الواجهة الرئيسيةشؤون عربيةمقالات

هل تخلَّت تونس عن حيادها في قضية الصحراء؟

كيوبوست- د.إدريس لكريني♦

أثار الاستقبال الرسمي الذي خصَّ به الرئيس التونسي قيس سعيد، زعيمَ “البوليساريو”، في إطار استضافته للمشاركة في أشغال القمة الثامنة لمنتدى التعاون الياباني- الإفريقي (تيكاد)، التي تحتضنها تونس يومَي 27 و28 أغسطس 2022، استياء كبيراً في الأوساط الرسمية والشعبية المغربية.

فالأمر يتعلَّق بسابقة لم يجرؤ على القيام بها أي رئيس تونسي منذ اندلاع النزاع في منتصف السبعينيات من القرن الماضي. ومباشرةً بعد هذا الاستقبال، أصدرت وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، بلاغاً يقضي بعدم المشاركة في القمة (تيكاد)، ثم استدعاء السفير المغربي بتونس لأجل التشاور، مع التأكيد أن ذلك لا يؤثر على الروابط القوية القائمة بين الشعبَين المغربي والتونسي، كما اعتبر البلاغ أن خطوة الرئيس التونسي تمثل توجهاً عدائياً واستمراراً لمواقف وتصرفات سلبية إزاء المغرب ومصالحه العليا؛ بل ذهب إلى أن هذا التوجه تم ضداً على رأي اليابان وبصورة أحادية الجانب؛ ما يمثل انتهاكاً لعملية الإعداد والقواعد المعمول بها.

اقرأ أيضًا:  المرجعية الفكرية للإسلاميين بالمغرب

لم تتوقف ردود الفعل الرافضة لهذا السلوك عند الجانب المغربي بمؤسساته الرسمية وأحزابه السياسية وفعالياته المدنية والثقافية والإعلامية؛ بل امتد أيضاً إلى عدد من الهيئات الحزبية التونسية والشخصيات السياسية والفكرية، التي اعتبرت أن الخطوة تمثل منعطفاً خطيراً، يهدد حاضر ومستقبل العلاقات الثنائية التي طالما حرص البلدان على تقويتها.

فالبلدان عضوان داخل الاتحاد المغاربي المحدث بموجب معاهدة مراكش لعام 1989، كما تربط بينهما أيضاً اتفاقية للتبادل الحر. ويتذكر التونسيون زيارة الملك محمد السادس، إلى بلادهم في أعقاب “ثورة الياسمين” التي خلَّفت إشكالات اقتصادية واجتماعية وأمنية أيضاً، وهي الزيارة التي دامت عدة أيام، تنقَّل خلالها العاهل المغربي راجلاً ودون حراسة مشددة في شارع “بورقيبة”، كخطوة معبرة سوَّقت حينها للأمن والاستقرار اللذين يعمَّان البلاد، في مقابل بعض الخطابات التي كانت تربط تونس بعدم الاستقرار.

عناصر من جبهة البوليساريو- وكالات

وفي صيف 2021، وضمن مبادرة تضامنية مع الشعب التونسي لمواجهة جائحة “كوفيد 19″، أنشأ المغرب مستشفًى ميدانياً بولاية منوبة، خُصِّص لاستقبال المرضى المصابين بالوباء.

ومن جانبها، عبَّرت وزارة الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج، عن استغرابها موقف المغرب، مبرزةً أن تونس تحافظ على حيادها التام وموقفها الثابت من قضية الصحراء، واعتبرت أن الاستقبال يرتبط بمذكرة صادرة عن الاتحاد الإفريقي بصفته مشاركاً في تنظيم اللقاء؛ يدعو فيها أعضاء الاتحاد كافة إلى حضور القمة، مؤكدةً حرصها على المحافظة على علاقاتها الودية والتاريخية العريقة التي تجمعها بالشعب المغربي، بينما قررت أيضاً دعوة سفيرها بالرباط للتشاور.

اقرأ أيضًا: الدبلوماسية المغربية الجديدة تهاجم أوروبا.. والسر في ملف الصحراء

خلَّف الموقف التونسي ردود فعل رافضة في أوساط عدد من أعضاء القمة؛ ففي الوقت الذي اختار فيه رئيس غينيا بيساو “أومارو سيسوكو إمبالو”، الذي يرأس المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (سيدياو)، الانسحاب من أشغال المنتدى، عبَّر كل من رئيس جمهورية السنغال، الرئيس الحالي للاتحاد الإفريقي “ماكي سال”، ورئيس جزر القمر “غزالي العثماني”، عن أسفهما لانعقاد القمة في غياب المغرب، بينما أكد وزير الشؤون الخارجية الليبيري “دي ماكسويل ساه كيمايا”، أن بلاده تأسف لغياب المغرب عن القمة، كما دعا أيضاً إلى تعليق أشغال هذه الدورة إلى حين تسوية المشكلات المرتبطة بالمساطر، بعد الدعوة أحادية الجانب “للبوليساريو”.

إن الخطوة التي قام بها “قيس” باستقباله زعيمَ جبهة “البوليساريو” الانفصالية، تمثل مغامرة غير محسوبة العواقب، وضربة موجهة إلى العلاقات التاريخية المتينة التي تجمع الشعبَين التونسي والمغربي، وإحباطاً للحلم بفضاء مغاربي متكتل.

إبراهيم غالي، زعيم جبهة البوليساريو

وفي خضم هذه التطورات، تُطرح الكثير من الأسئلة حول ما إذا كان الأمر يتعلق بمناورة مرحلية يسعى من خلالها الرئيس التونسي إلى تصريف المشكلات الداخلية التي تلاحقه على المستويات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، بافتعال أزمات خارجية؛ المغرب وتونس والمنطقة في غنى عنها، أم يتعلق الأمر بتوجه جديد تتخلَّى فيه تونس عن حيادها، أم أن الأزمة ستمثل فرصة لمراجعة الأخطاء وتمتين العلاقات بين البلدَين وتحصينها أكثر.

♦ أستاذ العلاقات الدولية ومدير مختبر الدراسات الدستورية وتحليل الأزمات والسياسات- المغرب.

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

د.إدريس لكريني

باحث وجامعي من المغرب

مقالات ذات صلة