الواجهة الرئيسيةشؤون خليجيةشؤون دولية

مَن سيخلف السيستاني وخامنئي؟ وكيف سيُعيد ذلك تشكيل الشرق الأوسط؟

تلخيص -كيوبوست

ربما لا يمكن تصور الوضع في العراق وإيران من دون السيستاني وخامنئي. فعلى مدى زمن طويل، ظل كل منهما مفتاحًا لفهم ما حدث وما يمكن أن يحدث هناك. لذلك فإن انتهاء عصر السيستاني وخامنئي لابد أن تكون له تبعات ستهز الوضع القائم في الشرق الأوسط، وربما تعيد تشكيله. فآية الله السيستاني وهو المرجع الديني الأعلى لمعظم الشيعة في العالم، أي ما يقارب 200 مليون نسمة، سيبلغ عامه الـ89 في أغسطس القادم، في الوقت الذي وصل فيه القائد الأعلى للجمهورية الإسلامية في إيران، آية الله خامنئي، إلى محطته الثمانين، وإلى السنة الثلاثين من متابعة الحكم في إيران؛ لذلك فالشخصيات التي ستحظى بخلافة هذين الرجلَين سيكون لها بالغ التأثير على المنطقة، لكن الطرق المتبعة لعمليات اختيار الخلفاء تختلف في كل حالة من الحالتَين.

لا يتعلق الأمر بمجرد السؤال عمّن سيخلف مَن، لكن الظرف الذي سيتم فيه اختيار القيادات الجديدة سيكون أيضًا بالغ الأثر؛ حيث سيتأثر المشهد السياسي كما الديني. وأسئلة كثيرة ستتم الإجابة عنها حينذاك؛ منها كيف سيحافظ العراق على استقلاله؟ وهل ستنجح إيران في تصدير النموذج الخاص بها ليحكم الدول المحيطة؟ وما إذا كانت ستنجح في تصنيع السلاح النووي؟ وما مدى الحدة والعنف الذي سيأتي عليهما برنامجها النووي؟ وأخيرًا: كيف ستكون علاقة كل منهما بالولايات المتحدة الأمريكية؟

اقرأ أيضًا: هل تستطيع إيران تحقيق آمالها في الممر الشيعي بدون العراق؟

المرجع الأعلى (آية الله السيستاني)

تحوَّل السيستاني بين ليلة وضحاها إلى أكثر الشخصيات تأثيرًا في الشأن العراقي. ويبدو أن إسقاط نظام صدام حسين في 2003 كان تميمة الحظ في حياة السيستاني. فعلى الرغم من جنسيته الإيرانية؛ فإن إقامته الطويلة في العراق ساعدته على امتلاك هذا الحظ. يُذكر أن السيستاني أقام في مدينة النجف منذ عام 1951، كما عُيِّن كمرجع أعلى في مدرستها المعروفة بمدرسة الحوزة؛ مما أهله إلى أن يلعب الدور المركزي في الشأن الداخلي العراقي.

المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي (يمين) يلتقي صادق لاريجاني (يسار) وعلي لاريجاني وحسن روحاني وإبراهيم رئيسي

ويعد أهم دور لعبه السيستاني في حياته هو فتواه التاريخية عقب أحداث الموصل؛ حيث كان “داعش”، حينذاك، قد استولى على الموصل في 10 يونيو 2014، ثم توسع خلال أيام معدودة ليسيطر على ما يقرب من ثُلث العراق. وكان لابد من مواجهة سريعة للأمر، وهنا أتى دور السيستاني من خلال دعواه لجمهور العراقيين إلى الانضمام إلى صفوف الجيش العراقي لمواجهة “داعش”، ولم يتأخر الرد طويلًا؛ حيث استجابت عشرات الآلاف من العراقيين لفتوى السيستاني. وما كان من القوات المسلحة العراقية إلا أن أعادت تنظيمهم، كما عملت على تنمية استعداداتهم القتالية؛ حتى إن التحالف الدولي في نشأته الأولى جاء ردًّا على هذه الحركة الشعبية الواسعة.

طريقة اختيار المرجع الأعلى في النجف

يتم الاختيار لمنصب المرجع الأعلى طبقًا لعدة شروط؛ من أهمها التقوى والمعرفة الواسعة بعلوم الفقه، وهما المعيار الذي يتبعه العامة من غير المشتغلين رسميًّا بالفقه، وهو أمر طبيعي جدًّا؛ خصوصًا إذا أخذنا في الاعتبار أن هؤلاء الناس سيتبعون فتاواه في ما يتعلق بدينهم ودنياهم. وكما نعرف، فهو إما سيستقي هذه الفتاوى من مراجع الفقه المعتمدة وإما أنه سيجتهد لإصدار فتاوى جديدة، بالإضافة إلى توافر إمكانية طلب الفتاوى من الممثلين الشرعيين لشخصية المرجع الأعلى.

