الواجهة الرئيسيةشؤون دوليةشؤون عربية

هكذا تجند الجماعات المتطرفة الأطفال في إفريقيا والشرق الأوسط

دراسة حديثة تحاول فك شيفرة الأساليب المستخدمة من قبل التنظيمات الإرهابية لاستقطاب الأطفال والمراهقين إلى صفوفها

كيوبوست- حسن الأشرف

كشفت دراسة حديثة لمركز ناتو الاستراتيجي لإفريقيا والشرق الأوسط، أن قدرة المنظمات المتطرفة العنيفة على التحكم المباشر أو التأثير على المجتمعات تتيح لها تجنيد الأطفال على نطاقٍ واسع، موردة أن هذه المنظمات تفضل تجنيد الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 12 و17 عاماً.

وقاربت الدراسة ذاتها مختلف دوافع تجنيد الأطفال بمرور الوقت، حيث بدا أن الدوافع المالية تجذب الفتيان أكثر من الفتيات، وأن التجارب الشخصية السلبية التي تعاني منها الفتيات تحت سلطة المنظمات العنيفة تردعهم عن الانخراط فيها.

اقرأ أيضاً: المغرب يقود الحرب ضد تجنيد الأطفال

أسباب تكتيكية واستراتيجية

وتفيد الدراسة التي اعتمدت على بحوثٍ مشتركة، وحوارات مع أهم الخبراء الدوليين والإقليميين، بأن الكيانات الدولية والإقليمية والتشريعات الوطنية تسعى إلى وضع إطارٍ شامل لحظر ومكافحة تجنيد الأطفال في النزاعات المسلحة، ولكن الواقع على الأرض لا يزال مروعاً.

واستحضر التقرير ذاته إحصائياتٍ للأمم المتحدة تقول إنه تم تجنيد أكثر من 93 ألف طفل بين عامي 2005 و2020، خصوصاً في جمهورية الكونغو الديمقراطية والصومال والجمهورية العربية السورية وميانمار”، مردفة أن “الجماعات المتطرفة العنيفة، مثل تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، و”بوكو حرام” و”الشباب”، لا تمتثل للمعايير الدولية لحماية الطفل، وتحكمها تفسيرات مشوهة للدين”.

“بوكو حرام” تستغل الأطفال

وتبعاً للمصدر عينه، فإن معظم المنظمات المتطرفة العنيفة تستخدم الأطفال لأسبابٍ تكتيكية واستراتيجية، وبأن العائلات والشبكات الاجتماعية تلعب دوراً أساسياً في منع أو في تسهيل التحاق الأطفال إلى المنظمات المتشددة والإرهابية، كما في حالة المغرب التي أظهرت تأثر الأطفال بدوائرهم الأسرية، وبمواقع التواصل الاجتماعي.

واسترسلت الدراسة بأنه عندما ظهرت مجموعة داعش أول مرة في سوريا، وأعلنت عن أهدافها التوسعية، وسعيها إلى إنشاء دولة الخلافة، توجهت بعض الأسر من المغرب بصحبة معارفهم إلى سوريا والعراق للانضمام إلى هذه الجماعة المتطرفة العنيفة، حتى أنه في أحد الأحياء بمدينة تقع في شمال المملكة غادر أكثر من 60 فرداً صوب “داعش”.

اقرأ أيضاً: كيف تستفيد الجماعات الإرهابية من تجنيد الأطفال؟

تدمير العلاقات الأسرية

وسجل المصدر ذاته أن هذه الجماعات المتطرفة العنيفة غالباً ما تهدف إلى تدمير الروابط والعلاقات الأسرية، وتفكيك هذه العرى العائلية، من خلال التحريض على عصيان الأبوين، وإظهار الطاعة والولاء لـ”دولة الخلافة”، من أجل التمكن من التحكم في الأطفال، واستقطابهم ثم تجنيدهم لاحقاً.

