الواجهة الرئيسيةحواراتشؤون دولية

نيكولاس ويليامز لـ”كيوبوست”: دول الناتو تصر على عدم انتصار روسيا بالحرب في أوكرانيا

تحدث المسؤول البارز السابق في الناتو عن تأثير الحرب الروسية - الأوكرانية على حلف الناتو، وتداعيات اختلاف وجهات النظر بين دوله حول طريقة التعامل مع الحرب، وانعكاساتها على مستقبل الحلف..

كيوبوست- أحمد عدلي

نيكولاس ويليامز

أكد المسؤول السابق في الناتو، والزميل المشارك أول بشبكة القيادة الأوروبية، نيكولاس ويليامز، أن الحرب الروسية الأوكرانية أعادت حلف الناتو إلى ما كان عليه إبّان الحرب الباردة، وأن الحرب وحدت الحلفاء إلى حدٍّ ما، لكنها أبرزت الاختلافات، خاصةً بين فرنسا والولايات المتحدة، في ظل رغبة باريس بأن تعبِّر أوروبا عن مواقفها الخاصة عندما تكون المصلحة الأوروبية مختلفةً عن المصالح الأمريكية.

وقال ويليامز، في مقابلةٍ خاصة مع “كيوبوست”، إن روسيا صمدت أمام العقوبات بشكلٍ أفضل مما اعتقد معظم المراقبين والمحللين، وفي حال استمرت الحرب إلى العام المقبل أو إلى 2025 سيكون هناك حالة إنهاك، بسبب الوضع الاقتصادي في أوروبا، مستبعداً وجود أي استعداداتٍ لاندلاع حربٍ عالميةٍ ثالثة، لكن في الوقت نفسه توقع أن يكون هناك تصعيدٌ ينحصر داخل أوكرانيا، وإلى نص الحوار…

نيكولاس ويليامز

في مسيرته المهنية التي استمرت على مدار أكثر من أربعة عقود، بدأ نيكولاس وليامز عمله بوزارة الدفاع البريطانية قبل أن ينخرط في بعثات الناتو، ويتقلد مناصب عليا داخل هذه البعثات، كان آخرها رئاسة العمليات في أفغانستان والعراق، لينتقل بعد تقاعده من الحلف للعمل كزميلٍ مشارك أول بشبكة القيادة الأوروبية.

* دعنا نبدأ الحوار من الحديث عن أسباب اختلاف مواقف دول حلف الناتو إزاء التعامل مع روسيا منذ بداية الأحداث العام الماضي؟

– هناك اختلافات بين دول حلف الناتو فيما يتعلق بأوكرانيا؛ لكنها اختلافاتٌ طفيفة، تصر دول الناتو على عدم انتصار روسيا في عدوانها على أوكرانيا، وبالطبع؛ بعض الدول ستفضل حلاً دبلوماسياً؛ ولكن لا توجد دولة تضغط من أجل حل دبلوماسي ما دامت روسيا تسيطر على الكثير من الأراضي الأوكرانية.

* ما رأيك في رد الفعل الروسي بعد انضمام فنلندا إلى الناتو؟

– اتسم الموقف الروسي بالغضب والإعلان عن تدابير مضادة سيتم اتخاذها، وهي تدابير ستكون مرتبطة بزيادة الاستعداد العسكري بمرور الوقت والتواجد على طول الحدود الفنلندية، فالرئيس الروسي فلاديمير بوتين لم يتوقع رد فعل الفنلنديين بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، هم رفضوا عدم الانحياز والحياد، والآن لا تواجه روسيا أوكرانيا فحسب؛ بل ستواجه حلف ناتو أقوى على حدودها، وهو الشيء الذي لم تكن تريده، لكنه حدث نتيجة سوء تقدير كبير من روسيا.

* هل تتوقع أن تنجح السويد في الانضمام إلى الحلف؟

– السويد مستعدة لأن تكون عضواً في الناتو، ودول الحلف لديها أمل في أن يلين موقف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بشأن موقفه من السويد خلال القمة المقبلة المقررة في ليتوانيا بعد انتخابات الرئاسة التركية.

يدعم الرئيس الأمريكي انضمام السويد إلى الناتو- وكالات

* لكن المجر أيضاً رفضت انضمام السويد إلى الناتو وليس تركيا فقط؟

– لن تصمد المجر بمفردها حال تغير الموقف التركي، فالدعم الذي أظهرته للموقف التركي ارتبط بالمشكلات بينها وبين أوكرانيا، وحال ما خفَّفت تركيا موقفها فيما يتعلق بالسويد، فإن الحكومة المجرية ستوافق كما حدث مع فنلندا.

    اقرأ أيضاً: كلارك كوبر لـ”كيوبوست”: روسيا فوجئت بوحدة حلف الناتو في دعم أوكرانيا

* ما تأثير التنسيق التركي- الروسي على موقف الناتو من الحرب؟

– ثمَّة إحباط بين دول الناتو، خاصةً دول شمال أوروبا، فيما يتعلق بتركيا التي تعتبر حليفاً قديماً، لكن خلال قمة مدريد العام الماضي، ومع اتفاق جميع الدول؛ بما فيها تركيا على أن روسيا هي التهديد الأكثر إلحاحاً الذي يواجه الناتو، فإن الموقف التركي بشأن انضمام السويد محبط للدول الأوروبية والولايات المتحدة، لأن السويد ستكون إضافةً قويةً جداً لقوة الناتو، ومعارضة تركيا لانضمامها يكتنفه التناقض.

* في الناتو، نرى تبايناً في الآراء بين الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وتركيا، كيف يمكن لحلف الناتو التغلب على هذه المشكلة؟

– لطالما واجه حلف الناتو داخلياً توتراتٍ وخلافات، وأدَّى غزو أوكرانيا من قِبل روسيا إلى توحيد الحلفاء إلى حدٍّ ما، لكن أبرز الاختلافات هي بين فرنسا والولايات المتحدة بشكلٍ خاص. تريد فرنسا، ولا تزال، ليس فصل أوروبا، والاتحاد الأوروبي، عن الناتو؛ لكنها تريد أن تكون أوروبا شريكاً قوياً مع الولايات المتحدة، وأن تعبِّر عن مواقفها الخاصة عندما تكون مصلحة أوروبا مختلفةً عن الولايات المتحدة. فرنسا إلى جانب إيطاليا وإسبانيا، وربما ألمانيا، لديهم رغبة في أن تتمتع أوروبا بموقفٍ أقوى داخل الناتو لمقاومة سياسات الولايات المتحدة وضغوطها لفعل ما يتعارض مع المصالح الأوروبية، لذلك فإنهم يريدون شراكةً مع الولايات المتحدة، شراكةً أكثر مساواة مع واشنطن، وهذا هو التوتر الذي كان دائماً في صميم الحلف، لكن في السنوات الأخيرة، أصبح الأمر أكثر أهميةً.

حصلت أوكرانيا على أسلحةٍ متعددة من دول الناتو

* كيف ترى الفرق بالمعدات العسكرية المقدمة من الدول المختلفة إلى أوكرانيا؟

– لم يقدِّم الاتحاد الأوروبي كميةً هائلةً من المعدات فحسب؛ بل مساعداتٍ ماليةً أيضاً، كان حجم الإمدادات إلى أوكرانيا هائلاً، لكن المشكلة لم تكن في الكم، وإنما في التوقيت، أوكرانيا كانت تريد المعدات في وقتٍ أبكر بكثير مما تمكَّنت دول الناتو من توفيره، لذلك من وجهة النظر الأوكرانية، إنهم يطلبون ويناشدون، لكن “المعدات” دائماً ما تصل متأخرة، لذلك فإنها تصل بعد فوات الأوان، من وجهة النظر الأوكرانية، ولكن بعد مرور عام، كما ترون، كم الإمدادات والمعدات كان هائلاً وضخماً، وسوف يسهم ذلك في جعل الهجوم المضاد الأوكراني أكثر فعاليةً مما كان سيكون عليه الحال بخلاف ذلك.

* هل تعتقد أن الدعم العسكري لأوكرانيا يمكن أن يتوقف بسبب نقص المعدات العسكرية في بعض الدول، مثل ألمانيا التي أعلنت أنها سوف تؤخر تسليم بعض المعدات إلى أوكرانيا؛ لأنه ليس لديها المزيد من المعدات؟

– أعتقد أن هذه ستكون مشكلة؛ لأن الحلفاء الأوروبيين، وإلى حدٍّ ما الأمريكيين؛ خاصةً الحلفاء الأوروبيين، ليس لديهم الكثير ليقدموه لأوكرانيا، لقد بذلوا جهوداً كبيرةً لدرجة أنهم استنفدوا تقريباً ما يمكنهم تقديمه بشكلٍ فعَّال. بالنسبة للهجوم المضاد الذي سيحدث؛ حيث ستهاجم أوكرانيا القوات الروسية في الأسابيع القليلة المقبلة، لقد تم توفير المعدات اللازمة لهذا الهجوم من قِبل الحلفاء الأوروبيين والأمريكيين والكنديين من أجل تحقيق اختراق، وإذا لم يحدث هذا الاختراق، فأنا لا أعرف كيف يمكن للأوروبيين على وجه الخصوص تزويد الأوكرانيين، لأنهم استنفدوا تقريباً فائض إمداداتهم.

* إلى متى تستطيع روسيا تحمُّل التداعيات الاقتصادية والسياسية؟

– لا نعرف، لقد صمدت روسيا أمام العقوبات بشكلٍ أفضل مما اعتقد معظم المراقبين والمحللين، لكن العقوبات لا تزال تؤثر عليها، والاقتصاد الروسي يتآكل، والنمو فيه ليس قريباً، لكن مع ذلك روسيا عازمة على خوض هذه الحرب، والفوز فيها، ولديها موارد أكثر من أوكرانيا، لهذا السبب يأمل الأوكرانيون ويأمل الغرب أن تُهزم روسيا فعلياً وتُدفع بعيداً عن أوكرانيا هذا الصيف.

* هل تعتقد أن روسيا يمكن أن تقيم تحالفاتٍ جديدةً مع الصين أو بيلاروسيا؟

– نجحت روسيا في عدم عزل نفسها، وإقامة علاقات أقوى مع الصين والهند، ودولٍ أخرى، بالإضافة إلى إيران، لكن هذه الدول تراقب أيضاً الوضع بشكلٍ دقيق، لأنهم لا يعرفون ما ستكون عليه نتيجة الحرب، وعلى الرغم من أنهم يتعاملون بشكلٍ ودود مع روسيا، ولا يعزلونها دولياً، لكن لديهم خشية من القوة الأوروبية الأمريكية، لذا تجدهم متحوطين، ويدعمون روسيا بشكلٍ سياسي من خلال توجيه نداءاتٍ من أجل السلام، فالصين والهند لا تدعمان روسيا عسكرياً في الوقت الذي يدعم فيه الغرب أوكرانيا.

* هل سيؤثر صعود اليمين المتطرف للسلطة في أوروبا على سياسات الناتو في المستقبل؟

– لا أعتقد ذلك، فالأحزاب اليمينية ليست متطرفة في السلطة، ميلوني في إيطاليا على سبيل المثال كان هناك مخاوف من حكومتها عند وصولها إلى السلطة، لكنها معتدلة للغاية في مواقفها السياسية والدولية، ولم تختلف سياساتها مع الاتحاد الأوروبي أو حتى تنتقد الناتو فيما يتعلق بأوكرانيا، ولا أتوقع أن هذا سيحدث، برأيي أن المشكلة الأكبر في الانقسام السياسي هي في الولايات المتحدة، فالأحزاب اليمينية في أوروبا إيقاعها منضبط بين مدٍّ وجزرٍ، على العكس من الوضع الخطير في واشنطن.

اقرأ أيضاً: لماذا يتعين على الناتو التخطيط لحرب نووية؟

* إلى أي مدى من المتوقع أن تؤثِّر الأزمة الاقتصادية ومعدلات التضخم المرتفعة على القرارات السياسية لحلف الناتو؟

– في حال استمرت الحرب إلى العام المقبل أو إلى 2025 سيكون هناك حالة إنهاك، فالوضع الاقتصادي في أوروبا صعب لكنه ليس كارثياً، وأعتقد أن الأوروبيين لديهم أمل في أن تعود الأمور إلى طبيعتها مع انتهاء الحرب. لا توجد مؤشرات في الوقت الحالي على وجود حالة غليان شديد أو احتجاجات بسبب الوضع الاقتصادي، باستثناء فرنسا التي تُعتبر حالةً خاصة بسبب الإصلاحات المتعلقة بالمعاشات وسن التقاعد، وهي مرتبطة بعدم شعبية الرئيس ماكرون، وتحايله على الديمقراطية، فهو أساء التعامل في علاقته مع الشعب الفرنسي.

* انخرطتَ في العمل مع الناتو لفترةٍ طويلة، كيف ترى التغيرات التي أدَّت إليها الحرب في أوكرانيا؟

– عملت في الناتو لعقدين، وعملت في وزارة الدفاع البريطانية لمدة 22 عاماً، ثمَّة تغيُّرات كبيرة حدثت في الفترة الأخيرة، فبعد الحرب الباردة اتجه الناتو إلى خفض أسلحته، والتركيز أكثر على الجانب السياسي، لكن نتيجةً للتصرفات الروسية في شبه جزيرة القرم فإن الناتو عاد لما كان عليه، وهو ما يمثل تحولاً كبيراً، كما أن انضمام أعضاء آخرين منذ الحرب الباردة وحتى اليوم غيّر مركز ثقل صنع القرار بداخله، على سبيل المثال دول البلطيق لها تأثير ومصالح أكثر بكثير من الماضي، والتغيرات التي حدثت جعلت الناتو أكثر تشدداً مع روسيا، فخلال الحرب الباردة سعى الناتو إلى الحوار مع الاتحاد السوفيتي، أما الآن فمن الصعب رؤية الحلف يجري حواراً حقيقياً مع روسيا.

ينظر الناتو بقلق إلى نشاطات الصين- أرشيف

* هل تتوقع أن تبدي دولٌ أخرى رغبتها في الانضمام إلى الناتو في المستقبل القريب؟

– ثمة دول لديها علاقات جيدة مع الناتو على غرار دول شمال إفريقيا، وهناك تعاون عسكري بينها وبين الحلف، وسيستمر؛ ربما ليس بشكلٍ قوي لكنه مستمر، في الوقت الحالي يسعى الناتو لتحديد علاقته مع الصين، وخاصةً مع دول مثل اليابان، أستراليا، كوريا الجنوبية، ونيوزيلندا، التي تشعر جميعها بالقلق من الصين، والناتو يقيم علاقاتٍ وثيقةً مع تلك الدول من أجل التحوط من إمكانية تحدي الصين للنظام العالمي.

* لكن هذا الأمر قد يساعد التحالف بين الصين وروسيا؟

– بالتأكيد، لكن الصين لا تُعتبر تهديداً، ولن يتخذ الناتو أي إجراء عسكري أو استعدادات ضد الصين، ما يريده الناتو هو تشجيع الصين؛ لأنها ستكون أكثر قدرةً على القيام بدورٍ أكثر وديّةً وتعاوناً في منطقتها تجاه الدول التي تخشاها مثل اليابان، الناتو يريد تشجيع الصين على النهوض بدورٍ بنَّاء؛ ليس دوراً ينطوي على تحدٍّ محصلته صفرية في الشرق الأقصى.

* هل تعتقد أننا في طريقنا إلى حرب عالمية جديدة طرفها الأول روسيا، والثاني الولايات المتحدة والدول الأوروبية؟

– لا أعتقد أننا أمام خطر نشوب حربٍ عالميةٍ. أعتقد أننا نواجه خطر التصعيد في أوكرانيا؛ ولكن من المحتمل أن ينحصر داخل أوكرانيا، فهناك الكثير من الأمور الأخرى، فمثلاً هناك مصالح مشتركة بين الغرب والصين، وهناك الكثير من الحوافز للتعاون الاقتصادي في ظلِّ الاعتماد المتبادل من كل طرف على الطرف الآخر، لذا أعتقد أن هذا الأمر سيشكِّل حاجزاً يحول دون وقوع عدوانٍ أو توتر.

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة