الواجهة الرئيسيةشؤون عربية

هل تسهم القضية الجنوبية في حسم المعارك في اليمن؟

انتصارات قوات العمالقة أنعشت آمال الجنوبيين في تحقيق المزيد من لفت النظر والتعامل الجاد والعملي مع قضيتهم

كيوبوست

تمكنت قوات العمالقة من تحقيق نصر حاسم خلال أيام فقط؛ حيث تم تحرير ثلاث مديريات من محافظة شبوة، جنوب اليمن، بعد أن سيطر عليها الحوثيون دون أية مقاومة تُذكر. انتصارات قوات العمالقة أنعشت آمال الجنوبيين في تحقيق المزيد من لفت النظر والتعامل الجاد والعملي مع قضيتهم؛ فهذه القوات الجنوبية تم تشكيلها من قِبل قوات التحالف العربي، وقد حققت ما لم تحققه من قبل قوات الجيش الوطني المخترق من قِبل ميليشيات حزب الإصلاح، وهو ما يدفع إلى التساؤل حول مدى فاعلية الجيش -الذي يتكون أغلبه من أبناء الشمال- ومدى جديته في تحرير الأراضي التي يسيطر عليها الحوثيون في الشمال.

من ناحية أخرى، تتصاعد المخاوف من تكرار ما حدث في شبوة في محافظة حضرموت؛ حيث تتمركز قوات المنطقة العسكرية الأولى في وادي وصحراء المحافظة، وتتكون من موالين للحوثيين والإخوان المسلمين، ويشكلون ما يمكن أن يُطلق عليه “خلايا نائمة”، كما أنهم يسهلون تحركات العناصر الإرهابية، وتهريب السلاح والذخيرة إلى المتمردين الحوثيين، حسب شهود عيان؛ وهذا ما يجعل أبناء حضرموت يطالبون بإخراج قوات المنطقة العسكرية الأولى التي ينظرون إليها بعين الريبة، واستبدال أبناء المحافظة بها، أسوةً بقوات النخبة الحضرمية التي تنتشر في الأجزاء الساحلية من ذات المحافظة.

اقرأ أيضاً: مستقبل السلام بين الحوثيين والإخوان في اليمن

كل تلك التطورات ترسل رسالة واضحة -حسب أبناء الجنوب- مُلخصها أن أبناء الجنوب أكثر إخلاصاً وإرادة في تحرير منطقتهم من المتمردين الحوثيين وميليشيات الإخوان؛ وهم يرفضون أية سيطرة لهذه الجماعات على أراضيهم، رفضٌ له جذور تاريخية وثقافية وعقائدية. هذا الرفض يقابله قبول -أو على الأقل تغاضٍ- في الشمال؛ حيث المذهب الزيدي متجذر منذ أكثر من ألف سنة، والأجندة الفكرية بين الإخوان والحوثيين تلتقي في الكثير من النقاط المشتركة. ويفترض أن يكون ذلك – حسب وجهة النظر الجنوبية- دافعاً بما يكفي لإعادة دولة الجنوب العربي التي دخلت في وحدة فاشلة مع اليمن في عام 1990م.

الجنوب جنوب.. والشمال شمال

استغرق تحرير مدينة عدن من قبضة الحوثيين في عام 2015  نحو أربعة أشهر فقط؛ بدعم قوي من قوات التحالف العربي والقوات الجنوبية التي دافعت عن مدينتها ببسالة. في المقابل، لا تزال صنعاء ترزح تحت حكم المتمردين الحوثيين. وعلى الرغم من الهوية الجنوبية القوية للقوات الجنوبية؛ فإنها توجهت بعد تحرير عدن، وبدعم من التحالف أيضاً، إلى تحرير مناطق في الحديدة التي تعتبر من المحافظات الشمالية، وتم تحقيق إنجازات مهمة هناك أيضاً. القادة الجنوبيون يقولون إن مشاركتهم تلك تأتي لرد الجميل لقوات التحالف العربي، والمساعدة في تطهير المنطقة العربية من المد الإيراني، وهو هدف استراتيجي مهم لأمن المنطقة؛ لكنه لا يعني -بأية حال من الأحوال- أن الجنوبيين يتخلون عن قضيتهم.

العميد تركي المالكي متحدث تحالف دعم الشرعية مع سلطان العرادة محافظ مأرب- وسائل التواصل الاجتماعي

تحرير شبوة مؤخراً طرح تساؤلات مهمة أيضاً: هل تتجه القوات الجنوبية لتحرير مناطق في الشمال أيضاً؛ مثل مأرب وحتى صنعاء؟ في تغريدة له على “تويتر، قال أستاذ العلوم السياسية الإماراتي عبدالخالق عبدالله: “نصيحة حريصة من حكماء وعقلاء القوم في الجنوب العربي تدعو إلى عدم انجرار ألوية العمالقة الجنوبية إلى معارك ضد الحوثي في الشمال اليمني”، ودعا عبدالله إلى “ترك أمر تحرير مأرب لأهل مأرب التي هي أرض يمنية شمالية؛ فالشمال شمال والجنوب جنوب، وقد يلتقيان أو يفترقان بإرادتهما”.

العميد خلفان الكعبي يقول في تغريدة له أيضاً: “الفرق واضح؛ مأرب تحصلت على كل الدعم، لكن خيانة حزب الإصلاح وتآمره مع الحوثيين منع التحرير”، ويضيف: “التخلص من الإصلاح وقياداته هو من سيحرر مأرب والشمال من الحوثيين”. وعبَّر أبناء الجنوب عن وجهة نظر مماثلة أيضاً، ففي الحراك الشعبي الدائر حالياً في محافظة حضرموت، قال الشيخ حسن بن سعيد الجابري -في كلمة له- إن على قوات المنطقة العسكرية الأولى في وادي وصحراء حضرموت التوجه إلى مأرب لتحريرها، وتسليم حضرموت إلى أبنائها. تنبثق وجهة النظر هذه -حسب أبناء حضرموت- من حقيقة أن تلك القوات من الأولى لها تحرير مناطقها في الشمال؛ حيث تشتد الحاجة إليها.

اقرأ أيضاً: اليمن.. بداية المعارك الفاصلة في شبوة

ماذا يريد الجنوبيون؟

دخل اليمن في وحدة مع الجنوب العربي -ويطلق عليه أيضاً جنوب اليمن- في عام 1990 م بعد مفاوضات طويلة متقطعة منذ استقلال المنطقتَين في الستينيات. لم تحقق الوحدة طموحات الشعبَين، وسرعان ما كشفت الاختلافات الفكرية والتاريخية والثقافية والطائفية والقبلية أن مشروع الوحدة الاندماجية غير قابل للحياة؛ واندلعت على إثر ذلك حرب الانفصال في عام 1994م، والتي انتهت بفوز قوات الشمال. اعتبر الجنوبيون الفوز بمثابة احتلال للجنوب؛ لأنه جاء بعد إعلان الجنوب الانفصال. هذه الحقيقة تجعل الجنوبيين ينادون بـ”الاستقلال” وليس الانفصال؛ لأن الانفصال قد تم بالفعل.

اقرأ أيضاً: 120 عاماً من الصراع في اليمنماذا تعلمنا من صراع أكثر من قرن في اليمن؟

استمرت مطالبات الجنوبيين بالاستقلال، وظهر ما يُعرف بالحراك الجنوبي في عام 2007م، ثم ظهر المجلس الانتقالي الجنوبي في2017 م، والذي شارك في تقاسم الحكومة مع الحكومة الشرعية في عام 2019م من خلال “اتفاق الرياض”. وعلى الرغم من أن المجلس كيان سياسي؛ فإن الكثير من القوات العسكرية في الجنوب، مثل قوات الحزام الأمني، تدين بالولاء للمجلس؛ بفضل تبنيه القضية الجنوبية.

وهكذا، كلما حقق الجنوبيون المزيد من الخطوات نحو هدفهم، من خلال نشاط القوى السياسية والقوى العسكرية الموالية، زادت معارضة وشراسة مقاومة الأطراف الأخرى من الشمال، وأبرزها المتمردون الحوثيون وحزب الإصلاح اللذان ينتميان في الواقع إلى الشمال وليس لهما أي قبول في الجنوب.

الحجة التي يتبناها المعارضون للقضية الجنوبية هي أن تقسيم البلاد يعني المزيد من الضعف، وأن “اليمن واحد”؛ لكن في الواقع -حسب وجهة النظر الأخرى- ليس هناك أي تقسيم، فالدولتان كانتا ذات سيادة قبل عام 1990م، وإعادة السيادة إليهما لا تعني القطيعة بين النظامَين أو الشعبَين، بل -على العكس من ذلك- يمكن أن يؤدي إلى تكامل سياسي واقتصادي حقيقي ونزيه؛ نظراً لتجاور البلدين، وهو ما يحقق ازدهار الشعبَين بدلاً من الاقتتال، وبالطبع هذا أمر مرهون باحترام الجميع المبادئ والأعراف الدولية؛ بما في ذلك عدم التدخل في الشؤون الداخلية وعدم تشكيل تهديد لأي طرف منهما.

مقاتلون حوثيون- “جيتي إمجس”

إن مصدر التهديد الحالي الذي يشكله الحوثيون والإخوان في اليمن شمالاً وجنوباً هو أساس الصراع في البلاد، وهذا التهديد شمالي المنشأ، حسب الجنوبيين، ومع كل فشل في القضاء على هذا التهديد يتزايد الإصرار والقناعة بفك الارتباط (القسري) مع الشمال والتخلص من المشكلة التي تبدو أزلية. وهكذا يتضح كيف تؤدي انتصارات أبناء الجنوب الأخيرة إلى دفع القضية الجنوبية خطوات إلى الأمام بعد عقود من الإصرار والمثابرة من أبناء الجنوب، وكيف تؤدي “القضية الجنوبية” وشدة التمسك بها إلى تشديد الخناق على المتمردين الحوثيين والإخوان.

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة