الواجهة الرئيسيةترجماتشؤون دولية
هكذا تطوّر مفهوم الدبلوماسية عبر الزمن
ما الفرق بين الدبلوماسيتين الكلاسيكية والحديثة؟

ترجمة كيو بوست –
“كيف تختلف الدبلوماسية الحديثة عن الدبلوماسية الكلاسيكية؟ وما هو دور التكنولوجيا في مراحل تطورها؟”، يجيب على هذه التساؤلات الباحث السياسي “سيجد آبدي” في مقالته في مجلة “موديرن دبلوماسي” الأوروبية.
لم يتوقف التحول في الدبلوماسية عند نقطة محددة في يوم من الأيام، تمامًا مثل التحول المشهود في أوجه العلاقات الدولية بهياكلها المختلفة. وعلى مر التاريخ، لوحظت أشكال مختلفة من الدبلوماسية بين البلدان والحكومات، ويرجع هذا التطور إلى نشاط عدد من العوامل المختلفة. وطالما ظلت عوامل التحول قائمة، ستظل عملية التحول متواصلة بشكل تدريجي.
وقد تميز العصر الجديد في العلاقات الدولية بتطورات مهمة في الدبلوماسية. وفي شرح أبعاد هذا التطور، سنستخدم مصطلح “الدبلوماسية الحديثة” مقابل “الدبلوماسية الكلاسيكية”، بهدف إبراز المعالم التاريخية لهذا التطور ومكوناته.
هنالك عوامل رئيسة ساهمت في تطوير الدبلوماسية، أهمها الوعي العالمي المتزايد، وتآكل الحكم في الدول، ونمو المعلومات وتكنولوجيا الاتصالات، وتصاعد دور الجهات غير الحكومية الفاعلة. انطوت الدبلوماسية قديمًا على إدارة العلاقات بين الحكومات، وعلى العلاقات الحكومية مع الجهات الفاعلة الأخرى. ولكن مع التغييرات التي شهدها النظام الدولي، تغير تركيز ومحتوى الدبلوماسية بشكل كبير؛ ليشمل السياسات العليا للدول.
في الفهم التقليدي لفضاء العلاقات الدولية، تأثرت تصرفات الحكومات بعوامل ملموسة ترتبط بالسلطة والنفوذ، بينما تمحور مضمون الدبلوماسية على مسألة الحرب والسلام فقط. ولكن في البيئة الجديدة، لم تستطع الدبلوماسية التقليدية التعامل مع قضايا هامة برزت في عصرنا الحديث. لذا، اشتملت الدبلوماسية الحديثة في عصر المعلومات على مجالات أوسع، تنطوي على الاقتصاد والاجتماع والثقافة والبيئة والعلوم والقانون والأمور العسكرية السياسية، كما اشتملت كذلك على الهجرة غير الشرعية، وحقوق الإنسان، والإرهاب، والجريمة المنظمة، والاتجار بالمخدرات، والمخاطر البيئية، وانتشار الأسلحة، والمعونات الإنسانية، ومرض الإيدز، والكثافة السكانية، والوقاية من الصراعات العرقية، والأزمات بأشكالها كافة.
تتولى الدبلوماسية الحديثة 5 مهام رئيسة، تشمل جمع المعلومات والبيانات، وتقديم المشورة السياسية، والتمثيل، والمفاوضات، بالإضافة إلى خدمات استشارية في بيئة دولية جديدة. كما جرى تطوير وظائف جديدة، تشمل المساعدة في فرض اللوائح الدولية، وتمثيل مصالح مختلف الجهات الحكومية والخاصة، وتسهيل إقامة علاقات بين الكيانات الوطنية العابرة للحدود، وتنسيق أنشطة مختلف الجهات الفاعلة بما يخدم المصالح الوطنية، وإدارة الأزمات وغيرها من الأمور.
وقد تغير كذلك مضمون الدبلوماسية وعناصر تنفيذها في البيئة الدولية الجديدة، بشكل يقوض دور الحكومات في السلوك الاحتكاري، بما يتعلق بالسياسة الخارجية وقضايا إنفاذ القانون. قبل انتشار تكنولوجيا المعلومات، اتصف السفراء والممثلون الدبلوماسيون بمصداقية نسبية واستقلالية في إدارة الشؤون الدبلوماسية، مثل التفاوض وتمثيل الواجبات. علاوة على ذلك، اعتمد الدور الحقيقي للدبلوماسيين على قدراتهم الشخصية، وعلى قوة حكوماتهم، وعلى الصلاحيات الممنوحة لهم من قبلها. كان الدبلوماسيون قديمًا ارستقراطيين من الطبقات العليا في المجتمع، يولون أهمية خاصة للعلاقات الثنائية ومكونات البروتوكول والإجراء.
ولكن نتيجة لتطور التكنولوجيا الحديثة، خضعت واجبات ومسؤوليات الدبلوماسيين لتغييرات جوهرية، جرى بموجبها تسهيل الاتصال المباشر والمكثف مع الجهات الحكومية وغير الحكومية عبر الحدود. اقتصرت الواجبات الدبلوماسية الرئيسة قبل هذا التغيير على إيصال رسائل إلى قادة الدول، وحضور احتفالات وشكليات مختلفة، وإرسال معلومات التفاوض، وأحيانًا اتخاذ القرار عند الحاجة. لكن هذه المفاهيم تغيرت بفضل ظهور التكنولوجيا فائقة الدقة. وقد فقد الدبلوماسيون الكثير من أهميتهم في محاور عدة؛ فبدلًا من التركيز على إقناع شخص أو أكثر في دولة أخرى، تصب الحكومات اليوم جام تركيزها على إقناع الرأي العام عبر الأجهزة الإعلامية ومختصين أكثر شمولية من الدبلوماسيين. كما أن المحادثات الدبلوماسية بذاتها اتخذت أشكالًا متعددة الأطراف، ولم تعد محصورة في اجتماع بين دبلوماسيين اثنين.
في العصر الحالي، تفضل الحكومات تنفيذ الدبلوماسية من قبل السياسيين وليس الدبلوماسيين. ونتيجة لهذا، جرى تأسيس علاقة خاصة وغير رسمية بين رؤساء وسائل الإعلام رفيعة المستوى، لممارسة دبلوماسية “خاصة” ذكية تعمل على التمهيد لعقد اجتماعات ومفاوضات ومعاهدات. وبرغم كل هذه التغييرات، لا يمكن إنكار دور الدبلوماسيين وخبراتهم.
لقد لعبت تكنولوجيا المعلومات دورًاً هامًاً في جعل الدبلوماسية أكثر نجاعة وفعالية؛ لتشمل تسهيل وتسريع المفاوضات، وتبادل المعلومات والوصول إليها، والتأثير على الرأي العام وإقامة علاقات عالمية. وفي الوقت ذاته، جعلت ثورة الاتصالات من مهمة الدبلوماسيين الرسميين أكثر حساسية، نظرًا لسرعة انتشار الممارسات الرسمية الخاطئة على مواقع التواصل الاجتماعي.
وأخيرًاً، إن ما يميز الدبلوماسية الحديثة هو ارتكازها على مفهوم القوة الناعمة، التي أصبحت مكونًا رئيسًا من مكونات الدبلوماسية الناجحة في مختلف دول العالم، والتي تنطوي على التعامل مع الرأي العام والجماهير محليًا وخارجيًا، والتي ابتعدت كثيرًا عن فضاء الدبلوماسيين التقليديين. ولذلك، ترتكز أدبيات الدبلوماسية اليوم على “الدعاية” و”الرواية” والوصول إلى الناس عبر المنصات الإعلامية المتنوعة.
المصدر: مجلة “موديرن دبلوماسي” الأوروبية