الواجهة الرئيسيةشؤون عربية
مَن أطلق النيران على المتظاهرين العراقيين؟
أصابع الاتهام تشير إلى إيران وتورُّط مسؤولين حكوميين

كيوبوست- ترجمات
لم يكن الأمر حدثًا عرضيًّا حين فتحت قوات الأمن العراقية النيران الحية على المتظاهرين في المدن والأقاليم الجنوبية، تلك التي سبق أن تم سحب قوات الأمن ووحدات الحشد الشعبي منها. وبالنظر إلى الشائعات والتخمينات التي انتشرت بين المحتجين العراقيين، يمكننا توجيه الشكوك إلى بعض الأطراف الخارجية؛ وهو ما فعله المتظاهرون الذين أشاروا بأصابع الاتهام إلى الجماعات الموالية لإيران، ما يدعو إلى التفكير في أغراض إيران من القيام بمثل تلك الأمور.
ولعل الرواية التي تبدو بديهية للبعض هي رغبة إيران في الحد من اندلاع التظاهرات؛ بغرض فرض سيطرتها على الداخل العراقي، سعيًا لتحقيق أهداف إيرانية خالصة.
ولتأكيد تلك الراوية، دفع البعض بالإشارة إلى اندساس متحدثين باللغة الفارسية بين صفوف المتظاهرين، كما انتشرت الروايات عن ظهور أفراد بأكثر من زي من الأزياء الخاصة بوحدات الأمن. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد؛ حيث تحدث آخرون عن رؤيتهم ضباطًا بملابس مدنية وسط صفوف قوات الأمن، ما عزَّز تخميناتهم حول اندساس أطراف خارجية وسط صفوف الأمن العراقي، فضلًا عن التغريدات والمنشورات المكتوبة باللغة العربية على صفحات التواصل الاجتماعي، والتي تشير إلى تسلل كتائب الحرس الثوري الإيراني إلى الداخل العراقي بمساعدة زعيم ائتلاف الفتح، هادي العامري.
فوضى الروايات
وكما جرت العادة، لا يتفق الناس على تفسير واحد لأي شيء؛ فكما تم إرجاع تلك الروايات إل تدخل إيراني سافر في الشأن العراقي، علَّل البعض الآخر ظهور تلك الروايات إلى رغبة خفية في إذكاء نيران الاحتجاجات، في إشارة إلى أن تلك القصص تم اختلاقها عمدًا على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي؛ محاولين تأكيد وجهة نظرهم هذه بانخراط حسابات شخصية تنتمي إلى أفراد يعيشون بالخارج في الترويج لتلك الروايات.
اقرأ أيضًا: كيف ولماذا تستعد إيران للانتخابات العراقية المقبلة؟
وإذا أردنا التحدث بموضوعية، فإن أيًّا من تلك الروايات لا يقدم لنا صورة كاملة عما حدث، وهو لا ينفي حقيقة أن قوات الأمن التي تم إرسالها إلى مواقع التظاهرات انخرطت في أداء تكتيكات عنيفة منذ اللحظة الأولى لاندلاع الاحتجاجات، كما أن مقاطع الفيديو التي تم تسجيلها في مسرح الأحداث أظهرت أفرادًا يرتدون الزي المموه وعلى درجة عالية من التسليح، فضلًا عن الأفراد الذين تم تصويرهم في زي الشرطة العراقية ذي اللون الداكن.

وقد سبق التحذير من اندلاع الاحتجاجات في الساعات المبكرة من الأول من أكتوبر الجاري؛ وهو ما دعا الحكومة العراقية إلى أخذ الاحتياطات اللازمة والوقوف على أهبة الاستعداد. وفي الوقت نفسه، لم يبدِ أي من السياسيين العراقيين الكبار أية محاولة لتفادي اندلاع المظاهرات. وعلى ما يبدو أن المحتجين الذين تجمعوا في ميدان التحرير بالعاصمة بغداد كان لديهم ما يقولونه منذ اللحظة الأولى؛ حيث عبَّروا عن امتعاضهم من تفشي الفساد وفشل الحكومة في أداء الخدمات المنوطة بها، كما اشتكوا من ضعف الرواتب؛ أي أن هؤلاء الناس ينادون بالحصول على حقوقهم الأساسية كمواطنين.
اقرأ أيضًا: مصدر لـ”كيوبوست”: إيران لم تتوقع “ثورة” في الشارع العراقي بعد إقالة الساعدي
وكانت أحداث العنف قد بدأت بمجرد اقتحام قوات مكافحة الشغب ميدان التحرير، وربما تتلخص مهمة القوات في إخلاء الميدان والجسر المؤدي إليه من المتظاهرين، لكن مع حلول الليل كان قد سقط عدد ليس بقليل من القتلى، فضلًا عن إصابة المئات؛ مما دفع المتحدث باسم البرلمان العراقي محمد الحلبوسي، إلى الدعوة إلى إجراء تحقيقات موسعة حول رد الفعل العدائي لقوات الأمن.
وعلى الرغم من نقص المعلومات حول أحداث الأول من أكتوبر؛ فإنه يمكن الإشارة إلى بعض وحدات الشرطة العراقية التي تعاملت بهدوء مع المحتجين، بينما لجأت قوات مكافحة الشغب إلى استخدام وسائل عنيفة؛ بدءًا باستخدام مدافع المياه والغاز المسيل للدموع، وانتهاءً بإطلاق الرصاص الحي. لكن على ما يبدو أن هنالك رواية أخرى يتناقلها البعض عن تورط وحدات الحشد الشعبي في أحداث العنف؛ وهي وحدات شبه عسكرية يتكون أغلب أفرادها من المسلمين الشيعة، ويتم تصنيفها باعتبارها جزءًا من قوات الأمن.

وبينما تواصلت الأزمة لليوم الثاني على التوالي، وتم فرض حظر التجوال وحجب مواقع التواصل الاجتماعي، يبدو أن المحتجين لم يلقوا بالًا إلى القرارات الحكومية، ولم تمنعهم تلك القيود المجحفة من الانتشار في الشوارع وصولًا إلى المناطق الجنوبية. وطبقًا لبعض الروايات أيضًا، لم يشترك أيٌّ من قوات الشرطة الفيدرالية والقوات المسلحة العراقية في كبح المتظاهرين؛ بل سَعَت إلى حمايتهم، ما يعود بنا إلى السؤال الأول مرة أخرى: مَن المسؤول عن إطلاق النيران؟
اقرأ أيضًا: احتواء إيران للشيعة العراقيين.. إلى أين يتجه تحالف العامري والصدر؟
نقطة تحول
وقد صاحب صدور قرارات قطع الإنترنت وحظر التجوال اهتمام مشترك من قِبَل وزير الدفاع ومجلس الأمن الوطني العراقي.. كان الموقف قد أخذ في التطور؛ حيث بلغ تعداد القتلي 19 فردًا في صباح الثالث من أكتوبر الجاري، ولم يتأخر ظهور عادل عبد المهدي، رئيس الوزراء العراقي، طويلًا؛ حيث كان يحاول إظهار نفسه باعتباره ميالًا للاستماع إلى مطالبات المحتجين والحوار بشأنها، بينما أكد في الوقت نفسه عدم وجود حل سحري لتلك المطالبات دفعة واحدة. وعلى الرغم من تحركات المسؤولين الحكوميين والعسكريين؛ فإنه لم يتبين من أيٍّ منها ما يشير بوضوح إلى المسؤولين عن إطلاق النار، بما في ذلك استخدام قناصة لاستهداف المتظاهرين.
اقرأ أيضًا: ميليشيات الحشد الشعبي.. دولة إيرانية داخل الدولة العراقية
وكان يوم الرابع من أكتوبر نقطة تحول في مسار الاحتجاجات العراقية؛ فقد سبق أن وعد المتظاهرون عشية الثالث من أكتوبر بالانتقام لأرواح الضحايا. كما هدَّدوا بالخروج إلى الشارع باستخدام القوة وكسر حظر التجوال عقب صلاة الجمعة. في الوقت نفسه، كان آية الله السيستاني في إيران يسعى لتهدئة الوضع المتأزم؛ من خلال إظهار تعاطفه مع المتظاهرين، أما في الداخل العراقي فقد تصاعدت الدعوات إلى إجراء انتخابات مبكرة.. قاد تلك الدعوات أسماء ذات ثقل في الشارع العراقي، وسبقها إلى ذلك مقتدى الصدر، ثم تبعه رئيس الوزراء العراقي السابق، حيدر العابدي.

وبينما تم اعتقال ما يصل إلى 600 متظاهر خلال الاحتجاجات؛ منهم مَن تم إطلاق سراحه بعد ذلك، أظهرت البيانات الرسمية ارتفاع أعداد القتلي من 60 إلى 100 قتيل ما بين يومَي الجمعة والسبت، إلا أن الأرقام المعلنة قد تكون أقل بكثير من أعداد الذين لقوا مصرعهم على أرض الواقع، ويبدو ذلك واضحًا من التقارير المفصلة الصادرة عن المستشفيات التي استقبلت القتلى والجرحى، وزد على ذلك مقطع الفيديو الذي تم نشره على مواقع التواصل الاجتماعي وأظهر بعض القناصة وهم يستهدفون المتظاهرين العزل.
حصانة مشبوهة
وإذا حاولنا الآن رسم صورة كلية للأحداث، سنجد أنه خلال اليوم الأول للتظاهرات كانت قوات مكافحة الشغب هي التي تولت السيطرة على الموقف؛ لكنّ الأمور ظلت تتغيَّر نحو الأسوأ، خصوصًا مع أحداث العنف التي جَرَت عشية الثاني من أكتوبر؛ حيث كان المتظاهرون في سبيلهم إلى إغلاق الطرق المؤدية إلى المطار والمنطقة المحيطة به، وهو ما قد ضاعف تخوفات الحكومة، ومن ثَمَّ تطور الوضع بسرعة إلى استخدام الذخيرة الحية والقناصة لاستهداف المتظاهرين.
كما شوهدت قوات الأمن وهي تقتحم بعض المستشفيات وتقوم باعتقال المصابين؛ ومنها مستشفى الشيخ زايد ومستشفى الزعفرانية بالعاصمة بغداد، وذلك على الرغم مما ورد في بعض التقارير؛ كتقرير نُشر في صحيفة “واشنطن بوست” التي أشارت إلى اتهام الميليشيات ووحدات الحشد الشعبي بارتكاب ذلك الفعل.

ومن الملاحظ أن هناك شكلًا من أشكال الجرأة والشعور بالحصانة في ما قام به بعض الوحدات التابعة للدولة بشكل أو بآخر، وهو ما يدفعنا إلى التساؤل حول الطريقة التي يتم بها تسيير العمل داخل الحكومة العراقية، وكذلك عن الوحدات التي تورطت في قتل المتظاهرين، إلى أية جهة تتبع؟ هل لوزارة الداخلية العراقية أم لمكتب رئيس الوزراء نفسه؟ وقد يبدو السؤال للوهلة الأولى ساذجًا؛ خصوصًا إذا كنا نتحدث عن تورط الحكومة في الحالتَين، لكن إذا كان لدينا في الكفة الأخرى دلائل تنفي تورط بعض قوات الأمن في استخدام الذخيرة الحية، فإننا نصبح بصدد سؤال منطقي.
وسواء انتهت الأزمة العراقية الحالية بانتخابات مبكرة أو حتى بحدوث تغيُّرات في مراكز القوى السياسية، سيظل السؤال حول المتورطين في قتل المتظاهرين قائمًا؛ خصوصًا إذا كنا بإزاء دعوات متصاعدة للدفاع عن حق العراقيين في التظاهر، فضلًا عن حقهم في معرفة لماذا تم قمعهم بتلك الطريقة الوحشية.
اقرأ أيضًا: الصراع الانتخابي يبدأ.. ميليشيا الحشد الشعبي تحاول التأثير على الناخبين
المصدر: جيروزاليم بوست