الواجهة الرئيسيةشؤون دولية

هل تتحول أوكرانيا إلى جحيم آخر للصحفيين؟

سعتِ السلطات الأوكرانية خلال السنوات الماضية إلى تعزيز حرية الإعلام.. إلا أن المكتسبات لا تزال دون الطموح.. ويعود ذلك لحد كبير إلى الصراع مع روسيا

كيوبوست

قُتل صحفي أمريكي وأُصيب آخر يوم الأحد برصاص القوات الروسية في أوكرانيا، في مؤشر على بداية دفع الصحافة ضريبة العمل الصحفي الذي يتسم بمستوى عالٍ من الخطورة؛ خصوصاً في مناطق الصراع ودول الحكم الشمولي. وحسب ما تفيد بيانات منظمة “مراسلون بلا حدود”، فإن الصحفيين يجدون صعوبة متزايدة في التحقيق في الأخبار الحساسة والإبلاغ عنها؛ خصوصاً في آسيا والشرق الأوسط وأوروبا.

تُعرف دول مثل إيران والعراق واليمن بكونها من الدول الأكثر قمعاً للصحافة؛ ففي إيران تُسيطر الدولة على وسائل الإعلام منذ ثلاثين عاماً، وقد لقي مئات الصحفيين حتفهم، أو تعرضوا إلى الاعتقال أو الاحتجاز؛ نتيجة عملهم الصحفي. الوضع في العراق أقل سوءاً مقارنةً بإيران؛ لكنها تُعد أيضاً أحد أكثر الأماكن خطورةً عند ممارسة الصحافة، حيث يواجه الصحفيون مخاطر الاعتقال أو الاختطاف أو القتل على يد مجهولين أو المنتسبين إلى إحدى الميليشيات.

اقرأ أيضًا: الدعوات للقتال في أوكرانيا.. هل تحول البلاد إلى أفغانستان جديدة؟

وفي اليمن، يتعرض الصحفيون إلى التهديد والاستقطاب بشكل خطير؛ بسبب تعدد أطراف الصراع، وامتلاك كل طرف أدواته ومنصاته الإعلامية التي تتراوح من صفحات التواصل الاجتماعي إلى القنوات التليفزيونية. يُسهم غياب القانون في زيادة الإفلات من العقاب، كما تؤدي الضغوط المفروضة على الصحفيين إلى التعتيم الإعلامي وتعرض كل من الصحفيين ومصادرهم إلى الخطر؛ بما في ذلك القتل والاحتجاز غير القانوني.

الوضع الصحفي في أوروبا أحسن حالاً؛ لكن ذلك لا يشمل القارة بأكملها، حيث لا تزال دول أوروبا الشرقية ومنطقة البلقان تعاني مستويات مختلفة من القمع الصحفي؛ مثل بلغاريا وجورجيا وأوكرانيا وصربيا والبوسنة والهرسك.. وغيرها. وأخيراً، تحتل روسيا المرتبة الـ150 في مؤشر حرية الصحافة العالمية؛ حيث ازدادت القيود الحكومية على الإعلام منذ المظاهرات التي شهدتها البلاد بين عامَي 2011- 2012، وبات الصحفيون يتعرضون إلى مزيد من العقوبات العنيفة وغير المسبوقة.

مبنى سكني تعرض للقصف الأخير في كييف، فبراير 2022- فرانس برس

الصحافة في أوكرانيا وروسيا

سعتِ السلطات الأوكرانية خلال السنوات الماضية إلى تعزيز حرية الإعلام، إلا أن المكتسبات لا تزال دون الطموح؛ ويعود ذلك لحد كبير إلى الصراع مع روسيا؛ فمن أجل حماية أمنها كان من بين الاستراتيجيات التي تتبعها أوكرانيا في الحرب الإعلامية مع روسيا حظر وسائل الإعلام الروسية ووسائل التواصل الاجتماعي الروسية، وملاحقة الصحفيين.

لقي برنت رينو مصرعه على يد القوات الروسية في إحدى ضواحي كييف بأوكرانيا يوم الأحد13 مارس- 2022AP

إحدى قصص ضحايا العمل الصحفي هي قصة مقتل الصحفي الأوكراني- الروسي بافيل شيريميت، الذي قُتل إثر انفجار سيارة مفخخة في كييف سنة 2016؛ ولا تزال الجهة المتورطة في مقتل الصحفي مجهولة، وهناك احتمالات عديدة؛ منها تورط جهات أوكرانية أو روسية أو بيلاروسية.

