الواجهة الرئيسيةتكنولوجياشؤون خليجية
هكذا سيغير الذكاء الاصطناعي مستقبل البشرية
الإمارات الأولى عربيًا في الذكاء الاصطناعي

كيو بوست – عبير الصغير
تفاجئنا كل يوم تطورات تكنولوجية تخترق أغلب مجالات حياتنا وتسعى إلى تسهيل أعمالنا اليومية، أهمها الذكاء الاصطناعي وتقنياته التي بدأت تقتحم مجالات كانت في السابق حكرًا على الإنسان وحده، بل وتغلبت على الذكاء الإنساني حتى أصبحت هاجسًا يخيف الكثيرين، ويهدد بانقراض الكثير من فرص العمل، مما جعل البعض يراه نقمة ستتسبب في تفشي البطالة، إذ إن أتمتة الصناعة والتطور التكنولوجي السريع ستفرضان تحديات غير مسبوقة على المجتمعات البشرية. ومن المتوقع في مجال الأتمتة مستقبلًا أن يجري استبدال نحو 83% من الحرف ذات الأجور التي لا تتجاوز 20 دولارًا في الساعة.
اقرأ أيضًا: وظائف المستقبل: هذه هي الوظائف التي تشهد نموًا متسارعًا في الطلب العالمي
في حين، يرى البعض الآخر أن الذكاء الاصطناعي نعمة ستؤدي إلى خلق عدد وافر من الوظائف الجديدة، مع حدوث تغير في سوق العمل ونوع الوظائف المطلوبة، بالإضافة إلى أن الاستثمارات اليوم في المجال عالميًا تفوق الاستثمارات في التنقيب عن النفط. وبحسب التقديرات، سيضيف الذكاء الاصطناعي عام 2030 إلى الناتج المحلي الإجمالي العالمي أكثر من 15 تريليون دولار (10 أضعاف مبيعات النفط عالميًا)، كما سينعكس الذكاء الاصطناعي على التطور الطبي ليضيف 5 سنوات جديدة لعمر الإنسان في كل عقد؛ بمعنى أن شخصًا بعمر الـ90 ستكون صحته مثل صحة شخص عمره 60 سنة اليوم، فما هو الذكاء الاصطناعي؟ وما تأثيراته في الإنسان؟

يتحدث د. أنس روحي النجداوي، الأستاذ المشارك في إدارة الأعمال الرقمية بالجامعة الكندية في دبي، رئيس التقنيات المستجدة والخيال العلمي لفرع SAP/Next-Gen في الشرق الأوسط، في تصريح إلى كيو بوست: “يعتبر الذكاء الاصطناعي حاليًا من أبرز التقنيات التكنولوجية الناشئة (emerging technologies)، التي يتعزز وجودها في كل جوانب حياتنا اليومية؛ فهي من جانب جلبت معها الكثير من التطبيقات المفيدة، من أهمها الأتمتة في العمليات، وتحليل البيانات الضخمة في قطاع الأعمال، واستخدام الروبوتات في الصناعة، وأخيرًا استخدام المساعدات الشخصية الذكية مثل أليكسا ومساعد جوجل في الجانب الفردي. الأهداف الرئيسة هي زيادة الكفاءة والفعالية في العمليات التشغيلية، وتوفير الوقت والجهد كأسلوب إداري ذكي ومتطور. لكن، من جانب آخر، تعتبر تقنيات الذكاء الاصطناعي من التقنيات المدمرة (Disruptive Technologies) التي يمكن أن تؤدي إلى تغيرات كبيرة في كيفية إدارة الأعمال وتسييرها، وفي آلية عمل الصناعات، وتؤدي حتى إلى إرباك أكبر للشركات التي عملت بنجاح ولسنوات طويلة. هذا الأثر محسوس حاليًا، ولا يمكننا التنبؤ بشكل دقيق بحجم تأثير هذه التقنيات، لأنها ما زالت تتطور بشكل متسارع من ناحيتي الكفاءة والأداء”.
اقرأ أيضًا: السيارة الطائرة باتت حقيقة ولا يفصلنا عنها إلا القليل
الذكاء الاصطناعي ومجالاته
يعد الذكاء الاصطناعي من أهم مخرجات الثورة الصناعية الرابعة التي قامت على أسس وقواعد الثورة الصناعية الثالثة المتمثلة في ظهور الإنترنت وتكنولوجيا الكمبيوتر، فأصبح هناك آلات ذكية متصلة بالإنترنت يجري التحكم بها إلكترونيًا، وقد أطلق على ذلك اسم الذكاء الاصطناعي (Artificial Intelligence)؛ لأنه يحاكي ذكاء الإنسان، وفهم طبيعته عن طريق عمل برامج للحاسب الآلي قادرة على محاكاة السلوك الإنساني والقيام بمهامه على أكمل وجه، وبشكل أسرع بكثير مما يقوم به الإنسان الطبيعي، ليكون الذكاء الاصطناعي محرك التقدم والنمو والازدهار خلال السنوات القادمة، ليؤسس لعالم جديد كان في يوم من الأيام ضربًا من الخيال لا يرقى إلى الحقيقة.
أُستُخدم الذكاء الاصطناعي في الكثير من المجالات، منها الصناعية والاقتصادية والطبية والتعليمية والعسكرية والخدمات الأخرى، وتعددت تطبيقاته، ونذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:
- السيارات ذاتية القيادة والطائرات بدون طيار.
- الروبوتات (الإنسان الآلي) التي تعمل بشكل مستقل عن السيطرة البشرية، بالإضافة إلى روبوتات النانو، وهي روبوتات متناهية الصغر، يمكن إدخالها إلى مجرى الدم. ومن خلال برمجتها مع الذكاء التكنولوجي، تستطيع روبوتات النانو إعادة برمجة الجينات والعمل كخلايا دم بيضاء، مما يساعد في الحفاظ على صحة الإنسان.
- تعتمد الشركات على الذكاء الاصطناعي في مجالي الإعلان والتسويق، عن طريق نشر الملصقات الدعائية إلكترونيًا.
اقرأ أيضًا: هل سيعبد البشر آلهة من منتجات الذكاء الاصطناعي؟
- الطباعة ثلاثية الأبعاد: إحدى طرق التصنيع الحديثة، يمكن من خلالها تصنيع منتج ثلاثي اﻷبعاد مجسم وملموس من خلال تصميمه على الحاسوب، ثم طباعته (تصنيعه) بالطابعة ثلاثية اﻷبعاد.
- التحكم اللاخطي كالتحكم بالسكك الحديدية.
- الرعاية الصحية، والتشخيص الدقيق للأمراض، والقدرة على تحليل الجينات البشرية، وتحليل الفيروسات الخطيرة وتتبع تطورها للوقاية من الإصابة بها وإيجاد علاج مناسب لها.
- الأسلحة ذاتية العمل والهواتف الذكية وأجهزة التلفاز الذكية وخدمة المنازل وخدمات كثيرة أخرى لا حصر لها.
وظائف المستقبل
يتوقع د. النجداوي بالاستناد إلى تقارير دولية أن عام 2022 سيشهد زيادة في استحواذ تطبيقات الذكاء الاصطناعي وتقنياته على بعض الوظائف الخاصة بالإنسان، خصوصًا التي تحتاج إلى دقة عالية وسرعة في الأداء مثل التصنيع، وإدخال البيانات وتحليلها دون أخطاء، والتدقيق المالي. كما أشار تقرير لشركة ماكينزي (Mckinsey) إلى أن من الممكن استبدال 45% من المهام التي يقوم بها الإنسان في الولايات المتحدة الأمريكية باستخدام التقنيات المتوفرة حاليًا في الأسواق.
ومن جانب آخر، هناك مجموعة من الوظائف الثابتة لا يمكن للآلة في الوقت القريب أن تستحوذ فيها على عمل الإنسان لعدم تطورها الكافي ونضوجها؛ إذ تتطلب هذه الوظائف مجموعة من المهارات المعقدة التي لا تستطيع الآلة مجاراة الإنسان فيها أو محاكاتها مثل إدارة المؤسسات والتسويق والتدريب والتعليم.
اقرأ أيضًا: 5 تنبؤات لما ستكون عليه الحياة عام 2030
ويتابع د. النجداوي: “إن تقنيات الذكاء الاصطناعي في عصر الاقتصاد الرقمي ستغير بلا شك مستقبل الوظائف بإلغاء بعضها، لكن في الوقت نفسه ستخلق الكثير من الوظائف الجديدة، بما تصل نسبته إلى 35% من سوق العمل بحلول عام 2020.
أكثر الدول تقدمًا في الذكاء الاصطناعي
أجرت مؤسسة ABB للأبحاث المؤسسية لتقنيات الطاقة والتشغيل الآلي في سويسرا دراسة للتعرف على أكثر دول العالم تقدمًا في مجال الذكاء الاصطناعي، التي تضمنت ما حققته 25 دولة في هذا المجال، بعد أن وضعت 3 معايير رئيسة لتقييم وضع الذكاء الاصطناعي في الدول محل الدراسة، هي مناخ البحث العلمي، ومستوى التعليم والتأهيل، وكذلك جهود الدولة الاستثمارية لتشجيع التطوير في هذا المجال.
وقد وجدت الدراسة أن المراكز الأولى بالترتيب كانت كوريا الجنوبية، ثم ألمانيا، فسنغافورة، فاليابان، فكندا، فإستونيا، ثم فرنسا. أما عربيًا، فقد حلت دولة الإمارات العربية المتحدة في المركز الثالث عشر، والسعودية في المركز الحادي والعشرين.
المدن الذكية
يوضح د. النجداوي مفهوم المدن الذكية بأنها المدن التي تستخدم مجموعة من التقنيات الحديثة -مثل إنترنت الأشياء والتعلم الآلي ومحاكاة الواقع والمركبات آلية القيادة- للعيش برفاهية أكبر وراحة، مع المحافظة على المصادر البيئية وعدم استنزافها أو تلوثها، وذلك يتأتى من خلال إدارة البنية التحتية للمدن من مياه وكهرباء وتدوير النفايات بشكل ذكي وآلي. وهناك مجموعة من المدن التي بدأت بتطبيق برامج التحول الرقمي بشكل تدريجي لتصبح مثالًا يحتذى به مثل سنغافورة ودبي وبرشلونة.
إضافة إلى ذلك، تتسم المدن الذكية باحتوائها على تطبيقات هامة عدة مثل:
(1) احتوائها على أنظمة مرور ذكية تخفف من الازدحامات والانتظار.
(2) توفر خدمات الأمن المتطورة المدعمة بالذكاء الاصطناعي كرصد المخالفات آليًا مثل التدخين في الأماكن الممنوعة وإلقاء الأوراق من البنايات والسيارات.
اقرأ أيضًا: التعديل الجيني على البشر والحيوان والنبات – خطر مميت يلوح في الأفق
(3) تنظيم حركة الجماهير والتجمعات في الحالات الطارئة، وإدارة المخاطر والأزمات مثل حالات الانفجارات، أو تتبع انتشار الأمراض في المدينة.
(4) توفر أنظمة تسيير المباني، والتحكم في منظومات مصادر المياه والكهرباء والنفايات.
تجربة الإمارات
قطعت الإمارات أشواطًا متقدمة في مجال الذكاء الاصطناعي لتحقيق الريادة عربيًا وعالميًا، وتسعى حاليًا إلى إدخاله في جميع نواحي الحياة، من أبسطها وحتى أعقدها. وقد خصصت البلاد وزارة للذكاء الاصطناعي، ووضعت إستراتيجية الإمارات للذكاء الاصطناعي منذ أكتوبر/تشرين الأول 2017، التي تعد أول مشروع ضخم ضمن مئوية الإمارات 2071، بهدف استثمار أحدث تقنيات وأدوات الذكاء الاصطناعي وتطبيقها في شتى ميادين العمل، وبناء قاعدة قوية في مجال البحث والتطوير، والاعتماد على الذكاء الاصطناعي في الخدمات وتحليل البيانات بمعدل 100% بحلول عام 2031.
ومؤخرًا، وجه الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، حاكم دبي، في القمة العالمية للحكومات 2019 بتطبيق مبادرة X10؛ أي أن تطبق دبي ما ستطبقه مدن العالم الأخرى بعد 10 سنوات، في الوقت الذي يرمز فيه حرف X إلى التفكير المستقبلي خارج الأطر التقليدية. ولتحقيق أهداف المبادرة، سيجري تشكيل الفرق الخاصة في الجهات المعنية في الإمارة لمتابعتها، ووضع آليات محددة للتنسيق والمتابعة، وسيتم خلال الفترة المقبلة الإعلان عن خطة الـ100 يوم للجهات المعنية بالتنفيذ.
اقرأ أيضًا: كيف أصبحت حرب المعلومات الإلكترونية أخطر أسلحة الصراعات؟
وهنا يقول د. أنس عن تجربة الإمارات في هذا المجال: “تعد الإمارات العربية المتحدة من الدول التي بدأت تنفيذ خططها الإستراتيجية لتواكب الاقتصاد الرقمي المعتمد على الابتكار والتطبيق الأمثل للتقنيات الحديثة، وبسرعة كبيرة، لتكون السباقة في إبراز نموذج ناجح للعالم في مجال المدن الذكية”.
ولتحقيق هذا الهدف، ولملئ الفجوات في المهارات الرقمية لوظائف المستقبل لدى القوى البشرية، استحدثت الإمارات وزارة للذكاء الاصطناعي، بهدف تمكين المعارف والمهارات لدى الجيل الجديد من رواد الأعمال والمهنيين وتعزيزها لوظائف المستقبل، من خلال الورشات التدريبية المكثفة، بالتنسيق مع أكبر شركات تكنولوجيا المعلومات الحديثة والجامعات والمدراس، ولترسم ملامح المدن الذكية التي تحتاج إلى أفراد أذكياء، بالاضافة إلى تشكيل الكثير من المؤسسات والمبادرات المنوطة لتسريع التحول الرقمي واستشراف المستقبل مثل مؤسسة دبي للمستقبل.
ومن ضمن مبادرات المؤسسة متحف المستقبل، ومسرعات دبي للمستقبل، ومركز الأبحاث، التي تأتي لاستشراف المستقبل وتحديات الذكاء الاصطناعي والروبوتات للأعمال المفيدة. وبهذه الرؤية والتطبيق، تسعى الإمارات العربية المتحدة إلى تجسيد ملامح المستقبل بشكل أسرع من المدن الأخرى في المنطقة لتكون أشبه بالخيال العلمي، الذي سيصبح أقرب للواقع.