الواجهة الرئيسيةترجماتثقافة ومعرفة
هل تساعد شهرة النجوم على التقليل من التحيُّز؟
تأثير محمد صلاح على السلوكيات والمواقف المعادية للإسلام أنموذجاً

كيوبوست- ترجمات
علاء الربابعة، ويليام ماربل، سلامة موسى، أليكساندرا سيغل
في فبراير عام 2018، احتفل مشجعو نادي ليفربول بفوزٍ حاسم في دوري أبطال أوروبا، عندما فاز فريقهم على فريق إف سي بورتو، بخمسة أهداف مقابل لا شيء. وكان محمد صلاح، المهاجم المصري، مفتاح نجاح النادي. وبعد الفوز هتف المشجعون:
إذا ما سجلت المزيدَ من الأهداف
فسأصبح أنا أيضاً مسلماً
إذا كان الإسلام جيداً بالنسبة لك
فهو جيد بالنسبة لي
الجلوس في المسجد
هو ما أريد فعله
ولا يُشتهر صلاح فقط بمهاراته في الملعب؛ بل بهويته الإسلامية الواضحة غير المسبوقة بين نجوم الكرة. لم يعتد المشجعون الأوروبيون على رؤية اللاعبين يسجدون بعد تسجيل هدف مثلاً. وسرعان ما أطلقت شعبيته تكهنات وسائل الإعلام بأن هويته الإسلامية ربما تساعد على التقليل من الإسلاموفوبيا بين المشجعين. وبينما يؤيد بعض النقاد هذه التكهنات، يرى آخرون عكس ذلك. فعلى الرغم من حقيقة أن “الجميع يحبون الفائز”؛ فإنه لا يوجد دليل منهجي على أن شهرة صلاح يمكن أن تقلل من الإسلاموفوبيا في الثقافة البريطانية.
اقرأ أيضاً: ترجمات.. محمد صلاح.. وتغيير تصورات الغرب عن الإسلام
وفي هذا البحث، نحن نتحقق من فرضية أن صعود صلاح السريع قد قلَّل من السلوكيات والمواقف المعادية للمسلمين بين مشجعي فريق ليفربول. وسنختبر هذه الفرضية باستخدام ثلاثة تصاميم بحثية تكميلية؛ هي تحليل جرائم الكراهية في إنجلترا، وتحليل التغريدات المعادية للمسلمين بين مشجعي كرة القدم في إنجلترا، وتجربة استطلاعية فعلية.
أولاً، اعتمدنا على بيانات جرائم الكراهية من 25 قسم شرطة في إنجلترا بين عامي 2015 و2018. واستخدمنا طرقاً متعددة لحساب معدل جرائم الكراهية في شرطة ميرسيسايد -التي تغطي مدينة ليفربول- بعد أن تعاقد صلاح مع النادي. ووجدنا أن معدل هذه الجرائم قد انخفض بنسبة 16% بالمقارنة مع المعدل المتوقع لو أنه لم يتعاقد. ثانياً، قُمنا بتحليل 15 مليون تغريدة لمشجعي أندية كرة القدم البارزة في الدوري الإنجليزي، ووجدنا أن نسبة التغريدات المعادية للمسلمين بين مشجعي ليفربول بعد انضمام صلاح كانت نصف النسبة المتوقعة تقريباً (3.8% بمقابل 7.3%). وأخيراً، قُمنا بإجراء تجربة مسح على 8060 من مشجعي ليفربول، أشارت نتيجتها إلى أن بروز هوية صلاح الإسلامية قد قلل من التحيُّز ضد المسلمين بشكل كبير. وقد عزز تزويد المستجيبين للمسح بمعلوماتٍ حول ممارسات صلاح الدينية اعتقادهم بأن الإسلام متوافق مع القيم البريطانية بنسبة 5%. وهذه النتائج تشير إلى أن شهرة النجوم الذين ينتمون إلى مجموعاتٍ غريبة عن المجتمع يمكن أن تقلل من التحيُّز ضد هذه المجموعات؛ خصوصاً عندما يكون انتماء المشاهير إلى هذه المجموعة بارزاً للغاية.

تم بناء هذه الدراسة كما يلي: في القسم التالي نعتمد على أدبيات التواصل عبر المجتمعات لتحفيز فرضيتنا التجريبية، وبعد ذلك نقدم نقاشاً موجزاً عن الإسلاموفوبيا في المملكة المتحدة، ثم نقدم تحليلاً لبيانات جرائم الكراهية في إنجلترا، يتبعه تحليل لتغريدات متابعي أندية الدوري الممتاز. وبعد بحثٍ موجز في قوة الاستنتاجات وقابليتها للتعميم، نصف اختبار التجربة العملية التي أجريناها. وفي قسم المناقشة نفسر النتائج، ونتناول قابلية تعميمها قبل اختتام هذه الدراسة.
اقرأ أيضاً: محمد صلاح يقدّم هدية للعرب والمسلمين!
فرضية التواصل بين المجتمعات
توثق الأدبيات الثرية العلاقة بين التواصل بين المجموعات والتحيُّز. تفترض فرضية التواصل أن التواصل الشخصي عبر الخطوط الاجتماعية يمكنه أن يقلل من التحيُّز إذا كان ذلك التواصل إيجابياً ومدعوماً من سلطات المجتمع ومتكافئاً، ويتضمن التعاون لتحقيق هدف مشترك. ووجد أن مثل هذا التواصل يقلل من التحيُّز من خلال التخفيف من القلق بين المجموعات وإثارة التعاطف، وإلقاء الضوء على القواسم المشتركة، وتكوين الصداقات بين المسارات الاجتماعية والمعرفية المختلفة. وقد أثبتت الأدلة من تجارب ودول عديدة فعالية التواصل الإيجابي في تحسين العلاقات بين المجموعات والتقليل من التحيُّز.
على الرغم من أهمية هذا التواصل في تعزيز التسامح؛ فإن فعاليته يمكن أن تكون محدودة بسبب الافتقار إلى فرص حدوث مثل هذا التواصل، بسبب الفصل في السكن والعمل، والقلق المتبادل بين المجموعات أو صغر حجم بعض المجموعات. وهذا ما دفع مؤيدي فرضية التواصل إلى الاعتقاد بأن وسائل الإعلام الرئيسية ربما تلعب دوراً مهماً في تشكيل التحيُّز والحفاظ عليه.
