الواجهة الرئيسيةشؤون دولية
هل تزيد تركيا التوتر بين أذربيجان وإيران؟
تحاول أنقرة استغلال الموقف لتحقيق مصالح اقتصادية وسياسية من الأوضاع المضطربة في القوقاز

كيوبوست
دخلت تركيا بقوة على خط التوتر القائم بين إيران وأذربيجان، بإجراء مناورات عسكرية مشتركة بين القوات التركية والأذربيجانية في منطقة ناختشقان بالقرب من الحدود الإيرانية، في وقت يُنظر فيه إلى تركيا بترقب شديد؛ خصوصاً بعدما قدمت دعماً عسكرياً العام الماضي لأذربيجان خلال الاشتباكات العسكرية في إقليم ناغورنو كاراباخ المتنازع عليه بين أرمينيا وأذربيجان.

رغم حالة التصعيد في لغة الحوار بين إيران وأذربيجان؛ فإن الطرفين ليس لديهما استعداد للدخول في مواجهة عسكرية، حسب مدير مركز الدراسات العربية والإيرانية في لندن علي نوري زادة، الذي يقول إن دخول أطراف أخرى؛ مثل باكستان وتركيا وتحركات أرمينيا والدول الأوروبية، حملت رسائل لجميع الأطراف بضرورة التهدئة؛ خصوصاً النظام الإيراني الذي بات يشعر بالحصار من غالبية دول الجوار.
وأضاف زادة أن التحرك التركي في الملف ارتبط بشكل واضح بالصراع التاريخي بين الأتراك والإيرانيين؛ وهو ما يظهر ليس فقط بالتدخل في الأزمة ومساندة أذربيجان والإعلان عن دعمها، لكن أيضاً في محاولات تركيا المستمرة لاختراق المجتمعات الشيعية في جمهوريات الاتحاد السوفييتي.
تراقب تركيا التوتر الذي تشهده العلاقات بين إيران وأذربيجان، حسب المحلل السياسي التركي طه عودة أوغلو، الذي يقول لـ”كيوبوست” إن هناك حالة من القلق تنتاب الجميع من تخوف تحوله إلى صدام عسكري بين البلدين مع استمرار المناورات العسكرية على الحدود.
يقول أوغلو إن الأوضاع الحالية تطرح تساؤلاً رئيسياً عما إذا كانت تركيا ستقف على الحياد حال تطور الأوضاع وزيادة التوتر، مشيراً إلى أن تاريخياً لم تصل الأوضاع بين البلدين إلى درجة الصدام؛ لكن إيران لن تستطيع أن تقوم بأي استهداف علني ضد أذربيجان، لإدراكها أن باكو في هذه الحالة لن تكون بمفردها.

متابعة وترقب إيراني

تتابع إيران عن كثب أي تحركات عسكرية تقوم بها أذربيجان، حسب الباحث بالمعهد الدولي للدراسات الإيرانية في الرياض محمود حمدي أبو القاسم، الذي يقول لـ”كيوبوست”: إن القلق الإيراني من أي خلل بميزان القوى في أذربيجان وانعكاساته وتداعياته الجيوسياسية والديموغرافية والاقتصادية، تجعل هناك حالة ترقب مستمرة لا تتوقف، في الوقت الذي تتحرك فيه باكو في الفترة الحالية لوضع نفسها في قلب التوازنات الإقليمية الراهنة؛ بما يمكنها من الاحتفاظ بالمكتسبات التي حققتها عقب ما حدث في إقليم كاراباخ.
وأضاف أن إيران لم تكن مرحبة بنتائج الاشتباكات العسكرية التي حدثت واستعادت فيها أذربيجان سيطرتها على الإقليم؛ مما زاد من اقتراب أنقرة بشكل أكبر من الحدود الشمالية لطهران، فضلاً عما تضمنه اتفاق وقف إطلاق النار من إنشاء ممر يربط بين أذربيجان وناختشيفان؛ وهي جمهورية ذات حكم ذاتي تتبع أذربيجان، الأمر الذي يعني إنهاء الحدود المباشرة بين إيران وأرمينيا.
يشير الباحث بالمعهد الدولي للدراسات الإيرانية إلى أن هذا التغير المهم جغرافياً، والذي يدفع لتحول جيوسياسي واقتصادي وتجاري هائل لصالح تركيا، لا سيما أن هذا الممر يقع على طريق الحرير التاريخي ويمنح تركيا فرصة في المشروعات الدولية العملاقة التي تتنافس في المنطقة، ويجعل هناك متابعة إيرانية دقيقة لأي تطورات على الأرض.

تحرك أرميني
يرصد الزميل الزائر في مؤسسة الفكر الجورجية “جيوكاسا”، والمتخصص في الشؤون الأوراسية إميل أفدالياني، التحركات الأرمينية والرسائل الإيجابية التي ترسلها إلى تركيا؛ في محاولة للتأثير على التحالف الأذربيجاني- التركي بعد عام من الحرب التي انخرطت فيها تركيا بشكل مكثف، مشيراً إلى أن أرمينيا قد تقوم بتطبيع العلاقات مع تركيا من دون مقابل؛ متغاضيةً عن أمور عديدة بطريقة براغماتية سياسية لتحقيق أهداف أخرى.
يقول أفدالياني، في مقاله التحليلي حول الأزمة، إن الانفتاح الأرميني على تركيا وفتح الحدود سيقلل من اعتماد بريفان على الواردات من إيران، وسيزيد من النفوذ التركي بشكل واضح، مؤكداً أن هذا الأمر سيخدم المصالح التركية بشكل مباشر، ويعزز من نفوذ أنقرة كما يرغب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.

يؤكد الدكتور علي نوري زادة، أن التوافق التركي الإيراني حول بعض القضايا في الفترة الماضية لم يمنع الخلافات التاريخية بين البلدين؛ وهو أمر على العكس من الخلاف الإيراني- الإسرائيلي مثلاً الذي سينتهي حتماً عند سقوط النظام الإيراني الحالي، مشيراً إلى أن الخلافات بين طهران وأنقرة مستمرة بغض النظر عن الأنظمة في البلدين، وما يحدث من تقارب ببعض الملفات يكون بهدف البحث عن المصالح المشتركة التي سرعان ما تنتهي وتبرز الخلافات مجدداً.
يختتم محمود حمدي أبو القاسم حديثه بالتأكيد أن التخوفات الإيرانية ترجع إلى القلق من أن يؤدي التحالف التركي- الباكستاني- الأذربيجاني إلى تعزيز نفوذ منافسيها الإقليميين؛ تركيا وباكستان، بينما يمكن أن تنظر إليه طهران باعتباره عملية تطويق كبيرة لنفوذها تلعب فيها كل من أذربيجان وأفغانستان حلقة الوصل، في وقت يتزايد فيه خطر التحالف حال انضمام الخليج إليه.