
كيوبوست
صار لزامًا على الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، التفكير مجددًا في مسألة شعبيته وشعبية حزبه العدالة والتنمية، بعد أن فازت المعارضة برئاسة بلدية إسطنبول في الانتخابات التى تمت إعادتها بطعون من حزب أردوغان وبضغوط شخصية منه؛ لما تمثله إسطنبول من أهمية في تركيا وفي حياة الرئيس التركي السياسية، وما تؤكده نتيجتها من ضعف حزبه إن فازت المعارضة بهذا المقعد، وهو ما حدث فعلًا وللمرة الثانية خلال 3 أشهر، وبفارق كبير هذه المرة لصالح المعارضة.
وتعد الهزيمة الثانية لأردوغان في المدينة ثقيلة جدًّا بعد أن حكمها حزبه لمدة 20 عامًا تقريبًا، وقدَّم “العدالة والتنمية” طعونًا كثيرة على نتائج إسطنبول؛ ما أدى باللجنة العليا للانتخابات إلى إلغاء النتيجة وإقرار إعادة التصويت الذي جرى في 31 مارس الماضي؛ ظنًّا من الرئيس التركي أن سكان إسطنبول البالغ عددهم 10 ملايين، سيختارون حزبه ومرشحه علي يلدريم، لرئاسة المدينة التجارية المهمة، لكن نتائج الأحد الثالث والعشرين من يونيو الجاري، أثبتت عكس هذا تمامًا، وفاز المعارض إمام أوغلو، بالمنصب على مرشح أردوغان علي يلدريم.
اقرأ أيضًا: تركيا مرفوضة “دائمًا” من الاتحاد الأوروبي
نكسة كبيرة
قبل الإعادة، تحدَّث الرئيس التركي مجددًا حول “من يفوز بإسطنبول يفوز بتركيا“، وهاهو يفوز بها مرشح المعارضة أكرم إمام أوغلو، فهل يفقد أردوغان تركيا إثر ذلك؟
عدّت “بي بي سي” أن ما حدث في الانتخابات “نكسة كبيرة لأردوغان، الذي قال في السابق إن مَن يفوز في إسطنبول، يفوز بتركيا”، ونقلت عن الفائز إمام أوغلو، قوله “إن الفوز بداية جديدة للمدينة وللبلاد كلها، ستكون هناك عدالة وحرية”. وتضيف “بي بي سي” أن أوغلو تقدَّم في الإعادة على منافسه من حزب أردوغان بفارق 775 ألف صوت بدلًا من 13 ألفًا في المرة السابقة.
ويقول مارك لوين، مراسل “بي بي سي” في تركيا، إن نتيجة إسطنبول “تثبت أن أردوغان ارتكب خطأ كبيرًا بطلبه إعادتها، وأنه تلقَّى أكبر ضربة في حياته المهنية من خلالها. وقد تُحدث نتيجة إسطنبول انقسامات في حزبه؛ ما يُعجل بالانتخابات المقرر لها عام 2023، فقد عرفت المعارضة أخيرًا كيف تواجه الرئيس”.
“لقد أكد المصوتون أنهم غير سعداء بسياسته”، هكذا وصفت وكالة أنباء “رويترز” نتيجة انتخابات إسطنبول (54% لصالح إمام أوغلو)، وقال الفائز أوغلو أمام مناصريه إنه سيبني المستقبل معهم بعد الفوز برئاسة المدينة الأهم في تركيا. وأكدت “رويترز” أن الناخبين كانوا مندفعين بالركود الاقتصادي، وسيطرة أردوغان المتشددة على الحكومة، وكذلك تراجع الليرة التركية بعد قرار إلغاء تصويت مارس الماضي في إسطنبول وإعادة الانتخابات في يونيو؛ حيث تراجعت الليرة بنسبة 8%، بسبب التوتر الانتخابي الذي أحدثه أردوغان. وقالت واحدة من السيدات في إسطنبول للوكالة: “إن هذه الانتخابات وضعت حدًّا للديكتاتورية”.
اقرأ أيضًا: مشروعات أردوغان التي لم تحل أزمات تركيا الاقتصادية
ضربة قوية
“كانت احتفالات أنصار إمام أوغلو في الشوارع مبررة بعد نتيجتهم الملغاة في مارس الماضي”، هذا ما أشارت إليه “سي إن إن“، في تغطيتها لفوز المعارضة ببلدية إسطنبول، وحصول مرشح أدروغان على 45% من مجموع أصوات الناخبين، الذين شاركوا بنسبة وصلت إلى 99% من إجمالي سكان المدينة.
وأضافت الشبكة أن أردوغان تلقَّى ضربة قوية بعدما كان يأمل لفترة طويلة في أن تتغيَّر نتيجة التصويت التي حصل عليها حزبه في مارس الماضي، “تحدَّى حزب العدالة والتنمية السباق، مدعيًا الاحتيال، وبقرار مثير للجدل أُلغيت النتيجة؛ من أجل إجراء تصويت جديد”.
وبذلك خسر الرئيس التركي وحزبه أهم 3 مناطق في تركيا: أنقرة وإسطنبول وأزمير، وسببت خسارة الثانية ألمًا كبيرًا لأردوغان؛ حيث بدأ حياته السياسية فيها، وشهدت المدينة وقتها نهضة كمؤشر للاقتصاد الناشئ، لكن يبدو أن هذا لم يعد موجودًا الآن.
“نيويورك تايمز” أكدت أن نتيجة الانتخابات المعادة تنهي سيطرة وهيمنة حزب أردوغان على المدينة، و”تشق هالة الرئيس الذي لا يُقهر”، وتدل على ضعف قبضته على السلطة بعد 16 عامًا منها.
كما تضع النتيجة، حسب الصحيفة، رئيس تركيا في موقف ضعيف في وقت تتوتر فيه علاقته بالولايات المتحدة الأمريكية ودول أخرى؛ حيث يتوجه إلى قمة العشرين وهو يخطط لمحادثات مع ترامب؛ لإنهاء الأمور الخلافية.
اقرأ أيضًا: تركيا تعبث بالقانون الدولي في غاز المتوسط
قضايا حساسة
وتقول “الجارديان” إنه على الرغم من أن إمام أوغلو لم يكن معروفًا بشكل كبير قبل انتخابات مارس الماضي؛ فإنه بعد إلغاء النتيجة وقرار إعادتها أصبح “منافس أردوغان كأمل جديد للديمقراطية التركية”.
“واشنطن بوست” قالت إن خطاب الانتخابات الذي تزعمه أردوغان، عطَّل المفاوضات مع أنقرة في قضايا حساسة؛ مثل: سوريا، وأزعج حلفاء تركيا، وهو أمر اشتكى منه مسؤولون أمريكيون. وتضيف الصحيفة أن “الهدايا الأسطورية لأردوغان، بما فيها قدرته الشخصية على التأثير في الانتخابات وتعبئة المؤيدين، أخفقت بشدة”.
ودخل إمام أوغلو عالم السياسة المحلية عام 2009 حينما أصبح عمدة لحي بيليك دوزو، ونجحت حملته منخفضة التكاليف في الوصول إلى الناخبين؛ بما اكتسبه من سمعة كمدير كُفء ومنفتح على الآخرين، وقد فاز في إسطنبول التي يقول أردوغان عن الفائز بها إنه فاز بتركيا.. فهل يفعلها إمام أوغلو يومًا ما؟