وبناء على هذه الرؤية، اقترح العديد من الباحثين فرضية التواصل عبر المجتمعات كبديل عن فرضية التواصل الكلاسيكية. تقترح هذه الفرضية أن التواصل من خلال أفراد من مجموعات الأقلية يمكنه أن يقلل من التحيُّز ضد هذه المجموعات. وقد دعم العديد من الدراسات القائمة على الملاحظة والتجريب فرضية التواصل بين المجموعات. وفي حين تركز الكثير من الأدبيات على الدور السلبي لتغطية وسائل الإعلام، فقد تبين أيضاً أن التعرض إلى شخصيات تليفزيونية خيالية أو المشاهير يمكنه أن يقلل من التحيُّز القائم على الجنس أو الميول الجنسية، والتحيُّز ضد ذوي الإعاقة والاضطرابات العقلية.
في حالة مشجعي ليفربول أثناء فترة الدراسة، فقد حققت شهرة صلاح معايير ثلاثة؛ أولاً استمر الاتصال بين المشجعين وصلاح طوال الوقت، فقد شارك صلاح في جميع مباريات ليفربول في الدوري الممتاز، بالإضافة إلى ظهوره في المباريات المحلية والدولية الأخرى. وخارج الملعب كان صلاح ناشطاً على وسائل التواصل الاجتماعي، وظهر في العديد من الإعلانات الكبيرة لشركات مثل “بيبسي” و”أديداس” و”فودافون”. ومن المعروف أن الظهور في المناسبات الرياضية والتليفزيونات الرياضية والإعلانات التجارية يعزز التواصل عبر المجتمعات بين المشجعين والنجوم الرياضيين.
ثانياً، مع النجاح الهائل الذي حققه صلاح على المستوى الفردي، وعلى مستوى النادي، والمستوى الوطني أثناء الدراسة، قامت وسائل الإعلام بتصوير صلاح بشكل إيجابي، وحظي باهتمام إيجابي كبير من المشجعين. وفي مايو 2018، أوصل ناديه إلى نهائي دوري أبطال أوروبا قبل أن يقود المنتخب المصري إلى نهائيات كأس العالم للمرة الأولى منذ ثلاثة عقود. وكل هذه النجاحات تلبي معيار التعرض الإيجابي للتواصل بين المجتمعات.

ثالثاً، هوية صلاح الإسلامية بارزة للغاية؛ فاسمه الأول يدل على هذه الهوية، وهو يقوم بالسجود بعد أن يسجل هدفاً، ويشير بسبابته إلى السماء بينما يتلو الشهادة. كما يعرف المشجعون أن ابنته مكة قد سميت تيمُّنًا بأقدس الأماكن عند المسلمين، وكثيراً ما تشاهد زوجته المحجبة وهي تشجعه من الخطوط الجانبية. عرفت أوروبا العديد من نجوم الكرة المسلمين؛ ولكنهم كانوا منفصلين عن الإسلام في أذهان مشجعيهم بسبب عدم إعلانهم عن تدينهم. وقد أشار مدرب ليفربول يورغن كلوب، إلى أن تدين صلاح هو جزء لا يتجزأ من هويته.
وبما أن صلاح يفي بهذه المعايير الثلاثة المفترضة للتواصل بين المجتمعات للتقليل من الانحياز -الإيجابية والشهرة والهوية البارزة- فهو يشكل حالة مثالية لاختبار فرضية التواصل بين المجتمعات.
شاهد: نجومية محمد صلاح وزملائه تغير نظرة الغرب للإسلام
السياق العام: الإسلاموفوبيا في المملكة المتحدة
رسخت الإمبراطورية البريطانية تاريخياً العنصرية لتبرير استمرار احتلالها للأراضي الأجنبية؛ ولكن الحكومة أقرت قانون العلاقات العرقية لعامي 1965 و1976، وتراجعت المواقف العنصرية اعتباراً من الثمانينيات إلى عام 2001. ولكن هجمات 11 سبتمبر 2001 الإرهابية أعادت تنشيط التمييز ضد الأقليات المرئية، والمسلمين بشكل خاص. ويرى كثير من العلماء أن مراقبة الدولة للمسلمين في أعقاب الهجمات ترجع بشكل رئيسي إلى الخوف غير العقلاني من المسلمين، وإلى تأطير التهديد الإرهابي على أنه تهديد إسلامي؛ مما صور جميع المسلمين على أنهم إرهابيون محتملون تجب مراقبتهم. قد أدت هذه الشكوك الكاسحة المتأصلة في بيروقراطية الدولة البريطانية إلى أن يواجه المسيحيون القادمون من الدولِ ذات الغالبية المسلمة أيضاً عقبات إضافية أثناء عمليات الهجرة واللجوء.
كما أن وسائل الإعلام البريطانية لعبت دوراً في تكريس الخوف من المسلمين والإسلام؛ فعل سبيل المثال قال محرر سابق لبرنامج “بي بي سي توداي”: “إن الإسلام دين مازوشي وكاره للمثليين وشمولي. إنه دين فاشي متعصب من القرون الوسطى”. وكذلك صنَّف كاتب عمود في صحيفة “الدايلي ميل” الحجاب بأنه “رمز إسلامي يلعب دوراً مشابهاً لاستخدام النازية لشعار الصليب المعقوف”. وجاء في صحيفة “دايلي إكسبريس”: “لا تخطئوا التقدير، فانتشار ارتداء البرقع يشكل تهديداً مباشراً لنمط الحياة البريطاني، وفي كثيرٍ من الحالات هذا هو بالضبط المقصود منه”. وقد رافق ظهور الصور السلبية للمسلمين في وسائل الإعلام الكبرى زيادة في حالات التنمر الإلكتروني على المسلمين، والمضايقات الإلكترونية، والتحريض الإلكتروني، والتهديد بالعنف خارج الإنترنت.
وتنعكس المواقف السلبية تجاه الإسلام في بيانات الرأي العام. ويوضح الشكل رقم (1) بيانات استطلاع الرأي التي تظهر زيادة مطردة في الاعتقاد بوجود “تصادم جوهري بين الإسلام وقيم المجتمع البريطاني” بين عامي 2015 و2017. وعلى الرغم من التراجع الطفيف في عام 2017، استمر أكثر من نصف المستجيبين للاستطلاع في تأكيد هذا الشعور في عام 2018، مما يشير إلى استمرار الشكوك تجاه الإسلام في المملكة المتحدة.

