الواجهة الرئيسيةترجماتشؤون دولية

مَن سيخلف أردوغان في تركيا؟

الشيء الوحيد المؤكد هو أنه عندما ينتهي حكم أردوغان فإن ذلك سيكون مفاجئاً.. ليس هنالك من ديكتاتور يستيقظ صباحاً وهو يفكر أن هذا هو يومه الأخير

كيوبوست- ترجمات 

مايكل روبن♦

احتفل أردوغان بعامه الثامن عشر في السلطة، في الرابع عشر من الشهر الجاري. عندما فاز في الانتخابات البرلمانية الخاصة، وتولى رئاسة الوزراء، كان رجلاً في منتصف العمر ومحافظاً سابقاً نجح في تجاوز ماضيه الإسلاموي، ووعد بأن يكون مصلحاً وبانياً للجسور؛ ولكنه فشل في كلا الأمرَين، فبدلاً من إصلاح وتحسين الديمقراطية المعيبة في تركيا، قام بتمزيقها، وبدلاً من توسيع خيمة تركيا قام بتوسيع سجون البلاد لتستوعب ضحايا عمليات التطهير المستمرة.

ربما يكون الشيء الوحيد الذي يتفق عليه مؤيدو أردوغان ومعارضوه هو أنه هذا المستبد المسن، فهو أبرز زعماء تركيا منذ مصطفى كمال أتاتورك الذي أسس الجمهورية التركية الحديثة قبل نحو قرن من الزمان. لا أحد يعلم كيف سينتهي حكم أردوغان، فضلاً عن المكان الذي سيدفن فيه؛ ولكن سيكون السؤال الأكثر أهمية لتحديد مسار تركيا بعد أردوغان هو: مَن سيخلفه؟

اقرأ أيضاً: “التايم” تحذر من نتائج سياسات أردوغان العدوانية على العالم

هنالك بعض الأمل الساذج عند البعض في وزارة الخارجية التركية في أن تعود تركيا إلى ما كانت عليه سابقاً، إلا أن هذا مستبعد، فقد ازداد عدد سكان تركيا بنحو عشرين مليوناً منذ أن تولى أردوغان السلطة، وأكمل عدد مماثل من الأتراك تعليمهم وفقاً للمنهج الدراسي الذي وضعه، وحصل نحو 13 مليوناً على تعليمهم العالي في عهده.

كما أثرت نفس هذه الديناميكية في الجيش التركي الذي كان علمانياً يوماً ما؛ فتطلعات كبار الضباط في الجيش التركي هي اليوم أقل بكثير من تلك التي عند نظرائهم الأوروبيين، وأكثر بكثير من الباكستانيين. وربما ينقلب “جيل الشباب” في تركيا ضد رئيسهم الزئبقي، بعد أن قيَّد الحريات ودمَّر الاقتصاد؛ إلا أن نسبة الخصوبة بين سكان الأرياف المحافظة، ربما تقيد تطلعات المراقبين في إسطنبول.

أردوغان يخشى من جيل الشباب في تركيا- “دويتشه فيله”

يبدو أن أردوغان لديه رغبة في إبقاء قيادة البلاد في عائلته، وهو بذلك يشبه الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد، الذي رتَّب لخلافة ابنه بشار (بعد وفاة نجله الأكبر باسل في حادث سيارة)، والرئيس الليبي معمر القذافي، الذي حاول أن يورث ابنه سيف الإسلام، وحسني مبارك الذي ناور لتنصيب ابنه جمال كرئيس لمصر. ولكن الأسد كان الوحيد الذي نجح؛ فسيف الإسلام فشل بينما كان والده يترنح، وكان سعي حسني مبارك هو ما دفع الجيش المصري للانضمام إلى الانتفاضة ضده. ببساطة، إن الحديث عن جعل تركيا شركة عائلية لأردوغان أسهل بكثير من فعل ذلك.

اقرأ أيضاً: جامعة مرموقة في إسطنبول تقاوم نفوذ أردوغان

وليس السبب في ذلك هو أنه لم يحاول فعل ذلك؛ فمع أن حزب العدالة والتنمية كان هو وسيلة أردوغان للوصول إلى الحكم، فقد سخره لصالح عائلته من وقت طويل. وأسلوب الإدارة المتبع يوفر لأبنائه وأزواجهم اعتبارات أكبر بكثير من تلك المتاحة للوزراء مثلاً.

وعلى مدى سنوات كان واضحاً أن بيرات البيرق، زوج ابنة أردوغان الكبرى إسراء، هو خليفته غير المعلن. ففي البداية، قام أردوغان بترقية صهره غير المؤهل ليصبح وزيراً للطاقة (حيث عمل على جني الأرباح من نفط تنظيم الدولة الإسلامية)، ثم ليصبح وزيراً للمالية (حيث شكك المستثمرون في كفاءته الأساسية). وقد استقال البيرق فجأة في نوفمبر 2020 على خلفية تراجع قيمة الليرة التركية -في حين يشير البعض في تركيا إلى مشكلاتٍ عائلية، وهنالك حديث عن أن أردوغان ضرب البيرق؛ مما أدى إلى كسر أنفه- ويشير آخرون إلى أنه مع اقتراب الكارثة الاقتصادية، قام أردوغان بإزاحة صهره؛ كي يقيه من اللوم المباشر. ومن غير المرجح أن يتخلى أردوغان عن البيرق قبل أن يجهز ابنه ليصبح قادراً على أن يحل محله. ففقدان الأسرة السيطرة على الحكم يعني المخاطرة بتمكين مَن يخلفه من السيطرة على ثروة العائلة التي تقدر بمليارات الدولارات، والتي جمعها أردوغان أثناء وجوده في السلطة.

البيرق يفشل في إقناع المستثمرين في واشنطن- “رويترز”

مع أن أردوغان يشكل مركزاً للقوة بينما هو على قيد الحياة، فإن رفاقه يشعرون بتهديد كبير عند وفاته. وهنا التاريخ هو الدليل؛ فباستثناء أتاتورك وحزبه (حزب الشعب الجمهوري) فإن الأحزاب السياسية التي استخدمها القادة الأتراك للوصول إلى السلطة قد انهارت بعد وفاتهم. فقد هيمن الحزب الديمقراطي الذي ينتمي إليه رئيس الوزراء السابق عدنان مندريس، على تركيا بين عامَي 1950 و1960؛ ولكنه تم حله بعد وقتٍ قصير من الإطاحة به وإعدامه. وكذلك الأمر بالنسبة إلى حزب الوطن الأم الذي كان يتزعمه رئيس الوزراء الذي أصبح رئيساً للبلاد تورغوت أوزال، الذي لم يستمر طويلاً بعد وفاته عام 1993. وهذا يشير إلى احتمال انقسام حزب العدالة والتنمية مع انفصال أبرز قادته عنه، وتشكيلهم أحزاباً جديدة.

اقرأ أيضاً: نوايا أردوغان السلطوية تقف خلف المطالبة بـ”دستور جديد”

وفي الواقع لقد بدأ هذا الأمر فعلاً مع انفصال كل من وزير الخارجية ورئيس الوزراء السابق أحمد داود أوغلو، ووزير الخارجية السابق ونائب رئيس الوزراء علي باباجان، عن حزب العدالة والتنمية وتشكيل حزبيهما الخاصَّين. ويتمتع باباجان بسمعة حسنة بين الأتراك؛ لطريقته في قيادة دبلوماسية واقتصاد البلاد ولاعتداله.

تورغوت أوزال الرئيس التركي الأسبق- أرشيف

كان داود أوغلو الأب الفكري للسياسات العثمانية الجديدة التي حاول أردوغان تطبيقها، وربما يكون أيضاً الرجل البارز الأخير في تركيا ممن لهم علاقة مع رجل الدين المنفي فتح الله غولن، ولم يأمر أردوغان باعتقاله بعد مع أن أردوغان دائماً ما يسعى لإذلاله. كما يذكر أحياناً اسم الرئيس السابق عبدالله غول؛ ولكن على المستوى الشخصي، فهو جبان إلى درجة أنه لا يمكنه البقاء في المجال السياسي التركي الصاخب من دون حماية أردوغان له.

اقرأ أيضاً: قانون الجمعيات الأهلية في تركيا.. مصيدة جديدة لقمع الحريات

ربما يفتح انهيار حزب العدالة والتنمية الباب أمام حزب الشعب الجمهوري؛ فقد شهد منصور يافاش الذي فاز بانتخابات محافظ أنقرة مؤخراً، ارتفاعاً كبيراً في شعبيته؛ بفضل الإصلاحات والتحسينات التي يقوم بها. وتظهر الاستطلاعات أنه بات يتقدم الآن على حزب العدالة والتنمية بـ15%. وقد ساعد في توسيع شعبيته كونه شخصية من يمين الوسط يعمل من داخل حزب من يسار الوسط. وربما لا يكون هو المحافظ الوحيد الذي سيسعى لدخول القصر الرئاسي؛ فأكرم إمام أوغلو قد فاز بمنصب محافظ إسطنبول مجدداً بعد أن ألغى أردوغان الانتخابات التي فاز فيها. وفوز إمام أوغلو في أرقى مناطق تركيا -المنصب الذي شغله أردوغان من قبل- يضعه أيضاً في قائمة المرشحين للفوز بالسيطرة بعد موت أردوغان أو الإطاحة به.

محافظ أنقرة منصور يافاش- أرشيف

بطبيعة الحال، فالبديل هو عودة تركيا إلى النظام البرلماني؛ خصوصاً إذا أدرك عدد كافٍ من الأتراك مدى الضرر الذي سببه أردوغان من خلال سلطاته التنفيذية الواسعة. لقد كان أداء ميرال أكشينير، التي انشقت عن الحزب القومي لتشكل حزبها الخاص، ضعيفاً في الانتخابات الأخيرة؛ ولكنها لا تزال قادرة على أن تلعب دوراً في التحالفات السياسية. وإلهان كيسيتشي، عضو حزب الشعب الجمهوري ذي الخلفية من يمين الوسط الذي عمل سابقاً كمدير للميزانية، ينحدر من عائلة متدينة وله سمعة طيبة كرجل دولة يمكنه أن يحقق جميع الشروط المطلوبة، وأن يبرز كحل وسط وكقائد قادر.

ميرال أكشينير تشكل حزباً سياسياً جديداً يتحدى أردوغان- “دويتشه فيله”

الشيء الوحيد المؤكد هو أنه عندما ينتهي حكم أردوغان سيكون ذلك مفاجئاً أكثر مما يتوقع الجميع؛ فليس هنالك من طاغيةٍ يستيقظ صباحاً وهو يفكر أن هذا هو يومه الأخير. ربما تستسهل السفارة الأمريكية والدبلوماسيون الأوروبيون تجاهل المعارضة السياسية والتركيز على أردوغان ودائرته الداخلية فقط، إلا أنه أصبح من الضروري الآن تطوير العلاقات مع مَن يسعون لخلافة أردوغان. وفي الواقع فلا شيء يشير إلى الأهمية التي يوليها الغرب للديمقراطية في تركيا أكثر من بذل الجهود المنسقة لاحترام التعددية السياسية في البلاد.

♦باحث مقيم في معهد أميريكان إنتربرايز، مختص بشؤون إيران وتركيا والشرق الأوسط الكبير.

المصدر: ذا ناشيونال إنتريست

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة