الواجهة الرئيسيةترجماتشؤون دولية
نحو تعريف للتطرف الجهادي
ما الفرق بين كل من: الأصولية والراديكالية والتطرف والإرهاب والفِكر الجهادي؟

كيوبوست- ترجمات
أليساندرو بونسيو♦
أهمية التعريف:
بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، دخلت مجموعة من المفاهيم المعقدة إلى الخطاب السياسي والمجتمعي حول العنف المدفوع بالأيديولوجية الجهادية. وقد جرى استخدام هذه المفاهيم في الماضي، غير أن معانيها تطورت بعض الشيء، وقد ساهم الإرهاب المحلي في تعزيز هذا الاتجاه في السنوات الأخيرة، في الوقت الذي حاولت فيه المجتمعات الغربية فهم العوامل والدوافع المؤدية إلى التطرف الجهادي.

وقد كانت مهمة صعبة بالفعل، إذ إن تحليل الأسباب الجذرية للتطرف دفع الحكومات إلى النظر فيما هو أبعد من المجالات التقليدية للقانون الجنائي، والاستخبارات، وإنفاذ القانون، إذ جرى ربط الوقاية والأمن بالهدف النهائي المتمثل في تجفيف المستنقعات المنتجة للجهاديين. لقد أصبحت مكافحة الإرهاب جهدًا متعدد الأوجه، يشمل قضايا مجتمعية معقدة، مثل الاندماج والتعددية الثقافية والتماسك الاجتماعي، كلها في إطار أجندة أمنية موسعة.
إن هذا المجال من الدراسة يحمل أهمية متزايدة اليوم، في ظل دراسات أخرى تتناول مجالات نظرية مختلفة، تحاول معالجة العوامل المؤثرة للتطرف، بينما تحاول البلدان المختلفة على المستوى السياسي تحديد المتطلبات الأساسية اللازمة لتعريف المصطلح بشكل جلي لا لبس فيه.
وبرغم اختلاف وجهات النظر، إلا أن كل التعريفات تقريبًا تتفق على نقطة أساسية واحدة على الأقل هي: أن التطرف الفردي العنيف ينطوي على تحول الفكر الشخصي باتجاه شكلٍ محدد من أشكال العنف السياسي – الإرهاب. ومع ذلك، تصبح المهمة أكثر تعقيدًا عندما ينتقل المرء إلى ما هو أبعد من النقاط الأساسية. فعلى سبيل المثال: استخدمت مصطلحات مثل: الأصولية والتطرف والتشدد والإرهاب بشكل مكثف. وللأسف، ارتبطت هذه المصطلحات بالإسلام، وجرى استخدامها بشكل تبادلي بسبب معانيها واسعة النطاق، وبسبب الحدود غير الواضحة بين كل من هذه المصطلحات. وقد ولّدت هذه الممارسة ارتباكًا في التصورات العامة، مما أدى إلى تغذية الاستقطاب الاجتماعي عن غير قصد.
اقرأ أيضًا: كيف يخلق الغربُ الموجةَ التاليةَ من التطرف الجهادي؟
إن الوصول إلى تعريف واضح للتطرف الجهادي مسألة هامة لأسباب عدة؛ مثل: التجانس في مقاييس تقييم المخاطر، وتفسير البيانات، وتطبيق مبادئ مكافحة الإرهاب بشكل صحيح وفعال وفقًا لاحتياجات كل بلد.
إن الهدف من هذه الدراسة القصيرة هو اقتراح تعريف جديد أحادي المعنى لمفهوم التطرف الجهادي، وتسليط الضوء على ارتباطه بالمصطلحات المشابهة، مع التأكيد على الاختلافات فيما بينها.
مصطلحات مختلفة: تعريفات مثيرة للجدل:
في العديد من الدراسات البحثية والأوراق السياسية والمقالات، يجري استخدام مصطلحات مختلفة وبشكل متبادل من أجل تحديد وشرح التعبير المتشدد للأفكار والمفاهيم والأيديولوجيات والمعتقدات، لا سيما عندما نتحدث عن التشدد والتطرف العنيف. وقد جرى استخدام بعض هذه المصطلحات لتعريف أيديولوجيات أخرى، مرتبطة بالإرهاب الجهادي، مما خلق خطر ربط الإسلام بمثل هذه المظاهر العنيفة.
وبرغم استخدامها بشكل تبادلي في غالب الأحيان، إلا أن هذه المصطلحات تمثل في الواقع فوارق مختلفة من الفكر البشري، وبالتالي ينبغي استخدامها بشكل مناسب لتجنب خطر سوء الفهم بين عامة الناس، وكذلك لتجنب وصم دينٍ معين كحامل وحيد للأيديولوجيات العنيفة. ونظرًا للأغراض المحدودة لهذه الورقة، سيتم تجنب المناقشة الأكاديمية والرسمية حول هذه المصطلحات بشكل كامل، وسيجري توفير استعراض قصير للمصطلحات فقط، من أجل تسليط الضوء على الاختلافات الجوهرية بينها.

الأصولية (Fundamentalism):
تُستخدم هذه الكلمة حاليًا من أجل تصنيف منظومة معتقدات جماعية، تتشكل بموجبها تطورات إقليمية ووطنية وحتى عالمية.
تُعتبر المنظمات أصوليةً في العادة عندما تعارض المبادئ العلمية والعلمانية الحديثة، في حين تفضّل رؤية الحياة على أساس الالتزام الحرفي بالنصوص (المقدسة).
في الحقيقة، وُلدت الأصولية الدينية الحديثة -التي غالبًا ما ترتبط اليوم بالإسلام- في الولايات المتحدة في أوائل القرن العشرين، في صفوف البروتستانت الذين عارضوا فكرة تكييف المبادئ الدينية مع العصر الحديث. رأى هؤلاء أن الكتاب المقدس معصوم، وبالتالي يجب اِتّباعه كلمة بكلمة. في الواقع، لدى كل عقيدة دينية أصوليوها – المحافظون الذين يعارضون الفكرة التقدمية للدين وتطبيقاتها التفسيرية على الأحداث الاجتماعية والتاريخية، ويفضلون رؤية غير متغيرة للحياة، استنادًا إلى مبادئ مستقاة حرفيًا من النصوص المقدسة.
في بعض الأحيان، يستخدِم البعض مصطلح الأصولية الإسلامية كمرادف للتطرف العنيف، برغم أن العديد من التعريفات الأكاديمية تقدمه كمجموعة من المعايير والمثل الدينية الصارمة. الأصوليون الإسلاميون يعارضون -ما يرونه- تأثير الثقافة العلمانية الغربية الفاسدة، ويحثون المؤمنين على اتباع الشريعة الإسلامية، ونموذج النبي محمد حرفيًا في جميع تفاعلات الحياة. ومن المهم هنا أن نميز ما بين الأصولية الإسلامية والإسلاموية؛ فالأولى تعبر عن “التوجه الفردي نحو جذور العقيدة الدينية”، والثانية تعبر عن “تبعية الفرد لقرارات سياسية تحت سيادة الدين”.
اقرأ أيضًا: فرص مكافحة التطرف وتحدياته
التشدد “الراديكالية” (Radicalism):
كثيرًا ما يتم استخدام مصطلحي التشدد والتطرف للإشارة إلى الظاهرة نفسها، خصوصًا في العلوم الاجتماعية. في الحقيقة، جرى استخدام مصطلح “متشدد” أو “راديكالي” منذ القرن الثامن عشر، حين ارتبط بالثورتين الفرنسية والأمريكية. وقد أصبح واسع الانتشار في القرن التاسع عشر خلال المناقشات التي جرت حول الناس الذين سعوا لإحداث تغييرات اجتماعية وسياسية ملموسة. ونتيجة لذلك، كان لمفهوم التشدد على مدار التاريخ معانٍ مختلفة، مرتبطة بمظاهر اجتماعية وسياسية متنوعة، كما أكد المؤرخ البريطاني مارك سيدجويك، ويرجع سبب الارتباك حول مفاهيم التشدد والتطرف إلى وجود سياقات مختلفة، تشمل الأمن والتكامل المجتمعي والسياسة الخارجية، ما يؤدي إلى فهم المصطلحات بشكل مختلف، وفقًا لاختلاف أجندة كل سياق.
وعند النظر إلى جدول زمني تاريخي تخيلي، سنجد أن من جرى اعتبارهم “متشددين وراديكاليين” في الماضي، أصبحوا اليوم “مصلحين” بنظر الناس. في العديد من الحالات، كانت أفعالهم غير قانونية، لكنها
مشروعة حسب معايير اليوم. كما أصبحت أهدافهم جديرة بالثناء، لدرجة أن العديد من القضايا الراديكالية في القرن التاسع عشر أصبحت اليوم عناصر أساسية للحقوق المدنية. علاوة على ذلك، كان يُنظر للشخص الراديكالي في القرن التاسع عشر على أنه “ليبرالي، مناهض للكتب الدينية، مناصر للديمقراطية والتقدمية”، بينما انعكس الحال اليوم، إذ يشير المصطلح الآن إلى اتجاه معاكس في الدلالات الإسلامية، وبات يُنظر للشخص الراديكالي على أنه “معادٍ لليبرالية، مكافح للديمقراطية، محتضن للمواقف الأصولية”.
على أية حال، الشخص الراديكالي يتحمس بشكل عام لمناقشة معتقداته في تحليل نقدي؛ حتى لو كانت هناك نقاط تقاطع بين الراديكالية والتطرف. ونحن نعلم أن ليس هناك ارتباط حتمي ما بين اقتناء الأفكار الراديكالية والتحول الفعلي للعنف.

التطرف (Extremism):
تشترك الراديكالية والتطرف بخصائص مشتركة، فالناس في كلا المعسكرين يبعدون أنفسهم عن المواقف المعتدلة والشائعة والتقليدية. ومع ذلك، يختلف المصطلحان في العديد من الأوجه. المتطرف يحمل آراء ضيقة، ويرفض المناقشة العقلانية، وتكون معتقداته متطرفة للغاية إلى درجة رفض سيادة القانون والتعددية والمبادئ الديمقراطية.
هدف المتطرفين هو خلق مجتمع متجانس مبني على مبادئ أيديولوجية متزمتة وصارمة، تنطوي على تقييد المواطنين من خلال قمع جميع أشكال المعارضة والأقليات الخاضعة، وعلى النقيض من ذلك، يميل الراديكاليون إلى قبول تنوع الأفكار والآراء، ويؤمنون بقوة الإقناع والتنازلات بدلًا من التزمت المجرد.
في الواقع، جرى تقديم هذا المصطلح لأول مرة في مجال دراسات الإرهاب الجهادي من خلال المجموعة الاستشارية التابعة للاتحاد الأوروبي، التي رأت أن الراديكالية -كأيديولوجية- تتحدى شرعية القواعد والسياسات المعمول بها، لكنها لا تؤدي بالضرورة إلى العنف.
هنالك أيضًا اختلافات هامة في مجال التطرف، فعلى الرغم من أن التطرف يقع على حافة الطيف الديمقراطي، إلا أن ليس جميع المتطرفين ينخرطون في العنف (الإرهاب) لفرض أجندتهم، إذ يركز بعضهم على الترويج “للقضية” أكثر من تركيزهم على تدمير أولئك المعارضين لها.
في الحقيقة، من المهم عند تحليل التطرف أن نفهم الاختلافات والعلاقات المحتملة بين المتطرفين العنيفين والمتطرفين غير العنيفين، علمًا بأن الفارق بين الجانبين يمكن أن يتقلص في بعض الأحيان، بل ويتقاطع في أحيان أخرى، إذ ربما يتعاطف المتطرفون غير العنيفين مع أهداف المتطرفين العنيفين، وقد يقدمون الدعم والمساعدة لهم.
عندما يتعلق الأمر بالتطرف الإسلامي اليوم، فإن القراءة الانتقائية لمدرسة القانون الإسلامي الصارم تسمح “لـلمتزمتين” بمعارضة “المعتدلين” في تفسيرهم للتقاليد الإسلامية، بالاعتماد على قانون الله (الشريعة وحدها) لكل جوانب الشؤون الإنسانية. ومع ذلك، هنالك فوارق من جديد؛ فكما يلاحظ أليكس شميد، فإن تصنيف المتطرفين الإسلاميين يتسم بالغموض، إذ إن مصطلح “المتطرفين غير العنيفين” في هذا السياق يشمل الإسلاميين السياسيين والمبشرين، ومن بينهم أفراد يدعمون الوسائل العنيفة لتحقيق أهدافهم.
اقرأ أيضًا: الجذور الليبرالية للنشاط اليميني المتطرف: الحركة المعادية للإسلام في القرن الحادي والعشرين
الإرهاب (Terrorism)
أشارت الأمم المتحدة في العديد من المناسبات إلى أن التعريف المشترك للإرهاب سيوفر مساعدة قيمة من أجل معالجة هذه الظاهرة ومكافحتها، إلا أن عدم وجود إجماع في المجتمع الدولي، وحتى بين الأكاديميين، يسلط الضوء على مدى تعقيد هذه القضية، وما يضيف مزيدًا من التعقيد هو أن هذه القضية تتشابك في اعتبارات وطنية وسياسية وأيديولوجية واجتماعية متعددة.
تتفق معظم تعريفات الإرهاب على بعض النقاط الأساسية، بدءًا من التهديد باستخدام العنف، أو الاستخدام الفعلي للعنف. وفي هذا السياق، تثير هويات الضحايا مسائل أكثر إشكالية: هل هم مدنيون؟ أفراد في القوات المسلحة؟ شخصيات عامة؟ هنالك تفسيرات مختلفة، وبالتالي تختلف التعريفات باختلاف الأطراف الحكومية والأكاديمية.
هنالك جدل آخر حول إدراج العناصر الحكومية في إطار تعريف الإرهاب. تميل بعض الأطراف إلى تصنيف الجهات الفاعلة غير الحكومية وحدها كمنظمات إرهابية، بينما يفضل البعض الآخر إدراج عنف الدولة في تعريف الإرهاب. كما أن العديد من تعريفات الإرهاب فضلت النظر في الأهداف التي جرى ممارسة الإرهاب من أجلها، ومدى الخوف الذي أصاب الجمهور نتيجة لهذه الممارسة.
وبشكل عام، وللأغراض المحدودة لهذه الورقة، يمكن ذكر تعريف الإرهاب الصادر عن مجلس الأمن عام 2004، الذي يعكس التعقيدات المتأصلة المذكورة أعلاه: “الإرهاب هو الأعمال الإجرامية، بما فيها الأعمال ضد المدنيين، المرتكبة بقصد التسبب في وفاة أو إصابة جسيمة، أو أخذ الرهائن بهدف إثارة حالة من الرعب في صفوف عامة الناس أو مجموعة من الأشخاص، أو ترهيب السكان، أو إجبار حكومة أو منظمة دولية على القيام أو الامتناع عن عمل ما، التي تشكل جرائم كما هو محدد في الاتفاقات والبروتوكولات الدولية المتعلقة بالإرهاب، ولا يمكن تبرير هذه الأعمال تحت أي ظرف من الظروف، سواء كانت سياسية أو فلسفية أو أيديولوجية أو عنصرية أو عرقية أو دينية”.

الفِكر الجهادي (Jihadization):
كما ينص القانون الإيطالي المقترح رقم 2883/2017، فإن التطرف الجهادي هو: “ظاهرة الأفراد الذين يتبنون أيديولوجيات جهادية، والتي تحثهم على استخدام العنف والإرهاب، حتى لو كان ذلك عبر الإنترنت أو الشبكات الاجتماعية، وحتى لو لم يكونوا على اتصال مباشر بجماعات إرهابية”.
ولكن، استنادًا إلى ما رأينا أعلاه، هنالك انتقادات كبيرة للإخفاق الإيطالي في إدراج الأشكال الأخرى للتطرف العنيف.
من العوامل الأخرى المعقدة في هذا التعريف هو الإشارة إلى الأيديولوجية الجهادية كشرط مسبق من أجل تصنيف الفرد على أنه متطرف، وفي الحقيقة، هنالك جدل دائر حول تأثير الأيديولوجيات في عملية التطرف، إذ تشير المؤلفات الأكاديمية المكثفة إلى أن العلاقات الاجتماعية وعلاقات الصداقة وروابط المودة تشكّل دوافع رئيسة باتجاه التأثر الأيديولوجي.
اقرأ أيضًا: كيف يواجه التاريخ التطرف وثقافة الكراهية؟
الخلاصة:
يمكننا سرد تعريفنا المقترح كما يلي: “الجهاد العنيف هو رغبة الفرد المتطرف في استخدام وسائل عنيفة وغير ديمقراطية، بدوافع أيديولوجية جهادية، بغض النظر عن صلاته مع أي جماعة إرهابية. هكذا عملية تسهل المواجهة العنيفة والاستقطاب الاجتماعي، وتشمل معارضة القيم الاجتماعية وسيادة القانون، والتحريض، ونشر الأفكار والمواد المتطرفة، سواء في الميدان أو عبر الإنترنت والشبكات الاجتماعية، أو أي سلوك آخر يهدد أمن الدولة من خلال تسهيل ونشر الأيديولوجيات العنيفة المحتملة”.
♦محلل ومختص أكاديمي في شؤون مكافحة الإرهاب.
النص كاملًا متوفر باللغة الإنجليزية هنا
المصدر: عين أوروبية على التطرف