الواجهة الرئيسيةشؤون عربية
هشام الهاشمي شهيد كلماته.. غضب عارم في العراق والكاظمي يتوعد
وابل من الرصاص يعترض جسده عقب بحثه عن انشقاقات الحشد الشعبي.. والميليشيات المرتبطة بإيران متهمة باغتياله

كيوبوست
عاد مسلسل اغتيال واستهداف الكفاءات والنخب العلمية والصحفية العراقية إلى صدارة الأحداث في العراق من جديد، ليشكل ظاهرة خطيرة مستمرة تقودها ميليشيات متطرفة مرتبطة عقائدياً بإيران بعد اتهام جهات أمنية عراقية وسياسية لها بالوقوف وراء تلك الاغتيالات، والتي تستهدف الأصوات التي تنادي بحل فصائل الحشد الشعبي، وحصر السلاح بيد الدولة العراقية.
توقيت اغتيال الباحث والخبير في شؤون الحركات الجهادية هشام الهاشمي، أثار العديد من الأسئلة؛ خصوصاً أنه جاء في وقت تحاول فيه الحكومة بشكل حثيث وقف التصعيد بين القوى الفاعلة على المستوى السياسي في العراق.
اقرأ أيضًا: هيئة المنافذ الحدودية العراقية لـ”كيوبوست”: أغلقنا الحدود مع إيران ومنعنا دخول الإيرانيين
ووسط غضب عارم، شيَّع العراقيون، صباح الثلاثاء، في حي زيونة شرقي العاصمة العراقية بغداد، جثمان الهاشمي، بينما توعد رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي، بمحاسبة الفاعلين.

وعلَّق المحلل السياسي شاهو القرة داغي، على حادثة اغتيال الهاشمي، لـ”كيوبوست”، قائلاً: “إن الخبير الأمني الشهيد هشام الهاشمي، كان صوتاً وطنياً عراقياً يدعو دائماً إلى دعم مفهوم الدولة، وتحجيم عوامل اللا دولة من العصابات والميليشيات التي تزعزع الأمن والاستقرار في العراق”. ونجح الهاشمي، حسب القرة داغي، في تفكيك بنية الفصائل المسلحة والميليشيات الموالية لإيران للملايين من العراقيين، الذين اعتبروه صوتاً محايداً يقف مع الحق ومع أصوات الجماهير؛ خصوصاً بعد مواقفه مع ثورة تشرين، و”كان ينصح الدولة دائماً بالتعامل مع هذه الميليشيات كجماعات إرهابية تمارس نشاطات تخريبية تضر البلاد”.

وأضاف القرة داغي: “يبدو أن الميليشيات شعرت بخطر حقيقي من استمرار الهاشمي في تحليلاته وقراءاته للمشهد السياسي، بما يؤثر سلباً على سمعة الميليشيات ويضرب شعبيتها باستمرار داخل الشارع العراقي، وقررت تصفية الهاشمي كما فعلت سابقاً مع العديد من الناشطين والصحفيين الذين كانوا ينقلون أصوات المتظاهرين”.
البحث الأخير
الهاشمي نشر، قبل اغتياله، تحقيقاً مهماً عن الخلافات الحادة في هيئة الحشد الشعبي، من خلال منصة مركز صنع السياسات والدراسات الدولية على شبكة الإنترنت، والتي تهتم بالملف العراقي بشكل خاص.
البحث الذي نشره المركز بداية الشهر الحالي مجاناً بصيغة PDF يقع في 15 صفحة، وتضمن ستة أقسام توزَّعت بين الحديث عن خلفية الانقسامات، والأطراف الرئيسية فيها، ثم شرع الباحث في الحديث عن أسباب الخلاف، منوهاً بالعقبات الجسيمة في إصلاح الهيكل التنظيمي لهيئة الحشد الشعبي، وبعدها تطرق إلى “بيت القصيد”، كما يُقال، وهو إشكالية العراق ما بعد الغزو الأمريكي 2003، بين ما وصفه الباحث: “إشكالية التحالفات الدولية، وولاءات الفصائل” قبل أن يختتم قراءته بمجموعة من المقترحات؛ تلك الثنائية التي تتأرجح فيها الحالة السياسية في العراق.
وفقاً لبحث هشام الهاشمي، فإن جذور الخلافات العميقة داخل الحشد الشعبي هي خلافات فقهية داخل المذهب، وفقاً لتراتبية التقليد للمرجعية؛ التيار الأول يرجع إلى المرشد الأعلى في إيران علي خامنئي، بينما يعود التيار الثاني الذي يشمل عدة فصائل مرتبطة بما يسمى “العتبات المقدسة” في العراق، إلى المرجع الأعلى في النجف السيد علي السيستاني.
وتقاليد ورايات ومسميات تشمل أكثر من 67 فصيلاً شيعياً، و43 فصيلاً سنياً، و9 فصائل تابعة للأقليات العرقية في جنوب إقليم كردستان. وكان الرابط في ما بينها هو دعم الحرب على تنظيم داعش الإرهابي، وكانت الأغلبية التي اختطفت الحشد وحولته إلى كتلة موالية لإيران قد حصدت العديد من الموارد البشرية، والتي تقدر بـ164 ألف منتسب، وكادر لوجيستي معدّ للقتال، يصدرون عن مرجعية تعتبر الغطاء لممارساتهم؛ هي ما عُرف بـ”قانون 40″ الذي أُقر عام 2016، كما اعتمدوا، حسب البحث، على الأوامر الديوانية الصادرة في عام 2019.
اقرأ أيضًا: كيف دفعت واشنطن بالعراق بين ذراعي إيران؟
بذرة الخلاف
حقيقة الخلاف تعود إلى صراع بدأ يكبر، يوماً بعد يوم، بين فرقة العباس القتالية التي تنتسب إلى العتبة العباسية ومرجعها السيستاني، وبين الهيئة الرئيسية للحشد مع القيادة الولائية التابعة لخامنئي، واتسعت دائرة الخلاف منذ 2018، وكان الأسلوب المتبع قبل التوترات المسلحة هو أسلوب الإقصاء والتهميش؛ خصوصاً في الموارد المالية.
منذ ذلك الوقت، توالت محاولات إصلاح الحشد الشعبي بضغوط من الفئات المهمشة أو حتى من الحكومة دون جدوى؛ بسبب عناد متأزم بين الطرفين يزداد ضراوة مع الوقت، على الرغم من قرار التعديل وطرح مسألة الهيكلة، فضلاً عن قدرة الحكومة على اتخاذ قرارات أكثر جرأة تتمثل في فك الارتباط بين العلاقات المتشابكة بين الحشد وولاءاته الخارجية، أو حتى القدرة على نزع سلاح الفصائل واحتكاره بيد الدولة.
في آخر كلمات الراحل ببحثه الذي كان أشبه بـ “مانفيستو” اليأس من تحسُّن الأوضاع في العراق، دعا إلى ضرورة وضع معايير محددة وواضحة لقوة الحشد الشعبي المتعاظمة، وطبيعة المناصب التي يستحوذ عليها، باختصار: ضرورة أن يستعيد جسد الدولة العراقية عافيته، ودستور البلاد هيبته، قبل أن تحول بين الوطن وأبنائه رصاصاتُ حرب الوكالة الطائشة.
اقرأ أيضًا: خبراء يتحدثون إلى “كيوبوست” عن سيناريوهات المواجهة الإيرانية- الأمريكية بالعراق

يمثل اغتيال المحلل الأمني هشام الهاشمي “ضربة للكلمة الحرة والنخبة التحليلية الموضوعية؛ والتي هي في العراق نادرة، بسبب التحديات الأمنية ومخاطر التصفية”، حسب الإعلامي العراقي زيد عبدالوهاب الأعظمي، وهو أيضاً “صفعة مباشرة لحكومة مصطفى الكاظمي في تحدي الدولة وفرض سلاحها وهيبتها على الفصائل المسلحة الولائية”. واليوم الحكومة عملياً “خسرت التحدي، ولم تكن بمستوى مسؤولية التعامل مع أزمة اغتيال الهاشمي حتى اللحظة”، وفق قوله.
يتفق شاهو القرة داغي مع هذا الطرح، لافتاً إلى أن حادثة الاغتيال وبهذه الطريقة المألوفة لدى العراقيين تؤكد أن الوضع الأمني والاستخباراتي لا يزال هشاً في العراق، وأن هناك اختراقاً أمنياً كبيراً يسمح لمجاميع إرهابية بارتكاب مثل هكذا جرائم بحق شخصيات معروفة والفرار لاحقاً “في ظل عجز واضح للأجهزة الأمنية عن السيطرة على الوضع وملاحقة الفاعلين”.
لقراءة تقرير “الخلاف الداخلي في هيئة الحشد الشعبي”: اضغط هنا