الواجهة الرئيسيةترجماتشؤون دولية

نعوم تشومسكي: روسيا أكثر إنسانية في قتالها مقارنة بالولايات المتحدة في العراق

يتحدث العالم اللغوي الأمريكي عن الحرب في أوكرانيا، وكيف يستفز الغرب الصين، ولماذا لم تعد المملكة المتحدة "دولة مستقلة" بعد الآن.

كيوبوست- ترجمات

يكتب إيدو فوك في “ذا نيو ستيتسمان”، عن مواقف المفكر السياسي والعالم اللغوي الأمريكي، نعوم تشومسكي، ويتطرق إلى كتابه الأخير الذي سيُنشر في شهر مايو الجاري، ويقول إن تشومسكي، لا يزال، على الرغم من بلوغه 94 عاماً، ناقداً صريحاً كما كان دائماً.

 ويضم كتاب ” بين دفتَيه مجموعةً من المقابلات مع العالم السياسي سي جيه بوليكرونيو، وينصبُّ تركيزه الأساسي على السياسة الخارجية. تمتد المقابلات من مارس 2021 إلى يونيو 2022، وتغطي على وجه الخصوص الفترة التي قادت إلى غزو روسيا لأوكرانيا، والأشهر الأولى له.

اقرأ أيضًا: الحرب في أوكرانيا ستنتهي على طاولة المفاوضات

الحرب في أوكرانيا

يقول فوك: عندما تحدثت إلى تشومسكي عبر مكالمة فيديو من منزله في ولاية أريزونا، قضينا معظم وقتنا في مناقشة الحرب في أوكرانيا. يمثل الصراع وقتاً من التقلبات الكبيرة في النظام الدولي، التي قد يتصور المرء أنها ستختبر قناعات تشومسكي، الذي برزت نظرته النقدية للسياسة الخارجية الأمريكية إلى الصدارة الدولية خلال حرب فيتنام. مقالته عام 1967 “مسؤولية المثقفين”، التي نُشرت في “نيويورك ريفيو أوف بوكس”، انتقدت بشدة الطبقة المثقفة الأمريكية؛ لمساعدتها في “تبييض” تصرفات الحكومة الأمريكية في الخارج والفظائع المرتكبة في فيتنام. لكن حرب أوكرانيا صراع مختلف تماماً. هذه المرة، تدعم الولايات المتحدة دولة ذات سيادة تتعرض إلى هجوم من قِبل معتدٍ خارجي. لدى تشومسكي أيضاً صلة عائلية بالمنطقة؛ ولد والده في ما يُعرف الآن بأوكرانيا، قبل أن يهاجر إلى الولايات المتحدة في عام 1913.

ومع ذلك، فإن نظرة تشومسكي للعالم لا تترك مساحة للإرادة الحرة الأوكرانية. أخبرني تشومسكي أن “الولايات المتحدة وبريطانيا” هما اللتان “رفضتا” مفاوضات السلام في أوكرانيا؛ من أجل تعزيز مصالحهما الوطنية، حتى في الوقت الذي تتعرض فيه أوكرانيا إلى “القصف والدمار”. وأن المفاوضات مع روسيا ستعني بحكم الأمر الواقع التخلي عن ملايين الأوكرانيين لأهواء المعتدي الذي أظهر نفسه قادراً على ممارسة وحشية غير عادية، كما هي الحال في “بوتشا” و”أيزيوم”: “أوكرانيا ليست جهة فاعلة حرة؛ إنها تعتمد على ما تحدده الولايات المتحدة”، مضيفاً أن الولايات المتحدة تزوِّد كييف بالأسلحة لمجرد إضعاف روسيا: “بالنسبة إلى الولايات المتحدة، هذه صفقة. ومقابل جزء بسيط من الميزانية العسكرية الهائلة؛ فإن الولايات المتحدة قادرة على إضعاف القوات العسكرية لخصمها العسكري الحقيقي الوحيد بشدة”.

آثار حرب روسيا وأوكرانيا- أرشيف

مقارنة بين أوكرانيا والعراق

 يرى تشومسكي أن روسيا تتحلى بضبط النفس والاعتدال. ويقارن طريقة روسيا في القتال مع الولايات المتحدة خلال غزو العراق عام 2003، بحجة أن الدمار واسع النطاق للبنية التحتية الذي شوهد في ذلك الصراع “لم يحدث في أوكرانيا”. ويضيف: “مما لا شك فيه أن روسيا يمكن أن تفعل ذلك، على الأرجح بالأسلحة التقليدية. يمكن (لروسيا) أن تجعل كييف غير صالحة للعيش مثل بغداد، ويمكن أن تنتقل إلى مهاجمة خطوط الإمداد في غرب أوكرانيا”.

عندما طلبت منه توضيح ما إذا كان يُلمِّح إلى أن روسيا تقاتل في أوكرانيا بشكل أكثر إنسانية مما فعلت الولايات المتحدة في العراق، أجاب تشومسكي: “أنا لا أعني ذلك، إنه واضح”. كان لا بد من سحب وفود مفتشي الأمم المتحدة بمجرد بدء غزو العراق، كما يقول: “لأن الهجوم كان شديداً ومتطرفاً.. هذا هو أسلوب الحرب الأمريكي والبريطاني”. ويضيف: “ألق نظرة على الضحايا. كل ما أعرفه هو الأرقام الرسمية.. الأرقام الرسمية للأمم المتحدة هي نحو 8000 ضحية مدنية (في أوكرانيا). كم عدد الضحايا المدنيين عندما هاجمت الولايات المتحدة وبريطانيا العراق؟”.

اقرأ أيضًا: بعد عام من الحرب في أوكرانيا.. مزيد من البؤس ولا نهاية في الأفق

يقول تشومسكي إن عدد الشخصيات الأجنبية البارزة التي سافرت إلى كييف منذ اندلاع الحرب دليل على ضبط النفس الروسي، في تناقض صارخ مع العراق. “عندما كانت الولايات المتحدة وبريطانيا تمزقان بغداد إلى أشلاء، هل ذهب أي قادة أجانب لزيارة بغداد؟ لا؛ لأنه عندما تذهب الولايات المتحدة وبريطانيا إلى الحرب، فإنها تذهب إلى المناطق الحيوية والضعيفة في الوقت ذاته. إنهما يدمران كل شيء: الاتصالات والنقل والطاقة -استراتيجية الهيمنة السريعة عبر الصدمة والرعب- أي شيء يشل المجتمع”.

تختلف تقديرات وفيات المدنيين الناجمة عن غزو العراق اختلافاً كبيراً. ويُقدِّر مشروع تعداد الجثث في العراق، الذي يعتبر إحدى أكثر قواعد البيانات شمولاً للوفيات خلال حرب العراق، أن إجمالي عدد القتلى المدنيين يتراوح بين 186,000 و210,000 في السنوات العشرين منذ غزو عام 2003، الذي يقول إنه من المحتمل أن يكون العدد الحقيقي أكثر من ذلك. ويعزى ما يقرب من 25,000 من هذه الوفيات مباشرةً إلى التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة وحلفاؤها العراقيون. ويعزى عشرات الآلاف إلى المتمردين المناهضين للحكومة؛ بما في ذلك تنظيم داعش، وفقاً لمشروع تعداد الجثث. هذا ولا يمكن تحديد المسؤولية عن مقتل أكثر من 100,000 مدني بشكل قاطع.

على الجانب الآخر، سجَّل مكتب مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان مقتل 8490 مدنياً وإصابة 14244 في أوكرانيا منذ بدء الغزو الروسي قبل 14 شهراً. ومع ذلك، “يعتقد أن الأرقام الفعلية أعلى بكثير”؛ بسبب ضعف البيانات من المناطق ذات الخسائر المدنية المرتفعة، مثل مدينة ماريوبول في الجنوب. ويعتقد المسؤولون الأوكرانيون أن عشرات الآلاف -ربما قرابة 50,000 شخص- لقوا حتفهم في ماريوبول وحدها خلال حصار روسيا للمدينة في عام 2022.

جنود المارينز يساعدون العراقيين في إسقاط تمثال صدام حسين بعد الغزو الأمريكي للعراق.. بغداد 2003- “سي إن إن”

حول انضمام فنلندا والسويد إلى الناتو

في بعض الأحيان، تقود المقدمات الأيديولوجية تشومسكي إلى التغاضي عن الحقائق التي قد تتعارض مع روايته. على سبيل المثال، تقدمت كل من السويد وفنلندا، اللتين كانتا غير منحازتَين رسمياً لمدة 210 و73 عاماً على التوالي، بطلب للانضمام إلى الناتو في مايو 2022. بالنسبة إلى معظم المراقبين، قد تبدو نهاية عقود الحياد مرتبطة بشكل هامشي على الأقل بغزو أوكرانيا قبل ثلاثة أشهر. ومع ذلك، يقول تشومسكي إن كلا البلدَين اللذين يسعيان للانضمام إلى الناتو “لا علاقة لهما بالخوف من هجوم روسي، لم يتصوَّر قط”. ويضيف أن الادعاءات بأن روسيا يمكن أن تهدد أياً من الدولتَين، ترقى إلى “الدعاية الغربية”. وعلى خلاف ذلك، يرى تشومسكي أن الانضمام إلى حلف الناتو يمنح الصناعات العسكرية في كلتا الدولتين الإسكندنافيتين “فرصاً سوقية جديدة كبيرة، (و) وصولاً جديداً إلى المعدات المتقدمة”.

في الواقع، استشهد كلا البلدَين صراحةً بغزو أوكرانيا كسبب وراء طلباتهما للانضمام إلى الناتو. علاوة على ذلك، في الذاكرة الحيّة، قاومت فنلندا المحاولات السوفييتية لغزوها وضمها. لا تزال حرب الشتاء 1939-1940 ضد الاتحاد السوفييتي تشكِّل المواقف الفنلندية تجاه روسيا. انضمت فنلندا إلى حلف الناتو في 4 أبريل، في حين أن طلب السويد لا يزال معلقاً بسبب اعتراضات تركيا.

تقدمت كل من فنلندا والسويد بطلبات للانضمام إلى حلف الناتو- أرشيف

ورداً على سؤال حول الشكل الذي قد تتخذه تسوية محتملة للحرب في أوكرانيا، قال تشومسكي: “أولاً وقبل كل شيء، لن تكون أوكرانيا عضواً في الناتو. هذا هو الخط الأحمر الذي أصرّ عليه كل زعيم روسي منذ (الرئيس الروسي الأسبق بوريس) يلتسين، و(الرئيس السوفييتي الأسبق ميخائيل) جورباتشوف”. ويضيف: “اكتسبت أوكرانيا مكانة النمسا، على سبيل المثال، خلال الحرب الباردة أو المكسيك اليوم. لا يمكن للمكسيك الانضمام إلى تحالف عسكري (معاد للولايات المتحدة). لا توجد معاهدة حول هذا الموضوع؛ لكنها واضحة تماماً”.

من المتوقع أن يشمل اتفاق السلام أن توافق أوكرانيا على “درجة من الحكم الذاتي” لمنطقة دونباس الشرقية التي تحتلها روسيا جزئياً اليوم. “في ما يتعلق بشبه جزيرة القرم (التي ضُمت بشكل غير قانوني في عام 2014).. لقد أجلناها في الوقت الحالي. فلنناقشها لاحقاً. هذه هي الخطوط العريضة الأساسية للحل بموجب اتفاق مينسك الثاني”. لقد أُبرمت اتفاقيتا مينسك الأولى والثانية بين أوكرانيا وروسيا في عامَي 2014 و2015. ومن أجل إنهاء الصراع الذي بدأ في عام 2014، تضمنتا خطوات عسكرية وسياسية، لم تنفذها موسكو قط. يُنظر إلى هاتين الاتفاقيتين اليوم على نطاق واسع في أوكرانيا على أنهما مهدتا الطريق لغزو روسيا واسع النطاق في فبراير 2022. “لن تكون هناك مينسك ثالثة”، وَفق ما قاله الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، باختصار، في نوفمبر الماضي.

من اليسار: الأمين العام لحلف الناتو والرئيس التركي ورئيس فنلندا ورئيسة وزراء السويد ووزير الخارجية التركي ووزيرة الخارجية الفنلندية ووزيرة الخارجية السويدية خلال توقيع الاتفاق في مدريد- “أسوشييتد برس”

الولايات المتحدة والصين

لا تقتصر انتقادات تشومسكي للسياسة الخارجية للولايات المتحدة على أوكرانيا. ذلك أنه مثلما استفزت واشنطن روسيا من خلال توسيع حلف الناتو، فإنها أيضاً “تستفز الصين علناً” بشأن تايوان؛ حيث قال: “الولايات المتحدة تنفذ برنامجاً لتطويق الصين بحلقة من الدول (الحارسة) المسلحة بأسلحة دقيقة متطورة تستهدف الصين”، في إشارة على ما يبدو إلى التعاون الدفاعي الأمريكي مع دول مثل اليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا.

“ما التهديد الذي يأتي من الصين في هذه المرحلة؟”، يسألني تشومسكي. “التهديد يأتي من الولايات المتحدة، بالطبع، تتبعها بريطانيا. (المملكة المتحدة) مجرد خادم في هذه المرحلة. لم تعد دولة مستقلة بعد الآن”. وعلى الرغم من اعترافه بأن الصين “ليست دولة لطيفة” وتنتهك القانون الدولي في بحر الصين الجنوبي؛ فإنه يقول إن “الحديث عن (الحرب على) تايوان يأتي من الغرب”. ولم تستبعد بكين، التي تعتبر تايوان جزءاً من أراضيها، حدوث غزو، وتجري بانتظام تدريبات عسكرية تحاكي حصاراً للجزيرة التي تتمتع بالحكم الذاتي.

عند التمعُّن في حديثنا، صادفت فقرة في مقال من كتاب تشومسكي عام 1970، “الحرب مع آسيا”، جاء فيه: “ما دام بقي جيش احتلال أمريكي في فيتنام، فإن الحرب ستستمر”. “يجب أن يكون انسحاب القوات الأمريكية عملاً أحادي الجانب؛ لأن غزو فيتنام من قِبل الحكومة الأمريكية كان عملاً أحادي الجانب في المقام الأول. أولئك الذين كانوا يدعون إلى (المفاوضات الآن) كانوا يخدعون أنفسهم والآخرين”. يبدو لي أن هذه الكلمات تنسحب على الحرب في أوكرانيا أكثر من أي شيء قاله نعوم تشومسكي خلال حديثنا بعد 53 عاماً.

المصدر: ذا نيو ستيتسمان

اتبعنا على تويتر من هنا

 

 

 

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة