الواجهة الرئيسيةشؤون دولية

هل النموذج السويدي يحتذى به في مكافحة “كورونا”؟

غالباً ما يضرب بالمملكة الإسكندنافية المثل في إدارتها أزمة وباء كورونا بعد أن رفضت فرض الحظر الكلي على مواطنيها.. إلا أن الواقع يناقض تقييمها هذه المرحلة

كيوبوست

هل هي تلميذ جيِّد يجب الاحتذاء به، أم أنها نموذج ينبغي الفرار منه؟ المملكة الإسكندنافية؛ هي واحدة من الدول الغربية النادرة التي لم تفرض إجراءات عزل على سكانها البالغ عددهم 10 ملايين نسمة، ومع بدء رفع التدابير الاحترازية في معظم الدول الغربية يبحث الكثيرون عن نوع من “الوصفة المعجزة” للخروج من حالة الشلل دون المخاطرة بعودة الوباء مرة أخرى، حتى لو كان ذلك يعني الاستفادة من “النموذج السويدي” ولو بشكل انتقائي.

المطاعم والمقاهي ظلت مفتوحة – وكالات

مناعة القطيع

في 13 مارس، حدد رئيس الوزراء السويدي ستيفان لوفين، لبلاده أولويتَين رئيسيتَين: الحفاظ على قدرة النظام الصحي وحماية الفئات الأكثر ضعفاً؛ ولكن على عكس الاعتقاد الشائع، لم تكن مناعة القطيع هدفاً للسويد، وهو المفهوم العلمي الذي يفترض أنه يمكن احتواء الفيروس إذا أصيب به 50% إلى 60% من السكان. عاد ستيفان لوفين ليؤكد مرة أخرى في 15 مايو أن “الحصانة الجماعية هي حالة يمكن تحقيقها؛ ولكنها ليست استراتيجية يجب اتباعها”.

وفي حين تم حظر التجمعات الكبيرة، وأغلقت المدارس الثانوية والجامعات، ظلَّت معظم الأماكن العامة (كالمطاعم وصالونات الشعر والمكتبات، وما إلى ذلك) مفتوحة. ولم تفرض السلطات استخدام الكمامة الطبية؛ لأن فعاليتها وفقاً لعلماء الأوبئة في السويد “ضعيفة للغاية”. كما شجعت السلطات الصحية السويديين على الحفاظ على عادات التنزه وممارسة الرياضة اليومية؛ ولكن مع الحفاظ على التباعد الاجتماعي، تاركةً الحدائق والشواطئ والغابات والنوادي الرياضية مفتوحة.

اقرأ أيضاً: جائحة فيروس كورونا ستغيِّر النظام العالمي إلى الأبد

أخيراً، تم تكييف الحياة اليومية مع مستجدات الفيروس؛ حيث انتقل العديد من الشركات الكبيرة إلى العمل عن بُعد، وفي الحضانات غالباً ما يبقى الأطفال الصغار بالخارج، أما في المتاجر فقد سهلت العلامات الموجودة على الأرض والألواح الزجاجية على الصناديق في الحفاظ على المسافات، وخصص بعض متاجر المواد الغذائية ساعات خاصة لاستقبال الأشخاص فوق 70 عاماً.

هذه الإدارة المرنة للوباء ترجع إلى العديد من الخصائص السويدية، بدءاً من دستور المملكة، الذي يمنع فرض القيود على حرية الحركة في وقت السلم. ومع ذلك، فإن السلطات السويدية لم تتعامل مع الموقف باستخفاف؛ لكن بدلاً من اللجوء إلى الإكراه لجأت الحكومة إلى مفهوم “المواطنة الصالحة” و”المسؤولية الفردية”. تؤكد ماري بيير ريتشارد، الباحثة في العلوم السياسية ومؤلفة كتاب “المواطنة المحلية في السويد”: “عندما تكون هناك توصيات حكومية في السويد، فإنها تحظى باحترام أكبر من فرنسا”.

اقرأ أيضاً: هل ضرب فيروس كورونا العولمة في مقتل؟

عملت تلك المسؤولية الفردية على تغيير الكثير من العادات الاجتماعية في البلاد؛ ففي استطلاع للرأي نشر في أواخر أبريل، قال 80% من السويديين إنهم لم يعودوا يتصافحون، وقال 69% إنهم حدُّوا من مناسباتهم الاجتماعية، و58% لم يعودوا يرتادون المطاعم ودور السينما والحانات.

خلال عطلة عيد الفصح، سافر السويديون عشر مرات أقل من المعتاد. والقطارات كانت تعمل بنسبة 10% فقط من طاقتها المعتادة، وتوقفت الرحلات الداخلية تقريباً. كما قلل السويديون من تنقلاتهم اليومية، وبوتيرة أقل بكثير من دول فرض عليها الحظر بشكل كلي.

مواطنتان سويديتان بالكمامة – وكالات

نجاح جزئي

لقد تعرض النظام الصحي السويدي إلى ضغوط شديدة بسبب الوباء، وللتعامل مع تدفق المرضى تضاعفت أعداد الأسرَّة في العناية المركزة إبان ذروة الوباء؛ مما سمح للبلاد بالاحتفاظ دائماً بهامش أسرَّة غير مستخدمة. كان الوضع أكثر توتراً في ستوكهولم، مركز الوباء، ويرجع ذلك جزئياً إلى نقص العاملين في قطاع الصحة؛ فتم نقل بعض المرضى إلى مناطق أخرى من البلاد.

على الرغم من كل ذلك؛ فإن السويد دفعت ثمناً باهظاً في مواجهة الفيروس. بحلول نهاية مايو كان “Covid-19” قد أودى بحياة أكثر من 4000 شخص. وبالمقارنة مع سكان البلاد، فإن النسبة قد تكون مقاربة إلى السيناريو الفرنسي؛ ما يضع السويد في المركز السادس في معدل الوفيات حول العالم.

عالم الأوبئة السويدي د.أندريس تيجنيل، قال على الـ”بي بي سي”: “لسنا متأكدين من أن الحظر الصارم كان سيحدث فرقاً كبيراً”، لافتاً إلى أن الاحتواء المتأخر لهولندا والمملكة المتحدة لم يكن له تأثير واضح على انتشار الوباء. وبالنسبة إلى عالم الأوبئة، فإن الأمر سيستغرق عامين لتقييم الاستراتيجية السويدية.

اقرأ أيضاً: لماذا لم نكن مستعدين لفيروس كورونا؟

ولكن هل استراتيجية السويد هي الأفضل على المدى الطويل؟ هل ستصل المملكة أولاً إلى مرحلة المناعة الجماعية، وهي مرحلة الحماية الحقيقية الوحيدة ضد عودة الفيروس، في غياب لقاح؟ فاجأ السفير السويدي لدى واشنطن الجميع في نهاية أبريل، متوقعاً أنه سيتم الوصول إليها في مايو، بعد شهرين فقط من الوباء.

في الواقع، فلا تزال السويد بعيدةً عنها. ووفقاً لأحدث تقرير صادر عن وكالة الصحة العامة نُشر في 20 مايو، فإن ما يزيد قليلاً على 7% من سكان ستوكهولم ثبتت إصابتهم بالفيروس، وقد تصل هذه النسبة إلى 20% بنهاية مايو. والحقيقة أن علماء الأوبئة السويديين أنفسهم لا يعرفون في الوقت الحالي ما إذا كانت الحصانة الجماعية قابلة للتحقيق أم لا.

 اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة