الواجهة الرئيسيةشؤون دوليةشؤون عربية

هل تحقق حركة الشباب الصومالية حلمها بالتمدد في دول القرن الإفريقي؟

كيوبوست- عبد الجليل سليمان

مع إعلان الجيش الإثيوبي، أواخر يوليو الماضي، صده هجمات متتالية نفذتها حركة الشباب المجاهدين الصومالية على شرق البلاد، تكون استراتيجية الحرب لدى الحركة قد اتخذت مسارات توسعية جديدة، مُستغلةً الأوضاع السياسية والأمنية والاقتصادية شديدة الرثاثة والهشاشة في دول القرن الإفريقي ووسط القارة.

 ولطالما اعتبرت حركة الشباب، إثيوبيا ذات الصبغة المسيحية، والتي تسيطر الكنيسة الأرثوذكسية القبطية منذ قرون على مقاليد الحكم فيها، عدواً؛ بسبب وجودها العسكري الطويل وتدخلها في الصومال في 2006، حيث تمكَّن الجيش الإثيوبي من طرد مجموعة اتحاد المحاكم الإسلامية من العاصمة الصومالية مقديشو؛ ليُمَكِّن حكومة موالية لإثيوبيا مكانها، قبل أن ينسحب لصالح بعثة الاتحاد الإفريقي في الصومال (AMISOM) عام 2009، حيث شكَّلت -لاحقاً- العناصر الأكثر تطرفاً من اتحاد المحاكم حركةَ الشباب المجاهدين الصومالية في مواجهة ما سمَّته بالاحتلال الإثيوبي المسيحي لأرض الصومال.

اقرأ أيضاً: حركة شباب المجاهدين الصومالية.. هل ستُفجّر طاولة حوار “شيخ محمود”؟

 ويقول مراقبون للأوضاع في منطقة القرن الإفريقي إن التدخل الإثيوبي في الصومال، أدى إلى ظهور حركة الشباب، بعد أن فر الكثير من أعضاء اتحاد المحاكم الإسلامية إلى البلدان المجاورة، حيث بدؤوا في تنظيم هجمات على طريقة حرب العصابات على القوات الإثيوبية؛ بما في ذلك التفجيرات والاغتيالات، وبالتالي فإن الاحتلال الإثيوبي كان مسؤولاً عن تحويل المجموعة من جزء صغير غير مهم نسبياً من حركة إسلامية أكثر اعتدالاً إلى أقوى فصيل مسلح راديكالي في البلاد والمنطقة برمتها.

ويبدو أن حركة الشباب لم تنسَ ذلك التاريخ؛ فها هي الآن تستغل الأوضاع الأمنية والسياسية الهشة في إثيوبيا من أجل الانتقام، ورد الصاع اثنين، والتوغل داخل المجتمعات الإثيوبية المسلمة عبر كوادرها من الجنسيتَين الإثيوبية والصومالية.

هشاشة القرن الإفريقي

إجلاء نزلاء فندق DusitD2 في نيروبي جراء قنبلة فجرتها حركة الشباب.. يناير 2019- وكالات

بالنسبة إلى حركة الشباب، فإن استراتيجية التمدد إلى دول الجوار ليست بنت الراهن واللحظة، وإنما هي سانحة استغلتها لتنفيذها، فالتوسع فكرة تتبناها حركات الإسلام الجهادي المتطرفة كافة؛ إذ يمتد الوطن عندها بامتداد العقيدة، ولا قيمة للحدود السياسية للدول عندها، يقول الصحفي والباحث السياسي أنور إبراهيم لـ”كيوبوست”، ويواصل: في الهجمات الأخيرة على شرق إثيوبيا ادّعت الحركة أنها قتلت ما لا يقل عن 187 من القوات الإقليمية الإثيوبية، واستولت على معدات عسكرية، بينما نفت الحكومة الإثيوبية ذلك، مؤكدةً أن قواتها المرابطة في الإقليم الصومالي التابعة لإثيوبيا والمعروفة أيضاً باسم أوغادين، قتلت ما يصل إلى 243 من عناصر “الشباب” منذ أن هاجمت الجماعة المرتبطة بتنظيم القاعدة قريتَين، الأربعاء 25 يوليو الماضي، مشيرةً إلى أن 22 من جنودها لقوا حتفهم.

أنور إبراهيم

هذا ببساطة يعني أن الحركة التي تتراوح تقديرات حجم عضويتها بين 5 آلاف و10 آلاف، حسب مصادر عديدة ومتطابقة، لا تزال قادرة على تنفيذ هجمات واسعة النطاق في الصومال والدول المجاورة؛ حيث أثبتت على مدى السنوات الماضية إمكانيتها لشن هجمات متفرقة، لكنها مُميتة ضد القوات الغربية وقوات الاتحاد الإفريقي والمدنيين في المنطقة، يواصل إبراهيم حديثه، مضيفاً: يعتبر اختراق حركة الشباب المجاهدين الصومالية العمقَ الإثيوبي تطوراً خطيراً للأوضاع في المنطقة لن تقف حدوده عند إثيوبياً؛ بل ستتعداه إلى دول عديدة؛ بينها السودان الذي يشهد سيولة أمنية وسياسية وتشظياً غير مسبوق.

استراتيجية توسعية

خريطة توضح مساحة انتشار حركة الشباب في الصومال- وكالات

تُخطط حركة الشباب المجاهدين، التي تحتل نحو 25% من الأراضي الصومالية، للتمدد داخل كل من كينيا وأوغندا وإثيوبيا وجنوب السودان والسودان؛ إذ يمكنها التسلل إلى الأخيرة عبر إقليم النيل الأزرق المتاخم لإثيوبيا، جنوبي شرق السودان، الذي يشهد نزاعات عرقية مميتة، وتمردات عسكرية ضد السلطة المركزية الهشة في العاصمة الخرطوم، كما يعاني شرق السودان -عموماً- نزاعات عرقية مماثلة بين قبائله القاطنة على الحدود الإثيوبية والإريترية والمصرية، تتم تغذيتها من قبل عناصر قيادية في القوات الأمنية السودانية موالية لحزب المؤتمر الوطني (إخوان) الذي فقد السلطة عبر انتفاضة شعبية عام 2019.

وفي السياق ذاته، يقول الصحفي والمحلل السياسي المتخصص في الشؤون الإثيوبية، سليمان مختار: رغم إعلان الجيش الإثيوبي انتصاره وإحباطه هجمات حركة الشباب وتدمير آلياتها العسكرية؛ فإن الاختراق نفسه حمل العديد من المؤشرات، أهمها أن ثمة بداية استراتيجية توسعية جديدة تتبناها الحركة، وتعمل على تنفيذها فعلياً على الأرض، ربما تهدف من خلالها إلى إطلاق امتدادات وتشكيلات وأذرع إقليمية تابعة لها في دول الجوار الإفريقي التي تعاني أحوالاً من التفكك والغليان والهشاشة.

اقرأ أيضاً: مصحوباً بزفة من الدعم الدولي.. شيخ محمود إلى حكم الصومال ثانية

إلا أن مختار يعود ليؤكد لـ”كيوبوست”، أن تحقيق هذا الحلم ليس بالهيِّن، وإذا أرادت الحركة العمل عليه، فإن عليها فرض سيطرتها على الصومال أولاً، وإعلان دولة إسلامية هناك، ومن ثَمَّ الانطلاق إلى الجوار، وهذا أمر مستحيل؛ حيث إن طيفاً كبيراً من قادة الحركة نفسها لا يؤيدون ذلك، فالقوميون منهم يسعون -فقط- للإطاحة بالحكومة الصومالية القائمة وتأسيس حكومة ذات طابع ديني وسطي غير متشدد، بينما لا تزال مجموعة متطرفة منهم تطلق على نفسها “الشباب” ملتزمة أكثر بفكرة الشريعة والجهاد وفقاً لعقيدة الولاء والبراء.

سليمان مختار

بالنسبة إلى العمليات العسكرية الخارجية، كما تسميها الحركة؛ أي الهجمات الانتحارية، فإنها أسلوب ليس بالجديد، وإن كان تكتيكياً أكثر مما هو استراتيجي، ففي عام 2010 هوجمت أندية في العاصمة الأوغندية كمبالا، وفي عام 2013 أعلن مقاتلو حركة الشباب مسؤوليتهم عن هجوم على مركز تجاري في العاصمة الكينية نيروبي، أسفر عن مقتل 67 شخصاً، وفي عام 2015 قتلت الجماعة 148 في هجوم على جامعة في مدينة غاريسا الكينية، كان الأكثر دموية في كينيا منذ تفجير عام 1998 للسفارة الأمريكية في نيروبي، والذي قُتل فيه أكثر من مئتي شخص.

وتفاقمت الأمور واشتدت وطأتها أكثر في أواخر عام 2017، حين سحبت بعثة الاتحاد الإفريقي في الصومال (AMISOM) ألف جندي كخطوة أولى من خطة الانسحاب التدريجي، وفي عام 2019 صوت مجلس الأمن الدولي على سحب قوات إضافية. حينها حذر بعض الخبراء من أن الحكومة الصومالية قد تواجه الانهيار إذا انسحبت بعثة الاتحاد الإفريقي بالكامل، وفقاً لمختار نفسه.

علامة حرب تيغراي

الرئيسان الإريتري والصومالي- وكالات

بالنسبة إلى عملية التوغل الأخيرة في إثيوبيا، فإنها تعتبر علامة مهمة لنتائج الحرب التي شنها رئيس الوزراء آبي أحمد، على إقليم تيغراي شمالي البلاد، نوفمبر 2020، والتي تدهورت على إثرها الأوضاع الأمنية والاقتصادية في واحدة من أكبر وأقوى الدول الإفريقية، الأمر الذي أغرى حركة الشباب على التجرؤ بالمغامرة بشن عملية عسكرية كبيرة داخل إثيوبيا، وهذا في حد ذاته مؤشر قوي على مدى تدهور الأوضاع في البلاد؛ خصوصاً أن -بعيداً عن التقارير الصادرة عن الحكومة الإثيوبية- أخباراً حصل عليها “كيوبوست” من مصادر أمنية محلية بإقليم الصومال الإثيوبي ومن مواطنين هناك، أكدت أن الاشتباكات بين مفارز المسلحين الجهاديين لحركة الشباب والقوات الإثيوبية دارت ولا يزال بعضها يدور بشكل متقطع وفي نطاق محدود، على طول الحدود الإثيوبية- الصومالية، وليست في مناطق محدودة كما جاء في التقارير الرسمية.

اقرأ أيضاً: دولة الجهاديين في إفريقيا.. حلمٌ يتحقق أم سراب صعب المنال؟!

بالنسبة إلى حركة الشباب، فإنها تضم بين ظهرانيها آلافاً من المقاتلين الإثيوبيين، خصوصاً المنتمين إلى قوميتَي الصومال والأرومو الإثيوبيتَين؛ حيث تمكن مئات منهم من التسلل إلى إثيوبيا، وما زالوا موجودين بالقرب من مناطق كاري وجراتي وإيمي، ومنتشرين حول منطقة مويالي على الحدود الإثيوبية- الكينية، وفقاً لمصدر أمني تحدث إلى “كيوبوست” من إقليم الصومال الإثيوبي، طالباً حجب اسمه.

وأضاف المصدر أن الحركة بصدد توسيع عملياتها العسكرية إلى دول أخرى؛ منها السودان، مستغلةً الأوضاع السياسية والانقسامات المجتمعية والنزاعات العرقية العميقة التي يشهدها عقب الإطاحة بنظام الرئيس السابق عمر البشير، وأن مجموعات إسلامية سودانية؛ مثل جماعتَي الإخوان والسلفيين، تعتبر رصيداً بشرياً محتملاً لإحداث مثل هذا الاختراق، أما بالنسبة إلى إثيوبيا، يقول المصدر نفسه، فإن جيشها يمتلك الخبرة في التعامل مع الحركة؛ نسبة إلى وجوده السابق في الصومال لعدة سنوات، حيث خاض حرباً ضدها، إلا أنه في مثل هذه الأوضاع التي تعيشها البلاد ربما لن يتمكن من السيطرة عليها بسهولة، ما لم يتم إنجاز ملف حرب التيغراي، وإيجاد تسوية سياسية سريعة وعادلة تعيد إلى إثيوبيا حالة الاستقرار السياسي.

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

عبد الجليل سليمان

مراسل السودان

مقالات ذات صلة