تؤدي المستويات العالية من التمييز إلى تفاقم سلبياتٍ أخرى يعانيها المسلمون البريطانيون. تظهر بيانات مكتب الإحصاء الوطني أن احتمال توظيف الرجال المسلمين هو أقل بنسبة 76% من نظرائهم البيض، وفرص توظيف النساء المسلمات أقل بستة أضعاف من نظيراتهن البِيض غير المسلمات. وخلص تقرير حكومي إلى أن “المسلمين يعانون أكبر العوائق الاقتصادية بين مختلف مجموعات المجتمع البريطاني”. ويُعْزى جزء كبير من هذه العوائق إلى ظاهرة التمييز في مكان العمل. ويمتد التمييز إلى ما وراء سوق العمل.
اقرأ أيضاً: “صلاح انتحاري”.. اليمين المتطرف يصل إلى مدرجات جماهير تشيلسي
تحليل جرائم الكراهية في المملكة المتحدة
بدأنا تحليلنا التجريبي باختبارٍ صعب لفرضية التواصل عبر المجتمعات: تحليل لجرائم الكراهية في المملكة المتحدة. وإذا ما كان التعاقد مع صلاح قد قلل من تسامح الجمهور مع جرائم الكراهية، أو غيَّر المعتقدات الأساسية للمتطرفين الذين يرتكبون جرائم الكراهية، فإننا عندئذ سنتوقع أن نشهد انخفاضاً في جرائم الكراهية. ولاختبار هذه الفرضية فقد استخدمنا تحليلاً لدراسة الأحداث، يستغل الصعود السريع لصلاح نحو الشهرة. وأجرينا دراسة تحليلية لمعدل جرائم الكراهية في شرطة ميرسيسايد بعد انضمام صلاح إلى نادي ليفربول، وقارنا هذا المعدل مع ما كان متوقعاً أن يكون، في ما لو استمرت الاتجاهات السابقة. اعتمدنا على إحصاءات أكثر من عشرين مركزاً للشرطة في المملكة المتحدة عن معدل جريمة الكراهية؛ لنتمكن من إنشاء وحدة مقارنة اصطناعية في شرطة ميرسيسايد. وبمقارنة الإحصاءات الحقيقية مع تلك التي افترضتها الوحدة الافتراضية في ظل تأثير انضمام صلاح، وجدنا أن المعدل أصبح أقل بكثير مما كان متوقعاً.
تصميم البحث
جمعنا بياناتٍ عن معدل جرائم الكراهية بتقديم طلبات حرية المعلومات لكل مراكز الشرطة في إنجلترا في شهر أبريل عام 2018. تصنف الشرطة الحادثة كجريمة كراهية عندما يستهدف المرتكب ضحيته على أساس ديني أو عرقي أو جنسي أو على أساس المقدرات العقلية والجسدية. مراكز الشرطة التي كانت ردودها كافية من حيث العدد الإجمالي الشهري لجرائم الكراهية في ولاية الاختصاص هي التي ستتضمنها دراستنا التحليلية. من أصل 35 مركزاً تم التواصل معها، تلقينا بيانات كافية من 25 مركزاً وبعدد إجمالي قدره 936 من الملاحظات الشهرية للشرطة.
نتيجتنا الرئيسية هي تحديد المعدل السنوي لجريمة الكراهية لكل ألف مقيم. على سبيل المثال في منطقة صلاحية قسم من أقسام الشرطة يبلغ عدد سكانها 100,000 نسمة، تعرضت إلى عشر جرائم كراهية في شهر معين، يكون المعدل السنوي لجرائم الكراهية فيها 1.2 جريمة لكل ألف شخص.
أخذنا بعين الاعتبار شرطة ميرسيسايد منذ ما بعد توقيع صلاح في يونيو 2017. شكلت رسوم انتقاله إلى النادي رقماً قياسياً؛ مما أثار اهتمام المشجعين، وهذا ما يجعل من تاريخ توقيعه توقيتاً مناسباً للبدء بالعملية.

النتائج
النتائج كما هي موضحة في الشكل (2)؛ حيث يظهر المخطط العلوي النتيجة الفعلية لبيانات ميرسيسايد، إلى جانب الواقع المفترض. ويظهر المخطط السفلي الفارق بين النتائج الواقعية الملموسة، ونتائج الواقع المفترض في جميع الفترات في ميرسيسايد مع كل المتغيرات الأخرى المعتمدة. وفي كلا المخططين تدل المنطقة المظللة على فترة ما بعد المعالجة (المقصود بالمعالجة في هذه الحالة هو انضمام صلاح إلى النادي- المترجم)؛ حيث يكون الفارق بين الحالات المسجلة، والحالات المتوقعة، هو تأثير المعالجة الذي تم تقديره.

إذا كانت طريقة وضع المصفوفة صحيحة فيجب أن تتطابق التقديرات المتوقعة بشكل كبير مع النتائج المسجلة في فترة ما قبل المعالجة. وهذا بالفعل هو النمط الذي رأيناه. ففي المخطط العلوي نلاحظ أن الخطين يتبعان بعضهما بعضاً، وفي المخطط السفلي، يكون خط ما قبل المعالجة قريباً من الصفر في معظم الأوقات. وعندما يتذبذب لا يبدو أن هنالك نمطاً معيناً في فترة ما قبل المعالجة من شأنه أن يثير القلق حول صحة تقديرات تأثيرات المعالجة.
اقرأ أيضاً: الإسلاموفوبيا و”كوفيد-19″ واستشراف المستقبل
بالانتقال إلى فترات ما بعد المعالجة، فإن مستويات جرائم الكراهية المسجلة في ميرسيسايد كانت بشكل مستمر أقل من المستوى المتوقع بالاستناد إلى وحدة المقارنة المعيارية. ويمثل تأثير المعالجة في هذه الحالة انخفاضاً بنسبة 16% في معدل جرائم الكراهية. وبالنظر إلى التقديرات شهراً بعد شهر، نلاحظ أن الفروقات بين النتائج المسجلة والنتائج المتوقعة بدأت تظهر بعد وقتٍ قصير من موافقة صلاح على الانضمام إلى ليفربول في يونيو 2017 واستمرت على الأقل حتى أبريل 2018؛ حيث توقفنا عن جمع البيانات.
