الواجهة الرئيسيةترجماتثقافة ومعرفة
نهاية الصحوة أصبحت وشيكة

كيوبوست- ترجمات
بيتر فرانكلين♦
هل تتذكر مصطلح “المقبول سياسياً” بالنسبة للجيل الذي ولد بين عامي 1965 و1980 حين كانت أجهزة الكمبيوتر الشخصي هي الظاهرة المميزة. وكما هو الحال اليوم، فإن الأمر كله يتعلق باللغة. على سبيل المثال بدلاً من أن تقول “معاق” كان يفترض أن تقول “مختلف القدرات” أو “من ذوي الاحتياجات الخاصة”. ولكن هذه المصطلحات لم تصمد طويلاً، بل تم الاستهزاء بها، وأطلق مستخدمو وسائل التواصل على سبيل المزاح مصطلحات مثل “أصحاب التحديات الحجمية”، بدلاً من “بدين” و”أصحاب الاختلاف الأيضي” بدلاً من “الموتى”.
بالطبع، أثناء أي إصلاح للآداب العامة هنالك أشخاص يذهبون بعيداً في المبالغة، ولحسن الحظ فإن المجتمع أكثر عقلانية، ويضع حداً لهذه المبالغات ويمضي إلى مرحلة ألطف في تطورنا. وهذا النموذج من التقدم الدائم، مع الإفراط المؤقت، يعكس كيفية سعي بعض المحافظين إلى تأطير اللحظة الحالية.
مثال ذلك ديفيد بروكس من صحيفة “نيويورك تايمز” الذي يجادل بأن “ما نسميه الصحوة [الانتباه للمشاكل الاجتماعية؛ مثل العنصرية وعدم المساواة- المترجم] ينتج سخافات هامشية، ولكنه يحتوي في جوهره جهوداً صادقة ونية حسنة للتصدي لموروثات العنصرية”. كما أنه يؤمن بـ”قدرة المؤسسة الأمريكية على تلطيف كل أيديولوجية تقدمية متطرفة”. وبالتالي، فإن صعود موجة الصحوة لا يعني أن الصحوة هي المهيمنة، بل يدل على أن جهود الرأسمالية لتشويه سمعة اليسار تحقق تقدماً.
اقرأ أيضاً: حركة الصحوة اليسارية المتطرفة وثورتها الهزلية
غير أن هنالك رأياً معاكساً قدمه رود دريهر، وهو صديق بروكس، ولديه مخاوف من تهاون الأخير في هذا الشأن. يرى دريهر أنه لا يوجد جانب جيد للصحوة، ويصفها بأنها “محاولة مفضوحة لممارسة السياسة القبلية يتم القيام بها ببراعة من خلال استخدام اللغة الأخلاقية، ولعب دور الضحية لإخفاء ما يتم القيام به”.
وإذا صح ذلك، فإن الصحوة لن تكون حلقة في سلسلة وسائل العدالة الاجتماعية، بل على العكس تماماً. فقد اختطفت النضال ضد الاضطهاد لتعزيز أيديولوجيا انقسامية مدمرة خاصة بها. يقول دريهر: “إن جوهر خلافنا هو حول الآثار المدمرة المترتبة على وجود طبقة قيادية متطرفة أوصلتها الصحوة إلى التطرف. ويرى ديفيد بروكس أن الأمر ليس سيئاً بالمطلق، وأنه سوف يتلاشى مع الوقت، ولكني أعتقد أنه سيئ للغاية، وحتى إن تلاشى فإن الضرر الذي سيخلفه سيكون هائلاً”.
ويطرح إيد ويست سيناريو أكثر إثارة للقلق، وهو أيضاً يشكك في أن الصحوة سوف تتلاشى، ويقارن اللحظة الحالية بواحدة من أهم نقاط التحول في تاريخ العالم.

في منتصف القرن الرابع الميلادي، بدأ الجيل الأخير من الوثنيين يراقب بلا حول ولا قوة كيف تطغى عليهم موجة المد المسيحية شيئاً فشيئاً. وفي هذا التشبيه، فإن الصحوة هي المسيحية الجديدة، نظام عقائدي انتقل من الهوامش إلى تيار رئيسي، ووصل إلى أعلى المستويات في المؤسسة.
وكما في القرن الرابع، فقد فات الأوان على فعل أي شيء حيال ذلك. والتشنجات الأخيرة في القرن الحالي مثل رئاسة ترامب عديمة الجدوى، ومثل عهد الإمبراطور الوثني الأخير في روما، جوليان المرتد، الذي حاول إحياء النظام القديم ولكنه أخفق. لم يكن لديه أي فرصة على الإطلاق، وكذلك ترامب.
وبالتالي، فإن السؤال هو: إذا ما كنا نستطع مقارنة دور اليقظة اليوم بالدور الذي لعبته المسيحية عندما انهارت روما، وهل لديها القدرة على تقديم رؤية موحدة لمثل هذه القوة المقنعة لتطغى على النظام الحالي وتحل محله؟ الجواب ببساطة هو: “لا”.
اقرأ أيضاً: قضايا “العدالة الاجتماعية” ومبادئ تعزيزها في المجتمع
فالصحوة محدودة جغرافياً، ويقتصر تأثيرها -حتى الآن- على الولايات المتحدة الأمريكية، ولاسيما فيما يتعلق بتاريخ ذلك البلد من العبودية والفصل والتمييز العنصري. وربما يساعد الانتشار العالمي لوسائل التواصل الاجتماعي على تفسير وصول موجة حركة “حياة السود مهمة” إلى ما وراء حدود الولايات المتحدة، ولكنه لا يغير السياق المختلف للعلاقات العرقية في الدول الأخرى. ومن ناحيةٍ أخرى، فإن المسيحية انتشرت بين الناس العاديين قبل أن تغير المؤسسة، على عكس الصحوة التي بدأت بين النخبة، وتستمر في زياد تأثيرها هناك. فهي ليست حركة شعبية، بل إنها لا تحظى بشيء يُذكر من الشعبية. وأخيراً، فإن الصحوة لا تجاري على الإطلاق العمق الفكري للمسيحية.
لا شك أنها مقارنة غير عادلة، ولكن إذا وضعت الثقل الفكري لليسار المعاصر في مواجهة أفضل منظري مدارس الفكر السياسي الأخرى -الليبرالية، والمحافظة وحتى الماركسية الكلاسيكية- فلا شك في أن النتيجة ستكون محسومة.
من السهل استيعاب المصطلحات والكلمات الطنانة في أدبيات الصحوة، وهي إطار بلاغي يمكن لأيٍّ كان جمعه ونشره على تويتر. ولكن بالنظر إلى ضحالة المضمون الكامن وراء هذه المصطلحات، فإنها سرعان ما تضمحل. وبالفعل فقد أصبحت مصطلحات مثل “المساحة الآمنة” و”التحذير من المحتوى” تبدو وكأنها من الماضي. أن أكبر تهديد للصحوة هو ليس العنصرية البيضاء، ولا النظام الأبوي، بل الموضة.

من الواضح أن الصحوة تروق للأشخاص الذين لديهم اعتراضات على الوضع الراهن، وخاصة الشباب. ولكن تركيز اليسار المعاصر على نظريات الظلم المعممة بدلاً من الإخفاقات المحددة والقابلة للإصلاح في النظام يفقده القدرة على التغيير العملي.
وأخيراً، يجب على المؤسسة الحاكمة ألا تستمر في تجاهل جُلِّ الشباب، ولا حاجة لوجود أيديولوجية جديدة راديكالية لمعالجة مشاكل مثل ديون الطلاب، وتدريب الخريجين الداخلي غير المأجور، وأزمة الإسكان، وغيرها من القضايا التي خذل فيها كبار السن جيل الألفية وما بعده. وفي الواقع، كلما استخدمت النخب أيديولوجية الصحوة لتشتيت الانتباه عن هذه المشاكل، زاد إدراك جيل الشباب لها، وسرعان ما سينتقلون إلى حركة الاحتجاج التالية.
♦محرر مشارك في موقع “أنهيرد”، ومستشار سابق للسياسات، وكاتب خطابات في القضايا البيئية والاجتماعية.
المصدر: أنهيرد