد اللعبة في الشرق الأوسط؟
وتُعتبر الصين الدولة الأكثر مديونية لإيران، فهي أكبر مدينة نفطية لإيران بأكثر من 22 مليار دولار، وفي تقريرٍ آخر يقول إنها أكثر من 50 مليار دولار، وقد حاولت هذه الدولة تسوية ديونها من خلال تصدير البضائع خلال هذه السنوات، وهي نقطةٌ شائكة في العلاقات الثنائية، وعادة ما تُطرح من قبل وسائل الإعلام الإيرانية كقضية خلاف بين الطرفين[viii].

كما تحول توقيع وثيقة التعاون التي مدتها 25 عاماً بين إيران والصين من دافعٍ للتقارب بين البلدين إلى نقطة خلاف، فبعد مرور ما يقرب من عامين على توقيع هذه الاتفاقية، لا تزال حبراً على ورق ولم يفعَّل منها أي شيء، وذلك لعدم وجود منصات ضرورية لتنفيذ أحكام هذه الوثيقة، وعدم رغبة الجانب الصيني من المخاطرة في علاقاته مع إيران والتي قد تسبِّب غضب وابتعاد دول وتكتلات مهمة تراها الصين أطرافاً ضرورية لا يمكن الاستغناء عنها، وعلى رأسها دول الخليج العربي[ix]، فالصين تستفيد من علاقاتها مع دول مجلس التعاون الخليجي أكثر من إيران، وهذا في العديد من القطاعات المهمة، بما في ذلك المالية والاقتصاد والطاقة، ورأس المال السياسي، وكل شيء آخر[x].
اقرأ أيضاً: الصين قد تتحالف مع إيران في حربها ضد الولايات المتحدة
مستقبل العلاقات
لا شك أن الصين ما زالت تنظر للولايات المتحدة بأنها القوة الأكثر تأثيراً في العالم، ولا ترغب حتى الآن بدخول مواجهة تنتج مخاطر لقوة اقتصادية وعسكرية صاعدة، وخاصة أن الولايات المتحدة تملك قوة ضغط هائلة على الصين من الناحية الاقتصادية، لذا فمن الممكن أن يكون انخفاض النفوذ الأمريكي فيما بعد، طريقة أفضل للتوسع الصيني بدلاً من اختيار خيار المواجهة مع الولايات المتحدة.
اقرأ أيضاً: مستقبل العلاقات بين الولايات المتحدة والصين: تعاونية أم تصادمية؟
لذا ما زالت الصين لا ترغب بإقامة حلف مصيري أو علاقات استراتيجية مع إيران قد تقود إلى ضغوطٍ من القوى الغربية، وخاصة الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي، التي تحاول الصين تجنب الاصطدام بها مباشرة.

وفي الواقع، ونظراً للوضع غير المعتاد في النظام الدولي، وتشديد العقوبات، تم استبعاد إيران عملياً من أولوية إمدادات الطاقة للصين، بمعنى آخر، من المهم أن تدخل الصين في تفاعل اقتصادي مع الدول التي لها وضع طبيعي في النظام الدولي، وفي نفس الوقت لديها قدرة عالية على تصدير الطاقة، وهي خصائص لا تمتلكها إيران في الوقت الحالي.
فالتوترات في علاقات إيران الدولية والإقليمية، وإلى حدٍّ ما عدم الاستقرار الداخلي، أو عدم الاستقرار في المجالين الاجتماعي والسياسي في هذا البلد، خلقت باستمرار اعتباراتٍ لبكين لتوخي الحذر في علاقاتها مع طهران.
اقرأ أيضاً: لماذا تسعى الصين إلى التوسط لتحقيق المصالحة الخليجية- الإيرانية؟!
ومع التصعيد الجديد للتوترات بين إيران والغرب، والذي امتد الآن من الجمود في مفاوضات الاتفاق النووي إلى احتجاج المجتمع الدولي على قمع المتظاهرين في إيران، وغضب القوى الغربية من تصرفات طهران في إرسال طائرات بدون طيار إلى روسيا، ليس من المستبعد أن يصبح الحظر النفطي على إيران أكثر شدة، وهو ما تراه الصين دافعاً أساسياً في عدم اعتمادها على إيران.
المراجع:
[i] https://cutt.us/xr9In
[ii] https://cutt.us/MEMxL
[iii] https://cutt.us/QEv5w
[iv] https://cutt.us/PIEQp
[v] https://cutt.us/u3DRq
[vi] https://cutt.us/Jsc9h
[vii] https://cutt.us/7UHQO
[viii] https://cutt.us/ZO2YD
[ix] https://cutt.us/1vYtC
[x] https://cutt.us/4rW6f