ترجماتثقافة ومعرفةمجتمع
هل الذكريات موثوقة ويمكن الاعتماد عليها؟ هكذا تتغير الذاكرة بشكل أكبر مما نتصوره
الذاكرة ليست ثابتة كما نتصور!

ترجمة كيو بوست –
تظهر الأدلة والدراسات أن ذاكرتنا ليست ثابتة كما نعتقد، بل هي أسوأ من ذلك؛ إذ يقول المحاضر في علم النفس بجامعة أستون “روبرت ناش” إننا غالبًا ما نقوم بتغيير الحقائق وإضافة تفاصيل زائفة لذاكرتنا دون أي قصد.
لفهم ذلك بشكل أفضل، تذكر ماذا يحدث في “لعبة الهاتف المكسور” أو ما تعرف بـ”همسات صينية”، عندما يقوم شخص ما بتمرير رسالة شفوية بصوت منخفض جدًا، ويتم تناقلها من شخص إلى آخر، وفي كل مرة تُنقل الرسالة بشكل مختلف عن سابقتها، فإما أن يتم تجاهل بعض تفاصيلها، أو يساء فهمها، وبمرور الوقت، تصبح الرسالة مختلفة كليًا عما كانت عليه.
اقرأ أيضًا: من منظور الفلسفة وعلم النفس، ما الفرق بين التسامح والتناسي؟
يمكن لهذا أن يطرأ على ذاكرتنا أيضًا، فتداخلات كثيرة قد تحدث في كل مرة نستذكر فيها أحداثًا من الماضي، كأن يتدخل أحدهم في إعطاء تفاصيل عن هذه الذكريات، أو ما نعتقد بأن ما نتذكره هو صحيح، أو نتمنى أن يكون كذلك. هذه المدخلات تؤثر على المدى الطويل على كيفية تذكرنا لتلك الأحداث في المستقبل.
على سبيل المثال، قد تسرد قصة حصلت معك في الماضي لشخص ما، في غضون ذلك، قد تقوم بتغيير بعضًا من مجريات الأحداث بناءً على مواقف الشخص المستمع أو ميوله. تظهر الأبحاث أنه عند سرد ذكرياتنا بشكل مختلف عما هي في الحقيقة عليه، فلا تتغير الرسالة التي تريد إيصالها فقط، بل الذاكرة نفسها في بعض الأحيان أيضًا، وهذا ما يعرف بتأثير ضبط الجمهور.
في إحدى الدراسات التي بحثت في تأثير ضبط الجمهور، شاهد مجموعة من المشاركين مقطع فيديو لمشاجرة في إحدى الحانات، يظهر فيه رجلان مخموران يدخلان في مواجهة جسدية مع رجل آخر كان يتشاجر مع صديقة بعد خسارة فريقه المفضل، طلب من المشاركين بعد انتهاء الفيديو إخبار قصة الفيديو لشخص غريب.
قسم القائمون على الدراسة المشاركين إلى مجموعتين، قالوا للمجموعة الأولى إن الشخص الغريب لم يعجبه أحد المقاتلين في الفيديو، فيما أخبرت المجموعة الثانية بأن الشخص الغريب أحب المقاتل. كما كان متوقعًا، ساهمت المعلومات الإضافية من القائمين على الدراسة في تشكيل وصف الأشخاص للفيديو، إذ أعطى المشاركون الذي قيل لهم إن الغريب لم يعجب بالمقاتل، المزيد من الروايات السلبية عن سلوك المقاتل.
اقرأ أيضًا: لا تكثروا من التقاط الصور بعد اليوم، والسبب!
والأكثر أهمية من ذلك، أن الطريقة التي قال فيها الناس قصتهم أثرت فيما بعد على طريقة تذكرهم لسلوك المقاتل. عندما حاول المشاركون في وقت لاحق تذكر المعركة بطريقة محايدة، ظلت المجموعتان تعطيان روايات مختلفة إلى حد ما عن حقيقة ما حصل في الفيديو. تكشف هذه النتائج، أن ذكرياتنا قد تتغير بشكل تلقائي مع مرور الزمن.
في دراسة أخرى بحثت في الموضوع ذاته، شاهد مشاركون فيلمًا قصيرًا، على أن يتم إخضاعهم لاختبار ذاكرة بعد بضعة أيام، ما بين هذين الحدثين، قام القائمون على الدراسة بإعطاء نصف المشاركين اختبارًا في الذاكرة، ثم أعطوا كل المشاركين وصفًا مكتوبًا يحتوي بعض التفاصيل الزائفة للفيلم القصير الذين شاهدوه.
كان الهدف من الدراسة معرفة عدد التفاصيل الزائفة التي سيدخلها المشاركون في اختبار الذاكرة النهائي، إذ تظهر مئات الدراسات السابقة أن هؤلاء الأشخاص بالفعل سيقومون بإضافة تفاصيل كاذبة عن غير قصد إلى ذكرياتهم، لكن هذه الدراسة وجدت شيئًا أكثر أهمية، يتمثل في أن المجموعة التي أجرت اختبارًا للذاكرة قبل وقت قصير من قراءة المعلومات الزائفة، كانت أكثر عرضة لإعادة إنتاج هذه المعلومات الخاطئة في اختبار الذاكرة النهائي. يستنتج من ذلك، أن تكرار الذكريات يحدث تغييرات متراكمة عليها ويجعلها غير كاملة.
لماذا يحدث هذا؟ تقول إحدى النظريات إن إعادة النظر في ذكريات الأحداث الماضية، يمكن أن تعرضها للتشويش، خصوصًا في حال تدخل شخص ما أو أحداث أخرى في هذه الذكريات. لذلك، لا يمكن الاعتماد على الذكريات بشكل كامل، لعدم دقتها.
المصدر: The Conversation