الواجهة الرئيسيةشؤون دولية

مير موسوي يعيد اللون الأخضر للربيع الإيراني

تساؤلات عدة حول مصير الحركة الخضراء التي انطلقت في إيران قبل أكثر من عشر سنوات.. ورموزها يعيدون إحياءها في ذاكرة الشارع

كيوبوست- إبراهيم المقدادي

في تصريحاتٍ أخيرة تدعم الاحتجاجات الشعبية المندلعة في إيران منذ نحو خمسة أشهر، طالب زعيم “الحركة الخضراء”[i] مير حسين موسوي بوضع دستورٍ جديد للبلاد، وقال موسوي أبرز المعارضين في الداخل، والذي يخضع للإقامة الجبرية منذ عام 2010: إن “تنفيذ الدستور بالكامل”، الذي تحدث عنه قبل (13) عاماً، لم يعد كافياً، مطالباً بوضع دستورٍ جديد لإنقاذ البلاد.

ودعا في بيانٍ له إلى تشكيل ميثاق جديد، يصوغه ممثلون منتخبون عن الشعب من أي مجموعة عرقية وبأي توجه سياسي وأيديولوجي، ويصادق عليه الشعب في استفتاء حر، وقال: إنه نفس الحق الذي كان أساس ثورة الشعب عام 1979، والدستور الحالي محفوظ للأجيال القادمة من أجل الحفاظ على الأمن العام ومنع العنف، وطالب موسوي بتغيير النظام القائم أو صياغة عهد جديد.

اقرأ أيضاً: الأوضاع الاجتماعية في إيران… صراع الأجيال يقسّم المجتمع

وعلى الفور، هاجمت وسائل الإعلام الموالية للحكومة والنظام الإيراني تصريحات موسوي، ووصفتها كالعادة بالفتنة والمؤامرة، مذكرة ما تعتبره جرائم قام بها أنصار موسوي عام 2009 والتي تسميها إيران بــ”فتنة 88″ أي مظاهرات عام 2009[ii].

حميد رضا ترقي (وكالة أنباء مهر)

تغييرات جوهرية

خلال الانتخابات الرئاسية لعام 2009، والتي اندلع على إثرها ما عرف باسم “الحركة الخضراء”، بسبب تزويرها لصالح المتشدد محمود أحمدي نجاد، ضد الإصلاحي مير حسين موسوي، دعا الأخير إلى تنفيذ الدستور دون أي تنازل، لكن في عام 2010 أعلن في بيانه الـ(18): أن القوانين الوطنية، بما فيها الدستور، ليست نصوصاً أبدية وغير قابلة للتغيير.

اقرأ أيضًا: إيران: احتجاجات أم ثورة؟

وشدد موسوي على أنّ “التغيير والتعديل الوحيد المقبول في الدستور هو الذي تتم صياغته في عملية التفاوض والحوار الاجتماعي، بمشاركة جميع الطبقات والفئات الاجتماعية، وتجنب الجمود والتفرد والإكراه”.

ورغم قدرة النظام على السيطرة على “الحركة الخضراء” من خلال وضع قادتها، وعلى رأسهم مير موسوي، وزوجته زهرا رهنورد، وحليفه مهدي كروبي في الإقامة الجبرية المستمرة منذ نحو 13 سنة، فإنه يمكن القول إنها أدخلت النظام في مواجهة مع المنظومة السياسية والفكرية والإدارية التي أسسها النظام منذ تأسيسه عام 1979، وأعطت الشعب الإيراني أملاً ودافعاً للتغيير، عبر فك بعض القيود وتجاوز الخطوط الحمراء التي وضعها النظام، بل إنه يمكن القول إنها بمثابة النواة التي شكلت فيما بعد الاحتجاجات الشعبية التي تندلع بين الفينة والأخرى.

متظاهرون إيرانيون يرفعون شعار النصر احدى جامعات طهران 2009- (رويترز)

وعلى الصعيد الهيكلي والإداري، تسببت الحركة الخضراء في تغييراتٍ جوهرية في مهام بعض الوزارات، وخاصة وزارة المخابرات، والتي ظلَّت صاحبة اليد العليا مقارنة بهيئات الاستخبارات في إيران، إلى أن غيَرت الحركة الخضراء الأوضاع، فتحوَلت إدارة الاستخبارات التابعة للقائد العام للحرس الثوري إلى وكالة ذات هيكل منفصل برئيسٍ يعيّنه القائد العام للحرس بموافقة القائد، لتستحوذ بعدها على المرتبة الأولى في العمل الاستخباراتي، تليها وزارة الاستخبارات[iii].

اقرأ أيضاً: إيران تصّعد حملة القمع في الداخل وتكثّف الدعاية في الخارج

في خضم الاحتجاجات الشعبية الأخيرة في إيران، أُثيرت عدة تساؤلات حول صمت بعض رموز الحركة الخضراء، وفي الوقت الذي أعلنت فيه وسائل إعلام إيرانية سابقاً فشل هذه الحركة، أرجع الخبراء ذلك إلى سياسة القمع التي ينتهجها النظام الإيراني ضد هذه الحركة، من خلال أدواتٍ وآليات متعددة، أبرزها: الإقامة الجبرية والرقابة المشددة، وتوجيه اتهامات الإفساد في الأرض، وارتكاب الجرائم لقادة الحركة، وتفعيل بروباغندا تهدف إلى تشويه صورة هذه الحركة ورموزها، من خلال ربطها بالمؤامرات والفتن والتعاون مع الأعداء ضد مصلحة البلاد، ومعاقبة كل من ينتمي إليها أو يدعمها ولو ضمنياً.

الحركة مستمرة

في الوقت نفسه، يرى البعض أمثال “شيرين عبادي” القانونية الإيرانية الحائزة على جائزة نوبل للسلام بأن هذه الحركة ما زالت قائمة في إيران، وأنها سوف تستمر رغم العنف والقمع، فهي تمتلك هيكلاً أفقياً وتعمل كشبكة اجتماعية داخل المجتمع الإيراني، ولا يمكن القضاء عليها أو حتى إيقافها، بل على العكس من ذلك تماماً، فهي تزداد اتساعاً كل يوم[iv].

احتجاجات إيرانية تطالب بتنحي خامنئي (نيويورك تايمز)

ولعل خير ما يدل على استمرارية شعبية الحركة الخضراء، تفاعل رواد التواصل الاجتماعي في إيران مع الاتصالات التي أجراها الزعيمان الإيرانيان الموضوعان تحت الإقامة الجبرية مير حسين موسوي، ومهدي كروبي، مع عددٍ من الأشخاص في يناير 2021، بعد سماح السلطات الإيرانية لهم بذلك، حيث عبّر البعض عن سعادتهم لعودتهما إلى التفاعل مع المواطنين، فيما رأى البعض الآخر أن هذه العودة لن تغير شيئاً[v].

ولا تزال المدن الإيرانية تشهد امتداداً للتظاهرات التي اندلعت منذ منتصف سبتمبر الماضي، على خلفية مقتل الشابة مهسا أميني على يد قوات شرطة الأخلاق، وانتشار المظاهرات في نحو 160 مدينة إيرانية شارك فيها طلاب الجامعات والمدارس، والرياضيون والفنانون، للمطالبة بإلغاء قانون فرض الحجاب الإلزامي، ونيل حقوقهم المدنية، وخاصة حرية التعبير عن الرأي، والتي قوبلت بعنف وقمع من قبل القوات الأمنية بأساليب مختلفة، أبرزها الاعتقال وتنفيذ الإعدامات وإطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين واستخدام القوة المفرطة في حقهم.

اقرأ أيضاً: الثورة في إيران لن تنجح لكن التغيير قادم

وفتحت هذه الاحتجاجات الأبواب على عدة قضايا، من بينها القيود المفروضة على الحريات الشخصية وفرض الإقامة الجبرية على قادة المعارضة، فضلاً على محاولة النظام توريث منصب المرشد لنجله مجتبى خامنئي، ومن هنا يمكن اعتبار تصريحات موسوي الأخيرة، بالمطالبة بتغيير الدستور، بأنها تأتي في إطار مواكبة المطالب الشعبية، والتأكيد على استمرار ورغبة قادة الحركة الخضراء في المعارضة، ورفض سياسات النظام، ومبدأ توريث منصب المرشد، وتحذير الشعب من هذا المخطط.

المراجع:

[i] الحركة الخضراء (بالفارسية: جنبش سبز) هو الاسم الذي أطلق على الأحداث التي حصلت في إيران (حزيران 2009) بعد الانتخابات الرئاسية الإيرانية 2009، حيث أعلنت الحكومة الإيرانية فوز المرشح محمود أحمدي نجاد للانتخابات الرئاسية بولايةٍ ثانية، ولكن عدداً كبيراً من الإيرانيين بدأو بالاحتجاج تزوير الانتخابات، واتخذت هذه الاحتجاجات والتحركات هذا الاسم بعد ذلك، واللون الأخضر هو اللون الذي اتخذه زعيم المعارضة الإيرانية مير حسين موسوي في حملته الانتخابية.

[ii] https://cutt.us/YAIgD

[iii] https://jadehiran.com/archives/38025

[iv] https://www.youtube.com/watch?v=6AAnShgn__o

[v] https://jadehiran.com/archives/23833

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

إبراهيم المقدادي

باحث في الشأن الإيراني

مقالات ذات صلة