الواجهة الرئيسيةشؤون دوليةشؤون عربية
هل تستطيع ألمانيا منع تحوُّل ليبيا إلى سوريا جديدة؟

كيوبوست – ترجمات
ظل الوضع في ليبيا بعيدًا عن اهتمامات المجتمع الدولي لمدة طويلة. ولسنوات عديدة لم يكن ينظر بعين الاعتبار إلى الوضع هناك سوى بلدان قليلة. أما الآن وبعد أن قررت ألمانيا الدخول في سجال الأزمة الليبية، فمن الممكن أن يتغيَّر الوضع؛ حيث ينتظر الجميع عقد المؤتمر الدولي للأمم المتحدة، بهدف مناقشة الأزمة الليبية. وقد قررت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، أن تستضيف المؤتمر على الأراضي الألمانية، وذلك بعد قيامها بتوجيه تحذيرات جادة حول احتمالية انزلاق ليبيا في جحيم السيناريو السوري.
اقرأ أيضًا: كيف يرى المجتمع الدولي ما يحدث في ليبيا؟
في الحقيقة، لن يكون مؤتمر الأمم المتحدة أمرًا ذا جدوى كبيرة في حد ذاته؛ فالأمر كله منوط الآن بالاستراتيجية الألمانية. وقبل أن تقدم على لعب هذا الدور الخطير المتعلق بسياستها الخارجية تجاه شمال إفريقيا، عليها أن تثبت للجميع أنها تمتلك الأجندة السياسية الصحيحة. وقبل ذلك، عليها أن تتأكد من أن هناك حلفاء أقوياء يحمون ظهر ألمانيا، وغني عن الذكر أن ألمانيا لم تقدم على لعب مثل هذا الدور في شمال إفريقيا إلا في ما ندر.
وحتى الآن، كان كلٌّ من فرنسا والإمارات العربية المتحدة ومصر أكبر الداعمين لصف المشير خليفة حفتر؛ حيث فضلت الوقوف إلى جانب واحد في الصراع الليبي، وليس من المستغرب أن تنتهي الاجتماعات المشتركة بين الأطراف الثلاثة على الاتفاق على هذا الأمر، ويبدو أن دعم صعود حفتر إلى سُدة الحكم وإجبار عملية الانتقال السياسي على العمل لصالحه هما استراتيجية الدول الثلاث؛ للحفاظ على الجنرال في موقعه.
خلف الكواليس
على مدى تاريخ ليبيا، كانت النتيجة النهائية لسلاسل المباحثات والمبادرات هي دعم مزيد من الاقتتال الداخلي. وقد تم ذلك بالفعل وبطريقة باتت لفترة طويلة خفية عن الأنظار؛ وهي الحرب نفسها التي بدأت منذ تصاعد الاحتجاجات ضد الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي، في 2011، واستمرت إلى الآن، وشهدت عدة منعطفات خطيرة؛ منها الهجوم الجريء لقوات حفتر على طرابلس، ومن ثَمَّ نجاحه في انتزاع السلطة وممارستها من خلف الكواليس.
شاهد: فيديوغراف.. خريطة التنظيمات المسلحة في ليبيا
وقد تسبب تجدُّد العداءات في الداخل الليبي في إبراز الأزمة على النطاق الدولي؛ حيث بدأ معارضو حفتر على الجانب الآخر في التماس الدعم التركي. وفي حقيقة الأمر لم يكن هؤلاء ينتظرون أي نوع من الدعم مثلما تمنوا تدخل الآلة العسكرية التركية المتطورة؛ وهو ما سيقود إلى جعل حالة الحرب على طول البلاد وعرضها هي الحالة الطبيعية، وهو ما سمح أيضًا لتنظيم الدولة الإسلامية بإعادة تثبيت نفسه على خريطة الصراع.

من جانب آخر، ظلت البنية التحتية الليبية معطلةً لمدة طويلة، ولم يسهم وجود “داعش” سوى في تدميرها، كما أسهم تجدد الصراع في ترسيخ حالة الانقسام الداخلي. ولا ينبغي أن ننسى أن الوضع الليبي يعبر عن تحالفَين كلاهما يتمتع بقدرٍ من الهشاشة؛ ما يبشر بسرعة تفتتهما في المستقبل، أي بانتشار الصراع على جبهات عديدة على امتداد كل الأراضي الليبية.
اقرأ أيضًا: تركيا تبحث عن 18 مليار دولار في ليبيا
في الوقت المناسب
كان حفتر قد شنّ هجومه على طرابلس في ظل قيادة ألمانيا مجلس الأمن الدولي؛ حيث سَعَت مرارًا لإيجاد حلول للأزمة؛ لكن الأمر قوبل بالفشل والتمييع في كل مرة، ما يعني أن ميركل لا يمكنها استبعاد الأزمة الليبية من دائرة اهتمامها، وبالفعل جاءت تصريحاتها، فضلًا عن تصريحات السفير الألماني في ليبيا، معبرةً عن ذلك الموقف، حيث أكدا وعي ألمانيا بخطورة ترك ليبيا في استكمال السيناريو الجاري، وجدير بالذكر وعي ألمانيا بمدى أهمية الحد من التدخلات الدولية في الشأن الليبي.

ويبدو أن هذه هي اللحظة المناسبة لتدخل ألمانيا، ويمكن القول إن القيادة السياسية هناك قد التقطت الخيط في الوقت المثالي بالنظر إلى المستجدات التي حدثت على أرض الواقع؛ وأهمها أن الأمور بدأت في الانفلات من قبضة حفتر، خصوصًا بعد خسارته قاعدة العمليات العسكرية الخاصة به في مدينة غريان؛ وهو ما يعني فقدانه كثيرًا من الامتيازات التي حققها هجومه السابق على طرابلس، بينما لم تتمكن استراتيجياته الحربية من الحفاظ على الأرض هناك لأكثر من ساعات معدودة. وفي الوقت نفسه، يقترب التحالف المضاد لقوات حفتر من محاصرة آخر معقل له هناك، وهو مدينة ترهونة، وربما يكون تقدمه بطيئًا لكنه ينذر بالخطر على أيّة حال.
اقرأ أيضًا: مَن يدعمون “ليبيا” ومَن يدعمون “الإرهاب في ليبيا”
وليست ألمانيا وحدها التي انتبهت إلى خطورة الوضع الليبي، فلدينا دول شمال وغرب إفريقيا في الجانب المقابل؛ حيث شهد اللقاء الذي عقدته مؤخرًا المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا أمرًا مشابهًا، وتصاعدت النداءات لإيجاد حلول عاجلة. ويعبر ذلك كله عن وجود رغبة جماعية للعثور على حلول سلمية للأزمة، أضف إلى ذلك استعداد داعمي حفتر لمناقشة الخطة الثلاثية الموضوعة من قِبَل الأمم المتحدة، تلك التي يمسك بزمامها مبعوث المنظمة الدولية غسان سلامة؛ حيث دعا إلى عقد هدنة وتعظيم الثقة المتبادلة بين الأطراف كافة. وأخيرًا الدعوة إلى عقد مؤتمر دولي مهمته دفع العملية السياسية في ليبيا إلى الأمام، بدءًا بالداخل الليبي وليس العكس.
شبح الحرب بالوكالة
وقد تولَّت ألمانيا مهمة تحقيق الجانب الثالث من مبادرة السلام، وهو إقامة مؤتمر دولي مهمته دفع العملية السياسية في ليبيا إلى الأمام، ولكي تتمكن ألمانيا من ذلك سيكون عليها التركيز على اجتذاب اللاعبين الدوليين إلى صفها، فضلًا عن تجنبها التورط في الوقوف في صف أيٍّ من الأطراف المتحاربة. وعلى ما يبدو أن التحالف الدولي الثلاثي الذي يدعم حفتر يعد نفسه لحضور القمة الدولية، كما يعد مقترحاته وأفكاره الآن لوضعها على مائدة المفاوضات.

