الواجهة الرئيسيةثقافة ومعرفةشؤون دولية

نيلسون مانديلا.. الثائر في وجه نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا

كيوبوست- مدى شلبك

عرضت حكومة جنوب إفريقيا على السياسي الثوري نيلسون مانديلا، إطلاق سراحه مقابل التخلي عن الكفاح المسلح؛ لكن مانديلا الذي كان محكوماً بالسجن المؤبد، آثر البقاء مع رفاقه والتمسك بالنهج، إلى أن أُطلق سراحه في 11 فبراير 1990م، بعد 27 عاماً قضاها في السجن بتهمة الخيانة؛ بسبب نضاله من أجل دولة ديمقراطية متعددة الأعراق في جنوب إفريقيا.

وكافح مانديلا طوال حياته نظامَ الفصل العنصري في بلاده؛ حيث حكمت أقلية بيضاء جاء بها الاستعمار البريطاني، السود الذين كانوا يشكلون 80% وغيرهم من الملونين، وجردتهم من ثرواتهم وحريتهم، وفرضت قوانين فصلت السكان بناء على العرق، فتشكَّل تيار رافض لنظام الفصل العنصري، ومطالب بالحرية والكرامة، وكان مانديلا ورفاقه وجهه الأبرز.

طفولة مضطهدة

نشأ مانديلا في ظل نظام عنصري جرَّده حتى من اسمه؛ بسبب لون بشرته، فقد وُلِد في قرية مفيزو في جنوب إفريقيا بتاريخ 18 يوليو 1918م، باسم “روليهلاهلا داليبونغا مانديلا”، لكن معلمه في الصف الأول الابتدائي أعطاه اسم نيلسون؛ وهو عادة شائعة مارسها البيض في الدولة الواقعة تحت سيطرتهم لأسباب عنصرية. كما جرَّد النظام والد مانديلا، الذي كان زعيم قبيلة “Thembu”، من لقبه وأرضه.

اقرأ أيضاً: كيف تكشف الأزمة الأوكرانية عن “العنصرية اليومية” في أوروبا وخارجها؟

في شبابه، توجَّه مانديلا إلى الجامعة الوحيدة للسود في البلاد؛ فورت هير، حيث بدأ نشاطه الثوري، ونتيجة احتجاجه على افتقار الطلبة إلى السلطة، تم طرده من الجامعة؛ لذا فرَّ شمالاً إلى سويتو، أكبر مدينة للسود في جنوب إفريقيا عام 1941م، وهناك التحق بجامعة ويتس كطالب قانون بدوام جزئي.

أسس مانديلا أول شركة محاماة سوداء في البلاد؛ حيث قدَّم تمثيلاً مجانياً أو ميسور التكلفة للسود الذين تحدُّوا قوانين الفصل العنصري، كما انضم إلى المؤتمر الوطني الإفريقي؛ مجموعة دافعت عن الحقوق المدنية للسود في جنوب إفريقيا.

العمل الثوري

طرأ تغير عالمي مهم في عام 1948م؛ انتهاء الحرب العالمية الثانية واقتراب نهاية الاستعمار معها، وخوفاً من التغيير القادم، أصبحت حكومة جنوب إفريقيا أكثر عنصرية وتطرفاً، فاعتمد الحزب الحاكم نظام الفصل العنصري كقانون في دستور البلاد.

وقضى القانون بوجوب حمل الأفارقة بطاقات الهوية في جميع الأوقات والأماكن، ليتمكنوا من التنقل ودخول المناطق المخصصة للبيض، وألزمهم بالعيش في مناطق سوداء بالكامل؛ فقد أصدرت الحكومة مرسوماً يقضي بتقييد مناطق حضرية معينة بسبب العرق، كما منع القانون الأعراق من الدخول في علاقات في ما بينهم، وحرمهم من حق المشاركة السياسية، واستُبعدوا من قوائم الناخبين، وفي النهاية تم حرمانهم من حق التصويت.

كانت تلك القرارات العنصرية سبباً دفع مانديلا ورفاقه في حزب المؤتمر الوطني الإفريقي، لتنظيم تحركات غير عنيفة؛ مثل الإضرابات والمظاهرات، للاحتجاج على الفصل العنصري. في عام 1952م، قاد مانديلا حملة التحدي التي شجعت السود على انتهاك القوانين العنصرية، كركوب حافلات البيض ورفضهم حمل بطاقات الهوية وغيرها. قابلت الحكومة الحملة بالقمع والعنف، وأطلق أفراد الشرطة النار على المتظاهرين وقتلوا بعضاً منهم، كما اعتقلوا أكثر من ثمانية آلاف شخص؛ لخرقهم القوانين، من بينهم مانديلا.

مانديلا يغني مع مؤيديه وزملائه خلال أول محاكمة له بتهمة الخيانة- Peter Magubane/AP

بعد قضاء عقوبته، واصل مانديلا قيادة الاحتجاجات ضد الحكومة، وأصبح يعتقد بضرورة الكفاح المسلح، فشكَّل هو وآخرون مجموعة مقاومة مسلحة تُسمى Umkhonto weSizwe (رمح الأمة)، وغادر البلاد لتلقي التدريب العسكري من قِبل جبهة التحرير الوطني الثورية الجزائرية في المغرب؛ حيث التقى مقاتلين جزائريين عام 1962م، كما قابل قادة ومجموعات إفريقية أخرى تقاتل من أجل التحرير؛ لكسب دعمهم.

نيلسون مانديلا إلى اليسار مع قادة الجيش الجزائري عام 1962م- Keystone-france/Getty Images

وعند عودة مانديلا إلى البلاد، تم القبض عليه وإدانته؛ بسبب مغادرة البلاد دون تصريح عام، وأثناء اعتقاله وجدت الشرطة وثائق حول خطته لتنظيم حرب عصابات، فسُجن ورفاق له، وجرت محاكمته في محاكمة ريفونيا عام 1964م.

اقرأ أيضاً: 3 طرق: كيف تصبح قائدًا ملهمًا كنيلسون مانديلا؟

وبينما كان مانديلا ورفاقه يتوقعون حكماً بالإعدام، حُكم عليهم بالسجن المؤبد بتهمة الخيانة، وذلك بعد أن حوَّلوا محاكمتهم إلى بيان، ألقى خلاله مانديلا خطاباً استمر أكثر من ثلاث ساعات، نيابة عن الدفاع، وقال فيه: “إن الافتقار إلى الكرامة الإنسانية التي يعيشها الأفارقة هو نتيجة مباشرة لسياسة تفوق البيض”، وأضاف: “نضالنا وطني حقاً؛ إنه كفاح للشعب الإفريقي، مستوحى من معاناتنا وتجربتنا الخاصة.. إنه صراع من أجل الحق في الحياة”. وأكد مانديلا أنه كان ملتزماً بالمثل العليا للمجتمع الحر، وإذا لزم الأمر فإنه مستعد للموت من أجله.

نضال في المعتقل

سُجن مانديلا في معتقل شديد الحراسة في جزيرة روبن، لا يضم إلا معتقلين ملونين، وهناك عومل المعتقلون السود بدونية أكبر من الآخرين، فقد كان طعامهم أسوأ، وأجبروا، دون غيرهم، على ارتداء السراويل القصيرة والصنادل؛ حتى في الشتاء.

كما حُكم على مانديلا ورفاقه بالأشغال الشاقة؛ إذ أمضوا أكثر من عقد في تكسير الصخور، ومنهم مَن تعرَّض إلى الاعتداء والتعذيب من قِبل الحراس، كما انقطعوا عن العالم الخارجي تقريباً، فقد سمح لمانديلا بإرسال واستقبال رسالتَين خلال العام الواحد، فرضت عليهما رقابة عالية، إضافة إلى زيارة واحد لمدة 30 دقيقة فقط، بينما كان على ابنتَيه الوصول إلى عمر الـ16 لتتمكنا من زيارته، وقد حُرم مانديلا من حضور جنازة والدته، وأحد أبنائه الذي توفي في حادث سيارة عام 1969م.

سجناء يكسرون الحجارة في جزيرة روبن عام 1964م- Daily Express London/Cloethe Breytenbach

تحوَّل نضال مانديلا إلى داخل السجن؛ فقد كافح ورفاقه لتحسين الظروف وضمان الحقوق لجميع السجناء، بغض النظر عن العرق، وفي عام 1966م انتزع السجناء السود الحق في ارتداء سراويل طويلة بدلاً من السراويل القصيرة. وحصل السجناء على مكتب في زنازينهم، وحق لعب كرة القدم والتنس والكرة الطائرة، وعزف الموسيقى وتنظيم حفلات موسيقية، كما زرعوا حديقة صغيرة.

مانديلا يخيط ملابس رفاقه بالسجن- Express Newspapers/Getty Images

ومع أن رئيس جنوب إفريقيا بي دبليو بوتا، عرض على مانديلا إطلاق سراحه مقابل تخليه عن العمل المسلح، في محاولة لنزع فتيل المعارضة؛ إلا أن مانديلا رفض العرض متمسكاً بإنهاء نظام الفصل العنصري.

التحرر

بمرور الوقت أصبحت حكومة دولة جنوب إفريقيا منبوذة على مستوى العالم؛ لعنصريتها، وظهرت مطالبات عالمية لإخراج مانديلا من السجن، ونتيجة للوضع القائم ولتجنب حدوث حرب أهلية، تعهد الرئيس الجديد لجنوب إفريقيا فريديريك دي كليرك، بإنهاء الفصل العنصري وإطلاق سراح مانديلا وسجناء سياسيين آخرين من السجن في عام 1990م، وكان يبلغ من العمر 71 عاماً.

وبعد خروجه من السجن، تفاوض مانديلا مع دي كليرك على دستور جديد يسمح بحكم الأغلبية، وتم إلغاء الفصل العنصري عام 1991م، بينما تقاسم مانديلا مع دي كليرك جائزة نوبل للسلام عام 1993م.

نيلسون مانديلا وفريديريك دي كليرك يتصافحان بعد حصولهما على جائزة نوبل للسلام في أوسلو- Gerard Julien/AFP/Getty Images

وفاز حزب المؤتمر الوطني الإفريقي بأكثر من 62% من الأصوات الشعبية في انتخابات ديمقراطية عام 1994م، وأصبح مانديلا رئيساً لدولة جنوب إفريقيا بصيغتها الجديدة، لمدة خمس سنوات، وبعد تقاعده عام 1999م، ظل مانديلا نشطاً في مجال السلام والعدالة الاجتماعية وحل النزاعات على مستوى دولي، وعمل على القضاء على الفقر وزيادة الوعي بفيروس نقص المناعة البشرية الإيدز.

جرى تكريم مانديلا في العديد من الاحتفالات في جنوب إفريقيا وبريطانيا ودول أخرى عام 2008م، بمناسبة يوم ميلاده التسعين، الذي يُحتفل به من قِبل الأمم المتحدة كل عام، تكريماً  لإرثه، وتوفي مانديلا عام 2013م عن عمر ناهز 95 عاماً.

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة