الواجهة الرئيسيةشؤون خليجيةشؤون دولية

مَن يحمي قطر؟!

ما سر جرأة الدوحة في السياسات العدائية تجاه كثير من البلدان العربية؟

كيوبوست

تزعم قطر كثيرًا من خلال وسائل إعلامها أنها تدافع عن القومية العربية، وترفض الهيمنة والتدخلات الخارجية الأجنبية في قرارات بلدان المنطقة. ولطالما استغلت كذلك علاقات بلدان المنطقة بالولايات المتحدة الأمريكية مثلًا -وهي علاقات مفهومة في إطار السياسة الواقعية- كمساحة للمزايدة ومنطلق رئيس لنقد خصومها. وجزء من هذا الزعم أن الحرب الأمريكية على العراق وأفغانستان جاءت في إطار تواطؤ النُّظم العربية، ناهيك بالطبع المزايدة على علاقة بعض الحكومات بإسرائيل. غير أن المفارقة هي أن الدولة التي لطالما انتقدت خصومها وَفق هذا المنطق تستضيف على أراضيها القاعدة الجوية الأمريكية الأكبر في العالم!

وما يزيد من تلك المفارقة أسئلة كثيرة حول الجرأة التي تحظى بها قطر في ما تتبعه من توجهات سياسية عدائية تجاه كثير من البلدان العربية. وهنا يأتي السؤال الأهم: مَن يحمي قطر وما طبيعة تلك الحماية؛ خصوصًا العسكرية التي تتيح للإمارة الصغيرة إطلاق كل ذلك الكم من العداء والاستهداف لبلدان عربية عدة، وانتهاك القانون الدولي بدعم جماعات الإرهاب من دون أن تدفع ثمنًا لذلك؟

اقرأ أيضًا: شراء صمت مختبرات التفكير الدولية والاستثمارات الخارجية.. هكذا تغسل قطر سُمعتها

أولًا: الحماية الأمريكية

 مؤخرًا، التقى الرئيس الأمريكي أمير قطر في حفل عشاء في وزارة الخزانة الأمريكية، شكره ترامب على ال8 مليارات دولار التي أنفقتها قطر من أجل تجديد وتحديث قاعدة العديد العسكرية الأمريكية المقامة على الأراضي القطرية، وربما كانت تلك القاعدة هي كلمة السر وراء تجاوزات قطر التي لا تتناسب مع حجم قوتها، خاصةً العسكرية، فوفق  تقرير صادر عن مركز أبحاث الكونجرس في ديسمبر 2017 تحت عنوان “قطر: الحكم والأمن والسياسة الأمريكية”، في يونيو 1992، وقَّعت كل من قطر والولايات المتحدة الأمريكية اتفاقية تعاون دفاعي. وجددت الاتفاقية لمدة عشر سنوات مع بعض التعديلات في ديسمبر 2013. نصوص الحلف سرية، لكن يُقال إنها تتعلق بإتاحة نفاذ القوات الأمريكية إلى المنشآت العسكرية القطرية، وتخزين المعدات والسلاح الأمريكي، وتدريب الولايات المتحدة للقوات المسلحة القطرية. وبالفعل، هناك ما يقرب من 10 آلاف جندي أمريكي يوجدون في منشآت عسكرية مختلفة في قطر، أغلبهم قوات جوية تتركز في قاعدة العديد الجوية جنوب غرب الدوحة.. إنها القاعدة التي تستضيف مقرات القيادة المركزية الأمريكية “سينتكوم” (CENTCOM)، والتي جرى توسيعها بما يقرب من 450 مليون دولار أمريكي؛ لتمويل عمليات البناء منذ العام 2003، بينما تكلفت قطر ما يقرب من بليون دولار من أجل بناء القاعدة في التسعينيات.

وقد استخدمت الولايات المتحدة القاعدة الأمريكية الجوية الأكبر في العالم، بشكل سري عام 2001، في الحرب على أفغانستان، وبعد ذلك بعام تم الإعلان بشكل رسمي عن تمركز القوات الأمريكية فيها. وبعد غزو العراق سنة 2003 بفترة قصيرة، نُقل مركز العمليات القتالية الجوية الأمريكية في الشرق الأوسط من قاعدة الأمير سلطان الجوية شرقي السعودية إلى قاعدة العديد. ومع لجوء الولايات المتحدة إلى استخدام مزيد من الطائرات في عملياتها العسكرية؛ ومن بينها الطائرات دون طيار في ملاحقة عناصر التنظيمات المتطرفة، زادت أهمية قاعدة العديد. ففي وقت ما كانت تنطلق من القاعدة تقريبًا طائرة كل 10 دقائق؛ لتنفيذ مهام قتالية فوق العراق وسوريا. ووَفق المصدر نفسه فإن قاعدة العديد هي الوحيدة في المنطقة التي تستطيع استقبال القاذفة “B52” التي استخدمتها الولايات المتحدة في غزو العراق عام 2003 في ما عرف باسم ضربة “الصدمة والرعب”.

اقرأ أيضًا: وثائقي “شجرة الظلام” يفضح دعم قطر وتركيا للإرهاب في ليبيا

ثانيًا: الحماية التركية

تقع قطر تحت مظلة الخضوع الكامل لحماية تركيا، تحت حكم أردوغان، والتي لطالما طمحت إلى استعادة المجد العثماني السابق. وبينما كانت قطر قبل مئة عام تقريبًا جزءًا من الدولة العثمانية، ففي العام 2014 سمحت قطر لتركيا التي تشاركها في دعم جماعة الإخوان المسلمين وغيرها من الجماعات المتطرفة، فتح قاعدة عسكرية هي “طارق بن زياد” على أراضيها.

وكان قد تم تأسيس اللجنة الاستراتيجية التركية القطرية العليا عام 2014، وانعقاد اجتماعها الأول في الدوحة في العام نفسه برئاسة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وأمير قطر تميم بن حمد آل ثاني، والتي دفعت بالعلاقات بين البلدين على كل المستويات؛ خصوصًا بعد توقيع اتفاقية التعاون العسكري والصناعات الدفاعية والتي تنص على إنشاء قاعدة عسكرية تركية على الأراضي القطرية وإمكانية نشر متبادل لقوات تركية في قطر وقطرية في تركيا. وَفق ما ورد على لسان ناطقين عسكريين وإعلاميين أتراك وقطريين، وقتها، فإن القاعدة مهمتها توفير الدعم اللازم للمؤسسة العسكرية القطرية وتطويرها وتحديث وتأهيل كوادرها وتدريبهم، وستكون قادرة في المستقبل على مساعدة قطر في الأزمات الطارئة! بما يمكنها من استيعاب 3000 جندي تركي بزيادة محتملة تصل إلى 5000.

وفي يوليو 2017، قالت وزارة الدفاع القطرية إن القوات التركية والقطرية نفَّذت أول مناورات عسكرية مشتركة في قاعدة “طارق بن زياد”، في تحدٍّ لموقف الدول العربية الأربع: السعودية والإمارات والبحرين ومصر، التي طالبت قطر بإغلاق القاعدة التركية. وبمزيد من التحدي في مواجهة الطلب العربي، زادت تركيا من وتيرة نشر قواتها في قاعدتها العسكرية هناك، بالإضافة إلى نشر الأسلحة؛ من بينها مدفعية ثقيلة، والحفاظ على عمليات التدريب المشترك بين الجانبين خلال العامين الماضيين، كان آخرها في أبريل ومايو الماضيين، حينما أجرى سلاح الحدود الأميري القطري تمرينًا مشتركًا مع القوات التركية المتمركزة في الدوحة، مثلما أجرت القوات الجوية في البلدَين تدريبًا مشتركًا في تركيا.

 ثالثًا: العلاقة مع إيران

ليس أدل على طبيعة العلاقات القطرية-الإيرانية من مضاعفة قطر مؤخرًا حجم الصادرات الإيرانية إليها، لتصل إلى نحو 5 مليارات دولار.  على الرغم من تبني إيران بعد الثورة الإسلامية للشعارات السياسية حول تصدير الثورة الإيرانية إلى الخارج، خصوصًا إلى ممالك الخليج العربي بهدف إسقاطها؛ بسبب علاقتها بالغرب عمومًا، والولايات المتحدة الأمريكية خصوصًا، أو “الشيطان الأكبر” كما اعتاد الخطاب الرسمي الإيراني استخدام التعبير؛ فإن العلاقة بين إيران وقطر لطالما اتسمت بالنمو التدريجي؛ إذ كانت إيران تقف باكرًا مع قطر في خلافاتها الحدودية مع المملكة العربية السعودية، ولهذا السبب بعث الأمير الأسبق برسالة شكر في مايو 1992 إلى الرئيس الإيراني الأسبق هاشمي رفسنجاني؛ ليشكره على دعم بلاده لقطر في خلافاتها مع السعودية. وخلال السنوات التالية، شهدت العلاقات بين البلدين مزيدًا من التطور خلال زيارة الرئيس الإيراني محمد خاتمي، إلى قطر في مايو 1999، ودعمت إيران قطر لاستضافة مؤتمر القمة الإسلامي حينها. ثم تطورت العلاقات بعد انتخاب محمود أحمدي نجاد. وفي الوقت الذي كانت فيه الدول العربية بشكل عام والخليجية بشكل خاص قلقة من الأنشطة النووية الإيرانية وتدعو المجتمع الدولي إلى اتخاذ مواقف صارمة إزاء تلك الأنشطة، كانت قطر في عام 2006 العضو الوحيد بين 15 عضوًا في مجلس الأمن الذي صوَّت ضد قرار مجلس الأمن رقم 1696 حول الملف النووي الإيراني، والذي دعا طهران إلى إبداء مزيد من الشفافية على هذا الصعيد! وقد بلغ التعاون مع إيران قمته عندما دعت قطر الرئيس الإيراني السابق في العام 2007، إلى حضور مؤتمر قمة الخليج في الدوحة كضيف شرف!

اقرأ أيضًا: استطلاع: ما موقف الشعب القطري من إيران، الإخوان وتركيا؟

أمنيًّا وعسكريًّا، فإن البلدَين وقعا في أكتوبر 2015  اتفاقًا أمنيًا عسكريًا تحت مسمى “مكافحة الإرهاب والتصدي للعناصر المخلة بالأمن في المنطقة”؛ والتقى في أكتوبر 2015 قائد حرس الحدود الإيراني قاسم رضائي، مديرَ أمن السواحل والحدود في قطر علي أحمد سيف البديد، ونتج عن اللقاء توقيع اتفاقية تعاون لـ”حماية الحدود المشتركة” بين البلدَين، وذلك بعد عقد 12 اجتماعًا لمسؤولين أمنيين للبلدَين في 2015. وشمل الاتفاق الأمني العسكري “إجراء تدريبات عسكرية مشتركة”، وهو الاتفاق الذي جرى وضع أساسه قبل سنوات، تحديدًا في ديسمبر 2010.

اتبعنا على تويتر من هنا

 

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة