الواجهة الرئيسيةثقافة ومعرفةشؤون دوليةصحة
هل استوعب العالم درس كورونا؟ كتابٌ يحاول أن يقدم إجابة

كيوبوست
«كورونا… صراع المصالح والنفوذ»، عنوانٌ لافت لكتابٍ صدر حديثاً للباحث الإماراتي يوسف جمعة الحداد. هذا العنوان اللافت يتبعه سؤالٌ أساسي يحاول الحداد الإجابةَ عنه، وهو مدى قدرة العالم -بدوله ومنظماته- على استيعاب الدروس من جائحة كورونا العالمية التي واجهتنا جميعاً.
وفي سعيه للوصول إلى إجاباتٍ ممكنة لهذا السؤال الذي يبدو سهلاً لكنه شديد التعقيد والتداخل، فالجائحة لم تقتصر على أبعاد صحية فقط، بل إن الواقع يؤكد أن تداخلات السياسة والاجتماع والاقتصاد، بل والقدرات العسكرية، كانت واضحةً بصورة كبيرة، ما انعكس على الاستجابات المختلفة لدول العالم، وقدرتها على التعامل وامتصاص الصدمة.
هذا التشابك انعكس في العناوين الفرعية التي اختارها الحداد لكتابه، ومنها: كورونا والحرب الباردة الجديدة، وكورونا والتحولات المحتملة في خريطة توزيع القوى في هيكل النظام الدولي، وكورونا والاستثمار في الأمن الصحي وحرب لقاحات كورونا، ولماذا تصاعد سباق التسلح العالمي رغم جائحة كورونا؟
كذلك قدَّم الكتاب حالة دراسة مهمة، وهي تعامل دولة الإمارات مع الجائحة، واختتم الكتاب بفصلٍ مهم حول دور الإعلام في مواجهة أزمة كورونا.

كورونا والتحولات في خريطة توزيع القوى الدولية
يناقش الكتاب فكرةً مهمة، وهي أن تقييم القوى العالمية مع أزمة كورونا، ومكانتها الفاعلة في النظام العالمي، بات يستند إلى معايير جديدة لم تكن تحظى بالاهتمام من قبل، كالقدرة على تطوير استجابة فاعلة في مواجهة الأزمات الطارئة، واحتواء تداعياتها، وامتلاك منظومة صحية وطبية فاعلة، والعمل بروح الفريق، والتكامل بين المؤسسات المعنية بالأزمات، وامتلاك منظومة قوية تعنى بالأمن الإنساني والاجتماعي.
ويعتبر الحداد أن الوباء وضع دول العالم أجمع، سواء المتقدمة منها أو النامية، أمام اختبارٍ صعب بل إن الوباء أظهر فشل العديد من القوى الكبرى في هذا الاختبار، بينما نجحت دول أخرى، وعززت مكانتها العالمية.
اقرأ أيضاً: لقاح كوفيد يكشف عن ثغرة في عدالة التوزيع العالمي
في هذا السياق استعرض الكتاب تجارب قوي عالمية كالصين التي قدمت نفسها كنموذج لنجاح احتواء الوباء، واعتبرت نموذجاً ملهماً في مواجهة النموذج الأمريكي، خاصة فيما يتعلق بالمركزية القوية التي جعلت الدولة قادرة على اتخاذ قراراتٍ مثل غلق مدن والزام الملايين بالانصياع للقرارات.
في مقابل ذلك، ظهرت المنظومة الصحية الأمريكية، في أضعف حالاتها، وغاب عنها وجود خطة مسبقة موحدة لإدارة هذه النوعية من الأزمات الصحية الطارئة.
وخلص الكتاب إلى وجود معايير جديدة باتت هي التي تقيس قوة الدولة منها: امتلاك منظومة قوية لإدارة الأزمات والطوارئ، وامتلاك منظومة صحية ووقائية فاعلة تستطيع التعامل مع الأزمات الصحية، وامتلاك بنية تكنولوجية متقدمة تعزِّز من كفاءة النظام الصحي، وتستخدم الثورة الرقمية في بناء قاعدة من المعلومات الحيوية الخاصة بالمرضى، وبروز دور القيادة كأهم محددات إدارة أزمة وباء كورونا في العديد من دول العالم.

التجربة الإماراتية تجربة ملهمة
قدمت الإماراتُ نفسها باعتبارها نموذجاً عربياً ملهماً في إدارة أزمة وباء كورونا، من خلال حزمة الإجراءات الاحترازية والوقائية التي اتخذتها على الصُعُد كافة، الصحية والاقتصادية والمجتمعية، وأسهمت في احتواء تداعيات هذا الوباء، وتخفيف آثاره.
واللافت في التجرية الإماراتية -كما يشير الحداد- أنها لم تكتفِ على المواجهة الداخلية، بل إنها قادت العديد من المبادرات الإنسانية لمساعدة الدول التي تعاني بشدة جراء هذا الوباء.

رغم كورونا.. استمرار الإنفاق المتزايد على التسليح
يرى الكاتب أن أزمة كورونا وتأثيراتها تبدو -في كثيرٍ من الأحيان- خارجة عن التوقعات، ففي الوقت الذي توقعت فيه التحليلات أن الجائحة ستدفع القوى الكبرى إلى إعادة النظر في أولوياتها الدفاعية والأمنية، والتخلي عن جانب من إنفاقها العسكري، وتوجيهه للصحة العامة والتعليم، وبناء منظومة من الأمان الاجتماعي، فإن هذه التوقعات ثبت خطأُها، فزادت العديد من الدول من ميزانياتها الدفاعية، وأعلنت عن مشروعاتٍ جديدة لتطوير منظوماتها من الأسلحة غير التقليدية، النووية والصاروخية العابرة للقارات، وذلك في عودةٍ واضحة لهيمنة القوة بمعناها الصلب على قياسِ القوة والنفوذ في النظام الدولي.
اقرأ أيضاً: كيف ننقذ العالم من كوفيد طويل الأجل؟
الإعلام في مواجهة مسؤوليات جديدة
ظهر الإعلام في هذه الجائحة، وفقاً للباحث الإماراتي يوسف الحداد، باعتباره أحد أهم مرتكزات إدارة الأزمة في العديدِ من دول العالم، وجزء منها في دولٍ أخرى عديدة، حينما لم يتحلَ بالمسؤولية الوطنية، ووقع في فخ الشائعات والتهويل من الأزمة، وبدلاً من أن يكون عامل طمأنة كان للأسف دافعاً للهلع والرعب. ويرى الحداد أن من الدروس المهمة في هذه الجائحة أهمية أن تكون تكون الدولة دوماً هي المصدر الحقيقي للمعلومات، وتتيحها لوسائل الإعلام، أولاً بأول، درءاً لمخاطر انتشار أي شائعات.
كورونا.. الاختبار الصعب لإرادة التعاون الدولي
يؤكد الكتاب أن خطورة وباء كورونا والإجماع العالمي على التهديد الذي يمثله، لم يقابل بمستوى التعاون الدولي المأمول في هذه الحالات، بل أظهر هذا الوباء غياب الطابع الأخلاقي والإنساني عن العديد من دول العالم التي كانت ترفع شعارات مثل احترام حقوق الإنسان والتضامن الدولي، فانكشفت بصورةٍ صارخة حينما تخلت عن تقديم المساعدات لبعضها بعضاً، وتبادلت الاتهامات فيما بينها حول المسؤولية عن نشر هذا الوباء، بدلاً من التعاون لمواجهته، وهو ما ظهر بوضوح في حرب اللقاحات.
اقرأ أيضاً: كيف ستضر بنا جميعاً حرب اللقاحات؟
هنا، مجدداً، أثبتت دولة الإمارات أنها دولة مسؤولة وصاحبة رسالة إنسانية وأخلاقية، ويشير الحداد إلى أن الأرقام خير برهان فمن متابعة مبادرات دولة الإمارات المتنوعة، منذ ظهور هذا الفيروس، نجد أنها قدمت 85% من المساعدات الطبية حول العالم لدعم الدول الأكثر حاجة في مواجهة هذا الوباء.