الواجهة الرئيسيةشؤون عربية
ميليشيات الحشد الشعبي.. دولة إيرانية داخل الدولة العراقية
يخشى دبلوماسي غربي من تبعات ذلك قائلًا: "معسكرات للحشد الشعبي في كل مدينة في العراق تقريبًا بها مستودعات أسلحة. باختصار، إنه جيش صغير يسعى لبناء أكاديمية عسكرية خاصة به".

كيوبوست-ترجمات
جورج مالبرونو ♦
لا يزال النائب السابق عن محافظة الرمادي جابر الجابري، يتذكر دعوة العشاء في منزل برهم صالح، رئيس جمهورية العراق الحالي، عشاءٌ نُظِّم على شرف علي لاريجاني، رئيس البرلمان الإيراني.
يتذكر الجابري وهو مسؤول سُني سابق، أن لاريجاني قال حرفيًّا خلال هذا العشاء: “إن إيران ما كانت لتتصور أن تمنحها الولايات المتحدة مثل هذه الهدايا الرائعة؛ أولًا بالتدخل في أفغانستان عام 2001، ثم في العراق عام 2003؛ للإطاحة بعدوها اللدود صدام حسين”.
منذ ذلك الحين، وبفضل شبكة واسعة من العلاقات السياسية وشبه العسكرية، حوَّلت إيران العراق إلى فناء خلفي لها، ومساحة آمنة تفرض طهران سيطرتها عليها، دون أي مخاوف من أن يُشَكِّل هذا البلد الجار تهديدًا على الجمهورية الإسلامية.
اقرأ أيضًا: الصراع الانتخابي يبدأ: ميليشيا الحشد الشعبي تحاول التأثير على الناخبين
منذ عام 2003، تحاول إيران أن تلعب دور المدافع عن الشيعة حول العالم، وانتصرت لصالح الشيعة الأقوياء في العراق الضعيف، ويعود ذلك إلى النظام السياسي الذي يعتمد على المحاصصة الطائفية؛ لذلك فازت الأغلبية الشيعية منطقيًّا في جميع الانتخابات البرلمانية التي جرت، ممسكةً بأدوات السيطرة على البلاد.
لكن في الوقت نفسه، عمدت طهران إلى تثبيت قوة الميليشيات الشيعية على حساب الدولة المركزية، بعد أن لجأت قياداتها المعارضة لصدام حسين إلى طهران منذ عام 1980.
قوة ونفوذ
بفضل لجان التصفية الغامضة التي أُنشئت في العراق بعد عام 2003، نجحت الذراع القوية لطهران في القضاء على طيارين عراقيين؛ الواحد تلو الآخر، وكان هؤلاء قد قصفوا بطائراتهم المقاتلة العاصمة الإيرانية قبل عشرين عامًا، في أثناء الحرب العراقية- الإيرانية.
وبفضل تسلمها معدات إيرانية متطورة قادرة على اختراق العربات المدرعة، كانت الميليشيات الشيعية الموالية لإيران في العراق مسؤولة، وَفقًا للبنتاجون، عن مقتل أكثر من 600 جندي أمريكي، حتى نهاية وجودهم في العراق عام 2011.
منذ هزيمة داعش في ديسمبر عام 2017، تم دمج ما يتراوح بين 80000 و100000 عنصر من أعضاء الميليشيا التابعة للحشد الشعبي في جهاز الأمن العراقي، وهذه الميليشيا تم تجنيدها بموجب فتوى أصدرها آية الله علي السيستاني، أعلى مرجع شيعي في البلاد.
لكن هذا ليس كل شيء؛ فمن خلال قياداتهم المستقلة بشكل كامل، تظل هذه الميليشيات حرة في ممارسة أعمالها التي تدور غالبًا في فلك طهران؛ مثل كتائب حزب الله العراقي (المؤلفة من 15000 إلى 20000 مقاتل) وهي أبرزها، ثم كتائب الشهداء والنجباء وعصائب أهل الحق.

أبو آلاء الولائي، الذي يرأس كتائب الشهداء، رجل في الأربعين من عمره، بلحية سوداء مشذبة وقبعة سوداء، يستقبل الزوار في مقره في الجادرية في بغداد، ويؤكد أن “الحشد الشعبي هو الضامن الوحيد لأمن العراق ضد تنظيم داعش الذي لا يزال يهدد الاستقرار”.
ويضيف الولائي: “نحن نسيطر على 400 كيلومتر من الحدود بين العراق وسوريا، وكذلك محافظات صلاح الدين وديالي ومحافظة الأنبار؛ حيث ظهرت عناصر (داعش)، دون أن ننسى حزام بغداد، الحشد الشعبي هو أقوى ذراع في العراق، فلماذا يُراد قطعها؟”.
تحت ضغط من الغرب، يجب على رئيس الوزراء (الشيعي) عادل عبد المهدي، والذي واجه المتظاهرين الغاضبين لمدة أسبوع، التحرك ضد الميليشيات المتحالفة مع إيران؛ لكن هذا المسؤول الفرانكفوني يبدو عاجزًا بشهادة الجميع.
وقال رئيس كتائب الشهداء: “وافق رئيس الوزراء على فتح 50 معسكرًا عسكريًّا في جميع أنحاء البلاد للحشد الشعبي.. نحن نخطط لإخراج جميع أعضائنا من مراكز المدن ونقلهم إلى هذه المعسكرات، حيث سيتدربون”.
يخشى دبلوماسي غربي من تبعات ذلك، قائلًا: “معسكرات للحشد الشعبي في كل مدينة في العراق تقريبًا بها مستودعات أسلحة. باختصار، إنه جيش صغير يسعى لبناء أكاديمية عسكرية خاصة به”.
اقرأ أيضًا: مصدر لـ”كيوبوست”: إيران لم تتوقع “ثورة” في الشارع العراقي بعد إقالة الساعدي
غضب دولي
تثير الميليشيات الموالية لإيران غضب أعضاء التحالف الدولي المناهض لـ”داعش”؛ مثل فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة، والتي وضعت بعض قادتها على قائمتها السوداء.
ولكن ما العمل؟ فتحت الضغط الإيراني، اضطر رئيس الوزراء عادل عبد المهدي، مؤخرًا، إلى تعديل تركيبة القيادة المشتركة للعمليات؛ ليضيف ممثلًا إلى الحشد الشعبي، سيشارك في اجتماعات رسمية في المنطقة الخضراء، إلى جانب ممثلين أمريكيين وفرنسيين على وجه الخصوص.
ردًّا على ذلك، كان التحالف الدولي يبطِّئ من وتيرة تسليم بعض المعدات العسكرية إلى بغداد.
على حافة نهر دجلة، وتحديدًا على الطريق المؤدي إلى مدينة كربلاء الشيعية المقدسة، يقع السهل الأخضر المعروف باسم “جرف الصخر”، والذي كان معقلًا لتنظيم القاعدة منذ عام 2006.
واليوم تم طرد السكان السُّنة، وهو الآن قاعدة لكتائب حزب الله، والتي أطلقت منه طائرات دون طيار، في مايو الماضي، ضد خط أنابيب النفط السعودي؛ مما زاد من التوتر في منطقة الخليج. يقول النائب السُّني عن مدينة الموصل أحمد الجبوري: “الوصول إلى جرف الصخر محظور على الجيش العراقي، وإذا كنت تريد أن تعرف السبب، اذهب واسأل رئيس الوزراء” .
للميليشيات الشيعية في العراق تمثيل في البرلمان، مصحوب بنفوذ كبير داخل وزارة الداخلية، لقد أصبحت هذه الميليشيات الموالية لإيران دولة داخل الدولة؛ فهي تملك قواعد في العامري شمال بغداد، بالقرب من القائم على الحدود مع سوريا. وفي ضواحي العاصمة، في عام 2018، نقلت طهران صواريخ قصيرة المدى إلى حزب الله العراقي قادرة على الوصول إلى الأراضي السعودية.
كما سُلَّحت الميليشيات أيضًا بطائرات دون طيار من نفس النوع الذي توفره إيران للمتمردين الحوثيين اليمنيين، متجاوزةً كثيرًا من الخطوط الحمراء التي تعتبرها إسرائيل غير مقبولة؛ وهو ما دفع بطيرانها إلى توجيه ضربات في الأشهر الأخيرة ضد معسكرات للميليشيات الموالية لإيران، بما في ذلك معسكر الولائي بالقرب من بغداد.
شعبية متراجعة
غموض خطاب الحشد الشعبي، والذي يغذيه هذا الولاء المزدوج، يقلق عديدًا من العراقيين، كما اتضح من الشعارات المناهضة للحشد والتي رددها المحتجون لمدة أسبوع.
يقول دبلوماسي عراقي: “عندما أقر البرلمان قانونًا يدمج الميليشيات في الجيش، ألقى المؤيدون لإيران خطابًا آخر، شددوا فيه على ضرورة التمييز بين رجال الميليشيات الذين يقومون بالاندماج داخل الدولة العراقية عن كتائب المقاومة، وهو محور جديد ضد إسرائيل والولايات المتحدة، أقامته إيران وحلفاؤها، وتجسد في افتتاح ممر بري يربط طهران ببيروت عبر العراق وسوريا”.
لكن الميليشيات الموالية لإيران، التي لم تعد تستعرض قوتها في شوارع بغداد، لا تحظى بشعبية، كما يقول علي، مدرس عراقي: “لم يحتج أحد عندما هاجمتهم إسرائيل قبل عدة أسابيع”، يبدو أن كتلة الحشد الشعبي ليست متجانسة. كما يقول المحلل العراقي سعود موراني: “هذه الميليشيات تدخل في بعض الأحيان في نزاع للسيطرة على مناطق معينة حول بغداد”. وقال مصدر أمني عراقي: “معظم قادتهم، باستثناء حزب الله، غير منظمين ويسعون لحماية مصالحهم الاقتصادية فقط”.
اقرأ أيضًا: “أبو خميني”.. ذراع إيرانية جديدة لإنعاش المشروع الإيراني بالعراق
اقتصاد موازٍ
في هذه الفترة من المناسبات الدينية الشيعية، تغلق الحانات التي تزدهر في “أبو نواس” على طول نهر دجلة أبوابها، ويضيف علي، المدرس العراقي: “قبل عشر سنوات، قامت الميليشيا بمطاردة مالكيها، وهي اليوم تفرض عليهم الضرائب”.
تسعى الميليشات إلى الاعتماد على اقتصاد موازٍ بعيد عن الميزانية العراقية، متابعًا: “النفط، المخدرات، العقارات، إعادة الإعمار.. لا تجارة يمكنها أن تفلت من الميليشيات. يركزون نشاطهم الاقتصادي على الأعمال التجارية والنوادي الليلية وشبكات الدعارة ومراكز التسوق، وأولئك الذين لا يدفعون الضريبة مهددون.. لقد وصلنا إلى مرحلة المافيا تقريبًا”.
عبر استغلال آبار النفط التي تم تجديدها، تبيع الميليشيات بشكل غير قانوني نحو 80000 برميل يوميًّا.
البعض منها لا يكتفي بالاستفادة فقط من تجارة المخدرات المربحة عبر عدة معابر غير قانونية مع إيران، بل يتم الآن إنتاج المخدرات محليًّا؛ خصوصًا في محافظتَي واسط والعمارة، حيث أمرت السلطات بإغلاق حقول استخدمت في زراعة نبات الكوكا.

في عمليات إعادة إعمار الموصل، تريد الميليشيات أيضًا نصيبها من الكعكة.. يقول أكاديمي عراقي: “إنهم يغسلون الأموال من خلال فتح جامعات خاصة؛ وبذلك يضربون عصفورَين بحجر، جلب الأموال وأسلمة الشباب”.
يقول أبو آلاء الولائي: “ليس ممنوعًا شرعًا العمل في التجارة؛ لكن يجب أن لا تفعل ذلك بالإكراه أو الابتزاز، نحن نرغب في أن نلعب دورًا كالذي يلعبه الحرس الثوري في إيران، وإذا اندلعت حرب بين الإيرانيين والأمريكيين فسنعمل على احتجاز الجنود الأمريكيين كرهائن”.
المصدر: صحيفة “لوفيغارو”
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
♦ موفد صحيفة “لوفيغارو” إلى العراق