الوضع في روسيا أكثر سوءاً، ولعل قصة المدوِّن والناشط أليكسي نافالني، إحدى الدلالات الشهيرة على حالة القمع لحرية الصحافة في البلاد. تعرض نافالني إلى الإقامة الجبرية، ولاحقاً إلى السجن؛ بسبب آرائه المنتقدة للفساد في روسيا.

وتسبب اعتقاله في احتجاجات شعبية واسعة في روسيا في عام 2021، وقُوبلت الاحتجاجات بالقمع من قِبل السلطات الروسية. يواجه الصحفيون في روسيا أيضاً مخاطر متزايدة من احتمالية الاتهام بتهمة التخابر مع جهات خارجية.

الصحفي الأوكراني- الروسي بافيل شيريميت- أرشيف

مخاطر مُحدقة بسبب النزاعات والتطرف

يواجه العمل الصحفي عموماً في مختلف بلدان العالم؛ خصوصاً الدول الديكتاتورية أو مناطق الصراع، العديد من المخاطر لأسباب سياسية أو تعصبية أو حتى اقتصادية وتجارية خالصة. لا يؤثر ذلك على أمان العمل الصحفي فقط، بل أيضاً على مستوى جودة الصحافة وشفافيتها ومصداقيتها؛ وهو ما يعني المزيد من التضليل والتمويه الذي يؤثر على صناعة القرار ودراسة أحوال المجتمعات بشكل دقيق.

اقرأ أيضًا: هل تصبح أوكرانيا “سوريا” اليمين المتطرف؟

التطرف هو أحد أشكال العوائق التي تواجه مسيرة الإعلام الحُر؛ حيث تتعرض الصحافة وتدفق المعلومات بشكل عام إلى الهجوم المعلوماتي، ويتعرض الصحفيون إلى الهجوم البدني؛ بما في ذلك القتل، من قِبل المتشددين الإسلاميين والجماعات الإرهابية وأنصار نظرية المؤامرة والمتعصبين لتفوق البيض والنازيين الجدد وغيرهم. يمتلك أمثال أولئك الأفراد والمنظمات وسائل إعلامهم الخاصة؛ مثل صفحات التواصل الاجتماعي والمواقع، والتي من خلالها ينشرون أفكارهم ودعايتهم المتطرفة.

الصراع والإفلات من العقاب أحد أبرز البيئات الحاضنة لمثل أولئك المتطرفين؛ لذلك فإن دعم الصحافة الحرة وذات الجودة العالية والمستقلة بشكل معقول لا يكون بتعزيز الديمقراطية وتعرية الأنظمة المستبدة فحسب؛ بل أيضاً من خلال القضاء على البؤر الإرهابية ومكافحة أساليبهم التخريبية، ونشر قيم الاعتدال والتحذير من أخطار الإعلام المسموم.

اقرأ أيضاً: الجهاد الأمريكي ضد الروس فصل جديد من الإرهاب

الأهمية المتزايدة للعمل الصحفي ومخاطره

تزداد أهمية وجود صحافة بالحد المعقول من الحرية والاستقلالية يوماً بعد آخر؛ لتوسيع مدارك الناس وتنقية فهمهم للعالم الذي يحرِّفه الكم الهائل لوسائل الإعلام. إن تزايد ترابط المجتمعات وتطور التكنولوجيا يجعل الصحافة ضرورة أكثر من أي وقت مضى للتعامل بكفاءة مع المتغيرات السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية.

المزيد من عدم الاستقرار العالمي والاستبداد يعني المزيد من الضعف لوسائل الإعلام، والمزيد من التضليل؛ وهو ما رأيناه بوضوح في الشرق الأوسط ودول مثل روسيا والصين وأفغانستان وطاجيكستان وأوزباكستان. والآن تأتي الحرب الروسية- الأوكرانية لتلقي المزيد على كاهل الصحافة في البلدين، وربما حتى تسرب القيود تدريجياً إلى المزيد من الدول الأوروبية الأكثر ديمقراطية. يزداد الأمر سوءاً مع استقطاب أوكرانيا للمقاتلين الأجانب الذين لا يتمتع جميعهم بحسن النية؛ إذ توجد بينهم أعداد كبيرة من المتطرفين والمتشددين الذين سوف يسهمون في مزيد من القمع للصحفيين والعمل الصحفي إجمالاً؛ لتهيئة المناخ لهم وأيديولوجية التطرف.

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات