الواجهة الرئيسيةترجماتشؤون دولية

هل تخطط تركيا لغزو شرق سوريا من جديد؟

كيوبوست – ترجمات

اعتادت القيادة التركية أن تتغذَّى على الأزمات؛ فعلى مدى السنوات العديدة الماضية تفتعل الحكومة في أنقرة أزمة جديدة تقريبًا مطلع كل شهر، وليست هناك غضاضة أن تكون إحدى تلك الأزمات مع الولايات المتحدة. ففي أكتوبر 2019 غَزَت تركيا جزءًا من شرق سوريا؛ ما تسبب في نزوح 200000 شخص. وفي نوفمبر، خلقت تركيا أزمة في ليبيا على إثر إبرام اتفاق يتعلق بالطاقة في البحر المتوسط، وفي شهرَي يناير وفبراير، تعثَّرت بسبب أزمات أخرى في إدلب؛ لتشرع في تشجيع المهاجرين على النزوح إلى أوروبا في مارس.

الآن ربما بدأت أنقرة في افتعال أزمة جديدة لصرف الانتباه عن جائحة فيروس كورونا في الداخل. وجاءت خطة أردوغان في سياق الهجوم الذي شنَّه النظام السوري المدعوم من روسيا على إدلب، والذي أرغم نحو 900 ألف شخص على ترك ديارهم في يناير وفبراير. وقد كان أردوغان يريد التوصل إلى اتفاق مع موسكو، وأدَّى قصف النظام السوري، الذي تم على الأرجح بمعرفة موسكو، إلى مقتل أكثر من 40 جنديًّا تركيًّا في إدلب السورية؛ حيث كان الجنود الأتراك يراقبون الوضع الحرج هناك. بينما كان الرد التركي هو الهرع إلى موسكو؛ لتأمين التوصل إلى اتفاق.

اقرأ أيضًا: رئيس قبرص: تركيا تستفيد من توتر العلاقات بين الناتو وروسيا

ولدى تركيا تاريخ من العمل مع روسيا لتقسيم سوريا. وابتداءً من عام 2017، انضمت تركيا وروسيا وإيران إلى محادثات السلام السورية في الأستانة، كما تدعم تركيا شكليًّا متمردي المعارضة السورية؛ حيث حولتهم إلى الجيش الوطني السوري، واستخدمتهم لمقاتلة الجماعات الكردية التي تزعم تركيا أنها مرتبطة بحزب العمال الكردستاني، ثم أرسلت تركيا المتمردين السوريين لتعزيز حربها في ليبيا بعد أن سَعَت إلى عقد صفقات الغاز والطاقة قبالة ليبيا في ديسمبر 2019. ولعل هذا هو هدف تركيا باختصار، أن تستخدم المتمردين لمحاربة الأكراد وكأدوات لسياسة أنقرة الخارجية. ومن جانب آخر، العمل مع روسيا في ما يتعلق ببقية الملف السوري.

بوتين وأردوغان خلال مؤتمر صحفي في مدينة سوتشي الروسية- 2019

ولإخراج الولايات المتحدة من شرق سوريا، أشارت تركيا إلى واشنطن بأنها تعارض الدور الذي تلعبه إيران في سوريا. ونجد وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، والمبعوث المناهض لتنظيم داعش جيمس جيفري، كلاهما مؤيد لتركيا ويأمل في أنه إذا قُدِّم الدعم الكافي لها فإنها ستنقلب على إيران في نهاية الأمر.

اقرأ أيضًا: هل يصمد الاتفاق الروسي- التركي حول إدلب؟

والواقع أن الولايات المتحدة ليست لها أية مصلحة حقيقية في النفط السوري؛ لكن حماية النفط من الممكن أن تساعد في تعزيز الموارد المحدودة لقوات سوريا الديمقراطية، لمواصلة حراسة أسرى “داعش”؛ حيث تطالب الولايات المتحدة والقوى الغربية قوات سوريا الديمقراطية بالعمل كـ”سجّان” لسجناء “داعش”، بما في ذلك آلاف الأجانب الذين أُسروا عندما هزمت قوات سوريا الديمقراطية “داعش” في العام الماضي. بينما ترفض الحكومات الأوروبية استعادة مواطنيها المنضمين إلى “داعش”، وقد أبلغت قوات سوريا الديمقراطية بأنها غير مسموح لها تسليم هؤلاء المواطنين إلى النظام السوري، أو إطلاق سراحهم أو إرسالهم إلى العراق.

اقرأ أيضًا: تركيا والدواعش.. الطريق إلى “دولة الخلافة”

والآن أصبحت قوات سوريا الديمقراطية مطلوبة كمتعهد لإيوائهم؛ بما في ذلك عدة آلاف من رجال “داعش” وعشرات الآلاف من أفراد أُسرهم. هؤلاء المحتجزون جميعًا معرضون الآن إلى خطر الإصابة بفيروس كورونا، وقد حرصت الولايات المتحدة على عدم وصول أية مساعدة من الأمم المتحدة أو منظمة الصحة العالمية إلى شرق سوريا؛ لفحص الناس هناك. وبالتالي فإن قوات سوريا الديمقراطية، المعزولة عن كلٍّ من دمشق وواشنطن، وتعتبرها أنقرة إرهابية، ليس لديها سوى خيارات قليلة.

اللاجئون في الطريق على الحدود بين تركيا واليونان- 3 مارس 2020- “أسوشييتد برس”

وتلجأ تركيا الآن إلى سياسة النفط في أثناء أزمة “كورونا”؛ كطريقة جديدة ممكنة لتشتيت انتباه وسائل الإعلام المحلية وخلق قضية وطنية جديدة. ففي العاشر من مارس، وبينما كانت تركيا تخطط لطرق جديدة للاستيلاء على النفط وتقسيم شرق سوريا مع روسيا، قيل لوسائل الإعلام الموالية للحكومة أن تدَّعي أن تركيا “خالية من الفيروسات”. وفي 10 مارس، ذكرت صحيفة “دايلي صباح” أن تركيا كانت مثالًا رائدًا في مكافحة فيروس كورونا؛ لأنها خالية من الفيروس. كما أشاد المعلقون المؤيدون بوزير الصحة التركي.

شاهد: فيديوغراف.. أردوغان يدفع بعشرات السوريين نحو الموت

وكانت تركيا في الواقع من أُوَل الدول التي حذَّرت من وصول جائحة فيروس كورونا إلى إيران، منتصف فبراير الماضي، عندما أشارت تقديرات تركيا إلى أن ما يصل إلى 750 شخصًا أُصيبوا بالعدوى بالفعل في إيران. لكن من المستحيل السيطرة على الفيروس بشكل كامل، والآن تقول تركيا إن لديها 1500 إصابة و37 حالة وفاة. ويتم تطبيق حظر التجوال وعمليات الإغلاق في تركيا. وحتى مع انتشار الوباء، فإن وسائل الإعلام التركية تريد أن تذكِّر المشاهدين بأنها تحارب “الإرهابيين” في شرق سوريا. ولم تقع أية هجمات على تركيا من قوات سوريا الديمقراطية أو وحدات حماية الشعب الكردية التابعة لها. ومع ذلك، وفي 21 مارس الجاري، زعمت وكالة الأناضول التركية أن قوات الكوماندوز التركية “قامت بتحييد إرهابيين من وحدات حماية الشعب/ حزب العمال الكردستاني في شمال غرب سوريا”.

اقرأ أيضًا: في تركيا.. اقتصاد يرزح تحت الركود والنساء أُوْلَى ضحايا الأزمة

وفي إطار خطط تركيا لغزو شرق سوريا، يبدو أن بعض المسؤولين الدبلوماسيين الأمريكيين بدؤوا في التوقف عن ذكر شركائهم المحليين من قوات سوريا الديمقراطية في المنطقة. حيث لم يشِر بيان صحفي مشترك مع سفير الولايات المتحدة في تركيا ديفيد ساترفيلد، في العاشر من مارس الجاري، إلى قوات سوريا الديمقراطية.

أعلنت تركيا عن أول حالة “كورونا” في 11 مارس 2020

وفي بيان صادر عن وزارة خارجية الولايات المتحدة بمناسبة الذكرى السنوية الأولى لدحر قوات سوريا الديمقراطية لتنظيم داعش في باغوز، وهي الحملة التي دامت 4 أعوام وكلفت قوات سوريا الديمقراطية 10000 ضحية، لم يذكر حتى اسم قوات سوريا الديمقراطية. وبدلًا من ذلك، أشار البيان إلى أن ثمانية ملايين شخص قد تحرروا من سيطرة تنظيم داعش في سوريا والعراق. وأشار أيضًا إلى خطة “تحقيق الاستقرار” التي ادَّعت الولايات المتحدة أنها ساعدت الناس على “العودة إلى ديارهم” وإعادة بناء حياتهم.

اقرأ أيضًا: أردوغان يستغل “كورونا” لاعتقال مواطنيه وتصفية حسابات سياسية

وقد غرَّد بومبيو، يوم الثلاثاء، عن الذكرى السنوية الأولى لهزيمة “داعش” في إدلب وتحديات فيروس كورونا. ولم يشِر إلى قوات سوريا الديمقراطية التي لعبت الدور الرئيسي في هزيمة “داعش”، أو إلى أي دعم لشرق سوريا في خضم الوباء. وفي إشارة إلى أن الولايات المتحدة أغفلت على ما يبدو ذكر قوات سوريا الديمقراطية أو أي شكر لها، كتب عضو مجلس الشيوخ الأمريكي ليندسي جراهام، أنه أجرى مكالمة هاتفية مع الجنرال مظلوم من قوات سوريا الديمقراطية، بشأن استمرار القتال ضد “داعش” والحاجة إلى حماية النفط.

ونظمت روسيا وتركيا دوريتهما المشتركة الثانية في إدلب هذا الأسبوع؛ حيث يصب العمل معًا للحد من نفوذ الولايات المتحدة في مصلحة كلٍّ منهما، غير أن الوباء قد يكون أزمة حقيقية يصعب على أنقرة أن تتغلب عليها بينما تحاول أيضًا أن تخوض صراعًا جديدًا مع واشنطن وروسيا حول النفط السوري.

المصدر: جيورازليم بوست

اتبعنا على تويتر من هنا

 

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة