الواجهة الرئيسيةشؤون خليجيةشؤون عربية

هل تأخر بيان كبار فقهاء السعودية عن تصنيف الإخوان المسلمين تنظيماً إرهابياً؟

هذا البيان من هيئة كبار العلماء هو سعي نحو خلق إجماع وطني شامل وراسخ.. بأنه لن يكون هناك أي تسامح مع هذه الجماعة الإرهابية ورموزها

كيوبوست

أصدرت هيئة كبار العلماء في السعودية بياناً يصنف جماعة الإخوان المسلمين تنظيماً إرهابياً. ويأتي هذا البيان بإعلان الجماعة ضمن المنظمات الإرهابية بعد قرابة ست سنوات من تصنيف الدولة للإخوان وعشرات المنظمات والجماعات ضمن قائمة الجماعات الإرهابية.

وكان صدور القرار في عام 2014 قد اتخذ منحى جدلياً داخل مؤسسة الدولة الأمنية في الفترة التي كان الأمير محمد بن نايف، ولي العهد ووزير الداخلية السابق، يهيمن فيها على مفاصلها في عهد الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز. وبعد صدور قرار تصنيف الجماعة تصلبت وزارة الداخلية التي لم تكن راضية عن القرار، وخاضت مساومة وتفاوضاً مع الديوان الملكي السعودي؛ لتأخير إعلان “الإخوان المسلمين” إرهابيةً، إلى وقتٍ تكون فيه الأوضاع مواتية. ولكن العاهل السعودي الراحل مضى قدماً، وبعد شهر أصدرت اللجنة المكلفة لائحة تنفيذية متضمنة الملاحدة ضمن الجماعات الإرهابية، ونشرت وسائل إعلام محلية بعدها عدداً من الوقائع بالقبض على متطاولين على الدين والقرآن؛ ولكن لم تشهد البلاد أياً من التصعيد ضد تنظيم الإخوان، أو استجواب رموزهم أو استبعادهم عن المناصب المؤثرة، وكان القرار، حسب متابعين، يتجه نحو النسيان وإهالة التراب عليه، لولا تولي الملك سلمان الحكم في نهاية يناير 2015، ليقود ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، أكبر عملية إصلاح اجتماعي في البلاد.

الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود

اقرأ أيضًا: الرجوب لـ”كيوبوست”: السعودية ضربت فتاوى الإخوان المسلمين

ولا يزال الطريق طويلاً لكي تتطهر البلاد من التأثير الكئيب لعشرات السنين التي هيمنت فيها الحركية الإسلامية؛ من سلفية سرورية وإخوانية، على مؤسسات الدولة التربوية والدينية والتعليمية، وفي دولة مؤثرة كالسعودية فإن عملية الإصلاح الديني والاجتماعي ترتكز أساساً على نزع مخالب تيار ديني متشدد، وخنق نداء الموت والتطرف الذي كان يصدح في أرجاء مملكة عبدالعزيز لعقودٍ طويلة من دون كابح. ويرى مراقبون أنه لكي تؤتي رؤية 2030 التي يقودها ولي العهد السعودي، ثمارها، فإن تدمير منابع التطرف ضرورة لكي يعبر السعوديون نحو المستقبل بأمان وازدهار. وهو الأمر الذي تعهد به الأمير محمد بن سلمان، ويبدو أنه يشق طريقه بخطى واثقة ودعم واسع من جيل الشباب الذي يمثل 65% من السعوديين.

بيان متأخر

ويشكِّل بيان هيئة كبار العلماء، الذي تأخَّر أكثر من ست سنوات، دعماً للقرار الأمني السابق، ومسبغاً الصبغة الشرعية، وداعماً فقهياً نحو إجماع ديني وتوافق اجتماعي خلف القيادة السياسية ومؤسسات الدولة في بلد مسلم يحتضن أكبر مقدسات المسلمين.

والهيئة هي أعلى هيئة فتوى دينية في البلاد، ويتكون أعضاؤها من عشرين عضواً يمثلون أطيافاً من الفقهاء السُّنة ومذاهبها الأربعة، وتراعي في تشكيلتها أن يكونوا من مناطق متعددة وممن برزوا في الشريعة، وتتضمن أحياناً قضاة مبرزين. ومن هذه الهيئة تنبثق اللجنة الدائمة للإفتاء، مكونة من أعضاء يتلقون الأسئلة اليومية ويجيبون عنها عبر القنوات التليفزيونية والراديو، وعبر موقع الهيئة وإصداراتها المطبوعة. وتاريخياً كان الأكثر محافظة داخل الهيئة هم مَن يستأثرون باللجنة التي تعد الأكثر أهمية وتأثيراً اجتماعياً ومباشرة للحياة اليومية.

اقرأ أيضًا: الإسلام السياسي في السعودية بين السلفية والإخوان

وتأسست هيئة كبار العلماء عام 1971 بعد رحيل المفتي الأكبر محمد بن إبراهيم آل الشيخ، الذي توفي عام 1969، وكان ذا سطوة أسطورية على المؤسسات الدينية؛ بما فيها الفتوى، معطلاً كثيراً من مشروعات الدولة التحديثية طوال فترتَي الملكَين سعود وفيصل. وكان ابن إبراهيم يشغل منصب رئاسة أهم المناصب الدينية؛ فقد كان المفتي وكان رئيس القضاء. وعمد الملك فيصل لكي لا يعود شبح المفتي الأكبر إلى تفتيت هذه السطوة وتوزيع مناصبه عبر تشكيل هيئة العلماء، وفصل القضاء عن المفتي، كما قام بدعم علماء آخرين من خارج آل الشيخ مثل عبدالعزيز بن باز، وعبدالله بن حميد، ومحمد الحركان. وفي العام نفسه 1971 تأسست الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء، وتولى إبراهيم بن المفتي الراحل محمد بن إبراهيم أيضاً منصب رئيس هيئة العلماء، وكان تعييناً شبه فخري، وفي منتصف السبعينيات أصبح ابن باز رئيساً للبحوث والإفتاء. ولكن بالتوازي مع كل هذه التحولات، وما تبعها في العقود التالية، كان الإخوان المسلمون فاعلين ومؤثرين.

الملك فيصل بن عبد العزيز

وتواجه المملكة العربية السعودية منذ سنوات حملة قوية ومركزة من قِبل الإخوان المسلمين تستهدف التشكيك في شرعية الملك وتحرض على أمن البلاد، وتضاعفت الجهود الرامية لزعزعة استقرار البلاد منذ اتخذ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، سياسة احتضان قيادات الجماعة وأعضائها الهاربين من السعودية وغيرها. وجاء مقتل جمال خاشقجي، أواخر سبتمبر 2018، ونهايته المؤلمة داخل القنصلية السعودية في إسطنبول، ليخوض أردوغان مساراً أكثر انتهازية وابتزازاً ضد المملكة.

اقرأ أيضًا: ملف خاشقجي.. محاولة أردوغانية لتغطية الفشل التركي داخليًّا وخارجيًّا

خطوات متسارعة

خضعت هيئة العلماء منذ 2015 لإعادة تشكيلها مرتَين؛ ففي أكتوبر الماضي أصدر الملك سلمان قراراً بإعادة تشكيل هيئة كبار العلماء، بأعضائها العشرين، مع سبعة وجوه جديدة من الفقهاء الشباب، وأبقى القرار على أعضائها الأقدم بمَن فيهم صالح الفوزان، وصالح اللحيدان، وعبدالله التركي، وبرئاسة المفتي الحالي عبدالعزيز آل الشيخ. ويمثل الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي محمد العيسى، أكثر الأعضاء شهرة وانفتاحاً وجرأة، وسبق له أن تولَّى منصبَي رئيس ديوان المظالم ووزير العدل ورئيس المجلس الأعلى للقضاء، كما أنه يتولى الإشراف على مشروع تطوير القضاء. ويشير كثير من الباحثين والمتابعين، منذ بداية التسعينيات من القرن الماضي، بأصابع الاتهام إلى عبدالله التركي بأنه دعم على نطاق واسع ولسنوات عديدة وجود الإخوان المسلمين في جامعة الإمام محمد بن سعود، كما تولى أمانة رابطة العالم الإسلامي التي تعتبر ولا تزال أحد المعاقل الدولية للإخوان المسلمين. وتتضمن التشكيلة الجديدة أطيافاً من الميول التقليدية والمحافظة والمنفتحة.

عبدالله بن عبدالمحسن التركي أمين رابطة العالم الإسلامي ومدير جامعة الإمام الأسبق

 “تشير الخطوات البطيئة للعهد الجديد في تغيير معالم أكبر هيئة للفتوى في السعودية، إلى خبرة واسعة بالمزاج الديني والاجتماعي للسعوديين؛ حيث تعيش المملكة خطوات متسارعة اتخذتها القيادة السياسية في البلاد. كانت هناك شائعات عن أن البلاد تتجه نحو إلغاء منصب المفتي؛ ولكن يبدو أن المؤسسة الدينية ستكون جزءاً من مستقبل البلاد، حيث ستترعرع المملكة الجديدة المنفتحة وتتحقق أهداف رؤيتها الثقافية والاجتماعية في أحضان مؤسسة دينية داعمة لمشروع الرؤية”. كما يقول الكاتب والباحث الإماراتي منصور النقيدان، لـ”كيوبوست”.

صورة لحسن البنا وهو يقبل يد الملك عبد العزيز آل سعود

 ويضيف النقيدان: “يبدو أننا على تخوم معركة جديدة مع تنظيم الإخوان المسلمين، وفصل جديد مع نشوة خبرناها من الجماعة التي ترى اللحظة هذه في الرئيس الأمريكي الجديد ووصول الديمقراطيين للحكم إحياءً لأحلامها، التي تزدهر في الاضطرابات متمركزة في طوابير الخيانة والصفقات السرية مع القوى التي ترى أن الإخوان حليف يمكن الوثوق بهم لتنفيذ مخططات ثمنها ضرب استقرار منطقتنا”. ويختم: “هذا البيان من هيئة كبار العلماء هو سعي نحو خلق إجماع وطني شامل وراسخ بأنه لن يكون هناك أي تسامح مع هذه الجماعة الإرهابية ورموزها”.

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة