الواجهة الرئيسيةثقافة ومعرفةشؤون عربية
موضوع الإرهاب في السينما المغربية.. تنميط وسطحية وشيء من العمق
على الرغم من كل التطورات والتحولات التي عرفها التشدد الديني في المغرب؛ فإن السينما المغربية لم تنتبه إليها إلا في زمن متأخر وبعد التفجيرات الإرهابية لسنة 2003 بسنوات عديدة.

كيوبوست
لم يقتصر تناول موضوع الإرهاب والتطرف الديني على الأمنيين والإعلاميين والمفكرين والسوسيولوجيين؛ فقد تلقفه أيضاً السينمائيون وصناع “الفن السابع”، باعتباره مادة دسمة تجذب الجمهور؛ خصوصاً إذا ما تمت صياغة وحبكة قصة الفيلم السينمائي بشكل فني يجمع بين الإمتاع والإقناع.
في المغرب، يرى العديد من النقاد والمختصين أن الأفلام المغربية التي تناولت ملف الإرهاب والتطرف الديني ليست بالكثيرة، وأنها تنقسم إلى صنفَين؛ سينما عالجت الموضوع بشيء من الروية والعمق والتحليل المنطقي والمتوازن، بينما أغلب الأفلام المغربية التي تناولت هذه القضية عالجتها بنوع من السذاجة والسطحية.
اقرأ أيضاً: كيف يمكن لأفلام هوليوود أن تساعد في مكافحة المجموعات الإرهابية؟
ويرى نقَّاد سينمائيون مغاربة أن أكثر فيلم حاول معالجة موضوع الإرهاب والتطرف الديني هو فيلم المخرج نبيل عيوش، ”يا خيل الله”؛ الذي رسم صورة اجتماعية متكاملة لمسار الإرهابي من بداية التطرف إلى التفجير والانتحار، مستلهماً ذلك من الأحداث الإرهابية التي هزت الدار البيضاء في مايو 2003، غير أن نقاداً آخرين يرونه “فيلماً متحاملاً على المتدينين بشكل مجاني”.
تأخر المعالجة
الناقد الفني فؤاد زويريق يرى، ضمن تعليق لـ”كيوبوست”، أن السينما المغربية تناولت التطرف الديني والإرهاب في مرحلة متأخرة على الرغم من أن الإرهاصات الأولى للتشدد الديني والإسلام السياسي ظهرت منذ السبعينيات؛ حيث تأسست حركة الشبيبة الإسلامية؛ وهي الحركة التي اتهمت باغتيال القيادي اليساري عمر بنجلون، ثم مرحلة التسعينيات التي عرفت ظهور نوع آخر من التشدد الديني الذي تحول في وقت لاحق إلى إرهاب ارتبط بالتحولات التي عرفتها المنطقة؛ خصوصاً الحرب السوفييتية في أفغانستان، حيث انبثقت منها جماعات متشددة ومسلحة كالجماعة الإسلامية المغربية المقاتلة، التي اتهمت بتفجيرات الدار البيضاء سنة 2003.

وتابع زويريق شارحاً: “على الرغم من كل هذه التطورات والتحولات التي عرفها التشدد الديني في البلاد؛ فإن السينما المغربية لم تنتبه إليها إلا في زمن متأخر وبعد التفجيرات الإرهابية لسنة 2003 بسنوات عديدة، حيث تم إنتاج أفلام تسائل التشدد الديني وانتشاره في المجتمع وتأثيره على الرأي العام؛ مثل فيلم (ملائكة الشيطان) 2007 لمخرجه أحمد بولان، وأفلام أخرى تحارب التطرف وتشير إليه بشكل واضح؛ مثل فيلم نبيل عيوش (يا خيل الله) 2012، الذي بنى أحداثه كلها وبشكل صريح على تفجيرات 16 مايو الإرهابية”.
نقص في الكم والكيف
وأردف الناقد: “هناك أفلام روائية مغربية أخرى عالجت هذه التيمة بشكل متفاوت، من قبيل فيلم (موت للبيع) 2011 لفوزي بنسعيدي، وفيلم (المغضوب عليهم) 2011 لمحسن البصري، وفيلم (الدار البيضاء نهاراً) 2004 لمصطفى الدرقاوي، وفيلم (الإخوان) 2022 لمحمد أمين الأحمر..”.

ولفت زويريق إلى أن بعض الأفلام المغربية تجاوزت ظاهرة الإرهاب المحلي إلى الإرهاب خارج الحدود؛ كفيلم ”رهائن” 2020 للمخرج مهدي الخودي، الذي تناول موضوع تنظيم داعش، وكذا فيلم ”الطريق إلى الجنة” 2020 للمخرج وحيد السنوجي، الذي تدور أحداثه في هولندا.
وسجل المتحدث أنه رغم هذه الأفلام؛ فإن السينما المغربية لم تعالج هذه التيمة بشكل جاد ومعمق وأكثر مصداقية، باستثناء فيلم نبيل عيوش ”يا خيل الله”؛ الذي رسم صورة شبه اجتماعية حقيقية ومتكاملة لمسار الإرهابي من البداية إلى مرحلة التفجير والتقتيل.
اقرأ أيضاً: أخوات السلاح.. مواجهة الإيزيديات والدواعش على شاشة السينما
وخلص زويريق إلى أن “السينما المغربية تعاني نقصاً في هذا النوع من الأفلام؛ من حيث الكم والكيف”، مبرزاً أن “هذه السينما غير مطالَبة بتقديم الحلول؛ لكنها مطالبة بالتعمق في تحليل الظاهرة ومناقشتها فكرياً وفلسفياً، وهذا ما لم نلمسه فيها؛ فالكثير من الأفلام تناولت الموضوع بسطحية ونمطية، وأخرى تناولته بسخرية هزلية ساذجة”.
عمق وموضوعية
من جهته، يقول الناقد السينمائي مصطفى الطالب، ضمن تعليق لـ”كيوبوست”: إن موضوع الإرهاب شكَّل في السنوات الأخيرة قبل “جائحة كوفيد” أحد الموضوعات البارزة التي اهتمت بها السينما المغربية بحكم ما شهده العالم من أحداث إرهابية أودت بحياة العديد من الضحايا؛ سواء في الوطن العربي أو العالم الغربي، فكان مادة دسمة للعديد من المخرجين المغاربة؛ من بينهم نبيل عيوش، وسعد الشرايبي، وجيلالي فرحاتي، ومصطفى الدرقاوي، ومحسن البصري… وغيرهم.

وأبرز الطالب أنه تم التعامل مع ظاهرة الإرهاب والتطرف بطريقتَين مختلفتَين؛ الأولى تتسم بنوع من العمق والغوص في ميكانيزمات هذه الظاهرة، أي كيف تولدت وما أسبابها ودوافعها، ثم الغوص في سيكولوجية شخصية الإرهابي أو المتطرف الذي يعاني عدمَ تحصيله العلم الشامل، وسوءَ الفهم للدين، وقصر النظر، والانطوائية التي تجعله يعيش منفصلاً عن واقعه، فضلاً عن ربط الظاهرة بالفقر والتهميش والفوارق الطبقية.
وزاد الناقد ذاته بأن هذه النوعية من الأفلام؛ مثل “يا خيل الله” لنبيل عيوش، أو “إسلام يا سلام” لسعد الشرايبي، حاولت التعامل بجدية من خلال رؤية فنية تطرح تساؤلات وتعتمد وجهة نظر ثقافية كونية، مضيفاً أن “السؤال المطروح هو: هل وُفِّقت هذه الأفلام في تعاطيها مع الموضوع كما يراه الجمهور عموماً؟ غير أنه يحسب لها رغم ذلك المحاولة الجادة في التعامل مع هذه الظاهرة”.
اقرأ أيضاً: وحيد حامد.. رحيل مبدع ترك بصمة في مواجهة الإرهاب والتطرف
سطحية وإثارة
أما الطريقة الثانية في تعامل السينما المغربية مع تيمة الإرهاب والتطرف، يضيف الطالب، فتتمثل في الأفلام التي تعاملت بسطحية مع هذا الموضوع، ومع التدين بصفة عامة من خلال إعادة “كليشيهات وبروفايلات” سلبية عن المتدين؛ سواء أكان متطرفاً أم معتدلاً؛ حيث أبانت عن ضعف في المعالجة والكتابة، ولم تستطع تقديم أدنى رؤية فنية متميزة أو طرح عميق، باحثةً عن الاستفزاز المجاني للمجتمع، وعن الربح المادي سواء داخل أو خارج الوطن؛ مثل بعض الأفلام الغربية التي سعت إلى تشويه صورة المسلمين والعرب مجاناً مع إلصاق تهمة التطرف بهم.
ولفت المتحدث إلى أن التطرف موجود لدى النصارى واليهود والهندوس وغيرهم؛ لأن التطرف هو عبارة عن حالة ذهنية ونفسية قد يسقط فيها أي إنسان كيفما كانت ديانته وأيديولوجيته عندما يقع له خلل في التصور للحياة والوجود، تحت تأثيرات عوامل ذاتية وموضوعية أيضاً.
وختم الطالب بأن التعامل مع موضوع الإرهاب جاء من خلال نوعَين سينمائيَّين؛ الأفلام الدرامية والأفلام الكوميدية، كما الشأن مع الفيلم المغربي “الإخوان” الذي حاول تقليد بعض الأفلام المصرية القديمة التي تطرقت إلى موضوع الإرهاب، مشيراً إلى أن “الأفلام الكوميدية عندما لا ترقى إلى المستوى المطلوب، يكون هدفها شباك التذاكر فقط وبأي ثمن”.