في الغالب ستتضمن اقتراحات التحالف الثلاثي ما يصب في صالح حفتر؛ من بينها تقديم بعض التنازلات العسكرية والاقتصادية من جانب طرابلس، والدعوة إلى عقد انتخابات عاجلة؛ وهي الاقتراحات التي ستُقابل باعتراف ضئيل من جانب قوات حكومة التوافق الوطني؛ تلك التي تشعر أنها أحكمت قبضتها أخيرًا على قوات حفتر. وفي حال تركيز المؤتمر على دفع تلك الاقتراحات إلى حيز الوجود مع تجاهل الثقل الدولي الذي يعمل في الاتجاه المضاد، فإن الاتفاقية المأمولة سوف تتعرَّض إلى فشل ذريع.
أما إذا تم التوافق على تلك المقاربة الثلاثية، فإنه من شأنها تعزيز حصار حفتر للمنطقة الليبية الغربية؛ ما قد يدفع معارضي حفتر إلى تصديق تخلِّي المجتمع الدولي عنهم، وبالتالي تقديم المزيد من التنازلات؛ للحفاظ على الانتصار العسكري الذي حققوه، وهو ما سيستدعي المزيد من التقارب بين أنقرة ومنطقة غرب ليبيا، ولحظتها سيظهر الصراع الليبي نفسه في ثوب الحرب بالوكالة، ذلك الذي ظل مستترًا خلف الكواليس لمدة طويلة.
اقرأ أيضًا: ترجمات: تطورات الوضع في ليبيا.. الحكومة والميليشيات
وفي حال توافرت الرغبة الدولية لإنجاح المؤتمر المزمع عقده في ألمانيا، فإن إعادة استقرار ليبيا ستكون هي الخطوة الأولى، ولتحقيق ذلك لابد من الوصول إلى مرحلة انتقالية. ولكي تنجح ألمانيا في ذلك، عليها أن تضمن توافر المساحة الكافية للتوافق؛ كي تتمكن من دفع العملية السياسية في ليبيا إلى الأمام، ولن يحدث ذلك إلا عن طريق البدء بالداخل الليبي نفسه؛ أي باتباع المسار القادم من أسفل إلى أعلى.
اللعب النظيف
على المؤتمر إذن تكثيف جهوده حول أمر واحد؛ هو الحصول على إجماع دولي هدفه منع التدخلات الخارجية، تلك التي حرصت على إذكاء نيران الحرب، وبهذه الطريقة يمكن التوصُّل إلى نقاشات أصيلة ونافعة، تكون أهم أهدافها؛ كالتالي: أولًا، التوصل إلى اتفاق من شأنه أن يلزم كل الأطراف بحظر الحلول العسكرية، فضلًا عن توضيح كيف يمكن متابعة تنفيذ ذلك الالتزام. أما الهدف الثاني فيتلخص في إلزام الأمم المتحدة لكل الأطراف بالاعتراف بالشركة الوطنية الليبية باعتبارها الجهة الوحيدة المخول لها بيع النفط الليبي بشكل شرعي، وسيسهم ذلك في منع حفتر من بيع النفط الليبي بطرق غير مشروعة، وكذلك منعه من التفكير في معاودة الاستيلاء على تلك المؤسسة الوطنية والانتفاع بها وحده.

ومن شأن تلك التسوية أن تسهم في تحييد الأطراف الخارجية التي تعمل على زعزعة الوضع في ليبيا؛ وهي الطريقة الوحيدة التي تمكَّنت الدبلوماسية الدولية من تحقيق رغبتها في إعادة الاستقرار، وعلينا التفكير في أن المساومات التي تتم بين الأطراف الخارجية والداخلية لن تتوقف إلا في حالة واحدة؛ وهي القضاء على الأسباب التي تحفز على مواصلة الحرب، وكذلك القضاء على غياب الاستقلال المالي للداخل الليبي، تلك الأسباب هي التي حفَّزت الأطراف الخارجية على التدخل.
اقرأ أيضًا: كيف دعمت حكومة طرابلس سيطرة الميليشيات على حقول النفط في الجنوب الليبي؟
أما بالنسبة إلى ألمانيا، فعليها أن تعي أن تورطها في الشأن الليبي له تبعات يجب تجنبها؛ فمن الممكن أن يشجع ذلك الأطراف المتحاربة داخل ليبيا على الالتفاف على قرارات الأمم المتحدة. وهذا سيتوقف على الطريقة التي ستتبعها برلين في إدارة الأزمة، وهل ستسمح لنفسها أن تتحول إلى طرف في الصراع من عدمه؟ ومن الممكن أن ينجح المؤتمر الألماني في تقديم حلول مختلفة إذا قدَّم الضمانات الكافية لغسان سلامة؛ ليتمكن من الوصول إلى تسوية مُرضية بين الأطراف الليبية المتحاربة، فضلًا عن إقناع الأطراف الخارجية بإمكانية التوصل إلى اتفاقات، والتأكيد أن ذلك لن يحدث إلا في حال إقلاعهم عن تحفيز الاقتتال الداخلي.
وبما أن ألمانيا قد أقحمت نفسها في جحيم الصراع الليبي الذي لا يهدأ، ستظل الطريقة الوحيدة التي تمكنها من الخروج الآمن وتحقيق المكاسب هي اللعب النظيف عبر ممارسة دورها بمهارة، فضلًا عن تحييد نفسها والابتعاد عن أن تتحول إلى طرف في الصراع، ساعتها ستكون ألمانيا هي اللاعب الدولي الذي غاب عن ممارسة دوره في ليبيا لمدة طويلة، لكنه عاد لينجح.
المصدر: الموقع الإلكتروني للمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية