الواجهة الرئيسيةشؤون دولية
هل تحتاج دول العالم إلى الجيوش؟
يوجد حوالي 28 مليون شخص يخدمون في الجيوش في جميع أنحاء العالم؛ حيث يبدو طبيعياً أن تمتلك الدول جيوشاً لحماية سكانها وحدودها وسيادتها..

كيوبوست- منير بن وبر
لا شك أن العمل من أجل السلام، وإرساء الحقوق التي تضمن للإنسان كرامته، ضروري لخلق عالم أفضل؛ عالم يكون فيه السلام وحقوق الإنسان هي المعايير وليس الاستثناء. لذلك، يحظى أولئك الذين يبذلون جهوداً استثنائية من أجل السلام بتقدير عالٍ، ولعل أسمى تكريم لهم هو جائزة نوبل للسلام، والتي تُمنح لأولئك الذين يظهرون إسهاماً أو إنجازاً مهماً نحو تعزيز الانسجام الدولي، أو العمل من أجل إلغاء أو تقليص الجيوش الدائمة وتقليل أعمال العنف.
اقرأ أيضاً: صحف غربية: احتمالات نشوب “حرب عالمية ثالثة” مرتفعة جدًا
تتم مناقشة مفهوم إلغاء أو تقليص الجيوش كوسيلة لإحلال السلام في العالم منذ زمن طويل. من المُسلّم به أن الجيوش يتم إنشاؤها في المقام الأول لغرض القتال؛ لذا يمكن أن تكون في نفس الوقت سبباً لإثارة التوترات والصراعات.
ومع ذلك، ثمة جدل بأنه لا يمكن إلغاء الجيوش بشكلٍ كامل طالما أن هناك من يسعى إلى السُلطة من خلال القوة، أو يبتز الآخرين باستخدام العنف. من جانبٍ آخر، يمكن أن تكون الجيوش بحد ذاتها وسيلة للسلام عندما يصبح استخدامها ملاذاً أخيراً لا يمكن تجنبه، وتكون القوة العسكرية مسؤولة ومنضبطة، وملتزمة بالقانون الدولي، والمبادئ الأخلاقية، وقواعد السلوك العالمية.
ما هي مهمة الجيوش؟
يوجد حوالي 28 مليون شخص يخدمون في الجيوش في جميع أنحاء العالم؛ حيث يبدو طبيعياً أن تمتلك الدول جيوشاً لحماية سكانها وحدودها وسيادتها. ومع ذلك، لا تمتلك بعض دول العالم جيوشاً. على سبيل المثال، لا تمتلك دولة أندورا جيشها الخاص، بل تعتمد على كل من إسبانيا وفرنسا للدفاع عنها. تشمل قائمة بعض الدول التي لا تمتلك جيشاً كذلك ليختنشتاين التي حلّت جيشها منذ منتصف القرن التاسع عشر، وكذلك آيسلندا التي لا تمتلك جيشاً رغم عضويتها في حلف شمال الأطلسي (الناتو).
تُعد الحماية والأمن والردع مهاماً أساسية للجيوش؛ حيث تحتاج الدول بشكلٍ أساسي إلى القوات المسلحة لحمايتها وضمان أمنها لأنها يمكن أن تواجه العديد من التحديات، مثل الغزو، الإرهاب، الصراعات الداخلية، والخلافات الحدودية. يُعد الجيش القوي وسيلة ردع أساسية لأي عدو أو صراع محتمل أيضاً. ومع ذلك، فلا تقتصر مهام الجيوش على ذلك فحسب؛ بل لها دور حاسم في أوقات الأزمات والكوارث وفي العلاقات الدولية.

تلجأ الدول إلى قواتها المسلحة للاستجابة للكوارث الطبيعية، كالزلازل والفيضانات مثلاً، والحفاظ على النظام والقانون في أوقات عدم الاستقرار، مثل الانقلابات والتمردات.
علاوة على ذلك، يُنظر إلى الدول التي تمتلك جيشاً قوياً على أنها أكثر قدرة على التأثير في المجتمع الدولي، وهو تأثير يمكن الاستفادة منه في مهام حفظ السلام، ومساعدة الدول الأضعف التي تواجه كوارث طبيعية أو عدم استقرار.
قوة من أجل السلام
على الرغم من أهمية القوة كوسيلة لحفظ الأمن، إلا أنه لا يمكنها وحدها ضمان السلام والاستقرار في أي دولة؛ بل تحتاج الدولة أيضاً إلى سياسة خارجية تروج للسلام والتعاون مع الأمم الأخرى.
تحتاج الدول -غالباً- إلى جيشٍ مقتدر، لكن لا ينبغي لها أن تُشعر الدول الأخرى بالتهديد. يجب أن تؤمن الدول التي لديها قوات أفضل أن القوة تجلب معها المسؤولية أيضاً، وأن المسؤولية التي تحملها القوة هي الترويج للسلام والأمن العالمي، والدفع نحو المزيد من التعاون الدولي وضمان حقوق الإنسان.
شاهد: فيديوغراف.. هل تقرير مؤشر السلام العالمي عادل؟
لا شك أن الاستخدام المسؤول والمنضبط للقوة العسكرية -عند الضرورة القصوى- يمكن أن يوفر بالفعل الأمن والاستقرار للمدنيين المتضررين من النزاع. ومع ذلك، يجب أن يكون هذا دائماً جزءاً من جهود دبلوماسية أوسع نحو السلام الدائم، بما في ذلك الوساطة والتفاوض والمساعدات الإنسانية.
وكما يُجادل البعض، من المفيد تقليص الجيوش من خلال الإبقاء على قوة كافية لضمان الأمن مع بذل جهود وموارد أكبر من أجل المساعدات الإنسانية، والبرامج الاجتماعية، والمبادرات الدبلوماسية التي تهدف إلى حل النزاعات قبل أن تتحول إلى عنف.
القوة وحدها لا تصنع سلاماً
يمكن للجيوش أن تعمل كأدواتٍ لتحقيق السلام عندما تُستخدم في السياق الصحيح، وملاذاً أخيراً من أجل قضايا عادلة، لكنها ليست الوحيدة القادرة على خلق عالم آمن ومستقر؛ فحتى جائزة نوبل للسلام -مثلاً- تعترف بجهود أولئك الذين يبذلون جهوداً استثنائية نحو تحقيق العدالة الاجتماعية، والتخفيف من حدة الفقر، نظراً لدور هذه العوامل بشكلٍ كبير في عدم الاستقرار العالمي.
على سبيل المثال، مُنح محمد يونس، من بنجلاديش، جائزة نوبل للسلام في العام 2006 لجهوده في محاربة الفقر والتنمية الاقتصادية والاجتماعية، من خلال تأسيس مصرف جرامين للتمويل الصغير وتنمية المجتمع في بنغلاديش.

كما مُنحت جائزة نوبل للسلام لعام 2020 لبرنامج الأغذية العالمي للأمم المتحدة “لجهوده في مكافحة الجوع، ومساهمته في تحسين ظروف السلام في المناطق المتضررة من النزاعات”.
لا غنى عن التعايش السلمي بين المجتمعات لتحقيق الأمن والاستقرار، ويمكن تحقيق ذلك من خلال مجموعة متنوعة من الأدوات؛ من التماسك الاجتماعي المحلي والشراكات القوية بين الدول، إلى التنمية الاقتصادية والعلاقات التجارية والحوكمة الفعالة والعدالة.
تُعد الجيوش كذلك أداة أساسية للأمن والدبلوماسية والسلام عندما تنجح الدول في الحفاظ على التوازن الدقيق بين قدراتها العسكرية ومسؤولياتها تجاه مواطنيها والمجتمع الدولي من خلال استخدامها بشكلٍ مسؤول لتعزيز السلام والاستقرار.