الواجهة الرئيسيةشؤون عربية

مي شدياق لـ”كيوبوست”: أوضاع المنطقة تدفع الوضع في لبنان إلى التهدئة

وزيرة الدولة لشؤون التنمية الإدارية المستقيلة بالحكومة اللبنانية تروي في مقابلة خاصة تفاصيل عديدة عن مكافحة الفساد وأزمات اتخاذ القرار داخل الحكومة المستقيلة.. وأسباب رفض موازنتَي عامَي 2019 و2020

أحمد عدلي

مسيرة سياسية وإعلامية حافلة للإعلامية مي شدياق، أوصلتها إلى منصب وزيرة الدولة لشؤون التنمية الإدارية بالحكومة اللبنانية، قبل أن تقدم استقالتها من الحكومة مع وزراء حزب “القوات اللبنانية” الذين استبقوا قرار رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري، بتقديم الاستقالة على وقع الاحتجاجات الشعبية المتزايدة منذ اندلاع الحراك اللبناني في 17 أكتوبر الماضي ولا يزال مستمرًّا حتى الآن.

في مقابلة خاصة مع “كيوبوست”، تتحدث مي شدياق التي تعرَّضت إلى محاولة اغتيال قبل 14 عامًا، عن عملها الوزاري ورؤيتها للأوضاع في لبنان، وتكشف عن بعض تفاصيل ملفات الفساد، وإلى نص الحوار..

* باعتبارك وزيرة في الحكومة المستقيلة، ما تقديرك بناءً على ما اطّلعتِ عليه من أوراق بشأن فساد محتمل في مفاصل الدولة؟

– وزارة التنمية الإدارية هي وزارة مسؤولة عن موضوع مكافحة الفساد بمنحاه التشريعي وبالسياسات العامة؛ لكن ليس لديها دور قضائي. قمت بعديد من المبادرات؛ ومنها طرح استراتيجية وطنية لمكافحة الفساد على اللجنة الوزارية، لطرحها لاحقًا على مجلس الوزراء؛ ولكن الحكومة استقالت قبل التصويت عليها. وأيضًا، أسهمنا في إعداد المرسوم التطبيقي لقانون حق الوصول إلى المعلومات مع وزارة العدل، وقُمنا بتدريب الموظفين بالدولة على موضوع مساعدة المواطنين في حق الحصول على المعلومات. الكل يعلم أن هناك ملفات في الجمارك؛ الاتصالات، الكهرباء، وموضوع التوظيف غير الشرعي؛ حيث اتخذت خطوة بتوقيف عقود عمل ٦ أشخاص وظِّفوا بطرق مخالفة بعد قرار منع التوظيف. لكن في الوقت نفسه، هناك دور للقضاء في هذا الخصوص، وهو اتخاذ الإجراءات القانونية ومحاكمة الفاسدين. وحتى الآن لم يُحاسب أحد وأتمنى أن يلعب القضاء دوره بقوة. كما أن معظم ملفات الفساد تأتي من خلال المناقصات، وسعيت للتغلب على هذا الموضوع من خلال طرح التوريد الإلكتروني، ومن خلال بحث مشروع قانون الصفقات العمومية الذي تقدمت به الوزارة.

اقرأ أيضًا: كيف مهَّدت الأحداث الداخلية إلى تحريك الشارع اللبناني ضد السلطة؟

* مَن يطالب بحكومة تكنوسياسية يرى أن هذا ممكن من الحكومة الحالية؛ لكن مع استبدال بعض الوزارات فقط بأن يتولاها المختص، هل ترين هذا الأمر ممكنًا؟

– بالطبع لا، هناك انعدام ثقة من المواطنين تجاه الطبقة السياسية المتمثلة في الحكومة والأحزاب الموجودة؛ فتشكيل حكومة تكنوسياسية أو إعادة تشكيل نفس الحكومة مع تغيير بعض الوجوه هو التفاف على مطالب الشعب ومحاولة للكذب عليه؛ فاليوم الشعب اللبناني يرى أن الوضع الاقتصادي شبه منهار ومتجه نحو الأسوأ ويحتاج إلى أشخاص ذوي كفاءة وموضع ثقة، ويرى أن كثيرًا من الأحزاب لم يكن على قدر المسؤولية؛ لذا الأفضل هو الاتجاه نحو حكومة اختصاصيين مستقلة عن الأحزاب السياسية.

أزمة صرف خانقة في لبنان – المصدر: Euronews

* كيف ترين النظر إلى استقالة وزراء “القوات اللبنانية” وأنتِ واحدة منهم، بأنها محاولة للقفز من المركب؟

– لم تكن استقالتنا محاولة للقفز على الحالة الشعبية؛ أولًا “القوات اللبنانية” موقفه الرسمي منذ فترة طويلة في لبنان هو أنه يفضل تكوين حكومات منتجة، وفِي كثير من الأحيان طرحت تشكيل حكومات تكنوقراط، ورئيس حزب القوات اللبنانية في اجتماع بعبدا الذي عُقد قبل الثورة بأسابيع، طرح موضوع حكومة تكنوقراط مستقلة؛ لإنقاذ الوضع، ولَم يؤخذ كلامه بعين الاعتبار في ذلك الوقت، كما أن حزب القوات قبل استقالة الوزراء الأربعة طالب بتشكيل لجنة إصلاحات في خضم مناقشة قانون الموازنة لعام ٢٠٢٠، واشترط أنه لن يصوت على موازنة ٢٠٢٠ في حال لم تتضمن إصلاحات، كما أننا كوزراء للحزب ومعنا نواب البرلمان لم نصوت على موازنة 2019؛ لأننا رأينا أنفسنا أمام موازنة حسابية بسيطة وليست موازنة إصلاحية ثورية، فوزراء “القوات” قبل أن يستقيلوا كانوا معارضين لكثير من الملفات داخل الحكومة واستقالتهم جاءت استجابةً لمطالب الشعب التي تتلاءم كليًّا مع ما نطرحه منذ زمن بعيد.

اقرأ أيضًا: لماذا يرفض الحريري تزكية خليفته رسميًّا حتى الآن في رئاسة الحكومة اللبنانية؟!

* هل ترين أن مسألة رفع السرية المصرفية عن حسابات الوزراء جميعهم يمكن أن ترضي المواطنين المحتجين؟

– السرية المصرفية موضوع مهم؛ لكن حسب قانون الإثراء غير المشروع يجب على كل وزير حين يتسلم مهامه الوزارية وفي غضون شهر أن يصرِّح بأملاكه وحساباته كافة، وكل ما يملك، وقد قُمت كوزيرة بهذا الأمر، وكل الوزراء قاموا بهذا الأمر. أما في ما يتعلق برفع السرية المصرفية، فقد بدأ من وزراء التيار الوطني الحر؛ بغرض إظهار أن وزراء التيار وقياداته لا يُدينهم أي ملفات فساد، ولكن الكل يعلم أن هناك مئة ألف طريقة لإخفاء الأموال أو ما يُعرف بشركات الـ”أوف شور” لتهريب الأموال من الضرائب.. إلى آخره من وسائل التهرب، والمطلوب اليوم هو تعديل قانون الإثراء غير المشروع؛ ليكون متضمنًا ثروة المسؤول مع دخوله الوزارة وخروجه منها، وتتم محاسبته على هذا الأساس وأمور أخرى.

* هل بقاء رئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل، في الوزارة القادمة سيشكل مشكلة؟

الوزير جبران باسيل

– بصراحة جبران باسيل كان من أكثر الذين تعرَّضوا إلى الانتقاد من المتظاهرين، واحتجوا على أدائه السياسي والوزاري، ومن الطبيعي أن عودته لن تريح الثوار، وستضع المتظاهرين أكثر في وجه الطبقة السياسية ووجه الحكومة المقبلة، والبعض يعتبره استفزازيًّا للمواطنين، فأكيد من الأفضل أن لا يكون جزءًا من الحكومة القادمة؛ لأن وجوده قد يؤدي إلى تأخير تشكيلها.

اقرأ أيضًا: لبنان يدخل أزمة صرف خانقة مع اختفاء الدولار

* يتردد أن قرارات الحكومة المستقيلة كانت تتخذ خارج مجلس الوزراء في لقاءات منفردة بين سعد الحريري وجبران باسيل؟

– الجميع يعرف أن التشكيل الحكومي كان قائمًا على تسوية سياسية بالأساس، وكان يتم الاتفاق على عديد من الموضوعات قبل الحضور إلى مجلس الوزراء، وهذا ليس سرًّا على أحد، ومسألة التعيينات أكبر دليل على ذلك؛ فكان يتم الاتفاق على التعيينات، وكانت ترفع إلى طاولة مجلس الوزراء، وتكرس بحكم الأكثرية، حتى لو كان هناك اعتراض على طريقة التعيينات؛ خصوصًا بالنسبة إلى مراكز الفئة الأولى، وأنا شخصيًّا كوزيرة تنمية إدارية كنت أفكر في تطبيق الآلية التي كانت معتمدة من ٢٠١٠، والتي وضعت بين الوزارة ومجلس الخدمة المدنية، فكان يتم إرسال صور للسير الذاتية للمرشحين؛ لكن لاحقًا تحول الأمر إلى هبوط أسماء بالباراشوت على التعيينات، فحكومة الرئيس الحريري لم تكن قادرة على حل مشكلات البلاد والتعامل معها؛ لأن فريق الوزير جبران باسيل كان لديه 11 وزيرًا، بالإضافة إلى وزراء “حزب الله” و”حركة أمل”، فامتلكوا الأكثرية بمجلس الوزراء وأصبحوا يتحكمون في تفاصيل الحياة، وهذا ما أوصلنا إلى ما نحن فيه اليوم.

* كسياسية وإعلامية، كيف ترين التغطية الإعلامية للحراك، البعض يراها محرضة والبعض الآخر يراها ناقلة للحقيقة؟

– لا شك أن التغطية السياسية أو بالأحرى الإعلامية لما يحدث في الشارع، تشجع الآخرين على الخروج، وفي الوقت ذاته تلعب دورًا معاكسًا حال كان هناك نوع من التخوف من أي تطورات ميدانية تحدث على أرض الواقع، فلا يظن أحد أن التغطية الإعلامية هي فقط لدعوة المتظاهرين للنزول إلى الشارع؛ ولكن عندما تسير الأمور بشكل حضاري، فبالطبع هذا الأمر يشجع كل مَن يرون أن الثورة تمثلهم بأن ينضموا إلى الثوار وإلى التظاهرات التي تحصل على الطرقات؛ للمطالبة بمسائل معينة، لا سيما الحياتية والاقتصادية والمعيشية ومحاربة الفساد ورفض كل تدخل أجنبي في الشؤون اللبنانية.

اقرأ أيضًا: سلاح “حزب الله”.. معضلة في الحراك اللبناني

* كنت إحدى ضحايا محاولات الاغتيال من قبل، هل ترين أن لبنان يمكن أن يعود إلى هذه المرحلة مجددًا إذا استمرت الأوضاع الحالية؟

– حاليًّا لا يبدو أن هناك نية للتصعيد بهذا الشكل؛ حتى بعد الأحداث التي شهدها بعض المناطق من طوائف مختلفة؛ كما حدث على جسر الرينج، والتصريحات الصادرة عن “حزب الله” و”حركة أمل” بأنه ليست هناك نية لتصعيد الوضع.. نقول ذلك لتوضيح فكرة أنه لا يبدو أن هناك نية لبدء عمليات الاغتيال أو تصعيد الوضع في المرحلة الحالية؛ لأن ذلك ليس على ما يبدو من مصلحة الفريق الذي كان يرتكب هذه الاغتيالات في المراحل السابقة؛ وتحديدًا عام ٢٠٠٥، وأعني بذلك النظام السوري و”حزب الله”. ويبدو أن التطورات في المنطقة تدفع إلى تهدئة الوضع في لبنان بشكل أو بآخر، والتحايل على الأمور السياسة للعودة إلى الحكومة من خلال رفض حكومة تكنوقراط أو اختصاصيين مستقلة. فكما يبدو هناك اعتبارات مختلفة الآن؛ لكن هل ستتغير هذه الاعتبارات؟ لا أدري.

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

أحمد عدلي

صحفي وباحث سياسي

مقالات ذات صلة