وفي بعض الحالات، تكمل الدراسة، واجهت عائلات تمرد وعصيان أطفالها، لأن “داعش” استطاعت من تمرير أفكارٍ معينة عن والديهم وأقاربهم مغلفة بلبوسٍ ديني، ليتحول الأطفال إلى أشخص عدوانيين ضد آبائهم وأمهاتهم، يتهمونهم بالخيانة والعجز، دفاعاً عن “داعش”.

تحاول الجماعات المتطرفة التحكم في الأطفال، واستقطابهم ثم تجنيدهم لاحقاً

واستثمر “داعش” في بناء سردية اجتماعية وتاريخية بعنوان “سيرة عالم الشهداء”، إذ تملي الرواية على أبناء الشهداء واجب الدفاع عن إرث آبائهم، والنهوض به، والقتال من أجل “الخلافة”، وهكذا بين عامي 2016 و2017 أظهرت 62 في المائة من فيديوهات داعش تكتيكاتها الأيديولوجية والعسكرية، وبين أغسطس 2015 وفبراير 2016 نشر هذا التنظيم المتطرف 254 صورة تتضمن أطفالاً كمرتكبي العنف أو متورطين في العنف.

وتسترسل الدراسة في سرد أرقامٍ أخرى، من قبيل مسح شمل 514 مراهقاً من المنطقة مينا (MENA)، إذ وافق 63 في المائة منهم على أن تعاطف أو انخراط المراهقين في “داعش” نتيجة لتأثير بيئتهم الاجتماعية، خصوصاً أفراد الأسرة والأصدقاء من نفس العمر.

اقرأ أيضاً: أطفال “داعش”.. ضحايا التنظيم أم الحكومات؟

دور الأسرة والشبكات الاجتماعية

ومن الدوافع الأخرى التي يمكن من خلالها فهم الالتحاق بالجماعات المتطرفة العنيفة، الرغبة في الانتقام لموت أحد أفراد الأسرة أو الشعور بالظلم، لاسيما عقب الصراعات والمواجهات ضد “داعش” وسجن الآلاف من أعضائه، مثال انخراط “شباب الفولان” في منطقة الساحل الإفريقي في التطرف العنيف، عقب الانتهاكات المتصورة التي ارتكبتها السلطات الحكومية.

وبالمقابل، توقفت الدراسة عند دور الأسر والشبكات الاجتماعية في كبح جماح الأطفال والمراهقين في الالتحاق بالتنظيمات العنيفة والإرهابية، وإعادة إدماجهم في مجتمعاتهم، حيث كشفت دراسة وسط مراهقين في شمال شرق سوريا أن 92 في المائة منهم لجأوا إلى أسرهم ووالديهم للمشورة أو المساعدة أمام إغراءات ومحاولات المتطرفين لاستقطابهم، ما يدفع إلى ضرورة التأكيد على أهمية تواجد الوحدة الأسرية، وخلق بيئة انتماء وأمانة وحوار، علاوة على أهمية المراقبة الأبوية في مراقبة استخدام الأطفال لهواتفهم وللشبكة العنكبوتية.

تم تجنيد أكثر من 93 ألف طفل بين عامي 2005 و2020

الحرمان الاقتصادي

وسجلت الدراسة المذكور أن المراهقين قد ينجذبون إلى الراتب الشهري الذي يقدمه “داعش”، والذي يتراوح أحياناً بين 500 و1000 دولار شهرياً، وذلك في سياق يقل فيه متوسط الأجر عن 100 دولار في الشهر، بل إنه في بعض الحالات يكفي الوعد بالحصول على هاتف محمول للحصول على دعم وتأييد وانجذاب المراهق.

وتبعاً للمصدر ذاته، استغلت جماعة “بوكو حرام” في نيجيريا، وحركة الشباب في الصومال، الحرمان الاقتصادي وانعدام فرص العمل، وعدم قدرة الأسر على دفع الرسوم المدرسية، لجذب المجندين الشباب، إذ تشير الإحصاءات إلى أن نصف المراهقين الذكور تعاطفوا مع “داعش” بسبب الفرص الاقتصادية والخدمات التي قدمها التنظيم.

اقرأ أيضاً: لماذا يسعى المتطرفون إلى تجنيد الأطفال في صفوفهم؟

وبالمقابل أشار النصف الآخر إلى تحسن في الظروف الاقتصادية، وفرص التعليم والمساعدات الإنسانية وحرية التنقل بعد سقوط “داعش”، كما أنكرت الغالبية العظمى من الفتيات المراهقات على تنظيم داعش أنشطتها الإرهابية، وقمعها للنساء والفتيات، والعقوبات القاسية في حالة العصيان.

الأيديولوجية العنيفة

وتختلف أساليب تجنيد الأطفال في منطقة إفريقيا والشرق الأوسط، باختلاف الجماعات المسلحة غير الحكومية، غير أن القاسم المشترك بينها -وفق الدراسة- هو طريقتها في استبدال التعليم التقليدي والمناهج الدراسية، من قبيل التاريخ والفلسفة والموسيقى والفن والأدب والجغرافيا، وغيرها من المواد، بالتركيز على اللغة العربية والتعليم الديني، كما أنه غالباً ما يتضمن التعلم التدريب البدني والرماية والمصارعة.

وتكمل الدراسة أن جماعاتٍ أخرى تقوم بإعادة تثقيف أو تلقين القاصرين المجندين، كما في ليبيريا وأوغندا، وسيراليون، وجمهورية الكونغو الديمقراطية، بل تنظر هذه الجماعات إلى تجنيد الأطفال على أنه أداة رخيصة ومتاحة لزيادة قوتها النارية، وإنجاز المهمات الفورية.

ووفق المصدر، يؤثر النهج المتبع من طرف الجماعات العنيفة والمتطرفة على إمكانية إفراجها عن الأطفال المجندين، فالجماعة أو التنظيم الذي يستثمر كثيراً في الوقت والجهد والقوى العاملة يكون الأقل احتمالاً أو إمكانية في إطلاق سراح هؤلاء المراهقين والأطفال المجندين.

اقرأ أيضاً: الجماعات الإرهابية والأطفال الأفارقة.. “جرائم فظيعة وانتهاكات جسيمة”

التجنيد حسب الجنس

وبلغة الأرقام، في سنة 2021 تم تجنيد 1296 طفلاً أو مراهقاً في سوريا، و1161 في الصومال، وفي البلدين معاً أكثر من 96 في المائة من المجندين هم من الذكور. وأيضاً 329 طفلاً تم تجنيدهم في جمهورية إفريقيا الوسطى، و352 في مالي خلال العام نفسه، وفي البلدين 80 في المائة من المجندين ذكور.

تقول الدراسة، لفهم هذه الحيثيات، إن تجنيد الفتيان والفتيات يرتبط بأهداف وأيديولوجيات الجماعات المسلحة، إذ يميز تنظيم “داعش” بين الجنسين، فيرفض استخدام الفتيات والنساء في القتال، بل في أدوار داعمة مثل الواجبات المنزلية، وتربية الأطفال والتعليم الديني والأيديولوجيا، غير أن الوضع تغير عندما بدأ داعش في فقدان السيطرة على عدة مواقع، إذ صار يدفع بالفتيات والنساء للقيام بعمليات عنيفة.

وهكذا، تبعاً للدراسة، نفَّذت جماعة “بوكو حرام” 30 هجوماً انتحارياً باستخدام الأطفال في عام 2016، 26 منها نفذتها فتيات، وفي عام 2017 نفذت “بوكو حرام” 203 هجمات انتحارية باستخدام الأطفال في الكاميرون ونيجيريا، 145 منها نفذتها فتيات ونساء.

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

حسن الأشرف

صحفي مغربي

مقالات ذات صلة