الواجهة الرئيسيةشؤون دوليةشؤون عربية
هل تحيد عمان عن دورها السلمي المهم في المنطقة؟

كيوبوست
لطالما وُصفت عمان بـ”سويسرا الشرق الأوسط”؛ بسبب حيادها المعهود والنأي بنفسها عن النزاعات المسلحة. تمتلك عمان حدوداً برية وبحرية مع دولٍ مؤثرة في الشرق الأوسط، السعودية وإيران، وقد سمحت السياسة العمانية المتوازنة بإبقاء مسقط كوسيطٍ مهم في منطقة مضطربة.
ولكن ربما يشكِّل الحياد العماني والعمل كصانع سلام ضغوطاً على هذا البلد ذي الاحتياطات النفطية المحدودة، والذي يعاني أيضاً عجزاً في الموازنة بسبب جائحة كورونا وتهاوي أسعار النفط، فضلاً عن قلة احتياطاته من النقد الأجنبي؛ وربما هذا ما دفع الصحفي التركي إبراهيم كاراجول، في تغريدة له على “تويتر”، إلى الحديث حول اتفاق مبدئي لإنشاء قاعدة بحرية تركية في عمان، في ما يبدو أنه قياس على تحركات تركيا السابقة التي أفضت إلى إنشاء قواعد لها في الصومال وقطر.
اقرأ أيضاً: سلطنة عمان.. عصر جديد مليء بالفرص والمخاطر
القواعد التركية في الخارج
اتسمت العلاقات القطرية- السعودية لعقود من الزمن بالفتور حيناً والتوتر حيناً آخر.. في الواقع، تمتلك قطر سياساتٍ مخالفة للكثير من دول الخليج العربي تجاه العديد من القضايا الحرجة؛ كالعلاقات مع إيران والإخوان المسلمين والحرب في اليمن، وهذا ما دعا الدوحة إلى مواءمة سياساتها مع أنقرة على الدوام، وقد أدَّت العزلة المتزايدة التي تعانيها العاصمتان إلى تطوير علاقاتهما وصولاً إلى إنشاء قاعدة عسكرية تركية في قطر، بالإضافة إلى زيادة التبادلات التجارية؛ لتعويض الأضرار الناتجة عن العزلة.
وفي القرن الإفريقي، حفَّز انهيار الدولة في الصومال والضعف الأمني والعسكري والاقتصادي في البلاد، أنقرة على إنشاء أكبر قاعدة عسكرية لها خارج تركيا، وذلك في إطار سعيها لتعزيز مصالحها الاقتصادية وحمايتها في إفريقيا بعد العراقيل الكثيرة التي تتعرض إليها في مسعاها للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى طموحات أنقرة التوسعية، ورغبتها في تقديم نفسها كزعيم للعالم الإسلامي.

ولكن أيًّا من الظروف المواتية لتركيا في قطر والصومال لا يتشابه تماماً مع الحال في عمان، ومع ذلك ربما تُعبِّر تغريدة إبراهيم كاراجول، عن نيَّات حزب العدالة والتنمية التركي الذي يبدو أنه يحاول تسريب شائعة حول اتفاق مبدئي لإنشاء قاعدة بحرية تركية في عمان؛ لقياس ردود الفعل، حيث قال كاراجول في تغريدته: “الصومال في البحر الأحمر وعمان في الخليج الفارسي”، مضيفاً: “نحن في عمان بعد قطر”، وهو ما لم يصدر بشأنه أي تصريح رسمي من عمان أو تركيا.
اقرأ أيضاً: تركيا في الصومال.. وجود عسكري مثير للشكوك
رسوخ السياسية العمانية الخارجية
حافظت عمان على مدى خمسة عقود على سياسة خارجية محايدة ومسالمة بشكل كبير منذ تولي السلطان قابوس الحكم في عام 1970، وربما كانت معارضة عمان لعزل مصر من قِبل الكثير من الدول العربية في عام 1979 بسبب توقيعها اتفاقية السلام مع إسرائيل هي أقدم المواقف الدالة على نمط السياسة العمانية؛ حيث أدى توقيع الاتفاقية إلى تعليق عضوية مصر في الجامعة العربية ومقاطعتها. في الحقيقة، لم تقُم عمان قط بقطع العلاقات الدبلوماسية مع أية حكومة منذ تأسيسها، وحتى عند اندلاع الصراع السوري كانت عمان العضو الوحيد في مجلس التعاون الخليجي الذي لم يقطع العلاقات الرسمية مع دمشق.
يُدرك العمانيون أن التعايش السلمي هو السبيل الوحيد لإدامة انتعاش بلادهم وازدهارها مع التناقص التدريجي للموارد النفطية، وقد مكَّنت هذه السياسة البلاد بالفعل من التمتع بوضع سياسي واقتصادي مستقر في العموم.
إن العوامل الاقتصادية ليست وحدها المُحدد للسياسة العمانية؛ بل إن الاعتدال والتسامح الذي يشدد عليه مذهب الإباضية الذي يتبناه معظم العمانيين، وهو المذهب الأساسي في الحكم، يؤدي دوراً مهماً في هذه السياسة أيضاً، وذلك إلى جانب تاريخ طويل من التوسع والصراع مع القوى الخارجية في عهد عمان الكبرى -بين القرنين السابع والثامن عشر الميلادي- والذي وصلت فيه عمان إلى أطراف فارس في آسيا وجزر القمر ومدغشقر في إفريقيا، وقد علَّم ذلك التاريخ العمانيين مخاطر التوسع وأضرار التدخلات الخارجية على الاستقرار والاقتصاد والنمو.
اقرأ أيضاً: كيف تغير السلوك البحري الإيراني في الخليج بين فترتي أوباما وترامب؟
ويقابل الحرصَ العماني على استدامة سياستها الخارجية حرصٌ إقليمي على الاستمرار على هذا النهج البنّاء لتحقيق الاستقرار في المنطقة؛ حيث إن الحياد العماني يمكنها من أداء دور الوسيط بين المتخاصمين من خلال الحفاظ على قنوات خلفية للحوار مع الجميع، سواء القوى الإقليمية وحلفائها مثل إيران والسعودية، أو حتى القوى الدولية مثل الصين والولايات المتحدة؛ وهو دور يُحتِّم على الدول الكبرى دعمه وتشجيعه وعدم المجازفة به.
ومن أبرز مواقف سياسة عمان القائمة على مبدأ “أصدقاء الجميع أعداء لا أحد” الرامية لتحقيق الاستقرار، هو قيامها بدور الوسيط في الحرب اليمنية، وجهودها المهمة من أجل إنهاء الصراع، وما كان بإمكان مسقط أداء مثل هذا الدور لولا عدم دخولها في التحالف العربي المتدخل عسكرياً في حرب اليمن، ولولا علاقاتها الجيدة نسبياً مع جميع أطراف الصراع.

أهمية الحفاظ على الاستمرار على النهج المُسالِم
أكد السلطان هيثم بن طارق، في أول تصريح له عقب توليه مهام السلطة العمانية، استمراره على نهج السلطان الراحل، حيث قال: “سوف نترسم خط السلطان الراحل، مؤكدين على الثوابت (..) وسياسة بلادنا الخارجية القائمة على التعايش السلمي بين الأمم والشعوب وحسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الخارجية لغيرنا واحترام سيادة الدول”.
اقرأ أيضاً: تحالف إيراني- قطري لاستهداف اليمن
يدعو تصريح السلطان هيثم إلى التفاؤل بشأن استمرار حِكمة السياسة العمانية، واستمرار تأثير مسقط على الاستقرار في المنطقة بشكل إيجابي من خلال أداء دور الوسيط، والاحتفاظ بعلاقات ودية وتبادلات تجارية مع الجميع؛ بما في ذلك قطر وتركيا وإيران التي تواجه مشكلات مع جيران عمان وأصدقائها المهمين؛ مثل السعودية والإمارات والولايات المتحدة وبريطانيا، وهذا ما يجعل عمان ركيزة أساسية في التواصل بين المتخاصمين وتخفيف حِدة التوتر؛ حيث أسهمت الدبلوماسية العمانية بفاعلية -مثلاً- في تسهيل المحادثات بين الأمريكيين والإيرانيين والوصول بها إلى خطة العمل الشاملة المشتركة في عام 2015، كما لعبت عمان دوراً مهماً في التخفيف من آثار الأزمة الخليجية على قطر من خلال إتاحة موانئها ومجالها الجوي للقطريين.
لقد أكد السلطان هيثم، منذ توليه الحكم، الاستمرار على نهج السلطان السابق، السلطان قابوس، رحمه الله، وقام في الوقت نفسه بإصدار العديد من القرارات التي من شأنها زيادة رصيد عمان من السمعة الطيبة وتنمية مواردها، شملت تلك التحركات والقرارات تفعيل التواصل السياسي من أجل إصلاح البيت الخليجي من خلال رسائل حملها وزير شؤون الخارجية العماني إلى أمير الكويت وأمير دولة قطر، خلال مايو الماضي، والتي أسفرت -على ما يبدو- عن تواصل في هذا الاتجاه بين الكويت وقطر والسعودية.
كما ركزت قرارات السلطان الجديدة على إيلاء اهتمام أكبر بتنويع الاقتصاد وتنميته من خلال صناديق الثروة السيادية، ودعم الشباب، والتركيز على التقنية والابتكار والثورة الصناعية، وبطبيعة الحال إجراءات السلطان العماني الجديد وقراراته، إلى جانب ثوابت السياسة العمانية الحكيمة في استمرار ازدهار الدولة من دون الحاجة إلى الانحياز إلى طرف ما ضد آخر.