يتوافق التغيير في معدل جرائم الكراهية مع تأثير صلاح؛ ولكن من غير الواضح إذا ما كان صلاح هو سبب هذا التدني. فربما يكون هنالك انخفاض في مستوى الجرائم بشكل عام في ميرسيسايد، وتصادف أنه تزامن مع وصول صلاح إلى ليفربول. إذا ما كانت هذه هي الحال، فيجب أن نلاحظ انخفاضاً في جرائم الكراهية في مناطق أخرى.
في هذه الحالة، يساعد تحليل نتائج المعالجة الوهمية على معالجة هذه الشكوك. فإذا كان هنالك انخفاض في مستوى الجريمة بشكل عام، فإن التأثير المتوقع للمعالجة على جرائم الكراهية لن يكون مختلفاً عن أثر المعالجة على الأنواع الأخرى من الجرائم. يظهر الشكل (3) تأثير المعالجة المتوقع لكل نوع من أنواع الجرائم الخمس عشرة؛ ومن بينها جرائم الكراهية المسجلة في بيانات الشرطة في وزارة الداخلية. تظهر النتائج أن انخفاض معدل جرائم الكراهية كان أكبر من التغيرات المسجلة لأنواع الجرائم الأخرى. ولذلك، فإن انخفاض معدل جرائم الكراهية بعد التحاق صلاح بنادي ليفربول، لا يبدو أنه مرتبط بانخفاض في مستوى الجريمة بشكل عام في ميرسيسايد.

بشكلٍ عام، فإننا نفسر هذه النتائج لدعم الفرضية القائلة إن وصول صلاح إلى ليفربول قد أدى إلى انخفاض أعمال الكراهية؛ فقد انخفض معدل جرائم الكراهية في ميرسيسايد بعد وصول صلاح، بالمقارنة مع ما كنا نتوقعه بناء على المعدلات السابقة ومعدلات دوائر شرطة أخرى. وقد كان هذا الانخفاض أكبر بكثير مما توقعنا، وكان أكبر في جرائم الكراهية مما هو عليه في أنواع الجرائم الأخرى جميعها.
تحليل تغريدات مشجعي كرة القدم البريطانيين
لإلقاء المزيد من الضوء على تأثير انضمام صلاح إلى نادي ليفربول على معدلات جرائم الكراهية، فقد قُمنا بتحليل نحو 15 مليون تغريدة لمشجعي كرة القدم في المملكة المتحدة قبل وبعد انضمام صلاح إلى النادي. وقد وجدنا انخفاضاً واضحاً في معدل التغريدات المعادية للمسلمين بين مشجعي ليفربول.

تصميم البحث
قُمنا بمقارنة تواتر التغريدات المعادية للمسلمين الصادرة عن مشجعي ليفربول بالتغريدات الصادرة عن مشجعي النوادي الكبرى في بريطانيا، وبدأنا بأكبر خمسة أندية من حيث عدد المتابعين؛ وهي مانشستر يونايتد (19 مليون متابع)، وأرسنال (14 مليوناً)، وتشيلسي (12 مليوناً)، وليفربول (11 مليوناً) ومانشستر سيتي (6 ملايين). وكذلك استخلصنا تغريدات متابعي النادي المنافس لليفربول في نفس المدينة، وهو نادي إيفرتون الأصغر حجماً (1.75 مليون متابع). ويتشابه مشجعو الناديين كثيراً من حيث التركيبة البشرية؛ فملعبا الناديين متجاوران، ولا توجد اختلافات سياسية أو دينية أو اجتماعية تاريخية بين مشجعيهما، والكثير من عائلات المدينة ينقسم أفرادها بين الناديين. لذلك يشكل مشجعو نادي إيفرتون أقرب مجموعة للمقارنة.
قُمنا بأخذ عينات عشوائية من عشرة آلاف مشجع من كل فريق من الفرق الستة، وأخذنا 3200 تغريدة من أحدث التغريدات التي نشرها كل واحد من الستين ألفاً؛ فنتج عن ذلك مجموعة بيانات تضم قرابة 15 مليون تغريدة صادرة عن 60,000 من مشجعي النوادي الخمسة الكبرى بالإضافة إلى إيفرتون.
اقرأ أيضاً: إيران تنتقد “الإسلاموفوبيا” وتُصَدِّرها في الوقت نفسه!
ولتحديد التغريدات المعادية للمسلمين، بدأنا بتحديد كل التغريدات المتعلقة بالمسلمين باستخدام البحث من خلال 50 كلمة من الكلمات المفتاحية الدالة. نتج عن ذلك نحو 44,000 تغريدة تحتوي على هذه الكلمات، ثم أخذنا عينة من 1500 من هذه التغريدات، وقُمنا بتدريب ثلاثة أشخاص من الناطقين بالإنجليزية كلغة أم على ترميز هذه التغريدات إذا كانت معادية لمسلمين أم لا. وباستخدام هذه البيانات التي قام بترميزها البشر قُمنا بتدريب برنامج Naive Bayes على تصنيف كل التغريدات التي تحتوي على تعليقات متعلقة بالمسلمين على أنها معادية لهم أم لا. وتمكنا بفضل هذه التغريدات المصنفة من تحديد المعدل الشهري للتغريدات المعادية للمسلمين أو للإسلام، ثم استخدمنا نفس طريقة إكمال المصفوفات المستخدمة في تحليل جرائم الكراهية في تحليل التغريدات، وهذا بدوره مكننا من تقدير معدل التغريدات المعادية للمسلمين بين مشجعي نادي ليفربول.
لقد تغيرت تغريدات جمهور النادي بعد انضمام صلاح إليه بالمقارنة مع ما كانت ستؤول إليه في ما لو لم ينضم صلاح إلى النادي.

النتائج
الشكل (4) يستعرض النتائج. المخطط البياني الأول يظهر بيانات النتائج الفعلية لمشجعي نادي ليفربول إلى جانب النتائج غير الواقعية المتوقعة لهم. والمخطط السفلي يظهر الفرق بين النتائج المسجلة والنتائج المتوقعة لجمهور ليفربول وجماهير النوادي الخمسة الكبرى ونادي إيفرتون. وفي كلا المخططين تؤشر المنطقة المظللة على فترة ما بعد المعالجة (ما بعد انضمام صلاح- المترجم).

