الواجهة الرئيسيةثقافة ومعرفةشؤون عربية

نهاد قلعي.. العبقري الغائب خلف الكواليس!

تمحورت أعمال الراحل نهاد قلعي حول القيم الوطنية والإنسانية.. ودأب من خلالها على تأدية دور توعوي ونقدي للحياة العامة.. كما وجه انتقادات لاذعة إلى الحياة السياسية

كيوبوست- زيد قطريب

لم يكن نهاد قلعي يتصور أن يعيده القدر إلى الفن، بعد فشله في الالتحاق بمعهد التمثيل في القاهرة؛ بسبب سرقة نقوده قبل السفر. فالطفل نهاد، الذي سحر معلم التربية الفنية بأدائه في المسرح المدرسي، لم يغادره شغف الفن، رغم اضطراره إلى العمل كمخلِّص جمركي أو مراقب في معمل للمكرونة. فانتسب إلى استوديو “البرق” عام 1946، وقدم عدة مسرحيات، قبل أن يتم افتتاح التليفزيون السوري وينفتح باب الإبداع لديه.

ولد نهاد قلعي في دمشق سنة 1928، واسمه الحقيقي نهاد قلعي الخربوطلي. اشتُهر لاحقاً باسمه الفني “حسني البورظان”، وظهر مع بداية بث التليفزيون السوري في أعمال سينمائية ومسرحية وتليفزيونية؛ كان أشهرها في “مسرح الشوك” الذي أسسه الفنان عمر حجو، في بداية السبعينيات.

اقرأ أيضاً: “كوكو شانيل”.. مسرحية خارج قاعة المسرح!

ويعتبر مسرح الشوك واحداً من عشرات المدارس المسرحية التي انتشرت في سوريا؛ لكن قلعي كان من القلائل الذين أسسوا مدرسة انتسب إليها كبار الفنانين، مثل دريد لحام ورفيق سبيعي وياسين بقوش ومحمود جبر.

شكَّل نهاد قلعي ودريد لحام، ما يُسمى بـ”الثنائي الذهبي”، وكان اسكتش “الإجازة السعيدة” الذي قدم عام 1960 على التليفزيون السوري والمصري، هو اللقاء الفني الأول بين الثنائي نهاد ودريد اللذين سيلعبان لاحقاً دوراً كبيراً في الفن السوري.

مشهد من “الإجازة السعيدة”

يقول المخرج المسرحي مأمون الخطيب، لـ”كيوبوست”: “نهاد قلعي ظاهرة مسرحية طليعية؛ فصورته كممثل ومخرج مسرحي وكاتب مؤثر ومبدع، لا تزال قائمة. نحن نعترف بفضل هذا المبدع؛ فقد كان من المؤسسين الأوائل لصرح المسرح القومي”.

مأمون الخطيب

في عام 1959، عهدت وزارة الثقافة إلى نهاد قلعي مهمة تأسيس المسرح القومي وإدارته؛ فأخرج عدة أعمال، منها مسرحية “المزيفون” عن نص لمحمود تيمور، و”ثمن الحرية” عن نص لعاموئيل روبلس، بالإضافة إلى “عقد اللولو” مع الفنان دريد لحام.

في سنة 1961 أخرج مسرحية “البرجوازي النبيل” عن نص لموليير، تلتها بسنتين مسرحية “مدرسة الفضائح”، من تأليف شريدان. وفي بداية السبعينيات أسس مع دريد لحام فرقة “تشرين” المسرحية، فشارك في مسرحية “ضيعة تشرين” التي كتبها الشاعر محمد الماغوط، ومسرحية “مسرح الشوك”، تأليف عمر حجو، وفي تلك الفترة شهدت تجربة نهاد قلعي الفنية ذروتها.

نهاد قلعي ودريد لحام في مشهد من “عقد اللولو”

يقول الناقد ماهر منصور، لـ”كيوبوست”: ما من كلمة تختصر المشوار الفني للراحل نهاد قلعي، أبلغ من عبارة العبقري. وما من توصيف أكثر شمولية وتكاملاً لمعنى الفن ووظيفته المثلى من قولنا: “تتبَّعوا سيرة نهاد قلعي الفنية، وما كانت عليه، هكذا على الفن أن يكون”.

ماهر منصور

تعددت مواهب نهاد قلعي، بدءاً من الإخراج المسرحي، ووصولاً إلى التمثيل والتأليف، وقد تمكن من ترك بصمة خاصة في جميع الأعمال التي أنجزها.

ويضيف المخرج مأمون الخطيب: “نهاد قلعي كان مخرجاً مسرحياً جديّاً لم يقتصر على الفن الشعبي؛ بل قدم أعمالاً من أمهات الأدب العالمي، مثل ثمن الحرية، والبرجوازي النبيل، ومدرسة الفضائح. إنه أحد رواد المسرح السوري والعربي، بالإضافة إلى إبداعاته السينمائية والتليفزيونية والأدبية الكثيرة”.

وتمحورت أعمال الراحل نهاد قلعي، حول القيم الوطنية والإنسانية، ودأب من خلالها على تأدية دور توعوي ونقدي للحياة العامة، كما وجه انتقادات لاذعة إلى الحياة السياسية.

اقرأ أيضاً: المرأة على خشبة المسرح.. معركة لا تزال قائمة

ويقول الناقد ماهر منصور: “المعرفي والتنويري، وحسم جدلية العلاقة بين الفن والمجتمع والسياسة، كانت واضحة في أعمال نهاد قلعي؛ خصوصاً في تجربته المسرحية مع دريد لحام، التي تعود إلى ما قبل مسرحيتَي “ضيعة تشرين” و”غربة”؛ إذ قدَّم الاثنان مسرحية “مساعد المختار”، وهي اسكتش غنائي مسرحي، ذو طابع سياسي نقدي، من تأليف الفنان نهاد قلعي”.

يُضاف إلى ذلك، كما يذكر منصور، شراكتهما مع الفنان عمر حجو في “مسرح الشوك”، وعملهما مع الملحِّن فيلمون وهبة، في أواخر الستينيات، في مسرحية “قضية وحرامية”، من تأليف الشاعر جورج جرداق.

نهاد قلعي في مسرحية “غربة”- مواقع التواصل

يُعد رصيد نهاد قلعي في السينما والتليفزيون كبيراً جداً. وكانت البداية مع “عقد اللولو” بعد تحويلها من مسرحية إلى فيلم، إخراج يوسف المعلوف، عام 1964. تبعها الكثير من الأفلام؛ منها “لقاء في تدمر”، و”الشريدان”، و”فندق الأحلام”، و”المليونيرة”، و”غرام في إسطنبول”، و”خياط السيدات”، و”الصعاليك”، و”مسك وعنبر”، و”امرأة تسكن وحدها”.

 أما في التليفزيون، فاشتهر بأعمال كثيرة ألفها ومثَّل فيها، منها “حمّام الهنا”، و”مقالب غوار”، و”صح النوم”.

مسيرة الراحل نهاد قلعي، يمكن وصفها بالتراجيدية، فرغم إنجازاته الإبداعية الكثيرة؛ فإنه لم يأخذ حقه في الاهتمام النقدي والإعلامي، إلا بعد رحيله سنة 1993. وشاءت الصدف أن تكون مسرحية “غربة” آخر عمل مسرحي يشارك به، أما اعتزاله الفن قسرياً، نتيجة سقوط عصا على رأسه وإصابته بالشلل، فكان خاتمة محزنة لفنان تعرض إلى الكثير من الغبن.

اتبعنا على تويتر من هنا

 

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

زيد قطريب

كاتب وصحفي سوري

مقالات ذات صلة