مقالات
هذا ما انتهى إليه تهديد وزير خارجية قطر للجزائر؟!

بقلم: علي الديراوي
شاهدنا جميعاً وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، وهو يرفض مصافحة وزير خارجية قطر، عندما مدّها الأخير إليه، بطلب من وزير الخارجية التركي!
وقعت الحادثة على هامش اجتماع وزاري في نيويورك بشأن الأزمة السورية.
تجاهُل الجبير للوزير القطري، أرجع ذاكرة البعض للوراء؛ للأيام التي كانت فيها قطر تصول وتجول في التحريض وضرب استقرار الدول العربية، وتذكّرنا معها اليوم، التهديد الذي وجهه وزير خارجية قطر السابق حمد بن جاسم، قبل أربع سنوات، لوزير الخارجية الجزائري، عندما خاطبه بن جاسم مهدداً وتحت قبّة الجامعة العربية: لا تناقش كثيراً .. الدور جاي عليكم!
كان التهديد في تلك السنة الساخنة يحمل مدلولات كثيرة، عن حروب أهلية انتشرت في الدول العربية، وجيوش عربية مستهدفة في وحدتها، وتدخلات غربية وأجنبية عسكرية وناعمة، ترسم مصير الدول.
ما استدعى الوقوف عنده في محاولة “المصافحة” تلك، أنها لم تأتِ من قرارة نفس الوزير القطري، بل جاءت بعد “وشوشة”في أذنه من قبل الوزير التركي، فامتثل الوزير القطري للأمر، ومدّ يده، التي عادت خائبة، ثم أكمل الحضور وقفتهم، وقد رسموا ابتساماتهم لالتقاط صورة تذكارية، بعكس الوزير القطري الذي ظل مهزوزاً وفي حالة من اللايقين.
تبدّل الزمن منذ بداية ما يسمى بـ”الربيع العربي” إلى الآن، فقطر الطامحة للعب دورِ قيادي على حساب أمن الآخرين ووجودهم، سخّرت كل إمكانياتها لحرف مسار ثورات الشعوب المُطالبة بالديمقراطية.
وفي مرحلة متأخرة من نزول الناس للشارع بشكل عفوي، رافعين مطالبهم المشروعة، قامت هي بتسخير قدراتها المالية والإعلامية، لدعم صعود من لا يؤمنون بالديمقراطية أصلاً، وأحدثت من خلالهم انقساماً شعبياً ورسمياً في الشارع العربي، تحوّل فيما بعد إلى صراع أهلي، امتلأت فيه شوارع دول “الربيع” بالأسلحة بدلاً من اليافطات السلمية!
فقدت قطر اليوم الكثير من الأوراق التي كانت تستخدمها منذ سبع سنوات، وقدرتها الإعلامية التي كانت ترسم وتخطط لمستقبل المنطقة وفقاً لطموحها الخاص، ووقفت اليوم عاجزة وفي زاوية الدفاع عن النفس.
أما أدواتها من حزبيين وأفراد قاموا بتسييس الدين، وأشهروه على رؤوس الحراب، فقد تكشّفت مخططاتهم أمام الشعوب، وظهرت صورتهم الحقيقية واضحة بعدما أساءوا للحرية وللشعارات الدينية التي رفعوها؛ لمّا جعلوا من الدين الإسلامي مرادفاً للإرهاب والرجعية، وقطع الرؤوس، وتقسيم البلاد إلى كانتونات طائفية، ولم يستفد من وجودهم في البلدان العربية سوى الاحتلال الإسرائيلي على أرض فلسطين، الذي حاول إسقاط صورتهم الدموية على طبيعة الإنسان العربي والمسلم في كل مكان.
بعد سنين من الانفلات السياسي، وتسييس الدعم المالي والإعلامي، الذي أصاب عمق وأطراف الدول المستقرة، عادتْ قطر اليوم لتنكفىء داخل حدودها، ليس هذا فحسب، بل أنها وفي عصر انتهتْ فيه معظم الاحتلالات المباشرة في العالم، باتت تستجدي الأجنبي الأقوى منها لإقامة قواعد عسكرية على أراضيها.
فهل صدق حمد بن جاسم عندما هدد الجزائر بالدور؟
يبدو أن الدائرة هي التي دارت حول من يرسمها!. وهو ما ظهر عملياً في الخطاب الأخير للأمير تميم من على منبر الأمم المتحدة، سمعناه وهو يلقي على أقرانه من الرؤساء خطبة مرتبكة مليئة بالتبريرات، ربما نتيجة لصورة ذهنية ارتبطت في مخيلته، وارتدت عليه بعد أن كان هو راميها، لأن الديمقراطية التي استخدمها نظامه كحجّة لبسط نفوذ الإمارة الصغيرة، قد وصلت صورتها “الحقيقية” إلى عقر الدولة القطرية، بعدما صار لقطر وفي آخر أشواط الربيع العربي، معارضة “نخبوية” تطالب بحقوقها الديمقراطية والمدنية، وتحاول وقف تسخير قطر لإمكانياتها وثرواتها في خدمة الإرهاب، ومن ثم تحرير وطنهم من القواعد العسكرية الأجنبية التي ترابض فيه.