وحين يتوفى المرجع الأعلى، يقوم تلاميذه بالاختيار من بينهم؛ حيث يقع الاختيار على أكثرهم تحقيقًا للشروط المطلوبة. ومن الجائز أيضًا أن يقوم المرجع الأعلى بمنحهم سلطة الفتوى قبل وفاته. وفي هذه الحالة يتم تسيير الوضع طبقًا لأمرَين: أحدهما الاحتكام إلى فتاوى المرجع السابق، وثانيهما الاحتكام إلى أعلاهم مكانة في الأسئلة المستجدة.

وقد تراوحت المدد التي أُنجزت فيها عملية الاختيار على مدى تاريخ المنصب؛ حيث حدث أن تمت المهمة بسلاسة خلال مدة قصيرة من الزمن، تراوحت في الغالب من عدة أسابيع إلى عدة شهور، بينما شهدت حالات أخرى تطويلًا مبالغًا فيه، وصل إلى حد إتمام المهمة في غضون سنوات. وبالنظر إلى الحالة التي نحن بصددها، فإن وقوع الاختيار على أي شخص في ما قبل السيستاني لم يكن يحمل أي أبعاد سياسية، ولم يكن لكرسي المرجع الأعلى تأثير سياسي مهم كما أسلفنا؛ ما يعني أن اختيار المرجع الجديد سيتم على نحو مختلف عما حدث في الماضي.

في ما يلي أبرز أولئك الذين يعتبرون خلفاء محتملين للسيستاني أو مرشحين أقوياء للمرجعية في المستقبل القريب:

الشيخ محمد إسحاق الفياض

 ولد الشيخ الفياض في أفغانستان عام 1930، وهو أحد أهم أساتذة مدرسة الحوزة بالنجف من حيث المعرفة وسعة الاطلاع بالعلوم الفقهية؛ ما يجعله أكثر الشخصيات جدارة بخلافة السيستاني. هذا إذا كان محظوظًا بما يكفي ليعيش بعد وفاة السيستاني، لكن الأزمة الأهم التي تعترض طريق الفياض إلى موقع الزعامة هي جنسيته الأفغانية، وهو ما يمكن اعتباره سوء حظ قد يقلل من احتمالات اقتناصه المنصب الأعلى.

 

 

السيد محمد سعيد الحكيم

 ولد السيد الحكيم بالنجف عام 1934، وهو حفيد المرجع الأعلى الأسبق سيد محسن الحكيم. تلقى تعليمه الفقهي على يد جده، كما تتلمذ على يد آية الله أبي القاسم الخوئي، الذي تصدر هو الآخر منصب المرجع الأعلى لفترة من الزمن. ويعد من أبرز الأسماء بين أساتذة الحوزة؛ ما يجعله الأكثر قربًا من المنصب، لكن عمره المتقدم ربما يقف عثرة قبل أن يمد يده للحصول على لقب آية الله الأكبر.

 

 

الشيخ محمد باقر الإيرواني

 ولد الشيخ الإيرواني بالنجف عام 1949، وهو أحد أبرز الذين قاموا بالتدريس في مدرسة الحوزة. غادر إلى مدينة قُم بإيران خلال السنوات الصعبة التي صاحبت حكم صدام حسين؛ حيث درس هناك مع آية الله التبريزي، كما قام بالتدريس لسنوات عديدة هناك. وكما كان صدام حسين سببًا في منفاه، كان انتهاء نظامه سببًا في عودته، ولسنوات عديدة ظل الإيرواني أحد أهم الأعمدة في التدريس للشيعة.

 

 

الشيخ هادي آل راضي

 ولد الشيخ الهادي هو الآخر بمحافظة النجف، كما درس مع محمد باقر الصدر في العراق والتبريزي في إيران؛ حيث قام بتدريس بعض المحاضرات حول مفهوم ولاية الفقيه، وذلك بعد عودته من إيران. وطبقًا لرواية أحد تلاميذه، فإن مفهوم ولاية الفقيه عند آل راضي يشبه تمامًا مفهومها عند السيستاني.

 

 

الشيخ محمد السند

 ولد الشيخ السند بالمنامة في البحرين عام 1961، وقصد إيران بعد حصوله على درجة علمية في الهندسة من لندن عام 1980؛ حيث درس العلوم الدينية في مدرسة مدينة قُم. ويُعرف بموقفه السياسي من الحكومة البحرينية؛ حيث تم القبض عليه عام 2005، بعد أن طالب الأمم المتحدة بالتدخل لإزاحة الحكومة البحرينية. كما دعا إلى إجراء استفتاء شعبي على شكل الحكومة التي يرغبها البحرينيون؛ مما أدى إلى نزع الجنسية البحرينية عنه في وقت لاحق، ومن ثَمَّ توجه إلى مدينة النجف عام 2010، وهناك تحوَّل إلى أحد أعمدة التدريس بمدرسة الحوزة.

خلافة خامنئي في إيران

على الرغم من جلوس خامنئي على قمة الدولة الدينية لسنوات طويلة؛ فإنه لا يتم النظر إليه باعتباره مرشدًا روحيًّا للشيعة في إيران أو خارجها. وعلى العكس من ذلك يمكن اعتبار منصب خامنئي منصبًا سياسيًّا أكثر منه رجل دين. وهو أقرب إلى صورة السكرتير العام للاتحاد السوفييتي السابق، لذلك لا ينتظر أحد ممن سيخلف خامنئي أن يكون رجل دين من مرتبة عالية؛ بل الأهم من ذلك أن يمتلك خبرة واسعة في السلطة التنفيذية، وأن يكون على علاقة وطيدة بقوات الحرس الثوري الإيراني في الوقت نفسه.

اقرأ أيضًا: هل يمكن مواجهة التمدُّد الشيعي دون فهم قوة إيران الناعمة؟

ويظل التوقُّع الدقيق لمَن سيخلف خامنئي دربًا من دروب التنجيم، هكذا يرى الخبراء المتمرسون في الشأن الإيراني. فقد تتأثر أي توقعات بالمدة التي سيقضيها خامنئي في الحكم، وكذلك الظرف المتزامن مع وفاته، وكيف سيكون الوضع الداخلي في إيران آنذاك؟ وبالطبع كيف سيكون الوضع السياسي في المنطقة الإقليمية؟ كل هذه الأمور ستتدخل في وقتها لتحديد مَن سيكون محظوظًا بما فيه الكفاية لخلافة خامنئي. لكن على كل حال، لابد أن يتوافر في هذا الشخص المؤهلات السياسية والدينية الكافية لحصوله على هذا المنصب. ونجد المرشحين المحتملين كالتالي:

إبراهيم رئيسي

 في حال وفاة خامنئي في التاريخ القريب، سيكون رئيسي البالغ من العمر 58 عامًا مؤهلًا للبقاء لمدة طويلة في سُدة الحكم. وهو يتمتع بميزات عدة؛ من بينها نسبه الذي يرجع إلى آل البيت، بالإضافة إلى خبرة تصل إلى 39 عامًا في السلك القضائي، أي أن رئيسي بشكل أو بآخر هو رجل بيروقراطي مخضرم، ويضاف إلى سجله البيروقراطي جلوسه على رأس جهاز القضاء في الجمهورية الإسلامية، ذلك المنصب الذي حصل عليه بمباركة خامنئي نفسه عام 2019.

 

 

حسن روحاني

تهاوت شعبية روحاني، خصوصًا بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي؛ ما يقلل من فرصه للمنافسة على منصب خامنئي بشكل كبير. وكان الإيرانيون قد عقدوا كثيرًا من الآمال على اتفاقية التعاون الشاملة المشتركة، تلك التي كان من شأنها أن تعيد إيران إلى حظيرة الاقتصاد العالمي مرة أخرى، ومن ثَمَّ كان للإيرانيين أن يشهدوا بعض الخطوات التي ستنقذ الموقف؛ منها عودة الاستثمارات الأجنبية والرواج التجاري إلى إيران مرة أخرى، وهم لذلك ينظرون الآن إلى روحاني نظرة امتعاض خفي؛ خصوصًا بعدما عصفت القيود الاقتصادية الأمريكية الأخيرة بكل الآمال التي عقدوها. وعلى الرغم من كل ذلك؛ فإن الخبراء لا يلجؤون إلى استبعاد روحاني تمامًا من السباق.

 

 

صادق لاريجاني

 كان لاريجاني قد خسر في السابق منصب رئيس القضاء لصالح رئيسي، لكنه على الجانب الآخر يتمتع بعدة مزايا؛ منها انتماؤه إلى عائلة تحمل اسم آية الله، كما يحمل عضوية المجلس الاستشاري وهو في عمر يناهز الـ58، لكن ما قد يُشكل حجر عثرة في طريقه هو السبب نفسه الذي يمنحه القوة، وهذا السبب هو عائلته التي على الرغم من مكانتها الكبيرة في المجتمع الإيراني؛ فإنها أصبحت متهمة بالفساد في أنظار الإيرانيين. وهناك مشكلة أخرى قد تعيق تقدمه، هي مسقط رأس لاريجاني الذي ولد في العراق لا إيران.

 

 

حسن الخوميني

 هو أحد أحفاد مؤسس الجمهورية الإسلامية الذين يبلغ عددهم 15 حفيدًا. وهو يتمتع بوسامة تليق بعمره الصغير (47 عامًا)، كما أنه وللغرابة ليبرالي يتمتع بجرأة كبيرة، ذلك مقارنة بنظرائه من السياسيين الحاليين، كما يحفل تاريخه ببعض التحديات الصارخة للنظام؛ منها توجيهه بعض الانتقادات إلى النخبة الإيرانية. يُذكر أنه وصف النخبة الإيرانية بصفات سلبية؛ مثل “نشر الكراهية والضغينة والنفاق والكيل بمكيالَين وانعدام الشرف”. وقد يبدو حسن خوميني اختيارًا موفقًا وناجحًا إلى حد بعيد؛ لكنه لا يمتلك إلا فرصًا قليلة للنجاح.

 

 

مُجتبى خامنئي

 أحد أبناء الرجل الأول في إيران، يبلغ من العمر 49 عامًا، وهو يتمتع بنفوذ هائل يستمده من نفوذ أبيه. لكن لاحقته شائعات بالفساد والاحتيال؛ حيث اتُّهم من قِبَل كثيرين بكونه الشخصية الأولى وارء التزوير الذي جرى عام 2009، وهي الاتهامات التي طالت عملية إعادة انتخاب أحمدي نجاد؛ لذلك سيكون اختياره خلفًا لخامنئي من أكثر الأمور إثارة للجدل داخل إيران. وعلى الجانب الآخر، يتمتع خامنئي الصغير بصلات قوية مع الحرس الثوري الإيراني إلى جانب علاقته القوية مع القوات العسكرية الموازية المعروفة بـ”الباسيج”، ولا يخلُ الأمر من قدرته على النفاذ إلى الثروات الطائلة التي يملكها والده، وبالتالي استخدامها كرأسمال سياسي متى شاء.

 

 

محمد ري شهري

 من الممكن أن يكون ري شهري، البالغ من العمر 72 عامًا، هو الحصان الأسود القادم؛ فقد خدم كوزير للاستخبارات في ثمانينيات القرن الماضي، وهي الفترة الزمنية ذاتها التي حدث فيها أعمال العنف واسعة النطاق التي صاحبت الأيام الأولى للثورة. ثم اختفى عن الأنظار لمدة عقد كامل بعد فشله في الحصول على مقعد الرئاسة عام 1997، لكنه عاد بعد ذلك عام 2016 ليقود مبادرة سياسية عُرفت باسم (قائمة الأمل)؛ حيث نجح في الدخول إلى المجلس الاستشاري بعد تأييد كلٍّ من روحاني والرئيس الإصلاحي السابق محمد خاتمي.

 

الخلاصة

من وجهة نظر عراقية، في حال موت السيستاني قبل خامنئي، سيصبح مستقبل العراق أكثر غموضًا وظلامية. وسيكون استقلال واستقرار بلاد الرافدين، آنذاك، في مهب الريح؛ فخامنئي المخضرم في الشؤون السياسية والدينية على مدى 30 عامًا لابد أن يكون لكلمته وقع شديد على العملية برمتها، فهو بهذه الطريقة أو تلك قد اعتاد على حكم منطقة أوسع جغرافيًّا بكثير مما امتدت إليه يد السيستاني أو غيره. وفي هذه الحالة، سيسعى خامنئي إلى التأثير على عملية اختيار خليفة السيستاني، بالطبع على النحو الذي يحقق المصالح الإيرانية، وساعتها سيكون المرشح الأكثر تعاطفًا مع وجهات النظر الإيرانية هو الأكثر احتمالية للفوز.

شاهد: لأول مرة في إيران يرفع المتظاهرون شعار “الموت لخامنئي”

أما لو حدث العكس، أي موت خامنئي قبل السيستاني؛ فإن خليفة خامنئي سيحتاج إلى بعض الوقت لاستكشاف الوضع السياسي الداخلي في إيران، وهو وضع شديد التعقيد كما يعرف الجميع. وحينذاك، لن يستطيع أن يحرز أي تأثير في السياسة الخارجية؛ حيث ينبغي عليه أن يحكم قبضته على الداخل أولًا، لذلك فإن توفر العمر المديد للسيستاني سيصب بالضرورة في مصلحة العراق. هذا من وجهتَي النظر السياسية والاجتماعية في العراق، وفي هذه الحالة لن تُشَكِّل الشخصيات التي ستُخلف أي منهما، سواء في النجف أو طهران، فارقًا ضخمًا؛ خصوصًا في ظل الضبابية الشديدة التي تحيط بالشخص الذي سيقع عليه الاختيار في أي من المنصبَين.


المصدر: مركز أتلانتيك كونسل للدراسات

اتبعنا على تويتر من هنا

 

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة