الواجهة الرئيسيةشؤون عربية
هل أسقط فشل “العدالة والتنمية” ورقة التوت عن باقي حركات الإسلام السياسي بالمغرب؟
الخطاب الأخلاقي للحزب الذي يتسم بالتناقض بين الخطاب والممارسة كان سبباً رئيسياً في تعريته أمام الرأي العام

كيوبوست- إلهام الطالبي
“أخنوش يعلن رسمياً أغلبيته الحكومية”.
“ساجد يساند حكومة أخنوش.. والعنصر لا يستبعد التنسيق مع الأغلبية”.
“الحمامة والجرار يكتسحان نتائج انتخابات المجالس الإقليمية بجهة الشمال”.
هذه هي بعض عناوين الصحف المغربية، والتي تكشف عن دخول المغرب مرحلة سياسية جديدة، دون حزب العدالة والتنمية الإسلامي، الذي كان يحظى لفترة طويلة بقاعدة شعبية وجماهيرية، تصفق لقراراته وتبرر هفواته.
فكيف فشل الحزب الإسلامي في الحفاظ على ثقة ناخبيه؟ وما مدى تأثير هذه الهزيمة القاسية على ثقة المغاربة في “التنظيمات السياسية الدينية” مستقبلاً؟
اقرأ أيضاً: حزب العدالة والتنمية بالمغرب وانتكاسة الثامن من سبتمبر
في هذا الصدد، يجيب الباحث المغربي في التراث وتاريخ الإسلام يوسف المساتي: “أعتقد أن الجواب يمكن مقاربته من زوايا عديدة؛ أهمها أن المغاربة تاريخياً كانت لهم علاقة نوعاً ما براغماتية مع الحركات التي توظف الدين؛ سواء أكانت زوايا أم تنظيمات أم أحزاباً”.
ويشير الباحث المغربي، في حديثه إلى”كيوبوست”، إلى أن المغاربة يحتفظون بنوع من المسافة من هذه الحركات، مضيفاً: يظل ارتباطهم بها محكوماً بطبيعة نتائجها، وهذا راجع إلى طبيعة التدين المغربي الذي رغم كل المؤثرات الخارجية لم يعرف تغييرات جوهرية”.

انهيار قيم الحزب
ويتابع المساتي: هناك زاوية أخرى؛ فالخطاب الديني السياسي لحزب العدالة والتنمية كان بسقف محدود، وذلك بسبب مؤسسة إمارة المؤمنين التي تعتبر الفاعل الأساسي في الحقل الديني، وبالتالي اتجه الحزب إلى التركيز على البُعد الأخلاقي للمنتمين إلى هذا الحزب ونظافة اليد ومداعبة العواطف في عدد من القضايا.

ويُشار إلى أن حزب العدالة والتنمية حصل على 13 مقعداً برلمانياً مقارنةً بـ125 مقعداً في الانتخابات التشريعية السابقة، وفشل أمينه العام ورئيس الحكومة، سعد الدين العثماني، في تأمين مقعد نيابي له.
ويضيف الباحث المغربي في التراث والتاريخ الإسلامي: “إن هذه السردية أخذت تتهاوى بعد عدد من الفضائح التي تورط فيها المنتمون إلى التنظيم، بيد أن الضربة القاتلة كانت توقيع اتفاقية مع إسرائيل.. بمعنى أن كل أُسس خطاب التنظيم قد انهارت أمام المغاربة”.
وعن أسباب توجه مغاربة للتصويت لأحزاب أخرى انتقاماً من حزب العدالة والتنمية، يجيب المساتي، قائلاً: “توجه المغاربة للتصويت لصالح أحزاب أخرى ضد (العدالة والتنمية)، أعتقد أنه أمر طبيعي؛ لسبب بسيط هو أن الحزب رفع سقف التوقعات المنتظرة منه في خطابه السياسي، ولا بد من التذكير بأنه قد جاء خلال حراك شعبي، ولعب دور المضاد للصدمات، وبالتالي كان سقف التوقعات منه مرتفعاً”.
يعتبر المتحدث ذاته أن “توالي الخيبات وإدراك المغاربة غياب تصور حقيقي للإشكاليات التي تعانيها البلاد، والخطاب الأخلاقي للحزب الذي يتسم بالتناقض بين الخطاب والممارسة، كان من الطبيعي أن يتم الرد من المغاربة بهذه الطريقة”.
اقرأ أيضاً: هل تطيح الانتخابات المغربية القادمة بـ”العدالة والتنمية”؟
سقوط ورقة التوت
ويختم الباحث المغربي المختص في تاريخ التراث حديثه لـ”كيوبوست”، قائلاً: يمكن القول إن هذا قد أسقط ورقة التوت عن باقي التنظيمات الدينية التي تزاوج الديني بالسياسي؛ ما سيطرح تحديات كبيرة على التنظيمات الأخرى الموجودة في الساحة السياسية أو التي ستوجد مستقبلاً”.
ومن جهته، يرى الصحفي المغربي والمحلل السياسي حمزة بصير، أن “السبب وراء تراجع حزب العدالة والتنمية وخسارته الفئة المجتمعية التي تتشكل من الطبقتَين الوسطى والهشة خصوصاً، يعود إلى أسباب مركبة؛ أبرزها أن هذا الحزب في أساسه براغماتي عرف بعض قادته كيف يستفيدون من الأيديولوجية الإسلامية في تحقيق أهداف سياسية، لا سيما أنه التيار الوحيد الذي كان بارزاً على الساحة، إضافة إلى علمهم المسبق باستحالة فرضهم طرحهم الذي نظروا إليه بمحاربة الفساد والإصلاح وتحقيق عدالة اجتماعية، كما أنهم قبل حكمهم كانوا يدركون أن هناك فرقاً بين الدولة التي تحكم ولديها اليد العليا، والحكومة التي تسير وَفق ما تقرره الأولى، وعلى الرغم من ذلك قبلوا الأمر وتعايشوا معه”.

ويشدد المحلل السياسي المغربي على أن حزب العدالة والتنمية خالف توجهاته الأخلاقية والسياسية، في مناسبات عدة؛ مثل التطبيع مع إسرائيل، وتمرير قانون القنب الهندي.
ويرى بصير أن “الحزب لم يحقق ما سطره في برنامجه من مواجهة للفساد وتوفير سُبل العيش الكريم والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية للمغاربة، لا على مستوى تدبيره المحلي بأهم المجالس الترابية في المملكة أو في ما يخص قيادته الحكومة في ولايتَين”.
اقرأ أيضاً: أزمة “كورونا” تكشف عن ضعف حكومة العدالة والتنمية في المغرب
ويؤكد المتحدث ذاته أن “حزب العدالة والتنمية زاح عن توجهه وغيَّر مساره؛ ضماناً لرضا الدولة عليه واستمراره؛ لكنه استُعمل كمطفأة حريق كما حدث مع الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية”.
وعن علاقة فشل “حزب العدالة والتنمية” بفقدان المغاربة الثقة في الخطاب الديني السياسي، يرى بصير أن “دافع المغاربة للتصويت على الحزب كان أطروحة (نظافة اليد) وأنه لم يسبق لهذا الحزب قيادة الحكومة، أما العامل الأيديولوجي في التصويت خلال المرحلة السابقة فلم يكن له تأثير كبير على هذه العملية الانتخابية”.

وطالبت أمينة ماء العينين، عضو المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية، الحزبَ بأن يعترف بهزيمته وأن يتدارس بجرأة وشجاعة أسبابها الكامنة والظاهرة.
وتابعت ماء العينين، في تدوينة نشرتها على صفحتها بموقع “فيسبوك”: “لقد عاقب المغاربةُ حزبَ العدالة والتنمية، هذه هي الحقيقة التي يجب الاعتراف بها بشجاعة في بداية للتصالح معهم ومع الذات العليلة، ولنتأمل عدد الأصوات وسلوك الناخب في المدن؛ وعلى رأسها دائرة الرباط المحيط.. لقد شعر الناس بتخلي الحزب عن المعارك الحقيقية وتخليه عن السياسة مع قيادة منسحبة وصامتة ومترددة في أغلب القضايا الجوهرية، فتخلوا عنه”.