الواجهة الرئيسيةشؤون عربية
نتائج انتخابات الجزائر.. عودة قوية للأحزاب الوطنية وانتكاسة للإخوان
اللجنة المستقلة للانتخابات قطعت الطريق أمام الإسلاميين الذين حاولوا خلق الفوضى باختلاق دعاوى التزوير في صناديق الاقتراع

الجزائر- علي ياحي
انتهت عملية الاقتراع لاختيار نواب برلمان الجزائر على وقع نتائج “صادمة”، لا تزال ارتداداتها مستمرة، وذلك على الرغم من الإعلان عن حصة كل طرف من المقاعد، بينما يواصل الحراك والمعارضة المقاطعة والانتقاد والتشكيك.
وجاءت نتائج الانتخابات البرلمانية عكس كل التوقعات التي راهنت على تغيير في المشهد السياسي الجزائري، بالنظر إلى ما عاشته البلاد منذ 22 فبراير 2019، وانطلاق الحراك الشعبي الذي أسقط الرئيس السابق بوتفليقة، ونظامه. وفي حين ترقبت الطبقة السياسية استمرار “معاقبة” رموز النظام السابق عبر “هزم” الأحزاب التقليدية؛ ممثلة في “جبهة التحرير” و”التجمع الوطني الديمقراطي”، وأيضاً “حركة مجتمع السلم” ممثل الإخوان، وعدم التصويت لهم، تفاجأ الحراك ومقاطعو الانتخابات وكذا بعض أجنحة الإخوان؛ مثل “النهضة” و”الإصلاح” و”العدالة”، بعودة قوية لأحزاب بوتفليقة إلى المشهد وسيطرتها على مقاعد البرلمان، وبعده الحكومة بالتأكيد.

وتحصلت أحزاب “جبهة التحرير” و”مجتمع السلم” و”التجمع الوطني الديمقراطي”، على المراتب الثلاثة الأولى حزبياً بـ105 و64 و57 مقعداً على التوالي. وبينما احتل “الأحرار” المرتبة الثانية بشكل عام بـ78 مقعداً، اعتبرها عديد من الأطراف نتيجة مفاجئة. في حين قال آخرون إنها ضعيفة مقارنة بعدد القوائم المستقلة الذي فاق 1208 مقارنة بـ1080 قائمة حزبية.
اقرأ أيضاً: استخدام الإخوان للدين في السياسة يغضب الجزائريين.. وتبون يشدد “لا عودة لإسلاموية التسعينيات”
أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، مؤمن عوير، يرى في تصريحٍ أدلى به إلى “كيوبوست”، أن وجود حزب جبهة التحرير في الطليعة راجع إلى امتلاكه وعاءً انتخابياً ثابتاً، معتبراً، بخصوص نتائج المستقلين، أنها تمثل فشلاً كبيراً؛ بسبب عزوف المواطنين عن الانتخاب، وأيضاً للمنافسة الكبيرة من طرف الأحزاب السياسية التي تتميز عن القوائم الحرة بالهيكلة والتنظيم، وكذا لامتلاكها قاعدة من المناضلين الذين يصنعون الفارق.

برلمان متنوع
ويواصل عوير بأن تشكيلة البرلمان الجديد ستكون متنوعة من خمسة أحزاب تدور في فلك السلطة، إضافة إلى بعض المقاعد لمترشحين مستقلين؛ خصوصاً أنه لم يتمكن أي طرف من تحقيق الأغلبية المطلقة، وهو ما سيؤدي بالضرورة إلى تشكيل تحالفات داخل مبنى البرلمان والخروج بحكومة ائتلافية، مبرزاً أن الحراك نجح في منع العهدة الخامسة وإنهاء زمن بوتفليقة وسجن أباطرة الفساد، أما غير ذلك فلم يستطع الحراك تغيير سلوك السلطة أو ممارساتها في عديد من المجالات؛ ومنها تنظيم الانتخابات، وشدد على أن رفض المواطنين الترشح أو الانتخاب يفسح المجال لأحزاب السلطة؛ مثل “جبهة التحرير” و”التجمع الديمقراطي”، للعودة إلى الساحة من جديد.
اقرأ أيضاً: الجزائر.. خلفيات تصنيف حركتي “رشاد” و”الماك” على قائمة الإرهاب
من جانبه، يقول أستاذ الحقوق حسين خلدون، في تصريحٍ أدلى به إلى”كيوبوست”: إن التجربة السياسية والتجذر في العمق الشعبي من أهم الأسباب التي جعلت حزب جبهة التحرير يتصدر نتائج الانتخابات البرلمانية ليوم 12 يونيو، موضحاً أنه لولا الظرف السياسي الذي يميز الساحة، وكذا بعض التشنجات الداخلية التي يعيشها الحزب، لحققت “جبهة التحرير” نتيجة أكبر مما تحصلت عليها هذه المرة.

ويواصل خلدون بأنه بما أن أغلب الأحزاب الفائزة تنتمي إلى التيار الوطني، فإن فرضية التحالف في ما بينها واردة بقوة، بالإضافة إلي كتلة المستقلين التي تنتمي هي أيضاً في أغلبها إلى التيار الوطني، وعليه من المنتظر أن يفضي هذا التحالف إلى توافق على شخصية محايدة لتولي منصب وزير أول.
اقرأ أيضاً: محاكمة باحث متصوف في الجزائر تعيد إلى الواجهة الصراع بين الإخوان والعلمانيين
صدمة الإسلاميين
إلى ذلك، كانت صدمة الإسلاميين كبيرة جداً، وهم الذين كانوا ينتظرون تحقيق أغلبية تسمح لهم بالاستيلاء على الحكومة؛ خصوصاً في ظل مقاطعة أحزاب المعارضة التقليدية، من الديمقراطيين والعلمانيين. ففي حين تحصل أكبر أحزاب الإخوان ممثلاً في “حركة مجتمع السلم” على 64 مقعداً، تذيلت باقي تشكيلات التيار ممثلة في “النهضة” و”الإصلاح” و”العدالة”، قائمة الفائزين.

ودفعت “الانتكاسة”، التي أصابت الإخوان، “حركة مجتمع السلم” إلى تقديم عرض للسلطة من أجل المشاركة في الحكومة، مخافة الخروج فارغة الوفاض، وهي التي استبقت الأحداث وأصدرت بياناً ساعات بعد انتهاء عملية الاقتراع، اتهمت من خلاله بوجود عمليات تزوير للنتائج التي جاءت لصالحها، ودعت الرئيس تبون إلى التدخل؛ من أجل حماية أصوات الناخبين، وهو ما اعتبرته اللجنة المستقلة للانتخابات دعوة إلى الفوضى، وحذرت حزب الإخوان في بيان شديد اللهجة.
اقرأ أيضاً: إخوان الجزائر يتسلقون على حملة التضامن الشعبية مع فلسطين
من جانبه، يرى الإعلامي المهتم بالشأن السياسي، وأحد مؤيدي الحراك الشعبي، عبدالحكيم مسعودي، في تصريحٍ أدلى به إلى “كيوبوست”، أن المشهد يلخص بكل بساطة ووضوح واقع الاستمرارية، وإعادة صنع الواجهة السياسية للنظام دون تغيير يُذكر حتى على المستوى الشكلي، بحكم أن أحزاب التحالف الرئاسي لعهد بوتفليقة هي التي استولت على الأغلبية الساحقة بالبرلمان، والباقي مجرد “أعوان سياسيين”، موضحاً بخصوص خيبة أمل الأحرار، أن هناك مثلاً شعبياً متداولاً في الجزائر يقول إن “الطمّاع يجرفه الكذاب”.

ويواصل مسعودي بأن النتيجة في الحقيقة ليست مفاجئة، وهي صدمة لمن “أغرته” طموحاته إلى الاعتقاد بغير ذلك؛ خصوصاً الذين رأوا أن ترشحهم في هذه الفترة بالذات هو فرصة لا تعوَّض. وقال إن الذين صوتوا اليوم وساروا مع ورقة طريق النظام ليسوا إلا طامعين في “الإغراءات الاجتماعية”.
اقرأ أيضاً: تحذيرات من اختراق الحزب الإسلامي المحظور للحراك الجزائري
وكما جرَت العادة منذ سنوات، عرفت محافظات “القبائل”، مقاطعة واسعة للانتخابات البرلمانية التي جرَت أمس، 12 يونيو؛ حيث تعرضت بعض مراكز ومكاتب التصويت إلى عمليات تخريب للصناديق وتمزيق لأوراق الانتخاب، مع منع المواطنين من التصويت؛ الأمر الذي خلق وضعاً متوتراً بلغ حد اندلاع مناوشات بين شباب المنطقة ومصالح الأمن.

ويقول الحقوقي عابد نعمان، المحامي المعتمد لدى المحكمة ومجلس الدولة، في تصريحٍ أدلى به إلى “كيوبوست”: إن مسألة المقاطعة لن تؤثر على التمثيل النيابي للعملية الانتخابية، مضيفاً أنه في الحقيقة “الإشكال جد عميق إذا ما نظرنا إلى الدائرة الانتخابية كدائرة تمت مراجعة الهيئة الناخبة، سواء بالتسجيل أو التثبيت، على مستواها، وتم فتح اكتتاب الترشيحات وسحب الاستمارات، مروراً بإعلان أسماء المترشحين إلى غاية الحملة الانتخابية إلى نهايتها، وصولاً إلى يوم الاقتراع الذي يصطدم بحالة لا تصويت كاملة”.
وأوضح نعمان أنه من حيث المبدأ، “البرلمان الجزائري له صبغة وطنية، وغير مقيد بالدائرة الانتخابية التي أنتجته؛ حتى لا نقع في فخ الجهوية، ووضع المؤسسة التشريعية رهينة خريطة جغرافية، وهذا بتجرد عن حالة اللا تصويت؛ حتى لا نعطي فرص إخضاع المسألة للتفسيرات الحزبية والأيديولوجية”، وتابع بأنه “في رأينا لا وجود لتمثيل قومية أو منطقة جغرافية مسماة بعينها، وإنما هناك تمثيل الدائرة الانتخابية لمجموعة سكانية ذات هيئة ناخبة في الدولة الجزائرية”.