الواجهة الرئيسيةترجماتشؤون دوليةشؤون عربية
هل تزيح “حماس” منظمة التحرير؟

كيوبوست – ترجمات
أميرة هاس♦
إسرائيليون يركضون في حالةِ ذعر عند انطلاق صافرات الإنذار، مناشف متروكة على شاطئ تل أبيب، إغلاق مطار بن غوريون.. كل هذه المشاهد تثير مشاعر الشماتة بين جميع الفلسطينيين الذين يعيشون في ظلِّ القوة العسكرية والشرطية المخيفة والمتغطرسة لإسرائيل.
ومن الطبيعي أن يرغب الفلسطينيون في أن تفقد القوة العسكرية اليهودية أعصابها، وأن يعرف الإسرائيليون معنى الخوف. لكن اليوم، وعلى غرار الجولات السابقة، فإن هذا الشعور بالفرح والارتياح لم يدم طويلاً أو امتزج بخوفٍ كبير؛ لأن إسرائيل تثبت مرة أخرى أن قدرتها على الإرهاب والقتل والتدمير أكبر بأضعاف من قدرة الفلسطينيين.
اقرأ أيضاً: كواليس انتخابات “حماس” تكشف عن ازدواجية المعايير
فالجيش الذي بنته حركة حماس، وعملية التسلح الحثيثة التي واصلتها رغم الحصار والاغتيالات، وقدرتها على المفاجأة العسكرية، وعلى وضع ملايين الإسرائيليين في حالة من الخوف، كل ذلك قد أدخلها إلى نادي الكبار؛ أي الدول أو الكيانات شبه الدول، التي يجب على السياسة الإقليمية والعالمية أن تأخذها في عين الاعتبار.
ولهذا السبب، من المؤكد أنه لا يمكن التعامل مع حركة حماس كممثلة عن الضحايا فقط، كما لا يمكن إعفاؤها من أسئلة مثل: ألم يقضِ ردها العسكري على تصعيد إسرائيل في القدس خلال شهر رمضان على حراك شعبي وسياسي بدأ في الانتظام ضد طرد الفلسطينيين من الشيخ جراح؟ وهل الثمن الرهيب الذي يدفعه سكان قطاع غزة قد تم أخذه في الحسبان؟

وينظر الكثيرون إلى التسليح والمواجهة الحالية باعتبارها إنجازاً عسكرياً وسياسياً ومعنوياً. وهذا الإنجاز قد حول ملايين الفلسطينيين (خصوصاً ممن لا يعيشون في قطاع غزة) إلى أن يكونوا تحت النيران الإسرائيلية الثقيلة، وكذلك قد حول العديد من مؤيدي النضال الفلسطيني من أجل التحرير والعودة، إلى جماهير ومعجبين بحركة المقاومة الإسلامية.
وحوَّل أولئك الذين يشككون في جدوى التسلح العسكري الفلسطيني، والثمن الباهظ الذي يفرضه، إلى التزام الصمت أو الإحجام عن النقد الآن. فعمليات القصف الإسرائيلية المدمرة لسكان قطاع غزة المحاصر يتم عرضها في إسرائيل باعتبارها “رداً”؛ لكن كل فلسطيني وكذلك أي مراقب لديه موقف منطقي يرونه كجزء من سلسلة متواصلة دامت قرناً من الزمن؛ حيث يسيطر فيها شعب واحد على السلطة ويطرد، ويقسم، ويسحق، في حين يرفض الشعب الآخر التخلي عن هويته ووطنه؛ لذا يتعرض إلى الهجوم مرة تلو الأخرى.
اقرأ أيضاً: كيف استغلت حركة حماس الأراضي الليبية لتهريب السلاح إلى غزة؟!
وكما هي الحال دائماً، فإن الإعجاب الذي يشعر به الناس تجاه سعة الحيلة والجرأة والبطولة غالباً ما يختلط بخطاب المعاناة والضحايا؛ فجثث الأطفال الفلسطينيين الذين قتلوا في الهجمات الإسرائيلية، وانتشلوا من تحت الأنقاض، ودمار البنية التحتية للمياه والكهرباء والصرف الصحي، والمدارس المليئة بالعائلات التي فرت من منازلها.. هذه كلها مشاهد مألوفة بشكل مؤلم، وتثير مشاعر العجز والغضب واليأس لدى كل فلسطيني. وهذه المشاهد في أفضل الأحوال لا تحرك مشاعر معظم اليهود الإسرائيليين، وفي أسوأها تجعلهم سعداء.

إن نظام “حماس” الذي أثار الدهشة في بناء جيش، لم يستثمر في بناء ملاجئ للمدنيين، وهو يعتمد على المساعدات المقدمة من المنظمات الدولية؛ وعلى رأسها “الأونروا”، لتوفير شبكة أمان وأقل قدر ممكن من الإمدادات للسكان في هذا الوقت. كما أن “حماس” تدرك جيداً أن معظم عبء عملية إعادة الإعمار (البطيئة للغاية والمدمرة للأعصاب) سوف تتحمله الدول الأجنبية، والحكومة المكروهة في رام الله.
اقرأ أيضاً: لا سلام في الشرق الأوسط من دون حل المسألة الفلسطينية
ومن الصعب تصديق أن كبار قادة “حماس” وجناحها العسكري لم يأخذوا في الاعتبار إمكانية أن ترد إسرائيل على جرأتهم بضرباتٍ قاتلة أكبر بكثير مما يحدث، والتي من شأنها أن تودي بحياة العديد من المدنيين، وليس فقط أعضاء التنظيمات العسكرية الفلسطينية. ويمكن أيضاً افتراض أن “حماس” كانت تدرك أن إسرائيل سترد على الإنذار الغامض للغاية الذي وجهه محمد الضيف، بتدمير هائل للبنية التحتية المدنية، وليس العسكرية فقط.
ومما لا شك فيه أن “حماس” قد دخلت بوعي كامل إلى معركة جديدة تكاد تكون فيها قدرتها على الدفاع عن المدنيين معدومة؛ وهي تتعمد استغلال قدرتها العسكرية والصدمة الدولية جراء مشاهد الدمار، للنهوض بمركزها كممثل سياسي للشعب الفلسطيني بأسره. بينما تواصل إسرائيل تمهيد الطريق لها: سواء بعزل القطاع عن بقية البلاد أو بسياستها العسكرية الجامحة والمدمرة.
♦صحفية وكاتبة إسرائيلية تعيش فيالضفة الغربية. تُعتبر من أهم الصحفيين الذين يدافعون عن الحقوق الشرعية للشعب الفلسطيني، واشتُهِرت بمقالاتها في صحيفة “هآرتس”.
المصدر: هآرتس