وكما هي الحال في نتائج جرائم الكراهية، إذا كانت طريقة إكمال المصفوفة صحيحة فيجب أن تتطابق التقديرات المفترضة بشكلٍ كبير مع النتائج المسجلة في فترة ما قبل المعالجة. ومرة أخرى نرى أن ذلك قد تحقق. ولا يبدو أن هنالك نمطاً معيناً في فترة ما قبل المعالجة، من شأنه أن يثير القلق حول صحة تقديرات تأثيرات المعالجة.
اختبارات قوة الاستنتاجات وقابليتها للتعميم
تُظهر تحليلات بيانات جرائم الكراهية وخطاب الكراهية أن شهرة صلاح قد قللت من التحيُّز في ليفربول؛ مما يدعم فرضية التواصل بين المجتمعات. وباستخدام سلوكيات من العالم الواقعي لوحظ أن جرائم الكراهية والتغريدات المعادية للمسلمين بين جمهور ليفربول قد تراجعت بعد انضمام صلاح إلى النادي، بالمقارنة مع ما كان يتوقع لها أن تكون عليه لو لم يفعل. وفي ما يلي نلخص بعض اختبارات قوة الاستنتاجات التي توصلت إليها هذه الدراسة، ومدى شمولها.
أحد التهديدات المحتملة لصحة النتائج هو أن هجومَين إرهابيَّين إسلاميَّين -مانشستر أرينا وهجمات لندن بريدج- وقعا قبل نحو شهرٍ من انضمام صلاح إلى نادي ليفربول. وإذا أدت هذه الهجمات إلى تصاعد الإسلاموفوبيا في المدينتين المستهدفتين، فإن نتائجنا ربما تكون متأثرة بوحدات المقارنة المعيارية بدلاً من التأثر بتغير السلوك في ليفربول. وللتأكد من أن نتائج جرائم الكراهية التي توصلنا إليها ليست مدفوعة بارتفاع جرائم الكراهية في هاتين المدينتين، قُمنا بإعادة التحليل مع استبعاد مانشستر ولندن. والنتيجة هي أن نتائج جرائم الكراهية لم تتغير تقريباً كما هو موضح في المخطط البياني العلوي من الشكل (4).
التهديد الآخر هو أن تكون نتائج “تويتر” مدفوعة بتصاعد مشاعر العداء للمسلمين بين مشجعي النوادي المنافسة كرد فعل على وجود صلاح وأدائه في النادي. ولاستبعاد هذا الاحتمال قُمنا بإجراء تحليلٍ إضافي يقارن بين تغريدات مشجعي النوادي المنافسة مع تغريدات أشخاصٍ لا يشجعون أياً من نوادي كرة القدم. ولم يظهر أي ارتفاع في التغريدات المعادية للمسلمين بالمقارنة مع تغريدات من هم من غير مشجعي كرة القدم. باختصار، لم نجد أي دليل على تأثيرات مدفوعة برد الفعل.

ثالثاً، إذا كان التواصل بين المجتمعات يقلل بالفعل من التحيُّز ضد المسلمين، فقد نتساءل عما إذا كان لاعبون مسلمون آخرون قد أحدثوا تأثيراً مشابهاً. للتحقق من قابلية نتائجنا للتعميم، توجهنا إلى لاعبٍ آخر في فريق ليفربول، ساديو ماني، اللاعب السنغالي المسلم الذي انضم إلى الفريق قبل عام من انضمام صلاح، والذي اعتاد على إظهار إيمانه للمشجعين في مناسبات عديدة؛ فهل أحدث ماني تأثيراً مشابها لتأثير صلاح؟ يبدو أن ماني يناسب معايير فرضية التواصل بين المجتمعات بقدر أقل من صلاح؛ خصوصاً في ما يتعلق باستعراض صلاح الدائم لانتمائه الديني وهويته الدينية البارزة. كما أن ماني لم يحظ بالقدر نفسه من التغطية الإعلامية التي حظي بها صلاح، كما أن اسمه ليس معروفاً كاسم مسلم مثل محمد صلاح، بالإضافة إلى أن المسلمين السود بشكل عام يُعتبرون أقل تمثيلاً للإسلام. مع ذلك، ردد المشجعون هتافات حول هوية ماني الدينية (كما فعلوا مع صلاح) وتحدثوا عن الاختلاف في مدى بروز هوية المجموعة عند اللاعبين. وهذا يدل على ضعف الارتباط بين ماني وهويته الدينية؛ مما يضعف بروز هوية الجماعة اللازمة لتفعيل التواصل بين المجتمعات.
لذلك عند البحث عن تأثير ماني باستخدام طريقة البحث نفسها، وجدنا أن تأثيره كان أوضح في دراسة تحليل التغريدات التي تقتصر على مشجعي النادي الذين من المرجح أنهم يعرفون لاعباً أقل شهرة مثل ماني. ويؤكد أحد الردود التي تلقيناها جواباً عن سؤال مفتوح حول استطلاع الرأي الذي أجريناه على فكرة أن المشجعين يتعرفون على ماني كمسلم؛ إذ قال صاحب التعليق: “أعتقد أنه مع وجود محمد صلاح وماني يجب على الناس قراءة المزيد عن الحياة الإسلامية، وفهم نوعية الأشخاص الذين هم لاعبونا المفضلون”.
باختصارٍ، وجدنا في دراستنا لتأثير ساديو ماني دعماً لفرضية التواصل بين المجتمعات، فعلى الرغم من أنه يحظى بتغطية إعلامية أقل وبهوية إسلامية أقل بروزاً؛ فقد وجدنا أدلة على الحد من التحيُّز ضد المسلمين بين مشجعي النادي الذين يتابعون اللاعبين عن كثبٍ، ولكن ليس على مستوى ميرسيسايد الأوسع.
تساعد هذه التحليلات الإضافية على زيادة الثقة في فرضية التواصل بين المجتمعات، من خلال اختبار قابلية تطبيقها على لاعب مسلم آخر.
اقرأ أيضاً: التصدي لخطاب الكراهية في إسبانيا: الذاكرة والثقافة والجذور
تحليل الأدلة التجريبية لعملية المسح
تظهر الأدلة المقدمة حتى الآن أن شهرة صلاح ربما تكون قد قللت من الانحياز ضد المسلمين بين مشجعي ليفربول. وكما أوضحنا سابقاً، تشير فرضية التواصل بين المجتمعات إلى أن التعرض الإيجابي المستمر لعضو من مجموعة أقلية يمكن أن يقلل من التحيُّز عندما تكون هوية هذا الفرد بارزة. يعتبر افتراض بروز المجموعة أمراً بالغ الأهمية لنظريات التواصل بين المجتمعات. وبينما جادلنا بأن الاسم الأول لصلاح وعائلته واستعراضه هويته الدينية تسلط الضوء على هويته الإسلامية، فإن تحليلنا بيانات المقارنة المعيارية على المستوى الكلي يمكننا من اختبار ما إذا كان الوعي بهوية صلاح الإسلامية يدفع الأفراد إلى التعبير بشكلٍ أقل تحيزاً تجاه المسلمين بشكل عام.
ولاختبار فرضية التعميم بشكلٍ مباشر قُمنا بتصميم تجربة استقصائية لتقييم ما إذا كان تفكير مشجعي ليفربول المعجبين بصلاح يدفعهم إلى التعبير عن مواقف أكثر إيجابية تجاه المسلمين بشكل عام. وتجربتنا الاستقصائية لا تختبر بشكل مباشر ما إذا كان التواصل بين المجتمعات يقلل من التحيُّز، بل ما إذا كان إبراز هوية جماعة صلاح يقلل من التحيُّز العام ضد المسلمين.
تصميم البحث
لتقييم هذا الشرط الرئيسي لقضية التواصل بين المجتمعات -افتراض التعميم- أجرينا مسحاً يستهدف الأشخاص الذين وضعوا إشارة إعجاب “like” على صفحة نادي ليفربول على موقع “فيسبوك” ممن يعيشون في المملكة المتحدة؛ حيث طلبنا من هؤلاء الأشخاص الاشتراك في استطلاعنا على مدى فترة امتدت بين أكتوبر 2018 ويناير 2019.
عرضنا على المجموعة التي أخضعناها للمعالجة (التي تعرضت لتأثير صلاح- المترجم) من المستجيبين للاستطلاع، صورة لصلاح وهو يصلي في وضعية السجود. والنص التالي الذي يسلط الضوء على هوية صلاح الإسلامية دون تأكيد الصورة النمطية السلبية عن المسلمين:
“بالإضافة إلى تسجيل الأهداف، يُشتهر صلاح بتعلقه بهويته الإسلامية، سواء على أرض الملعب أو خارجه. بعد كل هدف يسجله، يسجد صلاح ويلامس الأرض بجبهته، وهو يصوم أيام شهر رمضان (باستثناء أيام المباريات) ويتبادل التهاني مع متابعيه على وسائل التواصل في المناسبات الإسلامية، وأطلق على ابنته اسم (مكة)، اسم أقدس البقاع الإسلامية”.
بينما عرضنا على مجموعة المقارنة المعيارية (التي لم تتعرض لتأثير صلاح- المترجم) نصاً محايداً: “كما تعلمون، محمد صلاح هو لاعب جناح مصري، انضم إلى ليفربول في يونيو 2017”.
اشتملت متغيرات النتائج على ثلاثة عناصر استقصائية، توضح ما إذا كان (1) المستجيب يعتقد بوجد تصادم جوهري بين الإسلام والقيم البريطانية، (2) لدى المستخدم “بعض” أو “الكثير من” القواسم المشتركة مع المسلمين في المملكة المتحدة، (3) المستخدم يعتقد أن المهاجرين بشكل عام لهم تأثير إيجابي على المملكة المتحدة.
تشير النتائج إلى ثلاثةِ مجتمعات مرتبطة بصلاح بدرجات متفاوتة؛ هي: الإسلام عموماً، والمسلمون في بريطانيا، والمهاجرون. ممارسات صلاح الدينية العلنية تربطه صراحة بالإسلام؛ ولكنها تربطه بدرجة أقل بالمسلمين في بريطانيا وبالمهاجرين، مما يقلل من التوقعات بشأن هذه النتائج.
اقرأ أيضاً: جرائم الكراهية ضد المسلمين في أوروبا هي الأعلى في التاريخ!
النتائج
يوضح الشكل (5) مخططاً بيانياً لمعامل متوسط تأثير المعالجة التي تقدر متوسط تأثير المعالجة لمعالجة التدين على مقاييس النتائج الأربع الموضحة على محور (Y)؛ حيث نجد تأثير النص الذي يشير إلى تدين صلاح على التسامح، فقد أدت قراءة النص الذي يشير إلى هوية صلاح الإسلامية إلى زيادة طفيفة، ولكنها ذات دلالة إحصائية مهمة في اعتقاد المستجيبين أن الإسلام متوافق مع القيم البريطانية. إن تذكير المستجيبين بهوية صلاح وممارساته الإسلامية جعلهم أكثر ميلاً بنحو خمس نقاط مئوية نحو القول إن الإسلام متوافق مع القيم البريطانية، كما أدى النص إلى ارتفاع منسوب التسامح مع البريطانيين المسلمين بنسبة أقل، في حين بقي منسوب التسامح تجاه المهاجرين دون تغيير. وكانت هذه التأثيرات مستقرة عبر مختلف المجموعات السياسية والاجتماعية الفرعية.

تظهر هذه التجربة أدلة إضافية تدعم فرضية التواصل عبر المجتمعات بشكل عام، وأهمية بروز المجموعة على وجه الخصوص. فعندما تم تذكير المستجيبين بهوية صلاح الإسلامية عبَّروا عن مواقف أكثر تسامحاً نحو الإسلام. وهذا يتفق مع فكرة أن هوية المجموعة يجب أن تكون بارزة حتى تمتد المشاعر الإيجابية من الفرد إلى المجموعة ككل.
مناقشة
توفر نتائج دراستنا مصادر متنوعة من الأدلة التي تدعم فرضية التواصل بين المجتمعات. وتظهر تحليلاتنا أن التعرض الإيجابي المستمر لمحمد صلاح من المرجح أنه يقلل من معدل جرائم الكراهية والخطاب المعادي للمسلمين على “تويتر” بين مشجعي نادي ليفربول. وهاتان النتيجتان مكلفتان وعامتان، وعادة ما يرتكبهما أولئك الذين يحملون مستوى عالياً من التحيُّز. وبالتالي فإن مشاهدة مثل هذا التأثير الملموس هو دليل مقنع تماماً على تأثيرات التواصل بين المجتمعات؛ لا سيما بالنظر إلى أن مشجعي ليفربول يعيشون في مدينةٍ تحظى بتنوع عرقي أقل من بقية المدن في إنجلترا وويلز، وفيها معدل مرتفع نسبياً من جرائم الكراهية. وهذه النتائج توفر أدلة واقعية على أن شهرة النجوم القادمين من مجموعات موصومة، يمكنها أن تقلل من التحيُّز ضد هذه المجموعات.
توفر تحليلاتنا للبيانات المسجلة دعماً لفرضية التواصل بين المجتمعات، ومع ذلك فلا تسمح هذه التحليلات بأن نختبر بشكل مباشر الافتراضات اللازمة للقول بأن التواصل بين المجتمعات يزيد من منسوب التسامح. لذلك نستخدم تجربة مسح أصلية على مشجعي ليفربول لاختبار أحد الافتراضات الرئيسية التي تقوم عليها كل فرضيات التواصل بين المجتمعات، وهي أن التأثير الإيجابي سوف ينتشر خارج نطاق شريك الاتصال المباشر ليصل إلى المجموعة الخارجية بأكملها، عندما تكون هوية مجموعة شريك الاتصال بارزة. وتسمح لنا تجربتنا باختبار ما إذا كان إلقاء الضوء على هوية صلاح الإسلامية يشجع المعجبين على تحقيق قفزة استنتاجية من صلاح إلى المسلمين ككل، وبالتالي التعبير عن مستويات أقل من الإسلاموفوبيا بشكل عام. أظهرت التجربة أن التذكير بهوية صلاح الإسلامية البارزة دفع مشجعي ليفربول إلى التعبير عن مستويات أقل من الإسلاموفوبيا؛ مما يعطي دليلاً مباشراً على الآليات الكامنة وراء فرضية التواصل بين المجتمعات.

ومع ذلك، فإن فرضية التواصل بين المجتمعات تشير إلى أهمية التعرض الإيجابي المستمر؛ مما يثير التساؤل حول أيٍّ من هذه الجوانب أكثر أهمية في التوصل إلى النتائج في تحليلاتنا لجرائم الكراهية والتغريدات المعادية للمسلمين التي ينشرها مشجعو كرة القدم. في هذه التحليلات تكون مجموعات المقارنة المعيارية معرضة لتأثير صلاح، مع أنه من المفترض أن تعرضها أقل استدامة وربما أقل إيجابية من تعرض مشجعي ليفربول. ولأننا لا نستطيع قياس هذه الجوانب من التواصل بين المجتمعات بشكل مباشر، فلا يمكننا تحليل الأهمية النسبية للإيجابية والتعرض المستمر لنتائج مجموعة المقارنة المعيارية. يجب أن تدرس الأبحاث المستقبلية حول التواصل بين المجموعات الظروف التي يعتقد أنها مهمة للتواصل الوسيط لترجمتها إلى التقليل من التحيُّز على أرض الواقع.
بالنسبة إلى مدى صلاحية هذه النتائج للتعميم، تشير النتائج التي توصلنا إليها إلى أن التعرض الإيجابي المستمر للمشاهير يجب أن يقلل من التحيُّز عندما تكون هوية مجموعة الشخص المشهور بارزة. في الواقع أظهرت تحليلاتنا الإضافية لزميل صلاح، ساديو ماني، إمكانية تعميم نتائج الدراسة. ومع ذلك، فمن أجل إدراك قابلية تعميم الظاهرة التي نوثقها، يجب أن يحدد العمل المستقبلي ثلاثة مكونات (ذات صلة) للمعالجة المركبة التي ندرسها هنا: التغطية الإيجابية التي تلقاها صلاح من وسائل الإعلام، ونجاحه على أرض الملعب، وحقيقة أنه لا يتخذ مواقف سياسية علنية.
اقرأ أيضاً: حرية التعبير عن الكراهية
أولاً، من خلال متابعة أدبيات التواصل بين المجتمعات، نتوقع أن يكون تأثير صلاح مشروطاً بالتغطية الإعلامية الإيجابية. وقد كانت التعليقات الإعلامية حول صلاح إيجابية منذ وصوله إلى النادي؛ ولكن لا يزال من غير الواضح كيف يعمل التواصل بين المجتمعات عندما تقوم وسائل الإعلام بوصم أحد المشاهير. إن تغطية وسائل الإعلام -سواء أكانت قصصاً إخبارية أم برامج ترفيهية- هي ما يشكل عند الكثيرين القاعدة الأساسية للمواقف من المجموعات الخارجية.
ثانياً، المكون الثاني للتعرض الإيجابي لصلاح هو نجاحه مع نادي ليفربول. تشير الأدلة الظرفية إلى وقوع رد فعل عكسي على التحيُّز عندما يكون أداء النجم الرياضي ضعيفاً. استمتع صلاح بنجاحٍ منقطع النظير على المستوى الفردي، وعلى مستوى الفريق أثناء فترة إجراء الدراسة. ومع ذلك يقول كثير من نخبة نجوم كرة القدم، من أصول مهاجرة، إن الآثار الإيجابية للتواصل بين المجموعات مرتبطة بشكل مباشر بالأداء. قال مسعود أوزيل، وهو لاعب ألماني من أصل تركي، عندما ترك المنتخب الألماني بسبب إساءاتٍ عنصرية: “أنا ألماني عندما نفوز، وأنا مهاجر عندما نخسر”. وبالمثل كتب روميلو لوكاكو، أنه عندما يلعب بشكل جيد تشير إليه الصحف على أنه “المهاجم البلجيكي”، ولكن عندما يلعب بشكل ضعيف فهي تشير إليه على أنه “المهاجم البلجيكي من أصل كونغولي”.

ثالثاً، يمكن لاتخاذ مواقف سياسية -خاصة بشأن قضايا العدالة الاجتماعية- أن يحدد شكل تأثير المشاهير على التحيُّز. في وقت كتابة هذا التقرير، كان صلاح يلتزم الصمت بشكلٍ ملحوظ بشأن السياسة، بينما تحدث العديد من أقرانه علناً ضد المعاملة التمييزية للمسلمين، وغالباً ما كان يترتب على ذلك دفع تكلفة شخصية كبيرة. ويرى مراقبون أن التزام صلاح الصمت تجاه السياسة، ربما قد يكون أسهم في شعبيته الواسعة، وبالتالي في زيادة تأثيره على الإسلاموفوبيا.
ومع ذلك، فلا يزال التأثير الدقيق لحديث المشاهير في القضايا الاجتماعية والسياسية غير واضح تماماً. فمن ناحية ربما يؤدي تبني المشاهير قضايا اجتماعية أو سياسية إلى إثارة ردود فعل عند بعض مشجعيهم، وبذلك يبطل شرط “الإيجابية” الضروري للتخفيف من التحيُّز من خلال التواصل بين المجتمعات. ومن الناحية الأخرى، يمكن للنجوم المحبوبين أن ينقلوا تجارب التهميش بطريقة تشجع مشجعيهم على الرؤية من خلال عيون أعضاء المجموعة المهمشة، وبذلك يقللون من التحيُّز من خلال تبني وجهات نظر مختلفة. وعلى الرغم من أن تبني قضايا اجتماعية قد يؤدي إلى نفور جزء من قاعدة المعجبين؛ فقد يختار بعض المشاهير على الرغم من ذلك إعطاء الأولوية للقضية التي يتبنونها على حساب قاعدة المعجبين الواسعة.
أخيراً، يجب على العمل المستقبلي أن يحدد الآليات الاجتماعية والعاطفية والمعرفية التي يقوم عليها التواصل بين المجموعات. فبالإضافة إلى هوية المجموعة البارزة، هنالك آليات أخرى يمكن أن تلعب دوراً في تقويض الصور النمطية السلبية. على سبيل المثال؛ يُعرف صلاح بأنه على علاقة طيبة مع زملائه من اللاعبين البريطانيين البيض المولودين في مناطق مجاورة لليفربول، مما قد يقلل من القلق المتبادل بين المجموعات بشكلٍ غير مباشر.
اقرأ أيضاً: المستثمرون العرب في كرة القدم الأوروبية
الخلاصة
أصبح التعرض إلى المشاهير سمة واضحة للحياة العصرية؛ سواء من خلال الإنترنت أو وسائل الإعلام التقليدية. ومع ذلك فنحن لا نعرف إلا القليل عن كيفية تأثير الشخصيات العامة على العلاقات بين المجموعات. من الناحية العملية يصعب تنسيق التواصل التقليدي بين المجموعات؛ وهو أمر نادر في المملكة المتحدة وخارجها.
وبما أن معظم الناس نادراً ما تكون لهم علاقات وثيقة مع أفراد من مجموعات مغايرة، فإن التعرض الإيجابي للشخصيات العامة يمكن أن يكون مؤثراً بشكل كبير. ونحن خطونا الخطوة الأولى في قياس تأثير مثل هذا التعرض من خلال تقييم تأثير نجم مسلم مشهور على الإسلاموفوبيا. وقد وجدنا أدلة على أن التعرض لشخصيات عامة من الجماعات الموصومة يمكن أن يخفف من السلوكيات الضارة؛ مثل جرائم الكراهية وخطاب الكراهية. وأوضحت تجربتنا أن تأكيد هوية صلاح الإسلامية قد عزز التعبير عن الآراء المتسامحة حول الإسلام بين مشجعي ليفربول.
يعتمد عملنا على أدبيات البحث السابقة بثلاث طرق رئيسية؛ أولاً نقدم دليلاً واقعياً محدداً لدعم فرضية التواصل بين المجتمعات، بينما تعتمد الدراسات الموجودة بشكل رئيسي على أدلة مترابطة تم التوصل إليها من خلال عمليات مسح واستطلاعات رأي.
ثانياً، تركز الدراسات الموجودة على إجراءات التحيُّز والسلوك المبلغ عنها ذاتياً، والتي غالباً ما تقاس بعد التعرض للتلاعب التجريبي. بينما تركز اثنتان من الدراسات الثلاث التي أجريناها هنا على النتائج السلوكية التي تم قياسها من خلال بيانات التتبع الإدارية والرقمية التي تحدث بشكل طبيعي بدلاً من الإجراءات المبلغ عنها ذاتياً. لذلك فنحن نقدم دليلاً على أن التواصل بين المجموعات يمكنه أن يغير السلوكيات كما يغير المواقف.
وعلى نطاق أوسع يسهم عملنا في تقديم أدبيات كبيرة في التواصل السياسي توثق تأثيرات وسائل الإعلام الرئيسية على المواقف السياسية. لطالما اهتم باحثو التواصل السياسي بتأثير تصوير وسائل الإعلام للأقليات -خصوصاً في الأخبار- على المواقف السياسية. وقد أظهرت التجارب أن الطريقة التي تصور بها وسائل الإعلام مجموعات الأقليات في الولايات المتحدة يمكنها أن تغير الجهات التي يحمِّلها الناس المسؤولية عن القضايا الاجتماعية وأن تغير تقييم الناس للمرشحين السياسيين ومواقفهم السياسية.
ونحن نضيف إلى هذه الأدبيات من خلال إظهار أن التعرض للأقليات في وسائل الإعلام غير السياسية يمكنه أيضاً أن يؤثر في المواقف والسلوكيات. ونأمل في أن تتمكن الأعمال المستقبلية من تصميم بحثٍ مشابه يستطلع تأثير شخصيات عامة أخرى من مجموعات الأقليات على التحيُّز وتقييم الآليات الأساسية التي يمكن من خلالها للتواصل عبر المجتمعات أن يؤثر في التحيُّز. وستساعدنا مثل هذه الأعمال على الحصول على تقييم أفضل لنطاق شروط تأثير صلاح، وربما على تقديم طرق جديدة لبناء التماسك الاجتماعي حول العالم؛ خصوصاً عندما يكون التواصل التقليدي عبر خطوط المجموعات صعب المنال.
المصدر: جامعة كامبريدج