الواجهة الرئيسيةشؤون عربية

هجوم على “حماس” بسبب “الكريسماس”!

حركة حماس تصدر قراراً بمنع احتفالات عيد الميلاد في غزة.. ومسؤولو "فتح" يصفونه بالقرار الظلامي الذي يعمل على تفتيت وحدة ونسيج الشعب الفلسطيني

كيوبوست – مصطفى أبو عمشة

أثار التعميم الصادر عن أوقاف غزة التابعة لحركة حماس، والذي يدعو إلى الحد من التفاعل مع احتفالات الكريسماس، حالة من الجدل الواسعة في الساحة الفلسطينية، وعبَّر البعض عن حالة من الاستهجان الكبير لهذا الموقف الذي يمسّ النسيج الوطني الفلسطيني، حسب وصفهم.

التعميم الرسمي الصادر عن وزارة أوقاف غزة التي تديرها “حماس” عمد إلى إقرار سلسلة من الإجراءات والفعاليات التي تنفذها دائرة الوعظ والإرشاد؛ للحدّ من فعاليات أعياد الميلاد خلال الأسبوعَين القادمَين للطائفة المسيحية في القطاع.

عضو اللجنة المركزية لحركة فتح ووزير الشؤون المدنية حسين الشيخ، وصف قرار منع الاحتفالات بأعياد الميلاد في غزة بـ”القرار الظلامي”.

اقرأ أيضاً: حماس “تقاوم” غزة

وأضاف الشيخ، عبر حسابه على “تويتر”: “قرار منع الاحتفالات بأعياد الميلاد في قطاع غزة هو قرار ظلامي، لا يمت إلى أخلاقيات شعبنا الدينية والوطنية والاجتماعية بصلة”، معتبراً القرار بأنه إشاعة للفكر التكفيري الظلامي ويضرب أسس وحدة شعبنا واحترام العقائد والأديان وحرية الرأي والمعتقد.

أيديولوجية تستهدف وحدة الشعب الفلسطيني

وترى فئة كبيرة في المجتمع الفلسطيني أنه منذ أن وجدت حركة حماس في المشهد الفلسطيني، وقبل إعلانها الرسمي عام 1988 عن نفسها، ومنذ زمن المجمع الإسلامي، وهي تعمل على تفتيت وحدة الشعب العربي الفلسطيني، الذي لم يعرف على مدار تاريخ وجوده مثل تلك السياسات؛ فالذي يظهر أن الأيديولوجيا التي تتحرك من خلالها الحركة لا تعترف بالرؤى الوطنية والمسارات القومية؛ بل تعمل على خلق التمييز بين أتباع الديانات السماوية في الوطن الواحد.

تزيين شجرة عيد الميلاد خارج كنيسة العائلة المقدسة في غزة- (وكالات)

ويؤكد هذه الرؤية عضو المجلس المركزي الفلسطيني لمنظمة التحرير الفلسطينية د.عمر حلمي الغول، وذلك في حديث خاص إلى “كيوبوست”، مشدداً على أن الفلسطينيين لم يفرقوا على مدار التاريخ بين مواطن ومواطن إلا بمقدار انتمائهم الوطني، ولم يقعوا في خطيئة التمييز على أساس الدين أو الطائفة أو المذهب ولا العرق أو اللون أو الجنس؛ لأنهم جميعاً سواسية كأسنان المشط، شركاء في الدم والمصير والدفاع عن القضية والمشروع الوطني، ومتوحدون في مواجهة المشروع الصهيوني، مشيراً إلى أنه “لا فرق بين مسيحي ومسلم، ولا بين شركسي ودرزي؛ لأن هدفهم واحد، ومشروعهم واحد يتمثل في الوصول إلى الحرية والاستقلال والعودة وتقرير المصير”.

اقرأ أيضاً: احتجاجات “لقمة العيش” مستمرة .. وقمع “حماس” مستمر

عمر حلمي الغول

ويصف الغول الإجراء الأخير الذي قامت به “حماس” بأنه “عنوان من عناوين التفرقة والتمييز العنصري البغيض”، والذي تعمل عليه الحركة منذ نشأتها؛ وهو ما تمثل مؤخراً بالتحريض على أبناء الشعب من أتباع الديانة المسيحية، الذين يستعدون للاحتفال بذكرى ومناسبة عيد الميلاد المجيد الموافق 24 و25 من كل عام؛ حيث عمدت الحركة على تأليب الجماهير الفلسطينية بعضها على بعض، ونشر الفتنة والبغضاء من خلال دائرة الوعظ والإرشاد التابعة لـ”وزارة الأوقاف” الحمساوية.

ويؤكد الغول في هذا السياق، أن حملة التحريض التي وصفها بـ”الرخيصة والجبانة” تهدف إلى تعميق الانقسام والشرخ الاجتماعي والديني والوطني بين أبناء الشعب الواحد الموحد، متسائلاً: “إذا كنتم لا تقبلون القسمة على كل أبناء الشعب، كيف لكم أن تقبلوا بالمصالحة والوحدة الوطنية؟ أليست هذه الجريمة الجديدة القديمة دليلاً جديداً على رفضكم لوحدة الشعب والقضية والأهداف الوطنية؟”.

اقرأ أيضاً: “حماس” ومأزق المقر الخارجي.. هل تركيا البيت الأخير؟

ويرى الغول أن التعميم الأخير الذي أصدرته حركة حماس عبر وزارة الأوقاف التابعة لها في قطاع غزة، هو بمثابة رسالة واضحة لفصائل العمل الوطني، ولبعض رجال الدين المسيحيين، الذين تمت رشوتهم، وشراء صمتهم على الانتهاكات الخطيرة التي ارتكبتها وترتكبها الحركة في القطاع، كما أنها بمثابة رسالة للنخب السياسية والثقافية ومنظمات المجتمع المدني، التي تهرب من مسؤولياتها في فضح وتعرية ممارسات وانتهاكات حركة حماس ضد أبناء الشعب عموماً وأتباع الديانة المسيحية خصوصاً، وهي رسالة لأدعياء الوحدة من الحمساويين لمراجعة أنفسهم، ليعيدوا النظر بسياسات حركتهم.

المسيحيون جزء أصيل في المجتمع الفلسطيني

المسيحيون في فلسطين هم جزء أصيل في المجتمع الفلسطيني، وجزء مهم من النسيج المجتمعي، لهم حقوقهم الكاملة؛ ومنها الحق في العبادة والاحتفال بالمناسبات الدينية، واحتفالات أعياد الميلاد ليست بالشيء المستحدث؛ هذا ما يؤكده ذوقان قيشاوي، الناشط المجتمعي والخبير في القضايا الاجتماعية، مشيراً إلى أنه في كل عام تُقام هذه الاحتفالات للتعبير عن الفرح والسرور والأمل، ولها ارتباط وثيق بميلاد السيد المسيح.

اقرأ أيضاً: تناقص أعداد المسيحيين في قطاع غزة.. تمييز ديني ومعاناة تحت الاحتلال

ويضيف قيشاوي، في حديثه الخاص إلى “كيوبوست”: “نحن مجتمع متنوع ومتعدد، ولا يحق لأية جهة كانت أن تفرض رأيها، وتطلق العنان لذاتها بأن تنصب نفسها وصية على المجتمع الفلسطيني، فبأي حق نقوم بمنع ومجابهة المسيحي للاحتفال بواحد من أهم الأعياد الدينية؟ ومَن يعطينا الصلاحية لأن نقوم بذلك؟ إن الاحتفالات بأعياد الميلاد لا تحمل أية صبغة تبشيرية كي يقوم البعض بالتقاطها لتكون مبرراً لوضع الخطط الاستراتيجية لمجابهتها”.

ذوقان قيشاوي

ويرى قيشاوي أنه من الواضح أننا وصلنا إلى حالة من التشدد، وعدم تقبُّل الاختلاف؛ لنتخيل أن هناك جهة ما أصدرت قراراً بمجابهة احتفال المسلمين في عيد الأضحى، ومنع صلاة العيد، والأضحية ومظاهر الفرح، متسائلاً في الوقت نفسه: “كيف نتصرف؟ وكيف سنعبر عن موقفنا؟ نحن بحاجة ملحة إلى مراجعة ذاتنا، وتعزيز أواصر المحبة بين كل مكونات المجتمع؛ نحن بحاجة إلى أن نعيد إلى هذه البلاد الأصالة والحب والتسامح والمشاركة”، مشدداً على أنه يجب أن تتم مساءلة القائمين على قرار وزارة الأوقاف في قطاع غزة، والذي يعبر عن رأيهم الشخصي وليس الرأي المجتمعي، مشيراً إلى أن “المسيحي هو جاري، وهو صديقي، وهو شريكي؛ وهو أصل هذا البلد”؛ فلا بد من مشاركتهم الاحتفال في أعياد الميلاد وتهنئتهم بها كل عام، مختتماً حديثه بالقول: “لنصل إلى الله؛ كي يكون السلام والسلم الأهلي أملاً لنا جميعاً”.

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مصطفى أبو عمشة

باحث وكاتب صحفي فلسطيني مهتم بشأن الشرق الأوسط والإسلام السياسي

مقالات ذات صلة