الواجهة الرئيسيةشؤون عربية
هل تصبح مطالبة الحوثيين بالخُمس بداية نهايتهم؟
إن إثارة سخط السكان هي آخر ما تتمناه أية حركة تمرد أو ثورة أو انقلاب.. فهي المسمار الأول الذي يمكن أن يدق في نعشها

اليمن – منير بن وبر
يثير مشروع قانون، يعمل عليه المتمردون الحوثيون، جدلاً واسعاً بين أوساط اليمنيين؛ بالذات أولئك الذين في مناطق سيطرتهم. ويهدف القانون الجديد إلى منح المتمردين الحوثيين خُمس الموارد؛ أي 20%، تحت مبرر انتسابهم إلى “بني هاشم”؛ حيث تزعم أسرة الحوثي النسب إلى آل البيت، وتؤمن بفكرة حصر الإمامة في هذه السلالة، وتعتقد بوجوب الخُمس كسائر فِرق الشيعة.
وعلى الرغم من أن امتياز حصول الحوثيين على الخُمس هو جزء من شعائر مذهبهم؛ فإن سن قانون لفرضه، وفرض تحصيله، يأتي في وقت تعاني فيه جميع دول العالم أزماتٍ اقتصادية لن تتخطى أسبابها حكومة المتمردين الحوثيين الخاصة في صنعاء.
سبق أن حاول الحوثيون الحصول على مصادر جديدة للدخل بطرق مثيرة للغضب المحلي والدولي؛ منها المطالبة باقتطاع 2% من قيمة المساعدات الدولية لليمن، وابتكار أساليب مختلفة للجبايات المالية من التجار في مناطق سيطرتهم وإجبارهم بالقوة على دفعها؛ وهو ما يؤدي إلى تنامي استياء السكان والتجار. ستُجبر أولويات الحرب الحوثيين على التغاضي عن هذا السخط؛ لكن ذلك لن يخدمهم على المدى الطويل.
شاهد أيضاً: فيديوغراف.. إرهاب الحوثيين في إتلاف طعام اليمنيين
تعسف تاريخي
حكم الأئمة الزيدية شمال اليمن لأكثر من ألف عام؛ وهم أسلاف أسرة الحوثي التي تقود التمرد اليوم؛ لاستعادة خلافتهم. كان لتأييد بعض أهم قبائل شمال اليمن، كحاشد وبكيل، دور مهم في استمرار الأئمة طوال تلك الفترة؛ وذلك لإيمان زعماء تلك القبائل بهدف الأئمة، المتمثل في الخلافة الإسلامية، وللمكانة الاجتماعية والدينية التي حظيت بها الأسرة.

وعلى الرغم من علاقة الانسجام بين الأئمة وقبائل شمال اليمن، في معظم أوقاتها؛ فإنها لم تكن تخلو حيناً من التوتر الذي يقود زعماء القبائل إلى التقاعس عن نصرة الأئمة، كما حدث في ثورة 1948 ضد الإمام يحيى، الفاشلة، أو حتى الوقوف الصريح ضد الإمام كما حدث في ثورة 1962 التي نجحت، وأسقطت الإمامة بعد سنوات من الصراع.
اقرأ أيضاً: اليمن.. كيف سيؤثر إعلان الإدارة الذاتية في الجنوب على مستقبل البلاد؟
وقد كان التنافس على الزعامة الشعبية هو ما يغذي مثل تلك التوترات، التي يزيد من حدتها تعسف الإمامة ضد القبائل في أمور تتعلق بالزكاة والإرث والتجارة والغرامات ونظام الرهائن.. وغيرها من المشكلات، والتي كان الأئمة غالباً ما يثيرونها؛ لاستنزاف أموال زعماء القبائل وإذلالهم، تنافساً منهم على الزعامة؛ الأمر الذي أدى في نهاية المطاف إلى سخط شعبي أطاح بحكم الأئمة وأقام نظام الجمهورية اليمنية في شمال اليمن.
ماذا يعني أداء الخُمس؟
أداء الخُمس عند الشافعية هو إعطاء 20% (الخُمس) لآل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مما يحصل عليه المسلمون من أموال الكفار قهراً. وفي المسألة تفصيل وخلاف بين أهل العلم. أما عند الزيدية، وهو مذهب الحوثيين وإحدى فرق الشيعة، فالغنيمة لا تقتصر على الحرب؛ بل هي كل ما يكسبه الإنسان ويربحه، وإن لم يكن بقتال أو حرب، أي أن لآل البيت الخُمس من كل ما يربحه الإنسان من تجارة أو معادن الأرض ونحوهما. وعلى هذا الأساس بنى الحوثيون قانونهم الجديد.
اقرأ أيضاً: الاقتصاد اليمني بين عجز الحكومة وطغيان المتمردين
وقد نصَّت إحدى مواد القانون الحوثي الجديد على وجوب دفع الخُمس لهم بصفتهم من آل البيت (بني هاشم)؛ من الركاز والمعادن المستخرجة من باطن الأرض، كالذهب والنفط والغاز وحتى الماء، وكذلك ما استُخرِج من البحر كالسمك واللؤلؤ والعنبر.. وغيرها من الموارد. وقد حدد القانون الحوثي تقسيم الخُمس على ست فئات: الأولى، مصالح المسلمين؛ بما في ذلك دعم الثغور بالجُند والسلاح. والثانية، ولي الأمر. والثالثة، ذوو القربى من بني هاشم. أما الفئات الثلاث المتبقية فتتراوح بين اليتامى والمساكين وابن السبيل من بني هاشم وعموم المسلمين.
ردود فعل
أثار قانون وجوب الخُمس انتقادات واسعة على وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام؛ ففي تصريح له لوكالة الأنباء اليمنية سبأ، قال وزير الإعلام في الحكومة الشرعية، معمر الإرياني: “إن قانون الخمس (الحوثي) النموذج الأسوأ للتمييز العنصري في العصر الحديث”. نشر الإرياني صوراً من وثيقة مسرَّبة من مشروع القانون في سلسلة تغريدات له على “تويتر” @ERYANIM، اتهم فيها الحوثيين بنهب الخزينة والاحتياطي النقدي، واستهداف الهوية الوطنية والسلم وإثارة النعرات.
اقرأ أيضاً: وزير الإعلام اليمني يهاجم “الجزيرة”.. ويكشف عن كواليس التحالف الإخواني- الحوثي
وفي منشور لها عبر حسابها على “تويتر”، قالت سفيرة اليمن لدى السويد، سحر غانم، @GhanemSahar، مستنكرة التصرف الحوثي: إن الجماعة كانت تحاول فرض تبني قانون الخُمس المزعوم منذ الحوار الوطني في اليمن عام 2013-2014. كما عبر ناشطون ومواطنون آخرون عن ذات المخاوف والغضب.
إن إثارة سخط السكان هي آخر ما تتمناه أية حركة تمرد أو ثورة أو انقلاب، وهي المسمار الأول الذي يمكن أن يكون في نعشها؛ فبفضله ينحاز السكان إلى جانب القوات المضادة للتمرد من خلال تسهيلاتهم ومعلوماتهم الاستخباراتية، وحتى انضمامهم إلى صفوف المقاتلين ضد المتمردين؛ مما يتسبب في إرباك وخلخلة صفوف المتمردين وإضعافهم من الداخل.
ولطالما أثبت سخط السكان دوره البارز في نجاح الحملات ضد التمرد، بالذات عندما يتطور الغضب الشعبي إلى مقاومة يُقابلها عنف أو قمع وحشي من قِبل المتمردين؛ ويمكننا أن نرى مثل تلك المنافع بوضوح في معارك تحرير عدن من الحوثيين، والتي قاتل فيها الجنوبيون بشراسة؛ لحسم النصر لصالحهم خلال أشهر بدعم من التحالف العربي. وعلى الرغم من أن السخط على المتمردين الحوثيين في الشمال لم يصل بعد إلى مستوى عالٍ؛ فإنه على ما يبدو مرشحٌ للتصاعد، إذا مضى الحوثيون في تنفيذ قرارهم بالقوة.