الواجهة الرئيسيةشؤون دولية
هل تتصالح فرنسا مع “الجماعات الجهادية” في الساحل والصحراء بإفريقيا؟
سجال حول حوار "فرانس ٢٤" مع زعيم القاعدة في المغرب الإسلامي

كيوبوست
في سابقة هي الأولى من نوعها، أجرت قناة “فرانس 24” الإخبارية، التابعة للحكومة الفرنسية، حواراً حصرياً مع زعيم تنظيم “القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي” “أبو عبيدة يوسف العنابي”، تضمن جوابه عن 17 سؤالاً طرحها الصحفي المختص في الجماعات الجهادية وسيم نصر، وتناولت الجماعة وامتدادات “القاعدة” ومدى التحضير لعمليات “جهادية” في إفريقيا أو أوروبا وفرنسا على وجه التحديد.
وأثار هذا الحوار، الذي استغرق الإعداد له عاماً كاملاً، ووُصف بالنادر للقيادي الجهادي الجزائري مع وسيلة إعلامية رسمية فرنسية، سجالات وتساؤلات كثيرة بشأن خلفيات بث هذا الحوار مع زعيم تنظيم “القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي”، والرسائل التي ترغب باريس في إيصالها إلى جهات تعلمها هي، وكذلك مدى مشروعية بث قناة حكومية حواراً مع زعيم تنظيم يرتكب أعمالاً وعمليات دموية في فرنسا والعديد من بقاع العالم.
اقرأ أيضاً: هل تكون ألمانيا بديلاً لفرنسا في مالي؟
اعترافات مثيرة
وفقاً لملخص الحوار الذي بثته القناة، فإن أجوبة العنابي شملت العديد من القضايا الإقليمية والدولية، وأيضاً توجهات جماعة “القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي”، ونشاط التنظيم في الجزائر، البلد الأصلي للزعيم الجهادي، ورحيل قوات برخان الفرنسية من مالي.. وغيرها من الموضوعات.
وأكثر ما كان لافتاً في الحوار هو التأكيد علناً، ولأول مرة، من قائد تنظيم “القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي”، أن التنظيم وأيضاً جماعة “نصرة الإسلام والمسلمين” يركزان على القتال في إفريقيا، وأنهما “لم يجهزا لأية عمليات (جهادية) في دول غربية أو على الأراضي الفرنسية”.
كما يبدو من الحوار؛ فإن التنظيم الجهادي يواصل التمدد في كل من مالي وبوركينا فاسو ودول إفريقية أخرى، ويجند جميع الإثنيات المحلية في هذه البلدان الإفريقية؛ بهدف الاستمرار في الوجود، كاشفاً أنه من شروط التفاوض مع العسكريين الحاكمين في هذه البلدان هو إقامة الشريعة الإسلامية وخروج القوى الاستعمارية ممثلة في فرنسا وروسيا.
ولفت الصحفي الذي أجرى الحوار إلى وجود مفاوضات سياسية بين هذه الجماعة والدول الإفريقية المعنية، وأن هؤلاء الجهاديين ينهجون بصفة عامة ما يُسمى “فقه الواقع”؛ إذ يتموقعون حسب ظروف وسياقات كل بلد، وهو ما يميزهم عن جهاديي “نصرة الإسلام والمسلمين”.
واعتبر التنظيم خروج فرنسا من مالي وبوركينا فاسو انتصاراً للجهاديين، قبل أن يكشف لأول مرة عن تبني “القاعدة” في بلاد المغرب عملية اختطاف الرهينة الفرنسي أوليفييه دوبوا؛ حيث أشيع أن دوبوا مختطف من قِبل جماعة “نصرة الإسلام والمسلمين”، وهو فرع لتنظيم القاعدة، إلا أنها المرة الأولى التي يعترف فيها التنظيم باختطافه الفرنسي؛ تبعاً للصحفي وسيم نصر.
وفي ما يتعلق بالجواب عن سؤال حول نشاط التنظيم في الجزائر التي ينحدر منها العنابي، فسَّر نصر تأخر الإجابة عن هذا السؤال بأن هناك “نوعاً من الإنكار لحالة الضغوط الكبيرة التي يتعرض إليها التنظيم في الجزائر، التي قتل أو اعتقل فيها العديد من عناصره؛ ما دفع التنظيم إلى تركيز عملياته جنوباً في مالي وبوركينا فاسو”.

سجالات متباينة
وأثار الحوار الذي أجرته القناة الفرنسية الحكومية مع زعيم تنظيم إرهابي سجالات عديدة ومواقف متباينة من حيث الشكل والمضمون، بين فريق يرى أن هذا الحوار “ملغوم” وكأن هناك نوعاً من تصالح باريس مع الإرهاب، وفريق ثانٍ يرى أن الأمر مجرد سبق صحفي وإعلامي لا يجب تحميله أكثر مما يحتمل.
بخصوص الفريق الأول؛ فإن الانتقادات انصبت على القناة الفرنسية “فرانس 24” بصفتها وسيلة إعلامية حكومية فرنسية، وليست منبراً إعلامياً خاصاً يمكنه إجراء الحوار دون خلفيات؛ حيث يكون هَم وسائل الإعلام الخاصة عادة جلب القراء والمتابعين، غير أن بث الحوار من طرف وسيلة إعلام رسمية يطرح تساؤلاً بشأن النيات المبيتة من وراء هذا العمل.
اقرأ أيضاً: فرنسا تكثِّف جهودها لمكافحة التطرف
أصحاب هذا الطرح يرون أن الترويج لهذا الحوار، وباللغة العربية، من لدن قناة حكومية، ومنح حيز زمني وإعلامي كبير لزعيم تنظيم إرهابي، إنما هو مؤشر على خطط بديلة لفرنسا؛ خصوصاً بعد فشلها السياسي والعسكري داخل القارة السمراء، تبحث عن تنزيلها بواسطة بث القلاقل من جديد في إفريقيا.
وتبعاً لذات التصور، فإن بث قناة حكومية لأي بلد كيفما كان لحوار مع زعيم تنظيم جهادي، هو اعتراف صريح بالإرهاب وتأييد ضمني لهذه الأعمال، كما أن بث الحوار يتضمن رسائل ضمنية بأن فرنسا لن تتراجع عن حصتها في “الكعكة الإفريقية”، رغم ما حصل لها في مالي وبوركينا فاسو، وإلا أنها ستقلب القارة رأساً على عقب.
وفي الجهة الأخرى، يرى البعض أن الحوار رغم أنه بُث في قناة حكومية فرنسية، إنما هو إنجاز صحفي له ما له وعليه ما عليه؛ لكن يُحسب له أكثر أنه حوار نادر لزعيم جهادي لا يمنح الحوارات الصحفية بسهولة، ولا يتعين استخراج خلفيات سياسية أكثر من حقيقة أنه حوار صحفي تم الإعداد له منذ سنة تقريباً.
“لعبة الدومينو”

ويعلق الدكتور عبدالواحد أولاد مولود، أستاذ باحث بجامعة القاضي عياض- مراكش، متخصص في الشؤون الإفريقية، على الموضوع بالقول: إن قراءة خلفيات هذا الحوار تفرز عدة جوانب رئيسية، منها أن فرنسا باتت محصورة بين المطرقة والسندان؛ مطرقة كونها كانت على مستوى الشعارات الفاعل الأساسي والمحارب للإرهاب في منطقة الساحل، وسندان الإعلام الفرنسي الذي يؤيد بشكل أو آخر الإرهاب في إفريقيا.
وأفاد أولاد مولود، ضمن تعليق لـ”كيوبوست”، أنه “يمكن قراءة هذا المعطى أيضاً على أساس أن الإرهاب أداة أو آلية يوظفها كل مَن له مصلحة في ذلك”، متابعاً بأنه “إذا كانت فرنسا تتغنى بشعار محاربة الإرهاب في منطقة الساحل والصحراء، فإن لديها مصالح جيوسياسية وأمنية واقتصادية؛ لكونها الدولة العارفة بشؤون وخبايا الجماعات الإرهابية في الساحل”.
اقرأ أيضاً: مكافحة التطرف في فرنسا
واستطرد الخبير ذاته بأن “فرنسا اليوم قلبت تلك اللعبة، فتعاملها مع الجماعات الإرهابية يشبه لعبة (الدومينو) أو الشطرنج؛ فتارة توظف باريس محاربة الإرهاب من أجل خلق توازنات أمنية في منطقة الساحل والصحراء، وتارة توظف الأيديولوجية الجهادية في هذه المنطقة لتحمي مصالحها”.

سيناريوهات
وتتبع هذه الخرجة الإعلامية المبهمة سيناريوهات عديدة، يضيف أولاد مولود؛ منها أن فشل فرنسا في التدخل في إفريقيا ومطالبة النخب الإفريقية؛ خصوصاً في مالي، فرنسا بالرحيل، واعتماد قوى دولية أخرى مثل روسيا وغيرها، جعلت باريس تنهج سياسة “إما معي وإما ضدي”، بمعنى آخر “إذا كنتم لا تريدون الوجود الفرنسي سنخلق لكم قلاقل أمنية، وندعم جماعات غير دولاتية”.
وهناك سيناريو آخر، يضيف الأستاذ الجامعي، يتمثل في أن منطقة الساحل والصحراء ستعيش على وقع تصدعات؛ لأنه بمثل هذه الخرجات الإعلامية تقدم فرنسا ضمانات غير مباشرة لهذه الجماعات لتقوي شوكتها في المنطقة، بل قد تجمع بين فرنسا والجماعات الجهادية تفاهمات؛ على رأسها أن هذه الجماعات تترك فرنسا وشأنها لتدبير أمورها في المنطقة الإفريقية.
ويردف أولاد مولود سيناريو ثالثاً، وهو أن “فرنسا بمثل هذه الخرجات في الإعلام الفرنسي، ربما تريد أن تقوم بجس نبض النخب السياسية الإفريقية، على غرار مالي وغيرها من الدول التي طلبت من فرنسا الرحيل، وجس نبض قوى دولية تتعاون مع النخب الإفريقية؛ خصوصاً روسيا”، مبرزاً أن “فرنسا من أجل صون مصالحها يمكن أن تتحالف حتى مع الشيطان؛ بهدف الدخول إلى الساحل والصحراء من منفذ جديد”.